أقرأ أيضاً
التاريخ: 20-2-2022
2501
التاريخ: 2023-03-22
1319
التاريخ: 13-1-2016
2649
التاريخ: 21-8-2021
2476
|
من الأخطاء الشائعة بين الأهل اعتماد أساليب عنيفة في التربية واخطر هذه الأساليب هو الضرب المبرح المؤدي الى جرح اللحم أو كسر العظم , ونحن نعتبر أن الضرب كخيار أول في التأديب والتربية خطأ كبيرا يجب التنبه الى الابتعاد عنه ذلك أن ابناءنا ليسوا بهائم تُسام بالعصا ولكنهم بشر يمتلكون حساً , وهذا الحس مرهف جدا خاصة في مرحلة الطفولة، وايضا يمتلكون عقلا يجب التعامل معه بالإفهام والإقناع لا بالقهر والطغيان . وقد ورد عن أمير المؤمنين علي (عليه السلام) قوله:(إن العاقل يتعظ بالأدب والبهائم لا تتعظ إلا بالضرب)(1) .
وهذا الحديث الشريف يريد من خلاله أمير المؤمنين الإمام علي (عليه السلام) أن يقول بشكل واضح ان الضرب ليس طريقا لتأديب الناس, بل هو طريق لتأديب الحيوانات وردعهم عن العصيان , فلذلك المطلوب من الأهل أن يعظوا أولادهم من خلال الامور التي تخاطب العقل لا من خلال الإرهاب والتخويف , على الأقل ليس كوسيلة أولية أو دائمة .
إن إشكالنا على موضوع الضرب ينطلق من العناوين التالية :
أ- الضرب عجز وفشل وظلم:
إن الضرب يُلجأ إليه في حالات استثنائية وخاصة , ويجب أن يكون الضرب إن اضطررنا للجوء إليه فهو يتحلى بمواصفات خاصة , فإن قام الأهل بالضرب, منذ اللحظة الأولى لخطأ ابنهم فإن هذا دليل على أنهم عاجزون عن إقناع أبنائهم بخطئهم وردعهم عنه بالمنطق السليم .وثانيا فإنهم بذلك يكونون فاشلين في أدائهم لدورهم لعجزهم عن وسيلة أخرى , ومع هذا وذاك فإنهم يكونون ظالمين لتجاوزهم الحدود الشرعية بلجوئهم الى التعدي على حقوق أولادهم بالضرب في مورد يمكن معه اللجوء الى وسيلة أخرى .
ب- هناك بدائل أخرى يجب اللجوء إليها أولا :
قد يقول البعض إننا استعملنا المنطق والإقناع ومع ذلك لم نوفق لردع أبنائنا عن الخطأ وحيث إن العصا لمن عصى , وبما أنه لم يعد هناك مجال آخر لجأنا الى الضرب ولا ملامة على فعلنا والحق إن هناك وسائل أخرى بعد فشل المنطق والإقناع وقبل اللجوء الى الضرب وذلك من خلال أساليب الحرمان من المصروف, أو منعه من الذهاب الى ملعب كان يذهب إليه , أو بحرمانه من بعض الامتيازات التي اعتاد عليها . وهناك أيضا أسلوب العبوس في وجهه وإبداء الامتعاض من فعلته هذه , فإذا لم نصل مع ذلك الى نتيجة يلجأ الى الهجر بمقاطعته وعدم التحدث معه , وقد ورد في ذلك ما روي عن الإمام الكاظم (عليه السلام) أنه جاءه أحدهم شاكيا ابنه ولعله أراد الإجازة بضربه بدليل جواب الإمام (عليه السلام) الذي قال له :(لا تضربه واهجره ولا تطل)(2) .
قد يقول قائل إن النهي عن ضرب الولد قد يكون بسبب أن الحل بالنسبة لهذا الولد يكون من خلال الهجر , وهذا لا يعني أن الضرب في ذاته ممنوع , ولكن هذا لا يمكن الركون إليه , بل إن الذي يساعد عليه هذا الدليل هو أن الضرب لا يلجأ إليه ما دام هناك مجال لوسيلة أخرى والتي هي في هذا المجال هجران الولد , فيجب علينا أن نبحث عن وسائل أخرى قبل اللجوء الى وسيلة الضرب التي يجب أن تكون فيما لو اضطررنا إليها آخر الوسائل المتاحة .
ومن اللطيف في هذا الحديث تقييد الإمام (عليه السلام) موضوع الهجران بعدم الإطالة ، وهذا يعني ان المطلوب من أي إجراء ليس العقاب , بل هو التأديب المعنوي الرادع عن ارتكاب الولد لأخطاء أخرى .
ج ـ الضرب يعيق عملية التربية :
قد يظن البعض أن الضرب يردع الولد عن الخطأ ويمنعه من تكراره , في حين أن الحقيقة هي أن هذا الولد الذي كان يجاهر فيما سبق بطريقة عفوية عن تصرفاته فيعرف الأهل الصحيح منها والخاطئ فيشجعونه على الصحيح ويفهمونه الخطأ الذي يرتكبه لعدم الوقوع فيه مرة أخرى من خلال التفهيم والتعليم , أما مع الضرب كوسيلة وحيدة لمعالجة الأخطاء لا كوسيلة استثنائية بشروط , فإن الولد سيعمد الى إخفاء سلوكياته خاصة تلك التي يظن أنها خاطئة , أو تلك التي تكون طارئة عليه فلا يدري ما هو موقف أهله منها فيعمد الى كبتها في داخله , فإن كانت خاطئة فستؤثر عليه مما قد يجعله منحرفا في المستقبل , أو على الأقل يجعله هذا الكبت انطوائيا على ذاته وهذا يؤدي به الى مرض نفسي , وبذلك نخسره نحن كأهل ويخسر المجتمع أيضا عنصرا كان من الممكن أن يكون مفيدا وفاعلا فيه .
د- موارد يجوز فيها الضرب :
في حال لم تنفع كل الوسائل مع ابننا وأصر على مخالفته مع علمه بخطئه , فإنه في هذه الحالة يجوز اللجوء الى الضرب ضمن الكيفية التي سنشرحها في الفقرة التالية . ومن الموارد التي يضرب عليها الولد تركه للصلاة تمردا كما ورد في الحديث عن رسول الله (صلى الله عليه واله) قوله:(علموا أولادكم الصلاة إذ بلغوا سبعا , واضربوهم عليها إذا بلغوا عشرا , وفرقوا بينهم في المضاجع)(3) .
فهنا يظهر أن تعنت الولد بعد بلوغه العشر سنوات على ترك الصلاة وبعد استنفاد كل وسائل الإقناع من خلال المنطق السليم , ومحاولات الترغيب من خلال الهدايا والمحفزات الأخرى ومن أجل مصلحة هذا الولد أجاز الرسول (صلى الله عليه واله) أن يُلجأ الى الضرب , ولكن للضرب شورطا سنتحد عنها في الفقرة التالية .
هـ - كيفية الضرب إذا اضطررنا إليه ؟
أما بعد الوصول الى الضرب كخيار أخير لا مجال معه لخيار آخر , فإن هذا الضرب يجب أن يكون تربويا بمعنى أن يكون مجرد تلويح وتهويل لا يؤدي الى كسر عظم , أو جرح لحم , أو حتى رض هذا اللحم بشكل يؤدي الى اسوداد , وازرقاق الجلد , وهذا ما ورد في حديث لأمير المؤمنين الإمام علي (عليه السلام) حيث قال:(إذا لوحت للعاقل فقد أوجعته عتابا)(4) .
ومعنى هذا الحديث الشريف أنه مع الإنسان ـ خاصة الإنسان العاقل ـ يعتبر أن مجرد التلويح الذي لا يصل الى حد الضرب الحقيقي كافيا في ردعه عن العودة للخطأ مرة أخرى , اما لو قام الأب بضرب ابنه أودى هذا الضرب الى ما ورد أعلاه و وجبت الدية على الاب بحسب المقدار المحدد شرعا لكل ضربة ؛ لأنه بذلك يكون معتديا على ابنه بما لا يحق له ويجب عليه دفع الدية ومقدار الدية محدد في الشرع الحنيف (5) .
هذا إذا مارس الأب بصفته ولي الضرب , أما غيره وحتى الام فلا يجوز لهم ممارسة ذلك إلا بإجازة الأب لأن ذلك من اختصاصه كولي شرعي ولو تعدوا في ممارسة هذا الأمر يجب عليهم أيضا الدية .
والدية تصرف في هذا المجال الى الولد وهي من مختصاته المالية ولا يجوز للأب التصرف بها في الموارد التي يجب على الأب الإنفاق فيها على ولده, بل تصرف عليه في الامور الاخرى من الكماليات التي لا يجب على الأب الإنفاق على ولده بها, أو أن تحفظ له الى حين بلوغه ليتصرف هو بها كيفما شاء .
وهنا لا بد من الالتفات الى انه إذا اضطررنا الى الضرب فإن ذلك لا يكون لأكثر من ثلاث ضربات ومن تجاوز ذلك وجب الاقتصاص منه ,فقد روى السكوني عن الإمام الصادق(عليه السلام) حيث قال:(إن أمير المؤمنين الإمام علي (عليه السلام) القى صبيان الكتاب ألواحهم بين يديه ليخير بينهم , فقال : أما أنها حكومة والجور فيها كالجور في الحكم , أبلغوا معلمكم عن ضربكم فوق ثلاث ضربات في الأدب اقتص منه)(6) .
وفي هذا الحديث الشريف عن الإمام الصادق(عليه السلام) جملة أمور تدل على مدى اهتمام الإسلام بالأطفال وحقوقهم , فأولاً اعتبر أمير المؤمنين الإمام علي (عليه السلام) ان الحكم بين الأطفال تماما كالحكومة بين الكبار , وثانيا أنه لا يجوز للمؤدب أستاذا كان أم والداً أن يتجاوز في ضربه إن اضطر إليه لأكثر من ثلاث ضربات وإلا اعتبر متجاوزا ووجب عليه القصاص ذلك أن العبر من وراء الضرب ليس التشفي والظلم وإنما هو التأديب والتربية من خلال التلويح بالعقوبة .
_____________
1ـ بحار الأنوار الجزء 7 ص 211 .
2- بحار الانوار الجزء 101 ص 99 .
3- كنز العمال الجزء 16 ص 441 .
4- غرر الحكم الحديث 4103 .
5- راجع الملحق رقم واحد ص 431 .
6- وسائل الشيعة الجزء 18 ص 582 .
|
|
دراسة تحدد أفضل 4 وجبات صحية.. وأخطرها
|
|
|
|
|
جامعة الكفيل تحتفي بذكرى ولادة الإمام محمد الجواد (عليه السلام)
|
|
|