من البنود التربوية في مضمار الأخلاق أن تتعلم الفتيات نمط التمييز بين خصال الخير والشر والحسن والسيئ والممدوح والمذموم لكي تتلافى الفتاة العادات الخاطئة والمذمومة وتسلك طريق السجايا الأخلاقية وتكون على بصيرة من خصال الخير والشر وكل ما يدخل تحت هذين المفهومين.

أما المفهوم الأول الذي يخص الخير : فهو ما استحسنه العقل السليم .

فقد ورد عن الامام علي عليه السلام: (من لبس الخير تعرى من الشر )(1)

وعن الامام الصادق (عليه السلام) قال:(لا تصغّر شيئاً فانك تراه غداً حيث يسرك)(2)

فالخير كل الخير بمكارم  الأخلاق وحث الناس على فعل الخير وهديهم الى الصواب وتنويرهم بالحق.

وقد قال الرسول الأعظم (صلى الله عليه واله وسلم): (الدال على الخير كفاعله) (3).

ومن أراد أن يكون مثالاً لإنسان الخير لابد أن يتصف بما يأتي:

1ـ أن يواسي الآخرين ويحترمهم ولا يؤذيهم.

2ـ يكون بارا بوالديه ولا يقاطع أرحامه ولا يؤذي جيرانه .

3ـ يخاف الله عزوجل ولا يعمل الأعمال التي تغضبه.

4ـ قلبه غير متعلق بالدنيا وزينتها بل بخالقه وآخرته.

5ـ كريم عطوف ينفع الأخرين بطيء الغضب سريع الرضا.

وعن الامام الصادق عليه السلام قال: (ان خير العباد من يجتمع فيه خمسة خصال: اذا أحسن استبشر واذا أساء استغفر واذا أعطي شكر واذا ابتلي صبر واذا ظُلم غفر)(4).

وقال الرسول الاعظم (صلى الله عليه واله وسلم): (خيركم من دعاكم الى فعل الخير)(5).

ويحكى ان رجلاً زار مقبرة قرية من القرى فوجد أن الاعمار التي كتبت على شواهد قبور الموتى خمس سنوات او سنتين, او سنه واحده , فسال عن ذلك فقيل له :ليست هذه اعمار من ماتوا انما هذه اعمارهم الصالحة .

واما مفهوم الشر: فهو ما يستقبحه العقل السليم.

قال الله جل جلاله : {ان شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون}[الانفال:22].

وعن الامام الصادق (عليه السلام): ثلاث من لم يكنَّ فيه فلا يرجى خيره أبداً :

1ـ من لم يخش الله في الغيب ولم يرعوا عند الشيب ولم يستح من العيب (6).

2ـ من يؤذي الآخرين ولا يحترم كبيراً ولا صغيراً .

3ـ قاطع لرحمه ظالم لوالديه مؤذٍ لجيرانه .

وعن الامام علي (عليه السلام) قال : (شر الناس من يتقيه الناس مخافة شره)(7).

وعن الامام علي (عليه السلام) قال : ( ان شر الناس من يظلم الناس)(8).

وأسباب الشر كثيرة منها:

1ـ الغضب لأنه مفتاح كل شر .

2ـ الكذب لأن صاحبه يؤذي الآخرين ببيان غير الحقيقة لهم .

3ـ الجهل فهو يؤدي الى ضلال الانسان لعدم معرفته طريق الحق والوقوع بسهولة في مصائد الشيطان.

4ـ الظلم فباب الشر مفتاح للظالم من أجل تحقيق مصالحه الدنيوية.

5ـ سوء الخلق وهو طريق الى السقوط من شباك الشر.

6ـ أصدقاء السوء فإن أصدقاء السوء لا يرتاحون حتى يكون من يصادقهم مثلهم.

فعلى الآباء والامهات أن يزرعوا في نفوس فتياتهم وفتيانهم الميزان الصحيح بين طريق الخير وطريق الشر حتى يكون أبناؤهم على معرفة بين دائرتي الخير والشر.

ويقول علماء التربية والنفس: ان الطفل يبدأ بالتمييز بين الاشياء في سن السادسة تقريبا، ويشرع في التفكير المنطقي نسبياً في سن السابعة ، ويصل مرحلة فهم واستقبال البرهان والاستدلال في التاسعة من العمر.

ومن هنا تكون الظروف مواتية في هذه الاثناء لنمو الشخصية فكرياً وثقافياً واجتماعياً وبإمكانها ان تميز الحسن من القبيح من الامور وتتخذ القرارات بشأنها عن وعي ودراية (9).

وهذه فرصة طيبة لأولياء الامور ليمارسوا دورهم في ارشاد الابناء وتوجيههم الى ما يربيهم ويوسع مداركهم في الحياة ويتيح لهم فهم وادراك استدلال الآخرين ، وهو المهم في هذه المرحلة من دور الابناء.

واما الحسن والقبح فقد قال عنها امير المؤمنين حينما سئل: اي شيء مما خلق الله احسن؟. فقال: الكلام ، فقيل : اي شيء مما خلق الله اقبح؟. قال الكلام. ثم قال: بالكلام ابيضت الوجوه وبالكلام اسودت الوجوه (10).

وعن النبي (صلى الله عليه واله وسلم) قال: (ان الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان الله ما كان يظن ان تبلغ ما بلغت يكتب يكتب الله له بها رضوانه الى يوم يلقاه وان الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله ما كان يظن ان تبلغ ما بلغت يكتب الله بها سخطه الى يوم يلقاه)(11).

وتأكيدا لهذه الفكرة، ورد في القران الكريم عن الكلام الحسن قوله (جل جلاله):

{كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ} [إبراهيم:24،25].

وعن الكلام القبيح قوله (جل جلاله):

{وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ} [إبراهيم: 26].

وعن الامام زين العابدين (عليه السلام) قال: (القول الحسن يثري المال وينمّي الرزق وينسء في الاجل ويحبب الى الاهل ويُدخل الجنة)(12).

وهكذا اراد الاسلام ان نربي بناتنا واخواتنا على الخصال الحسنة وننهاهم عن الخصال السيئة, لان التعليم في الصغر كالنقش على الحجر. وهذا ما يسعى الاسلام الى غرسه في النفوس منذ الصغر لكي تنمو هذه الاخلاق وتتأصل في الاعماق.

وهناك قصة تتعلق بالكلام الطيب مفادها:

يحكى ان الملك انوشيروان ( الذي ولد رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) في عهده) اعلن في الدولة ان من يقول للملك كلمه طيبه فله جائزه 400 دينار ، وفي يوم كان الملك يسير بحاشيته في المدينة اذ رأى فلاحا عجوزا في التسعينات من عمره وهو يغرس شجرة زيتون فقال له الملك لماذا تغرس شجرة الزيتون وهي تحتاج الى عشرين سنه لتثمر وانت عجوز في التسعين من عمرك وقد دنا اجلك , فقال الفلاح العجوز: السابقون زرعوا ونحن حصدنا ونحن نزرع لكي يحصد اللاحقون. فقال الملك: احسنت. هذه كلمه طيبه. وأمر بأن يُعطى 400 دينار, فأخذها الفلاح العجوز وابتسم، فقال الملك: لماذا ابتسمت؟ فقال الفلاح: شجرة الزيتون تثمر بعد عشرين سنه, وشجرتي اثمرت الان. فقال الملك: احسنت اعطوه 400 دينار, اخرى فأخذها الفلاح وابتسم، فقال الملك: لماذا ابتسمت؟ فقال الفلاح: شجرة الزيتون تثمر مرة في السنة وشجرتي اثمرت مرتين, فقال الملك: احسنت. وامر بإعطائه 400 دينار اخرى, ثم تحرك الملك بسرعه من عند الفلاح، فقال له رئيس الجند: لماذا تحركت بسرعة؟ فقال: اذا جلست الى الصباح, فان خزائن الاموال ستنتهي, وكلمات الفلاح لا تنتهي.

____________

1ـ غرر الحكم.

2ـ بحار الأنوار ج:71.

3ـ كنز العمال.

4ـ البحار ,ج:78 .

5ـ تنبيه الخواطر .

6ـ البحار ، ج:72.

7ـ غرر الحكم .

8ـ المصدر السابق .

9ـ دنيا الفتيات المراهقات ،ص 127 .

10ـ تحف العقول .

11ـ الترغيب والترهيب .

12ـ البحار , ج: 71.