أقرأ أيضاً
التاريخ: 14-11-2014
![]()
التاريخ: 19/10/2022
![]()
التاريخ: 14-11-2014
![]()
التاريخ: 2-12-2014
![]() |
ابـو عبد اللّه عكرمة بن عبد اللّه اصله من البربر من اهل المغرب ، كان لحصين بن الحر العنبري ، فوهبه لابن عباس ، حين ولي البصرة لعلي بن ابي طالب (عليه السلام) ، واجتهد ابن عباس في تعليمه القرآن والسنن ، وسماه بأسماء العرب (1) .
قـال ابـن سـعد : كان يقيده فيعلمه القرآن ويعلمه السنن (2) فرباه فاحسن تربيته ، وعلمه فـاحسن تعليمه ، واصبح فقيها واعلم الناس بالتفسير ومعاني القرآن قال ابن خلكان : اصبح عكرمة احـد فـقـهاء مكة وتابعيها ، وكان ينتقل من بلد الى بلد قال : وروي ان ابن عباس قال له : انطلق فافت للناس وقيل لسعيد بن جبير : هل تعلم احدا اعلم منك ؟ قال : عكرمة .
واخـرج الـذهـبـي عـن عكرمة قال : طلبت العلم اربعين سنة ، وكنت افتي بالباب وابن عباس في الدار (3) .
واخـرج ابـن سعد عن سلام بن مسكين ، قال : كان عكرمة من اعلم الناس بالتفسير وعن عمرو بن ديـنـار ، قـال : دفـع الي جابر بن زيد مسائل اسال عنها عكرمة ، وجعل يقول : هذا عكرمة مولى ابن عباس ، هذا البحر فسلوه واخرج عنه ابو نعيم ، قال : هذا عكرمة مولى ابن عباس ، هذا اعلم الناس .
و كـان ابـن عباس لا يدع فرصة لتعليمه ، قال عكرمة : قال لي ابن عباس ونحن ذاهبون من منى الى عـرفـات : هـذا يـوم مـن ايـامـك (اي هـذه فرصة لك فاغتنمها) فجعلت ارجن به ويفتح علي ابن عباس (4) .
واخـرج ابـن سعد ايضا عن خالد بن القاسم البياضي قال : مات عكرمة وكثير عزة الشاعر في يوم واحد سنة (105) فرايتهما جميعا صلي عليهما في موضع واحد بعد الظهر في موضع الجنائز ، فقال الناس : مات اليوم افقه الناس واشعر الناس (5) .
واخـرج ابـو نعيم عن اسماعيل بن ابي خالد ، قال : سمعت الشعبي يقول : ما بقي احد اعلم بكتاب اللّه تعالى من عكرمة وعن سلام بن مسكين ، قال : سمعت قتادة يقول : اعلمهم بالتفسير عكرمة .
واخـرج عن يزيد النحوي عن عكرمة ، قال ابن عباس لي : انطلق فافت للناس ، فمن سالك عما يعنيه فافته ، ومن سالك عما لا يعنيه فلا تفته ، فانك تطرح عني ثلثي مؤونة الناس .
وعـن عـمـرو بن دينار ، قال : كنت اذا سمعت من عكرمة يحدث عن المغازي ، كانه مشرف عليهم يـنظر كيف كانوا يصنعون ويقتتلون وكان سفيان الثوري يقول بالكوفة : خذوا التفسير عن اربعة : سعيد بن جبير ، ومجاهد ، وعطا ، وعكرمة وفي رواية : تبديل عطا بالضحاك (6) .
واخرج ابن حجر عن يزيد النحوي عن عكرمة ، قال : قال لي ابن عباس : انطلق فافت بالناس وانا لك عـون قال : فقلت له : لو ان هذا الناس مثلهم مرتين لأفتيتهم قال : فانطلق فأفتهم ، فمن جاك يسالك عما يعنيه فافته ، ومن سالك عما لا يعنيه فلا تفته ، فانك تطرح عنك ثلثي مؤونة الناس .
وقال ابن جواس : كنا مع شهر بن حوشب بجرجان ، فقدم علينا عكرمة ، فقلنا لشهر : الا نأتيه ؟ فقال : ائتـوه ، فـانه لم يكن امة الا كان لها حبر ، وان مولى ابن عباس حبر هذه الامة (7) فقد حمل هذا اللقب الرفيع من مؤدبه ابن عباس وورثه منه .
وقـال الـمـروزي : كـان عـكـرمـة اعـلـم شـاكـردي ابـن عـبـاس بـالـتفسير ، وكان يدور البلدان يتعرض (8) .
وقال قتادة : كان اعلم التابعين عطاء و سعيد بن جبير وعكرمة ، قال : واعلمهم بالتفسير عكرمة .
وقال ابن عيينة : سمعت ايوب يقول : لو قلت لك : ان الحسن ترك كثيرا من التفسير ، حين دخل علينا عكرمة البصرة حتى خرج منها ، لصدقت (9) .
وقال ابن المديني : كان عكرمة من اهل العلم ، ولم يكن في موالي ابن عباس اغزر علماء منه .
وقال ابن مندة : قال ابو حاتم : اصحاب ابن عباس عيال على عكرمة .
وقال ابن خيثمة : كان عكرمة من اثبت الناس فيما يروي (10) .
تـلـك شهادات ضافية ومستفيضة بشان الرجل ، تجعله في قمة الفضيلة والعلم ، والثقة والاعتماد عـلـيـه لـدى الائمة ، مما يوهن ما حيك حول الرجل من اوهام واكاذيب مفضوحة ، ليست تتناسب مع شخصية كانت تربية مثل ابن عباس ، وموضع عنايته الخاصة .
قـال ابو جعفر الطبري : ولم يكن احد يدفع عكرمة عن التقدم في العلم بالفقه والقرآن وتأويله ، وكـثرة الرواية للأثار ، وانه كان عالما بمولاه وفي تقريظ جلة اصحاب ابن عباس اياه ووصفهم له بـالتقدم في العلم وامرهم الناس بالأخذ عنه ، ما بشهادة بعضهم تثبت عدالة الانسان ، ويستحق جواز الـشـهـادة ومن ثبتت عدالته لم يقبل فيه الجرح ، وما تسقط العدالة بالظن ، ويقول فلان لمولاه : لا تكذب علي ، وما اشبهه من القول الذي له وجوه وتصاريف ومعان غير الذي وجهه اليه اهل الغباوة ، ومن لا علم له بتصاريف كلام العرب (11) .
وقـال ابـو نعيم : ومنهم مفسر الايات المحكمة ، ومنور الروايات المبهمة ، ابو عبد اللّه مولى ابن عباس عكرمة كان في البلاد جوالا ، ومن علمه للعباد بذالا (12) .
وامـا الـذين طعنوا فيه ، فقد قصرت انظارهم ولم يعرفوا وجه المخرج من ذلك ، مع وضوح براة الرجل مما قيل فيه ويتلخص في رميه بالكذب ، وميله الى راي الخوارج اما الاول فلرواية رووها عن ابن عمر انه قال لمولاه نافع : لا تكذب علي كما كذب عكرمة على ابن عباس واما الثاني فلوهم توهموه من سفرته الى المغرب عند تجواله البلاد ، وان الخوارج هناك اخذوا عنه احاديث .
ومـن الـواضح ان هكذا تشبثات غريبة انما تنم عن حسد كان يحمله مناوئوه تجاه منزلة الرجل وشموخه في الفقه والعلم ، بمعاني القرآن الكريم .
قال ابن حجر ـ بشان الرواية عن ابن عمر ـ : انها ضعيفة الاسناد ، فضلا عن اختلاف المتن وتباين النقل فيها قال : انها لم تثبت ، لأنها من رواية ابي خلف الجزار عن يحيى البكا ، والبكا متروك الحديث .
ومن ثم قال ابن حبان : ومن المحال ان يجرح العدل بكلام المجروح يقصد به البكا.
واضـاف ابن حجر : ان اسحاق بن عيسى سال مالكا : ابلغك ان ابن عمر قال لنافع كذا؟ قال : لا ولكن بلغني ان سعيد بن المسيب قال ذلك لمولاه برد (13) .
قـلـت : ولقد كان رميه بالكذب شائعا على عهده ، وربما على عهد سيده ابن عباس ايضا ، حيث ورد الذب عن نفسه صريحا ، وانكار ابن عباس ذلك .
قـال ابـن حكيم : كنت جالسا مع ابي امامة بن سهل بن حنيف ، اذ جاء عكرمة ، فقال : يا ابا امامة ، اذك رك اللّه ، هـل سـمـعت ابن عباس يقول : (ما حدثكم عكرمة عني فصدقوه ، فانه لم يكذب علي )؟فقال ابو امامة : نعم (14) .
وقـال ايـوب : قال عكرمة : ارأيت هؤلاء الذين يكذبوني من خلفي ، افلا يكذبوني في وجهي حـجـر : يعني انهم اذا واجهوه بذلك امكنه الجواب عنه والمخرج منه وذلك ان عكرمة كان يسمع الـحـديـث مـن شـيخ ومثله من شيخ آخر ، فربما حدث واسنده الى الاول ، ثم يحدث ويسنده الى الاخر ، فمن ذلك رموه بالكذب ، كما قال ابو الاسود : كان عكرمة ربما سمع الحديث من رجلين ، فكان اذا سـئل حدث به عن رجل ، ثم يسال عنه بعد حين فيحدث به عن الاخر ، فيقولون : ما اكذبه صادق (15) .
قال ابن حجر : احتج بحديث عكرمة البخاري واصحاب السنن وتركه مسلم ـ الا حديثا واحدا ـ وانما تركه لكلام مالك فيه (كان مالك لا يراه ثقة ويأمر ان لا يؤخذ عنه ) (16) قال : وقد تعقب جماعة من الائمة ذلك ، وصنفوا في الذب عن عكرمة ، منهم : ابو جعفر ابن جرير الطبري ، ومحمد بـن نـصر المروزي ، وابو عبد اللّه ابن مندة ، وابو حاتم ابن حبان ، وابو عمرو ابن عبد البر ، وغيرهم .
وقد لخص ابن حجر ما قيل فيه ، ثم عقبه بالإجابة عليه ، قائلا : فأما اقوال من اوهاه ، فمدارها على ثلاثة اشياء : على رميه بالكذب ، وعلى الطعن فيه بانه كان يرى راي الخوارج ، وعلى القدح فيه بانه كـان يقبل جوائز الامراء قال : اما قبول الجوائز فجمهور اهل العلم على الجواز ، وقد صنف في ذلك ابـن عـبد البر (17) قال : على ان ذلك ليس بمانع من قبول روايته ، وهذا الزهري قد كان في ذلك اشهر من عكرمة ، ومع ذلك فلم يترك احد الرواية عنه بسبب ذلك (18) .
وامـا تهمة البدعة فأنها لم تثبت ، وقد نفاها عنه جماعة من الائمة النقاد قال ابن ابي حاتم : سالت ابي عـن عـكرمة ، فقال : ثقة قلت : يحتج بحديثه ؟ قال : نعم ، اذا روى عنه الثقات والذي انكر عليه مالك ، انـمـا هـو بسبب راي ، على انه لم يثبت عنه من وجه قاطع انه كان يرى ذلك ، وانما كان يوافق في بعض المسائل (19) فنسبوه اليهم وقد براه احمد والعجلي من ذلك ، فقال ـ في كتاب الثقات له ـ : عكرمة مولى ابن عباس ، مكي تابعي ثقة ، بري مما يرميه الناس به من الحرورية .
وقـال ابـن جـرير : لو كان كل من ادعي عليه مذهب من المذاهب الرديئة ، ثبت عليه ما ادعي به ، وسـقطت عدالته ، وبطلت شهادته بذلك ، للزم ترك اكثر محدثي الامصار ، لانه ما منهم الا وقد نسبه قوم الى ما يرغب به عنه (20) .
قـال الـذهـبـي : عـكرمة مولى ابن عباس ، احد اوعية العلم تكلم فيه ، لرايه لا لحفظه ، فاتهم براي الخوارج وقد وثقه جماعة ، واعتمده البخاري (21) .
وامـا الـكـذب فـلا منشأ لرميه به سوى حديث ابن عمر الانف ، وفي طريقه ضعف الامر الذي لا يـصطدم مع وفرة توثيقه : اخرج ابن حجر عن البخاري قال : ليس احد من اصحابنا الا احتج بعكرمة وقال ابن معين : اذا رأيت انسانا يقع في عكرمة فاتهمه على الاسلام وقال المروزي : قلت لأحمد بن حـنبل : يحتج بحديث عكرمة ؟ قال : نعم قال المروزي : اجمع عامة اهل العلم على الاحتجاج بحديث عـكرمة ، واتفق على ذلك رؤساء اهل العلم بالحديث من اهل عصرنا ، منهم : احمد بن حنبل ، واسحاق بـن راهـويـة ، وابـو ثـور ، ويحيى بن معين قال : ولقد سالت اسحاق عن الاحتجاج بحديثه ، فقال : عـكرمة عندنا امام اهل الدنيا ، وتعجب من سؤالي اياه قال : وحدثنا غير واحد انهم شهدوا يحيى بن مـعـين ، وساله بعض الناس عن الاحتجاج بعكرمة ، فاظهر التعجب وقال البزار : روى عن عكرمة مائة وثلاثون رجلا من وجوه البلدان ، كلهم رضوا به ، الى غيرها من توثيقات قيمة (22) .
ويـبـدو مـن روايات اصحابنا الامامية كونه من المنقطعين الى ابواب آل بيت العصمة ، وفقا لتعاليم تـلـقـاهـا من مولاه ابن عباس ـ رضي اللّه عنه ـ فقد روى محمد بن يعقوب الكليني باسناده الى ابي بصير ، قال : كنا عند الامام ابي جعفر الباقر(عليه السلام) وعنده حمران ، اذ دخل عليه مولى له ، فقال : جعلت فداك ، هذا عكرمة في الموت ، وكان يرى راي الخوارج ، وكان منقطعا الى ابي جعفر(عليه السلام).
فـقال لنا ابو جعفر : انظروني حتى ارجع اليكم ، فقلنا : نعم فما لبث ان رجع ، فقال : اما اني لو ادركت عـكرمة ، قبل ان تقع النفس موقعها لعلمته كلمات ينتفع بها ، ولكني ادركته وقد وقعت النفس موقعها قلت : جعلت فداك ، وما ذاك الكلام ؟ قال : هو ـ واللّه ـ ما انتم عليه ، فلقنوا موتاكم عند الموت شهادة ان لا اله الا اللّه والاقرار بالولاية (23) .
في هذه الرواية مواضع للنظر والامعان : اولا دخول مولى ابي جعفر بذلك الخبر المفاجئ ، لدليل على ان لـعـكـرمـة كانت منزلة عند الامام (عليه السلام) ، وكان الامام يهتم بشأنه ثانيا قوله : وكان منقطعا الى ابي جعفر ، يؤيد كون الرجل من خاصة اصحابه ، ولم يكن يدخل على غيره دخوله على الامام (عليه السلام).
وامـا قـولـه : وكـان يـرى راي الخوارج ، فهو من كلام الراوي ، حدسا بسانه ، حسبما املت عليه الحياكات الشائعة عنه (24) ، والا فهو متناقض مع انقطاعه الى الامام كيف يختص بالحضور لدى امام معصوم من اهل بيت النبوة ، من كان يرى راي خارجى مبغض لآل ابي طالب بالخصوص ؟ هذا الا تناقض ، يرفضه العقل السليم ، فهذا قول ساقط لا وزن له مع سائر تعابير الحديث المتقنة .
واخـيـرا فان قوله (عليه السلام) : لقنوا موتاكم الخ مع اهتمامه البالغ بشان ادراكه قبل الموت ليلقنه ، لدليل واضـح عـلـى كـونه ممن يرى رايهم لا راي غيرهم ، والا فلا يتناسب قوله اخيرا مع فعله اولا ، فتدبر.
وهذه الرواية رويت مع اختلاف في بعض الفاظها ، رواها البرقي في كتاب (الصفوة )باسناده الى ابي بكر الحضرمي ، (25) والكشي عن طريق محمد بن مسعود العياشي باسناده الى زرارة بن اعين عن الامام ابي جعفر الباقر(عليه السلام) (26) .
غـير ان الكشي استنتج من قول الامام : (لو ادركته لنفعته ) انه مثل ما يروى (لو اتخذت خليلا لاتخذت فلانا خليلا) لا يوجب لعكرمة مدحا بل اوجب ضده (27) .
لكنه استنتاج غريب ناشئ عن ذهنيته الخاصة بشان الرجل قال المحقق التستري ـ ردا عليه ـ : ان الرواية المقيس عليها غير ثابتة ، وعلى فرض الثبوت فهو مدح لا قدح (28) قلت : معنى (لو ادركـته لنفعته ) (29) : انه لم يدركه فلم ينتفع بما كان من شانه ان ينتفع به وكذا معنى (ان ادركته علمته كلاما لم تطعمه النار) (30) : ان كنت لقنته لم تذقه النار اصلا فلازم ذلك انه بسبب عدم هذا الانتفاع يكون بمعرض لإذاقة النار ـ على بعض ذنوبه احيانا ـ او فوته بعض المنافع لذلك .
وعـلـى جميع هذه الفروض ، لا تدل الرواية على انه كان من المخالفين او الفاسقين ، حاشاه من عبد صـالـح كـان تـربـيـة مثل ابن عباس من خاصة الامام امير المؤمنين (عليه السلام) ، وهذا كما يقال : لو عمل كذا النفعه او لم يكن ليتضرر شيئا ، ولازمه انه لم ينتفع بذلك ، او تضرر شيئا.
وللمولى المجلسي العظيم كلام بشان عكرمة ، عند ما نقل عنه في تفسير قوله تعالى : {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ } [البقرة : 207] انها نزلت بشان ابي ذر وصهيب (31) ، على خلاف سائر المفسرين قالوا : نزلت بشان علي (عليه السلام) ليلة المبيت قال ـ بصدد القدح في الرواية ـ : ان راويها عكرمة ، وهو من الخوارج (32) .
ولـعـل هـذا مـنـه كان جدلا ، والا فالرواية في نفسها ضعيفة لضعف الراوي لا المروي عنه فقد اخـرجـها الطبري عن طريق الحجاج بن محمد المصيصي عن ابن جريج عن عكرمة والمصيصي ضـعيف واه ، قد خلط في كبره ، ومن ثم تركه يحيى بن سعيد واوصى ابنه بتركه (33) وقد سمعت ابا حاتم قوله بشان عكرمة : ثقة يحتج بقوله اذا روى عنه الثقات (34) .
وبـعد ، فلم نجد مغمزا في عكرمة مولى ابن عباس الثقة الامين ، الامر الذي استنتجه ابن حجر في الـتـقـريـب قـال : عـكـرمـة ، ثـقـة ثبت ، عالم بالتفسير ، لم يثبت تكذيبه عن ابن عمر ، ولا يثبت عنه بدعة (35) .
منهجه في التفسير
كان ينتهج منهج مولاه وشيخه ومؤدبه ابن عباس ، في حرية الراي وثبات العقيدة من غير ان يهاب احـدا ، او يـثـنـيـه عـن اختياره شيء ومن ثم عرض نفسه للقذف والرمي ، وربما التحمل لما كان المناوئون يهابون موضع سيده ابن عباس ، فوجدوا من تلميذه مندوحة ليقدحوا فيه ويجرحوه .
نموذج من تفسيره :
كان يرى من آية الوضوء (36) نزولها بمسح الارجل دون غسلها ، ولم يزل عمله على ذلك ، وان اسـتـدعـي مـخالفة عامة الفقها في عصره قال يونس : حدثني من صحب عكرمة الى واسط ، قال : فـمـا رايته غسل رجليه ، انما كان يمسح عليهما (37) واخرج الطبري باسناده الى عبد اللّه العتكي عن عكرمة ، قال : (ليس على الرجلين غسل ، انما نزل فيهما المسح ) وهكذا اخرج باسناده الى عمرو بن دينار عن عكرمة عن ابن عباس ، قال : (الوضوء غسلتان ومسحتان ) وكذا عن جمع كـثـيـر مـن الـتابعين ، ولا سيما المتأثرين بمدرسة ابن عباس ، امثال قتادة والضحاك والشعبي والاعمش وغيرهم وجماعة من الصحابة امثال انس بن مالك وجابر بن عبد اللّه وغيرهما ، ذهبوا الى ان القرآن نزل بمسح الارجل لأغسلها (38) .
قـال امين الاسلام الطبرسي : اختلف في ذلك ، فقال جمهور الفقها : ان فرضهما الغسل وقالت الامامية : فـرضـهـمـا الـمسح لا غير ، وبه قال عكرمة وقد روي القول بالمسح عن جماعة من الصحابة والـتـابـعـين كابن عباس وانس وابي العالية والشعبي وقال الحسن البصري : بالتخيير بين الغسل والمسح .
قال : واما ما روي عن سادة اهل البيت (عليه السلام) في ذلك فاكثر من ان تحصى (39) وللطبرسي هنا بشان المسالة تحقيق لطيف ، ينبغي لرواد الحقيقة مراجعته .
و اخـرج البيهقي باسناده عن رفاعة بن رافع : ان رسول اللّه (صلى الله عليه واله ) قال : (انها لا تتم صلاة احدكم حتى يسبغ الوضوء كما امره اللّه به : يغسل وجهه ويديه الى المرفقين ، ويمسح راسه ورجليه الى الكعبين ) (40) .
و هـكـذا في المسح على الخفين ـ الذي يقول به جمهور الفقها ـ كان عكرمة ينكره اشد الانكار ، ويـقول : (سبق الكتاب المسح على الخفين ) (41) ، يعني : ان القرآن نزل بالمسح على الارجل ، امـا المسح على الخفين ـ على ما وردت به بعض الروايات ـ فامر متأخر عن نزول الاية ، ولا دليل على نسخ الاية ، رواية لم تثبت (42) .
وهـذا الذي ذكره عكرمة هو الذي نقلته الائمة عن الامام امير المؤمنين (عليه السلام) فقد روى ابو جعفر الـطـوسـي بـاسـناده الى ابي الورد ، قال : قلت لابي جعفر الباقر(عليه السلام) : ان ابا ظبيان حدثني انه رأى عـلـيـا(عليه السلام) اراق الما ثم مسح على الخفين (43) اما بلغك قول على (عليه السلام) فيكم : (سبق الكتاب الخفين )؟ فقلت : فهل فيهما رخصة ؟ فقال : لا ، الا من عدو تتقيه ، او ثلج تخاف على رجليك (44) .
ولا شـك ان ابـن عـبـاس كـان يرى راي الامام الذي هو شاخص اهل البيت (عليه السلام) فلا وقع لتكذيب عكرمة بانه خالف شيخه ، فقد افتري عليه كما افتري على الامام (عليه السلام).
وعـقـد ابو نعيم الاصبهاني فصلا من حليته (45) ، اورد فيه من تفاسير مأثورة عن عكرمة ، دررا وغـررا هي من جلائل الاثار وكرائم الافكار ، ويتبين منها مدى سعة علم الرجل وشموخ فكره الصائب ، ينبغي مراجعتها فأنها ممتعة جدا.
__________________________
1- ابـن خـلـكـان ـ وفـيـات الاعـيـان ـ ، ج3 ، ص 265 رقـم 421 وفي الطبقات : كان ابن عـبـاس يـسـمـي عـبـيـده اسـمـا الـعرب ، عكرمة وسميع وكريب وكان يأمرهم بالتزويج وترك العزوبة (ابن سعد ، ج5 ، ص 212).
2- الـطبقات ، ج5 (ط ليدن ) ، ص 212 قال : كان يضع في رجله الكبل لذلك وراجع : ايضا ، ج2 ، ص 133 وراجـع : حـلية الاولياء لابي نعيم الاصبهاني ، ج3 ، ص 326 رقم (245) وفي الميزان ، ج3 ، ص 95 رقم 5716 : كان يضع في رجلي الكبل على تعليم القرآن والفقه .
3- ميزان الاعتدال ، ج3 ، ص 95 ، رقم 5716.
4- ارجن به ، اي اوقفه فأسأله (الطبقات ، ج5 ، ص 212).
5- الطبقات ، ج5 ، ص 216.
6- حلية الاولياء ، ج3 ، ص 326 ـ 329.
7- تهذيب التهذيب ، ج7 ، ص 265 ، وميزان الاعتدال ، ج3 ، ص 93 ، رقم 5716.
8- الـمـصـدر نفسه وشاگرد ـ بالكاف الفارسية ـ : التلميذ وقد ذكره ابن حجر في مقدمة شرح البخاري ص 428 بلفظ : (كان عكرمة اعلم موالي ابن عباس واتباعه بالتفسير).
9- المصدر نفسه ، ص 266.
10- ابن حجر في مقدمة شرح البخاري ، ص 428.
11- عن المقدمة لابن حجر ، ص 428 ـ 429.
12- حلية الاولياء ، ج3 ، ص 326 ، رقم 245.
13- مقدمة شرح البخاري ، ص 425.
14- تهذيب التهذيب ، ج7 ، ص 265 والمقدمة ، ص 427.
15- مقدمة فتح الباري ، ص 427.
16- تهذيب التهذيب ، ج7 ، ص 268 وفي الميزان ، ج3 ، ص 95 : قال مطرف : سمعت مالكا يكره ان يذكر عكرمة ، ولا رأى ان يروي عنه .
17- لـم نجد فقيها من فقها ذلك العهد ، كان قد سلم من ذلك ، لا سيما اذا كان الامير صالحا ، وكان الـفـقـيـه بحاجة ، كما هو الشأن في مثل عكرمة فقد قيل له : ما جاء بك الى هذه البلاد؟ قال : الحاجة (طبقات ابن سعد ، ج5 ، ص 214) وفي رواية : اسعى على عيالي (مقدمة الفتح ، ص 426).
18- مقدمة فتح الباري ، ص 424 ـ 427.
19- مـا مـن مـذهـب وطـريـقـة الا ويتوافق بعض مسائله مع مسائل مذاهب آخرين ، وهذا لا يـعـنـي التوافق في الاصول وفي كل الاتجاهات نعم ، الذين في قلوبهم زيغ ، يتبعون ما تشابه ، ابتغاء الفتنة وسعيا ورا الفساد في الارض .
20- فتح الباري ـ المقدمة ـ ص 427.
21- ميزان الاعتدال ، ج3 ، ص 93 ، رقم5716 .
22- راجع : مقدمة فتح الباري ، ص 428.
23- الـكافي الشريف ، ج3 ، ص 123 ، رقم5 باب تلقين الميت من كتاب الجنائز والمرآة ، ج13 ، ص 278 ـ 279.
24- فـقـد كـان طـلـبـه الوالي على المدينة ، فتغيب عند داود بن الحصين ، حتى مات عنده ، غيران الامام ابا جعفر وصحابته الخواص كانوا يعرفون موضعه وفي ذلك ايضا دلالة على كونه من الخاصة (طبقات ابن سعد ، ج5 ، ط ليدن ، ص 316).
25- الـمـحـاسـن (ط نـجـف ) ص 112 ـ 113 ، بـاب 19 الـمعرفة ، رقم63 والبحار ، ج68 (ط طهران ) ، ص 119 ـ 120 ، رقم 48.
26- رجال الكشي (ط نجف ) ، ص 188 رقم 94.
27- اخـتـيـار مـعـرفـة الـرجـال (ط مشهد) ، ص 216 ، رقم387 و(ط مؤسسة آل البيت ) ج2 ، ص 477 ـ 478.
28- قاموس الرجال ، ج6 (ط اولى ) ، ص 327.
29- كما في رواية الكشي (لو ادركت عكرمة عند الموت لنفعته ) (ط نجف ) ، ص 188 رقم 94.
30- كـمـا فـي روايـة الـبـرقـي ـ المحاسن باب 19 (المعرفة ) من كتاب الصفوة والنور والرحمة ، رقم 63.
31- الطبري ، ج2 ، ص 186 ، والمجمع ، ج2 ، ص 301.
32- بحار الانوار ، ج36 (ط بيروت ) ص 45.
33- تهذيب التهذيب ، ج2 ، ص 206.
34- المصدر نفسه ، ج7 ، ص 270.
35- التقريب ، ج2 ، ص 30 ، رقم 277.
36- المائدة / 6.
37- الطبرسي في مجمع البيان ، ج3 ، ص 165 والطبري في جامع البيان ، ج6 ، ص 83.
38- الـطـبـري في جامع البيان ، ج6 ، ص 82 ـ 83 واخرج البيهقي في سننه ، ج1 ، ص 72 عن ابـن عباس قال : ما اجد في الكتاب الا غسلتين ومسحتين كما اخرج في ص 44 عن رفاعة بن رافع : المسح على الرجلين .
39- الطبرسي في مجمع البيان ، ج3 ، ص 164.
40- الـسـنن الكبرى ، ج1 ، ص 44 ، باب التسمية على الوضوء وج2 ، ص 345 باب من سها فترك ركنا ، وهناك كامل الحديث واخرجه السيوطي في الدر المنثور ، ج2 ، ص 262.
41- تهذيب التهذيب ، ج7 ، ص 268.
42- ذكـر ابـو يـوسـف ان سـنـة الـمـسـح على الخفين نسخت آية المسح على الارجل احكام القرآن للجصاص ، ج2 ، ص 348.
43- هـو حـصـيـن بـن جـنـدب الـكوفي مات سنة 90 وقد انكروا سماعه من علي (عليه السلام ) فيما يرويه عنه تهذيب التهذيب ، ج2 ، ص 380 ولم يذكره الشيخ في اصحاب الامام امير المؤمنين (عليه السلام ).
44- الوسائل ، ج1 ، ص 322 ، رقم5 .
45- حلية الاولياء ، ج3 ، ص 329 ـ 347.
|
|
تحذير من "عادة" خلال تنظيف اللسان.. خطيرة على القلب
|
|
|
|
|
دراسة علمية تحذر من علاقات حب "اصطناعية" ؟!
|
|
|
|
|
العتبة العباسية المقدسة تحذّر من خطورة الحرب الثقافية والأخلاقية التي تستهدف المجتمع الإسلاميّ
|
|
|