الأدب
الشعر
العصر الجاهلي
العصر الاسلامي
العصر العباسي
العصر الاندلسي
العصور المتأخرة
العصر الحديث
النثر
النقد
النقد الحديث
النقد القديم
البلاغة
المعاني
البيان
البديع
العروض
تراجم الادباء و الشعراء و الكتاب
الخطابة والخطباء في العصر الأموي
المؤلف:
جرجي زيدان
المصدر:
تاريخ آداب اللغة العربية
الجزء والصفحة:
ج1، ص305-306
22-03-2015
4381
ظلت الخطابة محتفظة بمكانتها في العصر الاموي لحاجة القوم الى استنهاض الهمم في جمع الأحزاب أو تفريقها والتحريض على النهوض لحرب ونحوها، فكان أكثر القواد خطباء وفيهم جماعة من ابلغ رجال الخطابة .. فالحجاج بن يوسف كان خطيبا بليغا زادته الخطابة عظمة وسطوة. وكان العراق متمردا على عبد الملك، فلما أعجزه أمره ولى الحجاج عليه فدخل الحجاج الكوفة وصعد المنبر متلثما متنكبا قوسه واضعا ابهامه على فمه، واحتقره الناس وكادوا يرمونه بالحصى فوقف وازاح لثامه من وجهه والقى خطبته التي قال في مطلعها:
انا ابن جلا وطلاع الثنايا متى اضع العمامة تعرفوني
الى ان قال:
(اما والله إني لأحمل الشر بثقله واحذره بنعله واجزيه بمثله. اما والله إني لأرى رؤوسا قد أينعت وحان قطافها، وكأني ارى الدماء بين العمائم واللحى:
هذا أوان الشد فاشتدي زيم قد لفها الليل بسواق حطم
الا وان أمير المؤمنين عبد الملك بن مروان نثر كنانته فعجم عيدانها، فوجدني اصلبها عودا فوجهني اليكم. فإنكم أهل بغي وشقاق، وخلاف ونفاق، طالما سعيتم في الضلالة وسننتم سنن البغي. اما والله لألحونكم لحو العصا ولأعصبنكم عصب السلمة
ولأقرعنكم قرع المروة ولأضربنكم ضرب غرائب الإبل. والله ما أخلق الا فريت ولا أعد الا وفيت .. الخ)
فما فرغ من خطبته حتى هابوه واذعنوا له، وكان شديدا عليهم وامره مشهور. ومع ذلك فقد كان إذا رقي المنبر وذكر احسانه الى أهل العراق وصفحه عنهم واساءتهم إليه، يخيل للسامع انه صادق وان أهل العراق ظلموه (1). ولذلك كان الامراء والخلفاء يخافون الخطباء كما يخافون الشعراء لما في اقوالهم من التأثير في تلك النفوس الحساسة.
وكان أكثر الخلفاء يخطبون لكنهم يتفاوتون في البلاغة وقوة العارضة، على ان تلك القوة أخذت تضعف فيهم بعد الفراغ من الفتوح والانغماس في أسباب الترف والسكون الى الرخاء والبذخ. وتحولت من الحماسة الى المواعظ ثم الى الشكاية. وتداعى فن الخطابة بتداعي دولة العرب في الشرق. فلما قامت دولتهم في الاندلس بعثوه وقربوا الخطباء كما قربوا الشعراء، لكنهم قلما كانوا يستخدمونهم لانهاض الهمم او اخماد الفتن، لذهاب الحاجة الى ذلك بهذاب البداوة والفراغ من الفتح. على انهم كانوا إذا احتفلوا بتنصيب خليفة او بالنصر على عدو او باستقبال قادم كبير، تقدمت الخطباء للترحيب به واعظام شأنه ووصف ما تهيأ له من توطيد الخلافة (2).
واما الامراء والقواعد فكانوا يخطبون في الجند قبل الاغارة على العدو، فيحرضونهم على الثبات. وكثيرا ما كانت الخطبة سببا للنصر كخطبة خالد بن الوليد في موقعة اليرموك، وخطبة المغيرة في موقعة القادسية، وخطبة طارق بن زياد في فتح الاندلس، ونحو ذلك مما لا تسعه المجلدات.
ناهيك بشيوع الخطابة في القبائل على اختلاف اصقاعها كما كانت في الجاهلية. وكانت ترد الوفود الى المدينة او دمشق او بغداد او غيرها من عواصم المسلمين لتهنئة الخليفة او استنفاره او استنجاده او استجدائه. وكان شباب الكتاب إذا قدم الوفد حضروا لاستماع بلاغة خطبائهم لشيوع حب الخطابة فيهم (3) ولاقتباس أساليب البلاغة منهم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) البيان 20 ج1
(2) نفح الطيب
(3) العقد الفريد ج2