
نصّ الشبهة:
يزعم الشيعة أنّ مهديّهم إذا ظهر فإنّه سيحكم بحكم آل داود (عليه السلام) لا يسأل البيّنة! فأين شريعة محمد (صلى الله عليه وآله) الناسخة للشرائع السابقة، والتي تنص على وجوب إظهار البيّنة عند التقاضي؟!
الجواب:
بسم الله الرحمن الرحيم..
وله الحمد، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. وبعد..
فإنّنا نجيب بما يلي:
أولاً: إنّ الجزاء على الجرائم وإقامة العدل الحقيقي في الناس يحتاج إلى وضع الأمور في مواضعها، وإعطاء كلّ ذي حقّ حقه، وهذا يحتاج إلى إصابة الواقع في كلّ شيء، والعمل بالبيّنات والأيمان إنّما هو لحسم النزاعات في مرحلة الظاهر.
وهذا وإن كان يصيب الواقع في أحيان كثيرة، ولكنّه قد يخطئه أيضاً في بعض الأحيان؛ لأنّ البيّنة قد تخطئ وقد تكذب، والحالف يحلف كاذباً في بعض الأحيان أيضاً، كما أنّ المقرّ على نفسه قد يقرّ بما لم يكن؛ لأنّه يرى أنّ له مصلحة في ذلك، أو لغير ذلك من أسباب، أمّا كشف الله الواقع للإمام والحاكم، ببعض وسائل الكشف، ولو بوضع ملك له يسدّده، أو بغير ذلك من أسباب، فهو الذي يمكن بواسطته إقامة القسط والعدل في كلّ الأشياء بصورة قاطعة.
فإن كان النبيّ «صلى الله عليه وآله» قد وعد الأمم بأنّ الإمام في آخر الزمان سوف يملأ الأرض قسطاً وعدلاً، فإنَّه يكون قد أعطى تعهّداً ضمنيّاً بإصابة الواقع في كلّ ما يُقرِّره هذا الإمام وما يقضي به.
وهذا يحتّم على الإمام الإستفادة من الوسيلة التي تضمن له ذلك، والتخلّي عن الأيمان والبيّنات التي قد تخطئ وقد تصيب.
وبذلك يتّضح: أنّ حكم الإمام «عليه السلام» بحكم آل داود هو الآخر جزء من شريعة النبي «صلى الله عليه وآله»؛ لأنّه قد وعد به الأمم، وجعله من جملة ما جاءهم به.
ثانياً: إنّ اللجوء إلى الأقارير والأيمان والبينات لكشف الواقع إنّما كان إجراءً إرفاقياً وعملاً تسهيليّاً للنّاس، فإنّ الأمر في حال غيبة الإمام «عليه السلام» يدور بين ثلاثة خيارات:
أوّلها: أن يهمل الشارع حقوق الناس وكلّ موارد النزاع وكلّ ما لا يعلم وجه الحق فيه، وهذا يؤدّي إلى تضييع الحقوق والفوضى وفساد الحالة الإجتماعيّة بصورة خطيرة.
ثانيها: أن يجعل الميزان هو ظنون الحكّام والقضاة والحكّام وغيرهم، وهذا أيضاً يفسح المجال للأهواء لتتحكّم بأمور الناس، وتعطي الحكّام الظالمين الفرصة للإمعان في العدوان على الأبرياء وتصفية خصومهم، وتمكينهم من تسديد ضرباتهم الخطيرة ضد أهل الاستقامة والدين وأهله، وفي هذا خطر جسيم وفساد عظيم.
ثالثها: أن يعتمد سبيل الإرفاق في نظام يحفظ معظم الحقوق ويصون الكيان العام.
وإن كان قد يتمكّن البعض من اختراقه والعدوان عليه وهو نظام الأقارير والبيِّنات كما قلنا. حتّى إذا خرج الإمام ولم يعد هناك مورد للإرفاق ولا مصلحة في التسهيل، فإنّ الحكم يتبع موضوعه فلا بُدَّ من العودة للحكم الأوليّ والتخلّي عن الحكم الإرفاقيّ، الذي هو في الحقيقة عنوان ثانويّ.
وبعبارة أخرى: إنّ النبي «صلى الله عليه وآله» لو عمل في النّاس بحكم آل داود (عليه السلام)، فإنّ حقوق النّاس سوف تضيع بعده حين يتمّ إبعاد المعصوم عن السلطة، ويحكم النّاس من لا يملك القدرة على معرفة الواقع.
فكان لا بُدَّ من الإرفاق بالناس وحفظ الحد الأدنى ممّا يمكن حفظه.
فإذا عادت الأمور إلى خط الاستقامة، وحكم الناس من يقدر على معرفة الواقع يكون قد انتفى موضوع هذا الحكم الإرفاقيّ.
وبذلك يتّضح أنّ المورد ليس من موارد النسخ.
والحمد لله، والصلاة والسلام على محمد وآله.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر: ميزان الحق (شبهات وردود)، السيد جعفر مرتضى العاملي، المركز الإسلامي للدراسات، الطبعة الأولى، 1431 هـ. ـ 2010 م.، الجزء الثاني، السؤال رقم (38).