الأدب
الشعر
العصر الجاهلي
العصر الاسلامي
العصر العباسي
العصر الاندلسي
العصور المتأخرة
العصر الحديث
النثر
النقد
النقد الحديث
النقد القديم
البلاغة
المعاني
البيان
البديع
العروض
تراجم الادباء و الشعراء و الكتاب
أسلوب النظم الشعري في العصر العباسي الأول
المؤلف:
جرجي زيدان
المصدر:
تاريخ آداب اللغة العربية
الجزء والصفحة:
ج1، ص346-348
24-03-2015
5507
يشتمل الشعر على الخيال الشعري وهو المعنى، وعلى القالب الذي يسبك فيه ذلك المعنى وهو الكلام المقفى الموزون او النظم. وأهم ما يلاحظ في النظم ثلاثة أمور:
1) طريقته وهي الخطة التي يجري عليها الشعراء في تنسيق المعاني.
2) الاسلوب وهو العبارة التي يختارونها للتعبير.
3) اللفظ.
ومن القواعد الأساسية في تاريخ الشعر ان يتبع في اسلوبه ولفظه وطريقته حال الأمة التي تقوله، فيتنوع شعرها بتنوع نظام اجتماعها وسائر احوالها. ولكن العرب ظلوا الى عهد غير بعيد يقلدون طريقة الجاهلين فيما ينظمونه، فيستهلون قصائدهم بذكر الرحيل والاطلال والإبل ومغيرها من خصائص. حتى الألفاظ فانهم كثيرا ما يقلدونهم فيها، وفيها الوحشي الذي لا يلائم المدينة لأن وحشي الكلام لوحشي الناس.
والسبب في تمسكهم بالقديم رسوخ الاعتقاد بأفضلية آداب الجاهلية وشعراء الجاهلية، إذا كان اليها مرجعهم في صدر الإسلام لتحقيق الألفاظ والتراكيب. ثم عظم الأمويون مناقب الجاهلية وطباع البداوة لرغبتهم في تأييد العرب ودولة العرب، فرسخ في اذهان الناس ان مناقب الجاهلية أفضل ما يتبع. فلما تغلب العباسيون بأنصارهم الفرس وغلب العرب على امرهم وعلت كلمة الفرس، اخذ ذلك الاعتقاد في الزوال.
اما من حيث الاسلوب، فان الشعر الجاهلي عريق في البلاغة مع سلامته من الركاكة والعجمة. واما الخيال الشعري فيرى بعض العلماء ان العقل البشري سائر نحو الارتقاء
في كل سبيل الا من حيث الخيال الشعري فانه لا يزال في مكانه .. هذا هوميروس لا يزال نابغة الشعراء وقد مر عليه نحو 3000 سنة والناس يتقدمون في كل شيء.
وانظر الى امرئ القيس والنابغة وزهير وغيرهم من الجاهليين، فانهم لا يزالون يعدون من نوابغ الشعراء الى الان. على ان الشعر العربي شانا خاصا من حيث الاسلوب، فان كلام الاسلاميين يعد على العموم أعلى طبقة من كلام الجاهليين في منثورهم ومنظومهم .. نعني الشعراء والخطباء والمترسلين في صدر الإسلام الى اوائل الدولة العباسية (1)، فضلا عن تأثير الأحوال الاجتماعية على الخيال الشعري ولا سيما في الانتقال من البداوة الى الحضارة، ومجاري الطبيعة كالقضاء المبرم لا يدفعها دافع. لكن تعظيم الأمويين للعرب جعل الجاهليين مثالا يقتدى بهم في الشعر .. فكان الادباء يتحاشون نقد ذلك الاعتقاد في الدولة الأموية. ومع ارتقاء الاسلوب واتساع الخيال ظلوا يقلدون طريقة الجاهليين في النظم.
فلما انتقل الأمر الى بني العباس، هان عليهم الاعتقاد واخذوا يفكرون في تقبيح تلك الطريقة. وأول من تجرأ على نقدها من الادباء ابن قتيبة في اواسط القرن الثالث للهجرة في كتابه الشعر والشعراء (2)، وسنعود الى ذلك في تاريخ نقد الشعر.
على ان الشعراء تنبهوا الى هذا الأمر في صدر الدولة العباسية، فاخذوا في انتقاد طريقة الجاهليين، ولم يجدوا من يأخذ بناصرهم لغلبة التقليد على طباعهم .. لكنهم حاولوا الخروج من تلك القيود على الأقل من العصر العباسي الأول، عصر حرية القول. وأصبح حديث الشعراء في مجلسهم انتقاد تلك الطريقة، وأقدم ما بلغنا من هذا القبيل اجتماع مطيع بن اياس بفتى من أهل الكوفة ففاوضه في ذلك، فقال:
لأحسن من بيد يحار بها القطا ومن جبلي طي ووصفكما سلعا
تلاحظ عيني عاشقين كلاهما له مقلة في وجه صاحبه ترعى (3)
وكان ذلك لسان حال أكثر الشعراء وان لم ينظموه. وممن جاهر به منهم أبو نواس ومن اقواله التي يستدل بها على انكاره طريقة القدماء قوله:
لا تبك ليلى ولا تطرب الى هند واشرب على الورد من حمراء كالورد
ومن هذا القبيل قوله:
صفة الطلول بلاغة القدم فاجعل صفاتك لابنة الكرم (4)
ولما سجنه الخليفة على اشهاره بالخمر، واخذ عليه المواثيق الا يذكرها في شعره، وكأنه كلفه الرجوع عنها الى النظم على طريقة الجاهليين، قال:
أعِر شعرك الاطلال والمنزل الفقرا فقد طالما ازرى به نعتك الخمرا
دعاني الى نعت الطلول مسلط تضيق ذراعي ان أرد له امرا
فسمعا أمير المؤمنين وطاعة وان كنت قد جشمتني مركبا وعرا
فجاهر بان وصفه الاطلال والقفر انما هو من خشية الامام، والا فهو عنده فراغ وجهل. واقتدى به أبو العتاهية ومن جاء بعده، ولكن بين الشعراء من يقلد الجاهليين حتى الآن.
وأثر في اسلوب الشعر ومعناه في هذا العصر ما نقل الى العربية او حفظ فيها من آداب الفرس وأخبارهم، فاكتسب الشعر العربي خيالا لطيفة وزادت فيه معان جديدة، على نحو ما كان من تأثير آداب اليونان القدماء في أخلاق الرومان. ويشبه ذلك تأثير التمدن الحديث في آدابنا ومجاري افكارنا.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ابن خلدون ج1
(2) الشعر والشعراء
(3) الأغاني ج12
(4) العمدة ج1