أقرأ أيضاً
التاريخ: 7-8-2017
2632
التاريخ: 8-8-2017
2891
التاريخ: 8-8-2017
3069
التاريخ: 7-8-2017
3038
|
اتجه أبو الفضل العباس (عليه السلام) نحو المخيم بعدما ملأ القربة وهي عنده أثمن من حياته، والتحم مع أعداء الله وأنذال البشرية التحاماً رهيباً، فقد أحاطوا به من كلّ جانب - وهي أربعة آلاف - ليمنعوه من إيصال الماء إلى عطاشى آل النبي، ورموه بالنبال، فلم ترعه كثرتهم وأخذ يطرد أولئك الجماهير وحده، ولواء الحمد يرف على رأسه، وأشاع فيهم القتل والدمار وهو يرتجز:
لا أرهب الموت إذ الموت زقا ... حتى أورى في المصاليت لقى
نفسي لسبط المصطفى الطهر وقا ... إني أنا العباس أغدو بالسقا
ولا أخاف الشر يوم الملتقى
وانهزمت الجيوش من بين يديه يطاردها الفزع والرعب، فقد ذكرّهم ببطولات أبيه فاتح خيبر ومحطم فلول الشرك، ولم يشعر القوم أهو العباس يجدّل الأبطال أم أنّ الوصي يزأر في الميدان، فلم تثبت له الرجال إلّا أنّ وضراً خبيثاً من الجبناء
كمن له من وراء نخلة - وهو زيد بن الرقاد الجهني وعاونه حكيم بن الطفيل السنبسي - ولم يستقبله بوجهه، فضربه على يمينه ضربة غادرة فبراها.
لقد قطع تلك اليد الكريمة التي كانت تفيض برّاً وكرماً على المحرومين والفقراء، والتي طالما دافع بها عن حقوق المظلومين والمضطهدين.
ولم يعن بها سبع القنطرة وراح يرتجز:
والله إن قطعتمو يميني ... إني أحامي أبداً عن ديني
وعن إمام صادق اليقين ... نجل النبي ص الطاهر الأمين
ودلل بهذا الرجز على الأهداف العظيمة والمثل الكريمة التي جاهد من أجلها، فهو إنّما يجاهد دفاعاً عن الاسلام ودفاعاً عن إمام المسلمين وسيد شباب أهل الجنة.
ولم يبعد العباس قليلاً حتى كمن له من وراء نخلة رجس من أرجاس البشرية، وهو الحكيم بن الطفيل الطائي، فضربه على يساره فبراها فقال (عليه السلام):
يا نفس لا تخشي من الكفار ... وأبشري برحمة الجبار
مع النبي السيد المختار ... قد قطعوا ببغيهم يساري
فأصلهم يا ربّ حرّ النار
فحمل القربة بأسنانه وجعل يركض ليوصل الماء إلى عطاشى أهل البيت (عليهم السلام).
قال القاضي أبو حنيفة النعمان المتوفى سنة (363): وقطعوا يديه ورجليه حنقاً عليه ولما أبلى فيهم وقتل منهم فلذلك سمي السقاء .
ولربما كان قطع رجلي العباس (عليه السلام) ليمنعوه عن إيصال الماء؛ لأنه (عليه السلام) ترك فرسه وسارع يركض برجليه، إضافة إلى حنقهم لعنهم الله.
فعند ذلك أمنوا سطوته وتكاثروا عليه، وأتته السهام كالمطر، فأصاب القربة سهم وأريق ماؤها، وسهم أصاب صدره، وسهم أصاب عينه، ووقف البطل حزيناً، فقد كان إراقة الماء عنده أشدّ عليه من قطع يديه، وشدّ عليه رجس خبيث وضربه بعمود من حديد على رأسه الشريف ففلق هامته.
وهوى بجنب العلقمي فليته ... للشاربين به يداف العلقم
وهوى إلى الأرض وهو يؤدي تحيته ووداعه الأخير إلى أخيه قائلاً: «عليك مني السلام أبا عبد الله...».
فانقض عليه أبو عبد الله كالصقر فرآه مقطوع اليمين واليسار، موضوخ الجبين، مشكوك العين بسهم، مرتثاً بالجراحة، فوقف علهي منحنياً، وجلس عند رأسه يبكي، وهو يلفظ شظاياً قلبه الذي مزقته الكوارث، وقال: «الآن انكسر ظهري وقلّت حيلتي وشمت بي عدوي».
وأنشأ يقول:
تعديتم يا شرّ قوم ببغيكم ... وخالفتموا دين النبي ص
أما كان خير الرسل أوصاكم بنا ... أما نحن من نسل النبي المسدد
أما كانت الزهراء امي ويلكم ... أما كان من خير البرية والدي
لعنتم وأخزيتم بما قد جنيتم ... فسوف تلاقوا حرّ نار توقد
وجعل إمام الهدى يطيل النظر إلى أخيه وقد انهارت قواه، وانهد ركنه، وتبددت جميع آماله، وودّ أنّ الموت قد وافاه قبله:
وبان الانكسار في جبينه ... فاندكت الجبال من حنينه
وكيف لا وهو جمال بهجته ... وفي محياه سرور مهجته
كافل أهله وساقي صبيته ... وحامل اللوا بمعالي همته
|
|
دراسة تحدد أفضل 4 وجبات صحية.. وأخطرها
|
|
|
|
|
قسم الشؤون الفكرية يصدر كتاب الفلسفة الغربية برؤية الشيخ مرتضى مطهري
|
|
|