الكتل القارية القديمة :

تمثل هذه الكتل الثابتة بقايا القارة الشمالية القديمة المعروفة باسم اركتس او لورساسيا والتي تكون حول اجزائها المختلفة قارتي اوربا وامريكا الانجلوسكسونية، بالإضافة الى شمالي اسيا، وهي تتكون من صخور نارية صلبة ومتحولة ترجع الى الزمن الاركي (ما قبل الكمبرى) واستطاعت مقاومة الحركات التكتونية منذ الزمن الجيولوجي الأول، وتعاقب على مساحات منها فترات قارية وأخرى بحرية اذ غمرتها المياه البحرية خلال فترات زمنية متباينة الطول مما عمل على تكوين طبقات رسوبية تتباين في مكوناتها وخصائصها تبعا لعمق البحار القديمة التي غمرتها، وتغطي هذه الطبقات – الرسوبية – القاعدة القديمة لهذه الكتل الثابتة في أجزاء متباينة الاتساع منها.

وتشغل الكتل القارية القديمة الثابتة – التي نمت حولها القارة – مساحات واسعة من شرقي وشمالي شمال غربي اوربا حيث تشمل روسيا الاتحادية، فنلندا، شبه جزيرة اسكندناوه، جزيرة ايسلندا وشمالي اسكتلندا وأجزاء من انجلترى وايرلندا (التلال الشمالية الغربية في ايرلندا).

وتنقسم الكتل القارية القديمة في اوربا الى قسمين فرعيين هما:

•الكتل الشمالية والشمالية الغربية.

•كتلة الرصيف الروسي.

الكتل الشمالية والشمالية الغربية :

تمثل النواة التي تكونت حولها قارة اوربا بشكل تدريجي، وهي تتالف من كتلتين فريتين هما:

•الكتلة الشمالية : وهي اكبر الكتل القارية القديمة في اوربا وتعرف أحيانا باسم فينوسكانديا..... Fennoscandia اذ تضم أراضي كل من النرويج وفنلندا ومعظم السويد، وهي تتكون من صخور قديمة تظهر فوق سطح الأرض في المناطق المحيطة بالبحر البلطي، لذا تعرف أحيانا باسم الكتلة البطية.

•الكتلة الشمالية الغربية : وتشمل أراضي كل من جزيرة ايسلندا والنطاق الشمالي من الجزر البريطانية (نطاق الأراضي المرتفعة في اسكتلندا وتلال شمال غربي جزيرة ايرلندا).

ورغم انفصال الكتل القديمة في الشمال والشمال الغربي في الوقت الحاضر الى انها كانت تشكل في الماضي كتلة واحدة، كما كنت متصلة بكتلة الرصيف الروسي في الشرق وذلك قبل تكون البحر البلطي. وتعرضت هذه الكتل لعوامل التعرية خلال العصور الجيولوجية المختلفة حيث تحولت الى سهل تحاتي خلال الزمن الاركي وطغت عليها المياه البحرية خلال العصور الأولى من الزمن الجيولوجي الأول (الكمبري، الاردوفيشي، السيلوري)، لذا ترسبت فوق الصخور القديمة تكوينات بحرية رسوبية ترجع الى العصور المشار اليها، ومعظمها من تكوينات الحجر الجيري التي تركز تأثيرها سمكا في الاحواض البحرية شديدة المق.

وترض هذا الجزء من اوربا بعد انحسار المياه البحرية في أواخر السيلوري لعوامل التعرية التي ازالت معظم رواسب الزمن الأول، وتعرضت الصخور النارية الصلبة للحركات التكتونية لذا تبعثرت الصخور على طول امتداد خطوط الانكسار مما ساهم في سهولة اكتساحها بعد ذلك بفعل عوامل التعرية المختلفة.

وتعرض الإقليم خلال الزمن الجيولوجي الرابع لما عرف بالعصر الجليدي ... the great ice age اذ غطى الجليد كل الإقليم، وشكلت النطاقات عالية المنسوب من الكتل القديمة الثابتة مراكزا للغطاءات الجليدية .. ice caps، وعندما تحرك الجليد من مراكزه في الشمال صوب الجنوب جرف الأجزاء السطحية من التكوينات ونقلها الى النطاقات السهلية في الجنوب والتي تشغلها حاليا أراضي انجلترى والأراضي المنخفضة وألمانيا وبولندا وبيلا روسيا وروسيا الاتحادية، وتالفت التكوينات السطحية المشار اليها من الحصى والصلصال والرمال. واستطاعت الرياح حمل بعضا من تلك التكوينات التي رسبتها بعد ذلك بالجنوب في شكل تكوينات اللويس، واستمر العصر الجليدي طوال فترات زمنية طويلة قدرت بعشرات الالاف من السنين، وفور انتهائه تراجع الجليد صوب الشمال .

وكان من نتائج الزحف الجليدي تكون الظاهر التالية: (شكل رقم 2)

1- حفر العديد من الاحواض الصخرية المتباينة من حيث الامتداد والعمق بفعل ثقل ونحت الغطاءات الجليدية، وبعد ذوبان الجليد تجمعت المياه وملات هذه الاحواض التي ظهرت في شكل بحيرات تعرف بالبحيرات الجليدية التي توجد اعداد كبيرة منها على الساحل الشرقي للبحر البلطي وخاصة في فنلندا التي تعرف باسم دولة العشرة الالف بحيرة.

2- انتشار الصخور العادية والجلاميد فوق مسطحات واسعة وخاصة في فنلندا والسويد والنرويج وشمالي اسكتلندا, وتكونت عداد من البحيرات عند مقدمات الركامات الجليدية، فبعد تراجع الجليد ظهرت تلال وحافات ركامية مرتفعاة المنسوب حجزت فيما بينها تجمعات مائية تبدو في شكل بحيرات تنتشر على طول امتداد مقدمات الجليد القديم (خط الثلج الدائم).

3- الاودية الانكسارية التي تكونت بتاثير الحركات التكتونية، ثم تعرضت للزحف الجليدي خلال عصر الجليد، مما أدى الى تزايد اعماقها – بتاثير جليد الثلاجات – وتكون في نطاقها ظاهرتين بعد تراجع الجليد هما:

أ- اندفعت المياه البحرية نتيجة لارتفاع منسوبها – الى مجاريها الدنيا التي اغرقتها المياه وتكون فيها الفيوردات التي توجد بكثرة على طول امتداد سواحل كل من شبه جزيرة اسكندناوه وشمالي اسكتلندا وجزيرة ايسلندا.

ب- تكونت اعداد من البحيرات فوق قيعان الودية الجليدية اذ نحت الجليد الأجزاء الأضعف جيولوجيا وكون في مواضعها نطاقات مقعرة على قاع الوادي امتلات بالمياه بعد ذوبان الجليد لتظهر في شكل بحيرات صغيرة طولية الشكل تمتد على طول امتداد الاودية الجليدية القديمة.

4- ظهرت بعض الأجزاء المرتفعة من اليابس بارزة فوق سطح مياه البحر في شكل جزر قريبة من خط الساحل كما هي الحال في شمالي كل من شبه جزيرة اسكندناوه واسكتلندا , واحدثت الحركات التكتونية التي ترضت لها الكتل القارية القديمة ي الشمال والشمال الشرقي بعض الشقوق مما أدى الى اندفاع تكوينات اللافا خلالها واتجهت صوب سطح الأرض حيث غطت مساحات واسعة منها كما هي الحال بالنسبة لهضمة انتريم antrim في ايرلندا، ومساحات متناثرة في كل من اسكتلندا وجزيرة ايسلندا.

كتلة الرصيف الروسي: the Russian platfoem :

تعد امتدادا شرقيا للكتل الشمالية والشمالية الغربية، وهي تمتد في روسيا الاتحادية (الجانب الأوربي منها) وبيلاروسيا وشرقي بولندا. ويحد هذه الكتلة من الشمال المحيط المتجمد الشمالي، ومن الغرب البحر البطي، ومن الجنوب مرتفعات القوقاز والكربات، ومن الشرق مرتفعات الاورال واوست يورت ust yurt (تمتد الى الشرق من بحر قزوين) وتعد الأخيرة امتدادا لمرتفعات الاورال صوب الجنوب الغربي، في حين يحد الكتلة القديمة من ناحية الشمال الشرقي مرتفعات تيمان ... timan الممتدة بين نطاق الاورال وخليج شيسكايا ....cheskaya، اما الحدود الجنوبية الغربية للرصيف الروسي فغير واضحة، لذا يمكن اعتباره امتدادا شرقيا للسهل الأوربي العظيم.

وتتالف القاعدة الأساسية لهذه الكتلة من الصخور النارية الصلبة والمتحولة تغطيها التكوينات الرسوبية البحرية حيث تعرضت الكتلة للغمر البحري خلال الزمن الجيولوجي الأول مما أدى الى تكون الحجر الجيري الذي ترسب في المياه العميقة، والحجر الرملي والطين وهي رواسب ترسبت في نطاقات المياه البحرية الضحلة.

وارتفع منسوب التكوينات الرسوبية المشار اليها خلال الزمن الجيولوجي الثالث واصبح النطاق الأوسط من كتلة الرصيف الروسي هو اكثر اجزائها ارتفاعا حيث توجد تلال فلداي valdai شمال غرب مدينة موسكو والبالغ ارتفاعها 748 قدم (نحو 228 مترا) فوق مستوى سطح البحر.

ويلاحظ انحدار سطح كتلة الرصيف الروسي من النطاق الأوسط صوب الأطراف في شكل تموجات تنتهي الى عدد من الاحواض التي تنصرف اليها المياه في شكل مجاري مائية منها نهر الفستولا vistula الذي يصب في خليج دانزيج danzig بالبحر البلطي، ونهر الدنيبر Dnieper الذي يصب في البحر الأسود، ويوجد في الشمال الغربي حوض بحر يشغله البحر البلطي الذي تنصرف اليه مياه بعض الأنهار التي يأتي نهر دفينا الغربي west dvina في مقدمتها، كما يوجد حوض بحري اخر في الجنوب الشرقي يشغله بحر قزوين ويجري فيه نهر الفولجا، بالإضافة الى حوض بحري ثالث في الجنوب يجري فيه نهري الدون don والدنيستر Dniester اللذين يصبان في البحر الأسود الذي يشكل ادنى نطاقات الحوض الجنوب منسوبا.

وخلال العصر الجليدي امتدت الغطاءات الجليدية التي كان مركزها كتلة الفينو سكانديا في شمالي القارة لتغطي معظم سطح كتلة الرصيف الروسي، وخلفت هذه الغطاءات عند تراجعها بعض الظواهر منها العديد من البحيرات الطويلية وخاصة تلك الممتدة في شمالي نطاق مرتفعات الاورال والتي يأتي في مقدمتها من حيث الاتساع والعمق بحيرة بولشوي شتشوتشي …bolshoye shchuchye، بالإضافة الى الرواسب والجلاميد وغيرها من الارسابات الجليدية التي ظهرت في شكل تلال محدودة الارتفاع.

وتميزت الأجزاء الجنوبية من شرقي القارة خلال هذه الفترة الزمنية بالانخفاض الشديد لدرجات الحرار السائدة مما اسهم في نشاط حركة الرياح الباردة – التي تشبه تلك التي تهب على شمالي الصين شتاء – التي حملت الرواسب دقيقة الذرات ورسبتها فوق نطاقات وساعة تمتد حاليا جنوبي روسيا الاتحادية وأوكرانيا وتغطيها رواسب دقيقة تشبه تربة اللويس اذ تتصف بعمق قطاعها وارتفاع خصوبتها – لذا تعد من اشهر مناطق اوربا المنتجة لمحصول القمح على وجه الخصوص . ومعنى ذلك ان الرواسب السطحية الحديثة متباينة الخصائص والسمك قد غطت الصخور الاركية القديمة، وهي رواسب تحتوي في بعض المواقع على العديد من العناصر المعدنية وخاصة الحديد الخام والمنجنيز, واسهمت عوامل التعرية وخاصة النهرية منها في ظهور العديد من رواسب الفحم الجيد في هذا النطاق من القارة وخاصة في حوض الدن بالجنوب، وحول تولا الواقعة الى الجنوب من مدينة موسكو.