النداء علامة من علامات "الاتصال" بين الناس، وهو دليل قوي على "اجتماعية" اللغة، ومن ثم فهو كثير الاستعمال، ولا يكاد يخلو كلام إنسان كل يوم من النداء، فأنت في حاجة كل وقت أن تنادي "شخصا ما" أو "شيئا ما"؛ لذلك كان للنداء "أسلوب" خاص، بل جملة خاصة اختلف في شأنها اللغويون؛ فهي جملة لأنها تفيد معنى كاملا حين نقف عليها، وهي تتكون من حرف للنداء ومنادى، والجملة المعروفة لا تتكون من حرف واسم فقط، ولا بد أن يكون فيها إسناد بين اسم واسم أو بين فعل واسم؛ لهذا كله يرى بعض اللغويين المحدثين قبول هذا التركيب على أنه "جملة" لكنهم يطلقون عليها "جملة غير إسنادية".
على أن النحو العربي يرى أن جملة النداء جملة تامة شأنها شأن الجمل الأخرى يتوافر فيها إسناد غير ظاهر؛ لأن المنادى عندهم نوع من "المفعول به"، وهو منصوب بفعل محذوف تقديره: أنادي، أو أدعو، وهذا الفعل لا يظهر مطلقا، وحرف النداء ينوب عنه ويعمل عمله. وهناك اعتراض قديم على تقدير هذا الفعل؛ لأن جملة النداء جملة طلبية، وهذا التقدير يحولها إلى جملة خبرية، وهو اعتراض لا موضع له في التحليل النهائي لهذه الجملة.
وحروف النداء متعددة؛ منها ما هو للقريب، ومنها ما هو للمتوسط، ومنها ما هو للبعيد. ومقياس القرب والبعد قد يكون مقياسا ماديا في المكان والزمان، وقد يكون مقياسا معنويا كالابن والصديق والعدو.
وأشهر حروف النداء وأكثرها استعمالا هو: يا، ويجوز حذف حرف النداء في الاستعمال الكثير ويبقى أثره، مثل:
أستاذنا الجليل...
أخي العزيز...
ص275
مُسْتَمِعِيَّ الأعزاء...
ويهمنا في التطبيق النحوي الاستعمالات المختلفة في النداء وطريقة إعرابها.
1- ينقسم المنادى إلى نوعين: أحدهما مبني والآخر معرب.
أما المنادى المبني فهو يُبنى على ما يرفع به في محل نصب وهو نوعان:
أ- العَلَم المفرد: أي الذي ليس مضافا ولا شبيها بالمضاف، مثل:
يا عليُّ أقبل يا فاطمةُ أقبلي
يا: حرف نداء مبني على السكون لا محل له من الإعراب.
علي: منادى مبني على الضم في محل نصب.
فاطمة: منادى مبني على الضم في محل نصب.
يا عليان أقبلا يا فاطمتان أقبلا
عليان: منادى مبني على الألف في محل نصب.
يا عليون أقبلوا.
عليون: منادى مبني على الواو في محل نصب.
- فإن كان المنادى العلم مبنيا في الأصل بقي على بنائه ولكنه يعرب كما يلي:
جزاك الله خيرا يا سيبويه.
سيبويه: منادى مبني على ضم مقدر منع من ظهوره حركة البناء الأخير في محل نصب(1).
- وإن كان العلم المفرد موصوفا بكلمة ابن أو بنت بشرط أن يكونا مضافين إلى علم فلك فيه وجهان: البناء على الضم، أو البناء على الفتح:
ص276
يا سعيدُ بنَ زيدٍ أقبل.
سعيد: منادى مبني على الضم في محل نصب.
بن: صفة منصوبة بالفتحة الظاهرة.
وهذا الإعراب على القاعدة الأصلية للعلم المفرد.
يا سعيدَ بنَ زيد أقبل.
سعيد: منادى مبني على الضم المقدر منع من ظهوره حركة الإتباع(2).
- إن كان العلم المفرد المنادى اسما منقوصا مثل شخص اسمه راضي أو هادي، فلك في يائه وجهان:
أ- إبقاء الياء مثل:
يا راضي أقبل.
راضي: منادى مبني على ضم مقدر منع من ظهوره الثقل في محل نصب.
ب- حذف الياء شأن حذفها في حالتي الرفع والجر، مثل:
يا راضِ أقبل.
راض: منادى مبني على ضم مقدر على الياء المحذوفة منع من ظهوره الثقل في محل نصب "والأفضل إبقاء الياء".
- وإن كان العلم مقصورا فلك في ألفه مثل ما لك في ياء المنقوص، والأفضل إبقاؤها، مثل:
يا مصطفى أقبل.
مصطفى: منادى مبني على ضم مقدر منع من ظهوره التعذر في محل نصب.
ص277
- يلتحق بقاعدة نداء العلم المفرد نداء ضمير المخاطب، مثل:
يا زيد يا أنت.
أنت: منادى مبني على ضم مقدر منع من ظهوره حركة البناء الأصلية، في محل نصب.
- ونداء الإشارة:
يا هؤلاء أقبلوا.
هؤلاء: منادى مبني على ضم مقدر منع من ظهوره حركة البناء الأصلية، في محل نصب.
- ونداء الموصول:
يا مَنْ فعل الخير أبشر.
مَنْ: منادى مبني على ضم مقدر من ظهوره حركة البناء الأصلية، في محل نصب.
ب- النكرة المقصودة:
وهي النكرة التي تقصد قصدا في النداء؛ ولذلك تكتسب التعريف منه؛ لأنه يحددها من بين النكرات، وهي تبنى على ما ترفع به في محل نصب:
يا رجلُ أقبل يا فتاة أقبلي
رجل: منادى مبني على الضم في محل نصب.
فتاة: منادى مبني على الضم في محل نصب.
يا رجلان أقبلا.
رجلان: منادى مبني على الألف في محل نصب.
يا مُجِدُّون أبشروا.
مجدون: منادى مبني على الواو في محل نصب.
- إن كانت النكرة موصوفة فالأغلب نصبها.
ص278
نصرك الله يا قائدا عظيما.
قائدا: منادى منصوب بالفتحة الظاهرة.
- إن كانت النكرة اسما مقصورا أو منقوصا فلك في ألفه أو يائه ما ذكرنا في العلم المفرد:
يا فتى أقبل.
فتى: منادى مبني على ضم مقدر منع من ظهوره التعذر، في محل نصب.
يا لاهي تنبه.
لاهي: منادى مبني على ضم مقدر منع من ظهوره الثقل، في محل نصب.
- وأما المنادى المعرب المنصوب فهو ثلاثة أنواع:
أ- النكرة غير المقصودة: وهي التي لا تفيد من النداء تعريفا، وأشهر أمثلتهم قول الأعمى:
يا رجلا خذ بيدي.
رجلا: منادى منصوب بالفتحة الظاهرة.
ويكثر استعمال هذا المنادى الآن، مثل:
يا غافلا أفق يا تائبا طوبى لك
ب- المضاف:
يا فاعل الخير أقبل.
فاعل: منادى منصوب بالفتحة الظاهرة.
الخير: مضاف إليه مجرور بالكسرة الظاهرة.
جـ- الشبيه بالمضاف: وقد قدمنا أمثلة له في لا النافية للجنس:
يا كريما خلقه أبشر.
كريما: منادى منصوب بالفتحة الظاهرة.
ص279
خلقه: فاعل مرفوع بالضمة الظاهرة، الهاء ضمير متصل مبني على الضم في محل جر مضاف إليه.
2- إن كان المنادى صحيح الآخر مضافا إلى ياء المتكلم، وكانت الإضافة محضة؛ أي معنوية يفيد منها المضاف تعريفا أو تخصيصا فإنه يعرب بعلامة مقدرة، مثل:
يا صديقي أقبل.
صديقي: منادى منصوب بفتحة مقدرة منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة المناسبة. والياء ضمير متصل مبني على السكون في محل جر مضاف إليه.
ولك في هذه الياء الواقعة مضافا إليه وجوه تؤثر على المنادى، أشهرها:
أ- إبقاؤها مبنية على السكون كما في المثال السابق.
ب- إبقاؤها مع بنائها على الفتح.
يا صديقيَ أقبل.
صديقي: منادى منصوب بفتحة مقدرة منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة المناسبة، الياء ضمير متصل مبني على الفتح في محل جر مضاف إليه.
جـ- إبقاؤها وبناؤها على الفتح ثم فتح ما قبلها وقلبها ألفا:
يا فرحَا..
فرحا: منادى منصوب بالفتحة الظاهرة(3)، والياء المنقلبة ألفا ضمير متصل مبني على السكون في محل جر مضاف إليه، والأصل: يا فرحي. ويجوز في هذا الاستعمال أن تأتي عند الوقف بهاء السكت:
ص280
يا فرحاه.
فرحاه: منادى منصوب بالفتحة الظاهرة، والياء المنقلبة ألفا ضمير متصل مبني على السكون في محل جر مضاف إليه، والهاء هاء السكت حرف مبني على السكون لا محل له من الإعراب.
د- حذفها وبقاء الكسرة التي قبلها دليلا عليها.
يا قومِ توحدوا.
قوم: منادى منصوب بفتحة مقدرة منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة المناسبة، والياء المحذوفة ضمير مبني على السكون في محل جر مضاف إليه.
هـ- حذفها وبناء ما قبلها على الضم، وذلك في الكلمات التي تكثر إضافتها مثل:
يا قومُ.. يا ربُّ
وهناك خلاف في إعراب هذا المثال، فتقول:
قوم: منادى منصوب بفتحة مقدرة منع من ظهورها الضمة التي جاءت لشبهه بالنكرة المقصودة، والمضاف إليه محذوف هو ياء المتكلم.
أو: منادى مبني على الضم في محل نصب لانقطاعه عن الإضافة لفظا لا معنى وشبهه للنكرة المقصودة.
- فإن كان المنادى المضاف إلى ياء المتكلم هو كلمة "أب" أو "أم" جاز لك فيه الاستعمالات السابقة، واستعمالات أخرى، أشهرها:
أ- حذف ياء المتكلم والتعويض عنها بتاء يقولون: إنها تاء التأنيث مع بنائها على الكسر:
يا أبتِ..
أبت: منادى منصوب بالفتحة الظاهرة، والتاء حرف جاء عوضا عن الياء المحذوفة لا محل له من الإعراب، والياء المحذوفة ضمير مبني على السكون في محل جر مضاف إليه.
ص281
- فإن كان المنادى مضافا إلى اسم مضاف إلى ياء المتكلم، وجب بقاء الياء مع بنائها على السكون أو على الفتح:
يا فرحة قلبي..
يا فرحة قلبي..
إلا إن كان المنادى هو كلمة "ابن أم أو ابن عم أو ابنة أم أو ابنة عم" فلك في هذه الياء وجهان:
أ- حذف ياء المضاف إليه مع بقاء الكسرة قبلها:
يا بن أم..
ابن: منادى منصوب بالفتحة الظاهرة.
أم: مضاف إليه مجرور بكسرة مقدرة منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة المناسبة، والياء المحذوفة ضمير مبني على السكون في محل جر مضاف إليه.
ب- حذف الياء بعد قلبها ألفا وقلب الكسرة التي قبلها فتحة لنتمكن من قلب الياء:
يا بن أمَّ..
ابن: منادى منصوب بالفتحة الظاهرة.
أم: مضاف إليه مجرور بالكسرة المقدرة منع من ظهورها الفتحة التي جاءت لقلب الياء ألفا. والياء المحذوفة المنقلبة ألفا ضمير مبني على السكون في محل جر مضاف إليه.
3- أنت تعلم أن المنادى لا يكون معرفا بالألف واللام؛ إذ لا يصح الجمع بينها وبين النداء، إلا في حالات، أشهرها:
أ- لفظ الجلالة:
ص282
يا الله(4).
الله: لفظ الجلالة منادى مبني على الضم في محل نصب، وأكثر استعماله مع حذف حرف النداء والتعويض عنه بميم مشددة:
اللهم...
الله: لفظ الجلالة منادى مبني على الضم في محل نصب، والميم عوض عن حرف النداء المحذوف، حرف مبني على الفتح لا محل له من الإعراب، ويجوز حذف "ال" من لفظ الجلالة، وذلك كثير في الشعر:
لا هُمَّ اغفر لي.
لا هم: منادى مبني على الضم في محل نصب، والميم عوض عن حرف النداء المحذوف، حرف مبني على الفتح لا محل له من الإعراب.
ب- أن يكون المنادى مشبها به:
يا الأسدُ جرأة.
الأسد: منادى مبني على الضم في محل نصب "وهم يرون أن تقدير الجملة على حذف المنادى مضاف، أي: يا مثلَ الأسد جرأة..".
4- فإذا كان الاسم المنادى معرفا بالألف واللام فلا بد من الاستعانة بـ"أي، أية"، ويجب إفرادها، وإلحاق "ها" التنبيه لها.
يا أيها المجتهد أبشر.
يا: حرف نداء مبني على السكون لا محل له من الإعراب.
أي: منادى مبني على الضم في محل نصب.
ها: حرف تنبيه مبني على السكون لا محل له من الإعراب.
المجتهد: بدل مرفوع بالضمة الظاهرة.
- وكذلك مع اسم الموصول المبدوء بـ"ال":
ص283
يا أيها الذي استعدَّ أبشر.
يا: حرف نداء مبني على السكون لا محل له من الإعراب.
أي: منادى مبني على الضم في محل نصب.
ها: حرف تنبيه مبني على السكون لا محل له من الإعراب.
الذي: اسم موصول مبني على السكون في محل رفع بدل.
استعد: فعل ماض مبني على الفتح، والفاعل ضمير مستتر جوازا تقديره هو، والجملة من الفعل والفاعل صلة الموصول لا محل لها من الإعراب.
- ومع اسم الإشارة المجرد من كاف الخطاب:
أيها ذا المستعد أبشر.
أي: منادى مبني على الضم في محل نصب.
ها: حرف تنبيه مبني على السكون لا محل له من الإعراب.
ذا: اسم إشارة مبني على السكون في محل رفع بدل لأي على اللفظ.
المستعد: صفة لاسم الإشارة مرفوع بالضمة الظاهرة.
ملحوظة: يشيع استعمال "أي" و"أية" في النداء في الفصحى المعاصرة:
أيها الحفلُ الكريم.. أيها الأخوة المواطنون
أيتها الطليعة الممتازة..
5- يجوز ترخيم المنادى؛ أي حذف حرف من آخره أو أكثر إن كان علما مفردا أو نكرة مقصودة بالشروط التي تفصلها كتب النحو، والذي يهمنا الآن هو ضبطها في التطبيق النحوي.
إن رخمت اسما منادى بأن حذفت حرفه الأخير جاز لك في الحرف الذي أصبح آخِرًا وجهان:
ص284
أ- أن نتركه على أصله فنقول:
يا فاطم.
أصلها: يافاطمة, فتبقي الميم كما كانت, وتقول في إعرابها.
فاطم: منادى مبني على الضم على التاء المحذوفة للترخيم, في محل نصب.
ياصاح.
أصلها: يا صاحب فتبقي الباء مكسورة كما كانت وتعربها كالمثال السابق, وهكذا.
وهذه الطريقة يسميها القدماء (لغة من ينتظر) دلالة على ان المستمع ينتظر الحرف المحذوف.
ب- أن تراعي موقعه باعتباره منادى فتضبط الحرف الأخير بالبناء على الضم.
يا فاطم.
فاطم: منادى مبني على الضم في محل نصب ... وهكذا.
وهذه الطريقة تسمى (لغة من لا ينتظر) كان الاسم قد انتهى بهذا الحرف ومن ثم تم بناؤه على الضم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) نقول: إنه مبني على ضم مقدر، ولا نقول: إنه مبني على الكسر في محل نصب؛ وذلك لأن حركة الضم المقدرة هذه تؤثر على تابع المنادى إن كان له تابع.
(2) يقول النحاة: إن الفتحة على آخر العلم في هذا الاستعمال تابعة للفتحة الموجودة على آخر الصفة التي هي ابن، أو أن المنادى قد ركب مع صفته تركيب خمسة عشر فيبنى على فتح الجزأين، ونذكر البناء على الضم المقدر لأثره في التوابع أيضا.
(3) الواقع أن هذه الفتحة ليست علامة الإعراب، لكنها فتحة عارضة جئنا بها لنتمكن من قلب ياء المتكلم ألفا؛ ولذلك كان ينبغي أن نقول: إنه منادى منصوب بفتحة مقدرة منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة المناسبة؛ لكننا نفضل الإعراب الذي قدمناه لما فيه من تيسير.
(4) بهمزة قطع أو وصل.