أقرأ أيضاً
التاريخ: 10-10-2014
1832
التاريخ: 2024-08-10
450
التاريخ: 10-10-2014
2048
التاريخ: 5-2-2016
3638
|
المرحلة الاولى : خوفه من تآمر الاقباط عليه .
قال تعالى : {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} [القصص : 14].
تقدم بنصه الحرفي في الآية 22 من سورة يوسف . وجاء هناك وصفا ليوسف ، وهنا وصفا لموسى .
{وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ} [القصص : 15].
المراد بالمدينة هنا مصر . . وفي ذات يوم دخل موسى بعض شوارعها دون أن يشعر أحد به ، فرأى رجلين يتشاجران ويقتتلان : أحدهما قبطي من أتباع فرعون ، والآخر إسرائيلي من جماعة موسى ، وكان الأقباط بوجه العموم يضطهدون الإسرائيليين ، ويحسبونهم خدما لهم وعبيدا ، فاستنجد الإسرائيلي بموسى ، فوكز موسى القبطي بيده أو بعصاه بقصد التأديب والردع عن البغي ، لا بقصد القتل ، فوقع جثة هامدة ، ويسمى هذا بقتل الخطأ « قالَ هذا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ » . هذا إشارة إلى الشجار والقتال الذي وقع بين القبطي والإسرائيلي ، لا إلى الوكز أو القتل غير المقصود ، والمعنى ان القتال بين الاثنين مصدره وسوسة الشيطان واغراؤه بالمعاصي والذنوب .
« قالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ » . كل تقصير في حق اللَّه تعالى ينسبه الأنبياء والأولياء إلى أنفسهم فهو دعاء وخشوع للَّه سبحانه ، ولا دلالة فيه على الذنب والتقصير ، لأن العارف باللَّه حقا يتهم نفسه بالتقصير في طاعة اللَّه وعبادته ، ومن أجل هذا يسأله العفو والصفح عن الذنب ، وقديما قيل : سيئات الأبرار حسنات الأشرار . انظر ما قلناه بعنوان التوبة والفطرة ج 2 ص 275 « قالَ رَبِّ بِما أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ » . سأل موسى ربه العفو ، وأعطاه عهدا على نفسه أن يكون حربا على الطغاة المجرمين كفرعون وجنوده ، وعونا لكل مؤمن صالح .
« فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خائِفاً يَتَرَقَّبُ » . خاف موسى ان يطالب بدم القبطي ، وتوقع الشر من فرعون وقومه . . وبينما هو كذلك « فَإِذَا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ » يطلب النصر من موسى بصياح وصراخ « قالَ لَهُ مُوسى إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ » . ما شأنك تشتبك كل يوم مع قبطي ؟ وتسبب لنا المتاعب والمشاكل ؟ ألا ترعوي عن غيك وضلالك ؟ .
« فَلَمَّا أَنْ أَرادَ أَنْ يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُما » . أراد موسى أن يبطش بالقبطي لأن الأقباط هم الذين كانوا يعتدون على الإسرائيليين ويعاملونهم معاملة العبيد كما أشرنا ، وقد ظن القبطي أن موسى يريد قتله ، ولذا « قالَ يا مُوسى أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَما قَتَلْتَ نَفْساً بِالأَمْسِ إِنْ تُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّاراً فِي الأَرْضِ وما تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ » . بالأمس قتلت رجلا ، واليوم تريد قتلي ، هل أنت من الجبارين ، أم المصلحين ؟ ويومئ هذا إلى أن موسى كان معروفا بالصلاح وحسن السلوك ، وان القتل لا يتفق مع سيرته ومسلكه .
المرحلة الثانية خروج موسى خوف القتل .
« وجاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعى قالَ يا مُوسى إِنَّ الْمَلأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ » .
علم فرعون وحاشيته بما كان من موسى مع القبطي الأول الذي قتله خطأ ، والثاني الذي قال له : أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي فتشاوروا في أمر موسى ، وصمموا على قتله ، ولما علم أحد المؤمنين بذلك أسرع إلى موسى ، وأخبره بما دبروا له ، وأشار عليه بالفرار من القوم الظالمين ، وقال كثير من المفسرين : ان هذا المؤمن هو الذي أشارت إليه الآية 28 من سورة غافر :
(وقالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وقَدْ جاءَكُمْ بِالْبَيِّناتِ مِنْ رَبِّكُمْ) ؟ .
« فَخَرَجَ مِنْها خائِفاً يَتَرَقَّبُ قالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ » . قبل موسى النصح من المؤمن ، وخرج من مصر بلا زاد وماء وظهر ورفيق ، وهو خائف يترقب أن تلحق به جلاوزة فرعون ، وفوق هذا لا يدري أين يتجه ؟ فالتجأ إلى ربه ، وسلم إليه أمره ، وسأله الهداية والنجاة من فرعون وقومه « ولَمَّا تَوَجَّهً تِلْقاءَ مَدْيَنَ قالَ عَسى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَواءَ السَّبِيلِ » . سار موسى دون أن يقصد بلدا معينا ، وهو على يقين من ربه ، وانه سيرشده إلى الطريق القويم الذي يؤدي به إلى النجاح والفلاح ، وأخذ سبحانه بيده ، واتجه به إلى مدين بلد شعيب ، وبين مصر وبينها صحراء واسعة الأطراف ، ممتدة الأبعاد ، يقطعها المسافر مشيا في ثمانية أيام ، فاجتازها موسى برعاية اللَّه وتوفيقه ، وكان يأكل من نبات الأرض . . وبالأمس القريب كان في قصر فرعون يتمتع بما لذ وطاب ، ولكن حشائش الأرض والخوف خير الف مرة عند المخلصين الأحرار من النعمى مع الظلمة الطغاة كما قال الإمام الحسين ( عليه السلام ) : واللَّه لا أرى الموت إلا سعادة والحياة مع الظالمين إلا برما .
المرحلة الثالثة : لقاء موسى مع النبي شعيب (عليهما السلام )
{وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ * فَسَقَى لَهُمَا } [القصص : 23، 24] موسى . . فقد انتهى به السير إلى بئر ، فوجد عنده جماعة من الرعاء يستقون منها لماشيتهم ، ورأى امرأتين في ناحية عن جماعة الرعاء ، ومعهما غنيمات تحاول أن ترد الماء ، والمرأتان تصرفانها عنه . . أثار هذا المنظر انتباه موسى ، وقال لهما : لما ذا تمنعان غنمكما عن الماء ، وهي عطاشى ؟ فقالتا : نحن نسوة ضعاف ، لا نقدر على مزاحمة الرجال ، وأبونا شيخ كبير يعجز عن الرعي والسقي ، فننتظر حتى يفرغ الرعاء فنستقي ، فتحركت في نفس موسى نخوة الدين والإنسانية وسقى لهما .
ولا عجب إذا أنجد موسى نسوة ضعافا ، فقد ينجد المرأة الضعيفة الكافر والشقي ، وأيضا لا عجب أن يعيش شعيب وبناته من كد اليمين وعرق الجبين ، فهذه هي سيرة الأنبياء وخلفائهم الأتقياء من قبل ومن بعد ، وإنما العجب أن لا يكون لهذه الروح القرآنية أي أثر في نفوسنا نحن الذين ندعي العلم باللَّه وكتابه وسيرة أنبيائه . . وأعجب العجب أن نتسابق ونتنافس في طلب الدنيا ومظاهرها .
« ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقالَ رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ » . سقى موسى غنم الفتاتين ، وذهب إلى شجرة يتفيأ ظلالها ، وكان قد أنهكه وأعياه التعب والجوع ، فسأل اللَّه من فضله وكرمه ، ولم يبالغ ويلح في المسألة لأن المطلوب سد الخلة وكفى ، ولو طلب الآخرة لبالغ وألح ، وفي نهج البلاغة :
واللَّه ما سأله إلا خبزا يأكله لأنه كان يأكل بقلة الأرض ، وقد كانت خضرة البقل ترى من شفيف صفاق بطنه لهزاله وتشذب لحمه . الصفاق الجلد الأسفل ، والتشذب انهضام اللحم .
« فَجاءَتْهُ إِحْداهُما تَمْشِي عَلَى اسْتِحْياءٍ قالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ ما سَقَيْتَ لَنا » . رجعت الفتاتان إلى أبيهما ، وأخبرتاه بما كان ، فقال لواحدة منهما : اذهبي وادعيه لنجزيه على إحسانه ، فجاءته الفتاة يكسوها الحياء والخجل ، والطهر والعفاف ، وقالت له ما قال أبوها « فَلَمَّا جاءَهُ وقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قالَ لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ » . استجاب موسى للدعوة ، ورحب به الشيخ وشكره على صنيعه ، ولما طابت نفس موسى واطمأنت إلى الشيخ حدثه بما جرى له مع فرعون وقومه فقال له الشيخ : لا تخف . . انك عندنا في مكان حصين أمين ، لا سلطان عليك فيه لفرعون ولا لغيره من الظالمين .
واختلف المفسرون في هذا الشيخ من هو ؟ فأكثرهم على أنه شعيب ، وقال فريق منهم : انه غيره . . ولا مستند لهؤلاء وأولئك إلا مرجحات لا تغني عن الحق شيئا . . ولسنا نهتم بمثل هذه الاختلافات ، ما دامت لا تمت إلى العقيدة والحياة بسبب . . وقد اخترنا اسم شعيب لهذه الشخصية لمجرد التعبير عنها ، ولأن هذا الاسم هو الشائع بين الأكثرية كما شاع بين طلاب النجف وعلمائها : ليس النزاع في التسمية من دأب المحصلين .
( قالت إحداهما ) وهي التي استدعته إلى أبيها كما يشعر وصفها له بالقوي الأمين « يا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ » . وما شهدت إلا بما رأت من قوته وهو يسقي لها ولأختها ، ومن عفته حين توجهت إليه بالدعوة إلى أبيها {قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ} [القصص : 27]. موسى الشريد الطريد والفقير الذي لا يملك شيئا ، والذي عاش أياما على نبات الأرض حتى سأل اللَّه لقمة يقيم بها الأود ، هذا الجائع اللاجئ يعرض عليه شيخ جليل إحدى ابنتيه ، ويدع له الخيار في أيتهما يريد . . إذن ، لا بد أن يكون هناك سر . . أجل ، هناك سر ، وهو يكمن في شخصية موسى وعظمته التي لمسها الشيخ في صنعه مع ابنتيه ، وفي حديثه وسيرته مع فرعون وقومه التي قصها عليه ، فأدرك الشيخ بفطرته النقية الصافية ان هذه الشخصية سيكون لها ابعد الآثار لأن الأعمال التي تصدر عن الإنسان تكون في الغالب من نوع واحد . .
فالشيخ - إذن - هو الفائز الرابح بهذه المصاهرة ، وأي ربح أعظم من مصاهرة الأنبياء والأتقياء ؟ .
« على ان تأجرني الخ » معناه ان رعيت عندي بأجر زوّجتك إحدى ابنتي بمهر ، تماما كما تقول : ان فعلت كذا فعلت أنا كذا ، وهذا هو المعنى الصحيح للآية .
« قالَ ذلِكَ بَيْنِي وبَيْنَكَ أَيَّمَا الأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلا عُدْوانَ عَلَيَّ واللَّهُ عَلى ما نَقُولُ وَكِيلٌ » .
هذا من كلام موسى ، والأجل الأول الثماني الحجج ، والثاني العشر ، والمعنى ان موسى قال للشيخ : قبلت ورضيت بالزواج والرعي ، والخيار لي في قضاء الثماني أو العشر ، فأيهما اخترت فلا حجة لك عليّ ، واللَّه شهيد على ما أوجبته أنت على نفسك ، وما أوجبته أنا على نفسي . وفي الحديث : ان موسى
قضى أبرّ الأجلين أي العشر ، وفي كثير من التفاسير انه اختار الصغرى ، وهي التي قالت له : ان أبي يدعوك ، وقالت لأبيها : انه القوي الأمين .
قَضى مُوسَى الأَجَلَ الآيات 29 إلى 32
[المرحلة الرابعة : اللقاء مع الله تعالى : ]
{فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ } [القصص : 29]
بعد أن أتم موسى المدة التي اتفق عليها مع أبي زوجته جمع أشتات متاعه ، وسافر قاصدا مصر مع أهله ، وفي قاموس الكتاب المقدس : ذهب موسى إلى مصر مع زوجته وابنيه . ولما وصل إلى الصحراء ضل الطريق في ليلة مظلمة باردة كما يشعر قوله : لعلكم تصطلون . وبينا هو حائر في أمره رأى نارا تضيء ، فقال لأهله : انتظروا مكانكم ، فأنا ذاهب إلى النار لآتيكم بخبر عن الطريق ، أو بقطعة من النار تستدفئون بها . وتقدم في الآية 10 من سورة طه والآية 7 من سورة النمل .
« فَلَمَّا أَتاها نُودِيَ مِنْ شاطِئِ الْوادِ الأَيْمَنِ » أي الجانب المحاذي ليمين موسى « فِي الْبُقْعَةِ الْمُبارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يا مُوسى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ » . البقعة القطعة من الأرض ، وهي مباركة لكثرة أنبيائها وكثرة خيراتها ، وقوله : ( من الشجرة ) يشعر بأن اللَّه سبحانه خلق الكلام في الشجرة ، وقد استدل بهذه الآية من قال ان كلام اللَّه حادث وليس بقديم . وتقدم في الآية 52 من سورة مريم والآية 12 من سورة طه .
« وأَنْ أَلْقِ » - إلى قوله - « الآمِنِينَ » تقدم في الآية 10 من سورة النمل « اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ واضْمُمْ إِلَيْكَ جَناحَكَ مِنَ الرَّهْبِ فَذانِكَ بُرْهانانِ مِنْ رَبِّكَ إِلى فِرْعَوْنَ ومَلَائِهِ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ » . اسلك يدك في جيبك أدخلها فيه ، والجيب فتحة القميص . ومن الرهب أي إذا وضعت يدك على صدرك يذهب ما بك من الخوف . وتقدم في الآية 107 من سورة الأعراف ج 3 ص 375 والآية 22 من سورة طه والآية 33 من سورة الشعراء والآية 12 من سورة النمل .
الرحلة الخامسة : اللقاء الاخير بين موسى وفرعون وهلاك فرعون .
« قالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً فَأَخافُ أَنْ يَقْتُلُونِ » تقدم في الآية 14 من سورة الشعراء « وأَخِي هارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِساناً فَأَرْسِلْهُ مَعِي رِدْءاً يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ » . ردءا معينا لي على بث الدعوة ، وفيه إيماء إلى انه لا بد لكل دعوة من أنصار ، وان العلم وحده لا يكفي لإثبات الدفاع عن الحق ما لم تقترن الحجة بطلاقة اللسان وفصاحة البيان ، وأيضا تدل الآية على ان القرآن يبارك وسائل الدعاية كالصحف والإذاعات وغيرها على شريطة أن تتجه إلى احقاق الحق والانتصار لأهله ، وإبطال الباطل والتشهير بأعوانه ، تماما كما استعمل هارون علمه وفصاحته ضد الطاغية فرعون .
وقيل : ان هارون أكبر من موسى بثلاث سنين . . ولا ندري كيف نجا من الذبح ، وغير بعيد ان هارون ولد قبل أن يأمر فرعون بذبح كل مولود يولد لبني إسرائيل . وفي التوراة الأصحاح 32 من سفر الخروج ان هارون هو الذي صنع العجل لبني إسرائيل ، وبنى له مذبحا ، وليس السامري كما جاء في الآية 96 من سورة طه .
( قالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ ) . سأل موسى ربه أن يشد أزره بأخيه هارون ، فاستجاب له ، وآتاه سؤله ، أما قول موسى : « فَأَخافُ أَنْ يَقْتُلُونِ » فقد أجابه عنه تعالى بقوله : ( ونَجْعَلُ لَكُما سُلْطاناً فَلا يَصِلُونَ إِلَيْكُما بِآياتِنا أَنْتُما ومَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغالِبُونَ ) . في الآية 46 من سورة طه : « قالَ لا تَخافا إِنَّنِي مَعَكُما أَسْمَعُ وأَرى » . وقال هنا : اني سلحتكما بسلاح يرهب فرعون وجنوده ، ويمتنعون بسببه عنكما وعن الذين يؤمنون بكما ، وهذا السلاح أو السلطان هو الآيات والمعجزات من انقلاب العصا حية وتحوّل اليد البيضاء إلى الجراد ، والقمل ، والضفادع ، وغير ذلك .
( فَلَمَّا جاءَهُمْ مُوسى بِآياتِنا بَيِّناتٍ قالُوا ما هذا إِلَّا سِحْرٌ مُفْتَرىً وما سَمِعْنا بِهذا فِي آبائِنَا الأَوَّلِينَ ) . تقدم في الآية 110 من سورة الأعراف والآية 63 من سورة طه ( وقالَ مُوسى رَبِّي أَعْلَمُ بِمَنْ جاءَ بِالْهُدى مِنْ عِنْدِهِ ومَنْ تَكُونُ لَهُ عاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ ) . كذبوا موسى وقالوا له : أنت ساحر ، فأجابهم جواب من لا يكترث بتكذيبهم وعنادهم ثقة منه باللَّه ووعده ، ويتلخص الجواب بأن اللَّه يعلم اني على الحق والهدى ، وانكم على الباطل والضلال ، وأيضا يعلم ان العاقبة الحميدة لي ولمن اتبعني ، ولكم عقبى الهلاك في الدنيا ، وعذاب النار في لآخرة .
( وقالَ فِرْعَوْنُ يا أَيُّهَا الْمَلأُ ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي ) . قال هذا لأنه وجد من يصدقه . . وحفظت مثالا أيام الطفولة ، وما زلت على ذكر منه ، وهو « قيل لفرعون : من الذي فرعنك ؟ قال : ما وجدت أحدا يردعني » وأكثر الناس « يتفرعنون » لولا القوة الرادعة . انظر تفسير الآية 24 من سورة النازعات :
« فَقالَ أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلى » . وفي قاموس الكتاب المقدس ان فرعون كلمة مصرية ، ومعناها البيت الكبير ، وهي لقب لملوك مصر .
( فَأَوْقِدْ لِي يا هامانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلى إِلهِ مُوسى وإِنِّي لأَظُنُّهُ مِنَ الْكاذِبِينَ ) . عجز فرعون عن مقابلة الحجة بالحجة ، وخاف من موسى وعصاه ، فحاول أن يخفي خوفه وعجزه بالتمويه على شعبه العريق في السذاجة ، فأظهر الشك في وجود إله سواه ، وانه سينظر ويبحث عن هذا الإله . . فإن وجده طلبه للبراز . . وإلا - وهذا هو المظنون عند فرعون - كان موسى من الكاذبين . . وليؤكد هذا التمويه على أعين الرعاع الذين عبدوه قال لوزيره هامان :
أوقد النار ، واصنع الآجر لبناء صرح رفيع أصعد منه إلى السماء ، لأبحث عن إله موسى . . ولم يبن هامان الصرح - كما نظن - لأنه على يقين من مكر فرعون وتدليسه ، وأي عاقل يحاول البناء إلى ما لا نهاية ، ويتوهم انه بالخشب والآجر يبلغ السماوات العلى ، ويعلم من فيها وعليها ؟ .
( واسْتَكْبَرَ هُوَ وجُنُودُهُ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنا لا يُرْجَعُونَ ) .
تعاظموا وتعالوا على الناس ، وأخذتهم العزة بالإثم ، وعاثوا في الأرض شرا وفسادا ، والسبب الأول والأخير انهم لا يؤمنون باللَّه واليوم الآخر ، ولا بمبدأ وضمير ، ولا بشيء إلا بأنفسهم ومنافعهم ، ولذا أخذهم جل وعز أخذ عزيز مقتدر ( فَأَخَذْناهُ وجُنُودَهُ فَنَبَذْناهُمْ فِي الْيَمِّ فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الظَّالِمِينَ ) .
ألقت أم موسى وليدها في اليم خوفا من فرعون ، فالتقطه هذا العدو للَّه ولموسى لينتفع به أو يتخذه ولدا . ولما شبّ موسى وكبر حاول جهده أن ينفع فرعون وينقذه من الهلاك والعذاب ، ولكنه نفر وتكبر ، فكان عاقبة أمره ان أهلكه سبحانه في نفس اليم الذي ألقي فيه موسى ، والتقطه منه آل فرعون . . وان في ذلك لعبرة لأولي الأبصار . . ولكن أين هم ؟ .
« وجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ ويَوْمَ الْقِيامَةِ لا يُنْصَرُونَ » . ضمير جعلناهم يعود إلى فرعون وجنوده ، والمعنى انهم في الدنيا ضالون ومضلون ، وانهم في الآخرة هم الأخسرون ، ومعنى جعلناهم ان اللَّه سبحانه قضى وقدر أن من يسلك طريق الضلال فهو ضال ، تماما كما قضى وقدر أن من يسلك طريق الهلاك فهو هالك ، وبيّنا ذلك فيما تقدم أكثر من مرة . وعن الإمام جعفر الصادق ( عليه السلام ) ان الأئمة في كتاب اللَّه نوعان : أئمة الهدى ، وهم الذين أشار سبحانه إليهم بقوله :
« وجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا - 73 الأنبياء » فيقدمون أمر اللَّه قبل أمرهم ، وحكمه قبل حكمهم ، وأئمة يدعون إلى النار ، يقدمون أمرهم قبل أمر اللَّه ، وحكمهم قبل حكمه ، ويأخذون بأهوائهم خلاف ما في كتاب اللَّه .
«وأَتْبَعْناهُمْ فِي هذِهِ الدُّنْيا لَعْنَةً ويَوْمَ الْقِيامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ » . عليهم في الدنيا لعنة اللَّه ولعنة اللاعنين ، ولهم في الآخرة عذاب الجحيم.
|
|
لصحة القلب والأمعاء.. 8 أطعمة لا غنى عنها
|
|
|
|
|
حل سحري لخلايا البيروفسكايت الشمسية.. يرفع كفاءتها إلى 26%
|
|
|
|
|
جامعة الكفيل تحتفي بذكرى ولادة الإمام محمد الجواد (عليه السلام)
|
|
|