1

المرجع الالكتروني للمعلوماتية

تأملات قرآنية

مصطلحات قرآنية

هل تعلم

علوم القرآن

أسباب النزول

التفسير والمفسرون

التفسير

مفهوم التفسير

التفسير الموضوعي

التأويل

مناهج التفسير

منهج تفسير القرآن بالقرآن

منهج التفسير الفقهي

منهج التفسير الأثري أو الروائي

منهج التفسير الإجتهادي

منهج التفسير الأدبي

منهج التفسير اللغوي

منهج التفسير العرفاني

منهج التفسير بالرأي

منهج التفسير العلمي

مواضيع عامة في المناهج

التفاسير وتراجم مفسريها

التفاسير

تراجم المفسرين

القراء والقراءات

القرآء

رأي المفسرين في القراءات

تحليل النص القرآني

أحكام التلاوة

تاريخ القرآن

جمع وتدوين القرآن

التحريف ونفيه عن القرآن

نزول القرآن

الناسخ والمنسوخ

المحكم والمتشابه

المكي والمدني

الأمثال في القرآن

فضائل السور

مواضيع عامة في علوم القرآن

فضائل اهل البيت القرآنية

الشفاء في القرآن

رسم وحركات القرآن

القسم في القرآن

اشباه ونظائر

آداب قراءة القرآن

الإعجاز القرآني

الوحي القرآني

الصرفة وموضوعاتها

الإعجاز الغيبي

الإعجاز العلمي والطبيعي

الإعجاز البلاغي والبياني

الإعجاز العددي

مواضيع إعجازية عامة

قصص قرآنية

قصص الأنبياء

قصة النبي ابراهيم وقومه

قصة النبي إدريس وقومه

قصة النبي اسماعيل

قصة النبي ذو الكفل

قصة النبي لوط وقومه

قصة النبي موسى وهارون وقومهم

قصة النبي داوود وقومه

قصة النبي زكريا وابنه يحيى

قصة النبي شعيب وقومه

قصة النبي سليمان وقومه

قصة النبي صالح وقومه

قصة النبي نوح وقومه

قصة النبي هود وقومه

قصة النبي إسحاق ويعقوب ويوسف

قصة النبي يونس وقومه

قصة النبي إلياس واليسع

قصة ذي القرنين وقصص أخرى

قصة نبي الله آدم

قصة نبي الله عيسى وقومه

قصة النبي أيوب وقومه

قصة النبي محمد صلى الله عليه وآله

سيرة النبي والائمة

سيرة الإمام المهدي ـ عليه السلام

سيرة الامام علي ـ عليه السلام

سيرة النبي محمد صلى الله عليه وآله

مواضيع عامة في سيرة النبي والأئمة

حضارات

مقالات عامة من التاريخ الإسلامي

العصر الجاهلي قبل الإسلام

اليهود

مواضيع عامة في القصص القرآنية

العقائد في القرآن

أصول

التوحيد

النبوة

العدل

الامامة

المعاد

سؤال وجواب

شبهات وردود

فرق واديان ومذاهب

الشفاعة والتوسل

مقالات عقائدية عامة

قضايا أخلاقية في القرآن الكريم

قضايا إجتماعية في القرآن الكريم

مقالات قرآنية

التفسير الجامع

حرف الألف

سورة آل عمران

سورة الأنعام

سورة الأعراف

سورة الأنفال

سورة إبراهيم

سورة الإسراء

سورة الأنبياء

سورة الأحزاب

سورة الأحقاف

سورة الإنسان

سورة الانفطار

سورة الإنشقاق

سورة الأعلى

سورة الإخلاص

حرف الباء

سورة البقرة

سورة البروج

سورة البلد

سورة البينة

حرف التاء

سورة التوبة

سورة التغابن

سورة التحريم

سورة التكوير

سورة التين

سورة التكاثر

حرف الجيم

سورة الجاثية

سورة الجمعة

سورة الجن

حرف الحاء

سورة الحجر

سورة الحج

سورة الحديد

سورة الحشر

سورة الحاقة

الحجرات

حرف الدال

سورة الدخان

حرف الذال

سورة الذاريات

حرف الراء

سورة الرعد

سورة الروم

سورة الرحمن

حرف الزاي

سورة الزمر

سورة الزخرف

سورة الزلزلة

حرف السين

سورة السجدة

سورة سبأ

حرف الشين

سورة الشعراء

سورة الشورى

سورة الشمس

سورة الشرح

حرف الصاد

سورة الصافات

سورة ص

سورة الصف

حرف الضاد

سورة الضحى

حرف الطاء

سورة طه

سورة الطور

سورة الطلاق

سورة الطارق

حرف العين

سورة العنكبوت

سورة عبس

سورة العلق

سورة العاديات

سورة العصر

حرف الغين

سورة غافر

سورة الغاشية

حرف الفاء

سورة الفاتحة

سورة الفرقان

سورة فاطر

سورة فصلت

سورة الفتح

سورة الفجر

سورة الفيل

سورة الفلق

حرف القاف

سورة القصص

سورة ق

سورة القمر

سورة القلم

سورة القيامة

سورة القدر

سورة القارعة

سورة قريش

حرف الكاف

سورة الكهف

سورة الكوثر

سورة الكافرون

حرف اللام

سورة لقمان

سورة الليل

حرف الميم

سورة المائدة

سورة مريم

سورة المؤمنين

سورة محمد

سورة المجادلة

سورة الممتحنة

سورة المنافقين

سورة المُلك

سورة المعارج

سورة المزمل

سورة المدثر

سورة المرسلات

سورة المطففين

سورة الماعون

سورة المسد

حرف النون

سورة النساء

سورة النحل

سورة النور

سورة النمل

سورة النجم

سورة نوح

سورة النبأ

سورة النازعات

سورة النصر

سورة الناس

حرف الهاء

سورة هود

سورة الهمزة

حرف الواو

سورة الواقعة

حرف الياء

سورة يونس

سورة يوسف

سورة يس

آيات الأحكام

العبادات

المعاملات

القرآن الكريم وعلومه : التفسير الجامع : حرف الألف : سورة الإسراء :

تفسير الاية (105-111) من سورة الإسراء

المؤلف:  المرجع الإلكتروني للمعلوماتية

المصدر:  تفاسير الشيعة

الجزء والصفحة:  ......

24-8-2020

17390

 

قال تعالى: {وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (105) وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا (106) قُلْ آمِنُوا بِهِ أَولَا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا (107) وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا (108) وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا (109) قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا (110) وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا } [الإسراء: 105 - 111]

تفسير مجمع البيان
- ذكر الطبرسي في تفسير هذه  الآيات (1) :

عن ابن عباس ومجاهد { وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْنَاهُ} معناه: وبالحق أنزلنا القرآن عليك { وَبِالْحَقِّ نَزَلَ} القرآن وتأويله أردنا بإنزال القرآن الحق والصواب وهو أن يؤمن به ويعمل بما فيه ونزل بالحق لأنه يتضمن الحق ويدعوإلى الحق وقال البلخي يجوز أن يكون المراد أنزلنا موسى فيكون كقوله وأنزلنا الحديد ويجوز أن يكون المراد وأنزلنا الآيات أي وأنزلنا ذلك كما قال أبوعبيدة أنشدني رؤبة :

فيه خطوط من سواد وبلق                كأنه في العين توليع البهق(2)

 فقلت له إن أردت الخطوط فقل كأنها وإن أردت السواد والبياض فقل: كأنهما(3) قال فقال: لي كان ذا ويلك توليع البهق { وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا} مبشرا بالجنة لمن أطاع ومنذرا بالنار لمن عصى .

ثم عطف سبحانه على ما تقدم فقال { وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ} أي: وأنزلنا عليك يا محمد قرآنا فصلناه سورا وآيات عن أبي مسلم وقيل معناه فرقنا به الحق عن الباطل عن الحسن وقيل معناه جعلنا بعضه خبرا وبعضه أمرا وبعضه نهيا وبعضه وعدا وبعضه وعيدا وأنزلناه متفرقا لم ننزله جميعا إذ كان بين أوله وآخره نيف وعشرين سنة { لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ} أي: على تثبت وتؤدة فترتله ليكون أمكن في قلوبهم ويكونوا أقدر على التأمل والتفكر فيه ولا تعجل في تلاوته فلا يفهم عنك عن ابن عباس ومجاهد وقيل معناه لتقرأه عليهم مفرقا شيئا بعد شيء { وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا} على حسب الحاجة ووقوع الحوادث وروي عن ابن عباس أنه قال لئن أقرأ سورة البقرة وأرتلها أحب إلي من أن أقرأ القرآن هذا وعن عبد الله بن مسعود أنه قال لا تقرأوا القرآن في أقل من ثلاث واقرءوا في سبع { قل } يا محمد لهؤلاء المشركين { آمنوا به } أي: بالقرآن { أَوْ لَا تُؤْمِنُوا} فإن إيمانكم ينفعكم ولا ينفع غيركم وترككم الإيمان يضركم ولا يضر غيركم وهذا تهديد لهم وهو جواب لقولهم { لن نؤمن لك حتى تفجر لنا } { إن الذين أوتوا العلم من قبله } أي أعطوا علم التوراة من قبل نزول القرآن كعبد الله بن سلام وغيره فعلموا صفة النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) قبل مبعثه عن ابن عباس وقيل أنهم أهل العلم من أهل الكتاب وغيرهم وقيل: أنهم أمة محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) عن الحسن { إذا يتلى عليهم } القرآن { يخرون للأذقان سجدا } أي يسقطون على الوجوه ساجدين عن ابن عباس وقتادة وإنما خص الذقن لأن من سجد كان أقرب شيء منه إلى الأرض ذقنه والذقن مجمع اللحيين.

 { ويقولون سبحان ربنا } أي: تنزيها لربنا عز اسمه عما يضيف إليه المشركون { إن كان وعد ربنا لمفعولا } إنه كان وعد ربنا مفعولا حقا يقينا ولم يكن وعد ربنا إلا كائنا { ويخرون للأذقان يبكون } أي: ويسجدون باكين إشفاقا من التقصير في العبادة وشوقا إلى الثواب وخوفا من العقاب { ويزيدهم } ما في القرآن من المواعظ { خشوعا } أي: تواضعا لله تعالى واستسلاما لأمر الله وطاعته ثم قال سبحانه { قل } يا محمد لهؤلاء المشركين المنكرين نبوتك { ادعوا الله أوادعوا الرحمن } وذكر في سببه أقوال ( أحدها ) أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) كان ساجدا ذات ليلة بمكة يدعويا رحمن يا رحيم فقال المشركون هذا يزعم أن له إلها واحدا وهو يدعو مثنى عن ابن عباس ( وثانيها ) أن المشركين قالوا أما الرحيم فنعرفه وأما الرحمن فلا نعرفه عن ميمون بن مهران ( وثالثها ) أن اليهود قالوا إن ذكر الرحمن في القرآن قليل وهو في التوراة كثير عن الضحاك.

 { أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى } معناه: أي أسمائه تدعو وما هاهنا صلة كقوله عما قليل ليصبحن نادمين وقيل هي بمعنى أي شيء كررت مع أي لاختلاف اللفظين توكيدا كما قالوا ما رأيت كالليلة ليلة وتقديره أي شيء من أسمائه تدعونه به كان جائزا فإن معنى أوفي قوله { أوادعوا الرحمن } الإباحة أي إن دعوتم بأحدهما كان جائزا وإن دعوتم بهما كان جائزا فله الأسماء الحسنى فإن أسماءه تنبىء عن صفات حسنة وأفعال حسنة فأما أسماؤه المنبئة عن صفات ذاته فهو القادر العالم الحي السميع البصير القديم وأما أسماؤه المنبئة عن صفات أفعاله الحسنة فنحوالخالق والرازق والعدل والمحسن والمجمل والمنعم والرحمن والرحيم وأما ما أنبأ عن المعاني الحسنة فنحوالصمد فإنه يرجع إلى أفعال عباده وهو أنهم يصمدونه في الحوائج ونحو المعبود والمشكور بين سبحانه في هذه الآية أنه شيء واحد وإن اختلفت أسماؤه وصفاته وفي الآية دلالة على أن الاسم عين المسمى وعلى أن تقديم أسمائه الحسنى قبل الدعاء والمسألة مندوب إليه مستحب وفيها أيضا دلالة على أنه سبحانه لا يفعل القبائح مثل الظلم وغيره لأن أسماءه حينئذ لا تكون حسنة فإن الأسماء قد تكون مشتقة من الأفعال فلوفعل الظلم لاشتق منه اسم الظالم كما اشتق من العدل العادل وقوله { ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها } اختلف في معناه على أقوال ( أحدها ) أن معناه لا تجهر بإشاعة صلاتك عند من يؤذيك ولا تخافت بها عند من يلتمسها منك عن الحسن وروي أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) كان إذا صلى فجهر في صلاته تسمع له المشركون فشتموه وآذوه فأمره سبحانه بترك الجهر وكان ذلك بمكة في أول الأمر وبه قال سعيد بن جبير وروي ذلك عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليه السلام) ( وثانيها ) أن معناه لا تجهر بدعائك ولا تخافت بها ولكن بين ذلك فالمراد بالصلاة الدعاء عن مجاهد وعطا ومكحول ونحوه روي عن ابن عباس ( وثالثها ) أن معناه لا تجهر بصلاتك كلها ولا تخافت بها كلها.

 { وابتغ بين ذلك سبيلا } بأن تجهر بصلاة الليل وتخافت بصلاة النهار عن أبي مسلم ( ورابعها ) لا تجهر جهرا يشغل به من يصلي بقربك ولا تخافت بها حتى لا تسمع نفسك عن الجبائي وقريب منه ما رواه أصحابنا عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال الجهر بها رفع الصوت شديدا والمخافتة ما لم تسمع أذنيك واقرأ قراءة وسطا ما بين ذلك وابتغ بين ذلك سبيلا أي بين الجهر والمخافتة ولم يقل بين ذينك لأنه أراد به الفعل فهومثل قوله عوان بين ذلك { وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا } فيكون مربوبا لا ربا لأن رب الأرباب لا يجوز أن يكون له ولد { ولم يكن له شريك في الملك } فيكون عاجزا محتاجا إلى غيره ليعينه ولا يجوز أن يكون الإله بهذه الصفة { ولم يكن له ولي من الذل } أي: لم يكن له حليف حالفه لينصره على من يناوئه لأن ذلك من صفة الضعيف العاجز ولا يجوز أن يكون الإله بهذه الصفة قال مجاهد : لم يذل فيحتاج إلى من يتعزز به يعني أنه القادر بنفسه وكل ما عبد من دونه فهوذليل مقهور وقيل معناه ليس له ولي من أهل الذل لأن الكافر والفاسق لا يكون وليا لله.

 { وكبره تكبيرا } أي: عظمه تعظيما لا يساويه تعظيما ولا يقاربه وروي أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) كان يعلم أهله هذه الآية وما قبلها عن ابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير وقيل إن في هذه الآية ردا على اليهود والنصارى حين قالوا اتخذ الله الولد وعلى مشركي العرب حيث قالوا لبيك لا شريك لك إلا شريكا هولك وعلى الصابئين والمجوس حين قالوا لولا أولياء الله لذل الله عن محمد بن كعب القرظي.

 ( سؤال ) قالوا كيف يحمد سبحانه أن لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك والحمد إنما يستحق على فعل له صفة التفضل ( والجواب ) أنه ليس له الحمد في الآية على أنه لم يفعل وإنما الحمد له سبحانه على أفعاله المحمودة وتوجه الحمد إلى من هذه صفته كما يقال أنا أشكر فلانا الجميل ولا نشكره على جماله بل على أفعاله .

_____________

1- تفسير مجمع البيان ،الطبرسي،ج6،ص301-305.

2- في (اللسان):في مادة ولع (فيها خطوط ا هـ). والتوليع: التلميع من البرص.والبهق :بياض دون البرص.

3- قال ابن المنضور بعد ذكر القصة قال ابن بري: ورواية الأصمعي كأنهما أي:كأن الخطوط (انتهى).

4- الهذّ: سرعة القراءة.

تفسير الكاشف
- ذكر محمد جواد مغنية في تفسير هذه  الآيات (1) :

{وبِالْحَقِّ أَنْزَلْناهُ وبِالْحَقِّ نَزَلَ} . للمفسرين أقوال في بيان الفرق بين هاتين الجملتين ، وأرجحها ما قاله الطبرسي والرازي ، ويتلخص - مع شيء من التصرف بقصد التوضيح - بان المراد من قوله : {وبِالْحَقِّ أَنْزَلْناهُ} ان القرآن متضمن للحق ، والمراد من {وبِالْحَقِّ نَزَلَ} ان اللَّه أراد من نزول القرآن أن يؤمن ويعمل به الناس ، وقد حصل ذلك ووقع ، حيث آمن به المسلمون ، وعمل به المخلصون منهم .

ونحن مع الرازي والطبرسي في تفسير الجملة الأولى ، أما الجملة الثانية فالذي نراه في تفسيرها ان كل ما كان عليه الناس قبل انزال القرآن ، وما يكونون عليه بعد انزاله فان القرآن يقرهم عليه إذا كان حقا وخيرا وصلاحا ، وبكلام آخر : ان اللَّه سبحانه بعد ان قال في الجملة الأولى : نزل القرآن بالحق والخير والصلاح قال في الجملة الثانية : ويقر القرآن أيضا كل ما هو حق وخير وصلاح من أي كان ويكون تقدم على نزول القرآن أوتأخر عنه . وفي هذا المعنى قوله تعالى : « وأَمَّا ما يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ » - 17 الرعد . وقوله :

{ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ ولا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ } - 185 البقرة . وقال الإمام جعفر الصادق ( عليه السلام ) : كل ما فيه صلاح للناس بجهة من الجهات فهو جائز .

{وما أَرْسَلْناكَ إِلَّا مُبَشِّراً ونَذِيراً} . تبشر بالجنة من أطاع ، وتنذر بالنار من عصى ، ومن شاء بعد ذلك فليؤمن ، ومن شاء فليكفر : { إِنَّ رَبَّكَ هُو أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ وهُوأَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ } - 117 الأنعام .

هل نزل القرآن نجوما ؟ .

{وقُرْآناً فَرَقْناهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلى مُكْثٍ ونَزَّلْناهُ تَنْزِيلاً} لم ينزل القرآن على محمد ( صلى الله عليه واله وسلم) جملة واحدة ، بل نزل نجوما يتابع أحيانا ، ويبطئ أحيانا أخرى حسب المصالح والوقائع التي تحدث آنا بعد آن ، أما قوله تعالى : « إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ » فمعناه ان ابتداء النزول كان في هذه الليلة ، ثم استمر إلى وفاة الرسول الأعظم ( صلى الله عليه واله وسلم) . . وكان بين أول نزوله وآخره ثلاثة وعشرون عاما ، وقد بين سبحانه الغاية من ذلك بقوله : { لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلى مُكْثٍ }

أي على تمهل آية آية ، ليسهل فهمه وحفظه . . وهذه الآية دليل واضح على خطأ من قال : نزل القرآن على محمد جملة واحدة ، وبلغه هو على دفعات ، وقد رد سبحانه على من قال هذا بقوله : { وقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَولا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ } - 32 الفرقان أي لنقوي قلبك على ادراك معاني القرآن وأسراره . . هذا بالإضافة إلى كثير من الآيات التي حكت قصة الحوادث المتجددة أوبينت أحكامها كقصة بدر وأحد والأحزاب وحنين ، وقصة نصارى نجران ، ويهود المدينة ، وكحادثة أزواج النبي ، والمرأة التي جادلته في زوجها إلى غير ذلك .

وقال الشيخ المفيد : نزل القرآن على الأسباب الحادثة حالا بعد حال ، ويدل على ذلك ظاهر القرآن ، والتواتر من الأخبار ، واجماع العلماء .

{ونَزَّلْناهُ تَنْزِيلاً } . في كتب اللغة تنزل أي نزل على مهل ، وعليه تكون هذه الجملة تفسيرا وبيانا لما قبلها .

{قُلْ آمِنُوا بِهِ أَولا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقانِ سُجَّداً ويَقُولُونَ سُبْحانَ رَبِّنا إِنْ كانَ وَعْدُ رَبِّنا لَمَفْعُولاً ويَخِرُّونَ لِلأَذْقانِ يَبْكُونَ ويَزِيدُهُمْ خُشُوعاً} . الضمير في {به} للقرآن ، والخطاب في آمنوا أولا تؤمنوا للمشركين الذين قالوا لمحمد ( صلى الله عليه واله وسلم) : لن نؤمن لك حتى تفجر الخ . . اقرأ الآية 90 وما بعدها من هذه السورة ، والضمير في قبله للقرآن ، ويخرون للأذقان أي يسجدون على وجوههم ، وذكر السجود مرتين لأن الأول كان تعظيما للَّه ، والثاني لتأثير القرآن في نفوسهم ، أما الذين أوتوا العلم من قبل القرآن فالمراد بهم المنصفون من أهل الكتاب الذين آمنوا بمحمد ( صلى الله عليه واله وسلم) ، وأصحاب الفطرة الصافية من غيرهم كالحنفاء الذين نشير إلى بعضهم في الفقرة التالية :

الحنفاء

الحنفاء جمع الحنيف ، وهو الذي ترك الباطل ، واتبع الحق ، والحنيفية الطريقة المستقيمة ، وكان في الجاهلية افراد تمردوا على عصرهم وبيئتهم ، وأدركوا بفطرتهم الصافية أن لهذا الكون خالقا قديرا واحدا ، وان بعد الموت بعثا وحسابا وثوابا وعقابا ، وان عبادة الأصنام جهالة وضلالة ، ومن اشعار بعضهم كما في الجزء الثالث من الأغاني ، والأول من سيرة ابن هشام طبعة سنة 1936 .

أربا واحدا أم الف رب * أدين إذا تقسمت الأمور

ولكن أعبد الرحمن ربي * ليغفر ذنبي الرب الغفور

ترى الأبرار دارهم جنان * وللكفار حامية سعير

قال ابن هشام في الجزء الأول من السيرة النبوية : اجتمعت قريش في عيد لهم عند صنم كانوا يعظمونه ، فاعتزل منهم أربعة ، وهم ورقة بن نوفل ، وعبد اللَّه بن جحش ، وعثمان بن الحويرث ، وزيد بن عمرو، وقال بعضهم لبعض : واللَّه ما قومكم على شيء ، لقد أخطئوا دين أبيهم إبراهيم ؟ . ما حجر نطيف به ، لا يسمع ولا يبصر ، ولا يضر ولا ينفع ؟ .

أما زيد بن عمروفلم يدخل في يهودية ولا نصرانية ، فارق دين قومه معتزلا الأوثان والميتة والدم والذبائح التي تذبح على الأوثان ، ونهى عن قتل الموؤودة ، وكان يقول لأبيها : لا تقتلها ، انا أكفيك مئونتها ، وكان يجاهر قومه بعيب ما هم عليه ، ويقول : انا أعبد رب إبراهيم . . يا قوم ما أصبح منكم أحد على دين إبراهيم غيري . . اللهم لواني اعلم أي الوجوه أحب إليك لعبدتك به ، ولكني لا أعلمه ، ثم يسجد على راحته .

ومضى زيد يسفه قريشا وما يعبدون ، ولما أيقنوا بخطره طلبوا من عمه الخطاب أبي عمر بن الخطاب ان يمنعه ويردعه ففعل ، ولكن زيدا ظل على دعوته ، فآذاه عمه وأغرى به سفهاء قريش وشبابها ، من بينهم ابنه عمر ، وقال لهم : اطردوه ، ولا تتركوه يدخل مكة ، فخرج منها هائما في الأرض يطلب دين إبراهيم ( عليه السلام ) ، وما برح طريدا شريدا ينتقل من بلد إلى بلد ، حتى اعترضته جماعة من لخم فقتلوه . . فابتهجت قريش لقتله ، اما صديقه ورقة ابن نوفل فذرف عليه الدموع ، ورثاه بأبيات ، منها :

رشدت وأنعمت ابن عمرووانما *              تجنبت تنورا من النار حاميا

بدينك ربا ليس رب كمثله *                 وتركك أوثان الطواغي كما هيا

وقد تدرك الإنسان رحمة ربه *            ولو كان تحت الأرض سبعين واديا

قتل زيد قبل ان يبعث رسول اللَّه ( صلى الله عليه واله وسلم) ، ولكن ابنه آمن بالرسول الأعظم ( صلى الله عليه واله وسلم) ، وسأل هووابن عمه عمر بن الخطاب الذي كان يؤذي عمه من قبل ، سألا رسول اللَّه : أنستغفر لزيد ؟ . قال : نعم ، انه يبعث أمة واحدة .

وأما عبد اللَّه بن جحش فبقي حتى بعثة الرسول ( صلى الله عليه واله وسلم) ، وأسلم وهاجر هو وزوجته أم حبيبة بنت أبي سفيان إلى الحبشة ، ومات فيها بعد ان ارتد إلى النصرانية . . وتزوج النبي ( صلى الله عليه واله وسلم) بعده أم حبيبة .

وأما عثمان بن الحويرث فقدم على قيصر ملك الروم وتنصر ، وكان يقال له البطريق ، ومات بالشام ، سمه أحد ملوك الغساسنة ، ولا عقب له .

أما ورقة فعاش في مكة كالرهبان ينهى قومه عن عبادة الأوثان ، وهو ابن عم خديجة زوجة الرسول ( صلى الله عليه واله وسلم) ، وحين نزل الوحي على زوجها انطلقت به إلى ابن عمها ورقة ، فقال له : يا ابن أخي ما ذا ترى ؟ . ولما أخبره رسول اللَّه قال له ورقة : هذا هو الناموس الذي نزل على موسى ، يا ليتني فيها جذعا - شاب - ليتني أكون حيا إذ يخرجك قومك . فقال الرسول ( صلى الله عليه واله وسلم) : أومخرجي هم ؟ . قال : نعم ، لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عودي ، وان يدركني يومك أنصرك نصرا مؤزرا .

لقد نطق ورقة بوحي من فطرته الصافية ، فطرة اللَّه التي فطر الناس عليها . .

وكل انسان يرجع إلى فطرته هذه يؤمن بمحمد ( صلى الله عليه واله وسلم) وينصره نصرا مؤزرا إذ « لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ ولكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ » - 30 الروم لأن الأهواء تختم على فطرتهم وتنحرف بها عن طريقها القويم .

{قُلِ ادْعُوا اللَّهً أَوادْعُوا الرَّحْمنَ أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الأَسْماءُ الْحُسْنى} . كان للمشركين أصنام شتى ، سموها بأسماء ما انزل اللَّه بها من سلطان ، وما كانت كلمة الرحمن من هذه الأسماء ، ولذا لما دعاهم الرسول الأعظم ( صلى الله عليه واله وسلم) إلى عبادة الرحمن قالوا : وما الرحمن : { وإِذا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمنِ قالُوا ومَا الرَّحْمنُ} 60 الفرقان . أي ما هذا الوصف الذي لا اثر له عند آلهتنا ؟ . وقوله تعالى :

« ادْعُوا اللَّهً أَوادْعُوا الرَّحْمنَ » يصلح جوابا لاستنكارهم ، لان معناه ان الأسماء والألفاظ إن هي الا وسيلة للتعبير ، والعبرة بالمسمى ، فادعوا اللَّه بما شئتم من أسمائه ، فكلها حسنة ، لأنها تعبر عن أحسن المعاني ، وهي على مستوى واحد في الحسن « ولِلَّهِ الأَسْماءُ الْحُسْنى فَادْعُوهُ بِها » - 180 الأعراف وتكلمنا عن ذلك مفصلا عند تفسير هذه الآية ، فقرة هل أسماء اللَّه توقيفية أو قياسية ج 3 ص 425 » .

{ولا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ ولا تُخافِتْ بِها وابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً} . لا تجهر بصلاتك أي بالقراءة في صلاتك ، والجهر رفع الصوت ، والمخافتة الإسرار ، وعن الإمام جعفر الصادق ( عليه السلام ) أنه قال في تفسير الآية : الجهر بها رفع الصوت ، والمخافتة ما لم تسمع أذنيك ، واقرأ قراءة بينهما .

{وقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً ولَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ ولَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وكَبِّرْهُ تَكْبِيراً} نحمد اللَّه على عظيم إحسانه ، ونير برهانه ، وننزهه عن الولد لأنه غني عن كل شيء ، ولان الولد يشبه أباه ويرثه ، ولا شبيه للَّه ولا وارث ، وننزهه عن الشريك لأنه دليل العجز : { وما كانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّماواتِ ولا فِي الأَرْضِ إِنَّهُ كانَ عَلِيماً قَدِيراً } - 44 فاطر . وكل قوي عنده ضعيف ، وكل عزيز لديه ذليل . وبالتالي فان اللَّه أكبر شأنا ، وعلى مكانا من أن يصف عظمته الواصفون ، ويؤدي حقه الشاكرون .

________________

1- التفسير الكاشف، ج 5، محمد جواد مغنية، ص 94-99.

تفسير الميزان
- ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآيات (1) :

قوله تعالى:{ وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا} لما فرغ من التنظير رجع إلى ما كان عليه من بيان حال القرآن وذكر أوصافه فذكر أنه أنزله إنزالا مصاحبا للحق وقد نزل هو من عنده نزولا مصاحبا للحق فهو مصون من الباطل من جهة من أنزله فليس من لغو القول وهذره ولا داخله شيء يمكن أن يفسده يوما ولا شاركه فيه أحد حتى ينسخه في وقت من الأوقات وليس النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلا رسولا منه تعالى يبشر به وينذر وليس له أن يتصرف فيه بزيادة أونقيصة أويتركه كلا أوبعضا باقتراح من الناس أو هوى من نفسه أويعرض عنه فيسأل الله آية أخرى فيها هواه أو هوى الناس أويداهنهم فيه أويسامحهم في شيء من معارفه وأحكامه كل ذلك لأنه حق صادر عن مصدر حق، وما ذا بعد الحق إلا الضلال.

فقوله:{وما أرسلناك} إلخ متمم للكلام السابق، ومحصله أن القرآن آية حقة ليس لأحد أن يتصرف فيه شيئا من التصرف والنبي وغيره في ذلك سواء.

قوله تعالى:{ وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا} معطوف على ما قبله أي أنزلناه بالحق وفرقناه قرآنا، قال في المجمع،: معنى فرقناه فصلناه ونزلناه آية آية وسورة سورة ويدل عليه قوله:{على مكث} والمكث - بضم الميم - والمكث - بفتحها - لغتان. انتهى.

فاللفظ بحسب نفسه يعم نزول المعارف القرآنية التي هي عند الله في قالب الألفاظ والعبارات التي لا تتلقى إلا بالتدريج ولا تتعاطى إلا بالمكث والتؤدة ليسهل على الناس تعقله وحفظه على حد قوله:{ إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (3) وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ}: الزخرف: 4.

ونزول الآيات القرآنية نجوما مفرقة سورة سورة وآية آية بحسب بلوغ الناس في استعداد تلقي المعارف الأصلية للاعتقاد والأحكام الفرعية للعمل واقتضاء المصالح ذلك ليقارن العلم العمل ولا يجمح عنه طباع الناس بأخذ معارفه وأحكامه واحدا بعد واحد كما لونزل دفعة وقد نزلت التوراة دفعة فلم يتلقها اليهود بالقبول إلا بعد نتق الجبل فوقهم كأنه ظلة.

لكن الأوفق بسياق الآيات السابقة وفيها مثل قولهم المحكي:{ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ} الظاهر في اقتراح نزول القرآن دفعة هو أن يكون المراد بتفريق القرآن إنزاله سورة سورة وآية آية حسب تحقق أسباب النزول تدريجا وقد تكرر من الناس اقتراح أن ينزل القرآن جملة واحدة كما في:{ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً}: الفرقان: 32، وقوله حكاية عن أهل الكتاب:{ يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ}: النساء: 153.

ويؤيده تذييل الآية بقوله:{ونزلناه تنزيلا} فإن التنزيل وهو إنزال الشيء تدريجا أمس بالاعتبار الثاني منه بالأول.

ومع ذلك فالاعتبار الثاني وهو تفصيل القرآن وتفريقه بحسب النزول بإنزال بعضه بعد بعض من دون أن ينزل جملة واحدة يستلزم الاعتبار الأول وهو تفصيله وتفريقه إلى معارف وأحكام متبوعة مختلفة بعد ما كان الجميع مندمجة في حقيقة واحدة منطوية مجتمعة الأعراق في أصل واحد فارد.

ولذلك فصل الله سبحانه كتابه سورا وآيات بعد ما ألبسه لباس اللفظ العربي ليسهل على الناس فهمه كما قال:{لعلكم تعقلون} ثم نوعها أنواعا ورتبها ترتيبا فنزلها واحدة بعد واحدة عند قيام الحاجة إلى ذلك وعلى حسب حصول استعدادات الناس المختلفة وتمام قابليتهم بكل واحد منها وذلك في تمام ثلاث وعشرين سنة ليشفع التعليم بالتربية ويقرن العلم بالعمل.

وسنعود إلى البحث عن بعض ما يتعلق بالآية والسورة في كلام مستقل إن شاء الله تعالى.

قوله تعالى:{ قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لَا تُؤْمِنُوا} إلى آخر الآيات الثلاث المراد بالذين أوتوا العلم من قبله هم الذين تحققوا بالعلم بالله وآياته من قبل نزول القرآن سواء كانوا من اليهود أوالنصارى أوغيرهم فلا موجب للتخصيص اللهم إلا أن يقال: إن السياق يفيد كون هؤلاء من أهل الحق والدين غير المنسوخ يومئذ هو دين المسيح (عليه السلام) فهم أهل الحق من علماء النصرانية الذين لم يزيغوا ولم يبدلوا.

وعلى أي حال المراد من كونهم أوتوا العلم من قبله أنهم استعدوا لفهم كلمة الحق وقبولها لتجهزهم بالعلم بحقيقة معناه وإيراثه إياهم وصف الخشوع فيزيدهم القرآن المتلوعليهم خشوعا.

وقوله:{ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا} الأذقان جمع ذقن وهو مجمع اللحيين من الوجه، والخرور للأذقان السقوط على الأرض على أذقانهم للسجدة كما يبينه قوله:{سجدا} وإنما اعتبرت الأذقان لأن الذقن أقرب أجزاء الوجه من الأرض عند الخرور عليها للسجدة، وربما قيل: المراد بالأذقان الوجوه إطلاقا للجزء على الكل مجازا.

وقوله:{ وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا} أي ينزهونه تعالى عن كل نقص وعن خلف الوعد خاصة ويعطي سياق الآيات السابقة أن المراد بالوعد وعده سبحانه بالبعث وهذا في قبال إصرار المشركين على نفي البعث وإنكار المعاد كما تكرر في الآيات السابقة.

وقوله:{ وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا} تكرار الخرور للأذقان وإضافته إلى البكاء لإفادة معنى الخضوع وهو التذلل الذي يكون بالبدن كما أن الجملة الثانية لإفادة معنى الخشوع وهو التذلل الذي يكون بالقلب فمحصل الآية أنهم يخضعون ويخشعون.

وفي الآية إثبات خاصة المؤمنين لهم وهي التي أشير إليها بقوله سابقا: وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين كما أن في الآية نفي خاصة المشركين عنهم وهي إنكار البعث.

وفي هذه الآيات الثلاث بيان أن القرآن في غنى عن إيمانهم لا لأن إيمان الذين أوتوا العلم من قبله يرفع حاجة له إلى إيمان غيرهم بل لأن إيمانهم به يكشف عن أنه كتاب حق أنزل بالحق لا حاجة له في حقيته ولا افتقار في كماله إلى إيمان مؤمن وتصديق مصدق فإن آمنوا به فلأنفسهم وإن كفروا به فعليها لا له ولا عليه.

فقد ذكر سبحانه إعراضهم عن القرآن وكفرهم به وعدم اعتنائهم بكونه آية واقتراحهم آيات أخرى ثم بين له من نعوت الكمال ودلائل الإعجاز في لفظه ومعناه وغزارة الأثر في النفوس وكيفية نزوله ما استبان به أنه حق لا يعتريه بطلان ولا فساد أصلا ثم بين في هذه الآيات أنه في غنى عن إيمانهم فهم وما يختارونه من الإيمان والكفر.

قوله تعالى:{ قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} لفظة أوللتسوية والإباحة فالمراد بقوله{الله} و{الرحمن} الاسمان الدالان على المسمى دون المسمى، والمعنى ادعوا باسم الله أوباسم الرحمن فالدعاء دعاؤه.

وقوله:{أيا ما تدعوا} شرط و{ما} صلة للتأكيد نظير قوله:{فبما رحمة من الله}: آل عمران: 159.

وقوله:{ عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نَادِمِينَ}: المؤمنون: 40 و{أيا} شرطية وهي مفعول{تدعوا}.

وقوله:{فله الأسماء الحسنى} جواب الشرط، وهو من وضع السبب موضع المسبب والمعنى أي اسم من الاسمين تدعوه فهو اسم أحسن له لأن الأسماء الحسنى كلها له فالأسماء الدالة على المسميات منها حسنة تدل على ما فيه حسن ومنها قبيحة بخلافها ولا سبيل للقبيح إليه تعالى، والأسماء الحسنة منها ما هو أحسن لا شوب نقص وقبح فيه كالغنى الذي لا فقر معه والحياة التي لا موت معها والعزة التي لا ذلة دونها ومنها ما هو حسن يغلب عليه الحسن من غير محوضة ولله سبحانه الأسماء الحسنى، وهي كل اسم هو أحسن الأسماء في معناه كما يدل عليه قول أئمة الدين: إن الله تعالى غني لا كالأغنياء، حي لا كالأحياء، عزيز لا كالأعزة عليم لا كالعلماء وهكذا أي له من كل كمال صرفه ومحضه الذي لا يشوبه خلافه.

والضمير في قوله:{ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} عائد إلى الذات المتعالية من كل اسم ورسم، وليس براجع إلى شيء من الاسمين: الله والرحمن لأن المراد بهما - كما تقدم - الاسمان دون الذات المتعالية التي هي مسماة بهما ولا معنى لأن يقال: أيا من الاسمين تدعوا فإن لذلك الاسم جميع الأسماء الحسنى أوباقي الأسماء الحسنى بل المعنى أيا من أسمائه تدعوا فلا مانع منه لأنها جميعا أسماؤه لأنها أسماء حسنى وله الأسماء الحسنى فهي طرق دعوته ودعوتها دعوته فإنها أسماؤه والاسم مرآة المسمى وعنوانه فافهم ذلك.

والآية من غرر الآيات القرآنية تنير حقيقة ما يراه القرآن الكريم من توحيد الذات وتوحيد العبادة قبال ما يراه الوثنية من توحيد الذات وتشريك العبادة.

فإن الوثنية - على ما تقدم جملة من آرائهم في الجزء العاشر من الكتاب - ترى أنه سبحانه ذات متعالية من كل حد ونعت ثم تعينت بأسماء اسما بعد اسم وتسمي ذلك تولدا، وترى الملائكة والجن مظاهر عالية لأسمائه فهم أبناؤه المتصرفون في الكون، وترى أن عبادة العابدين وتوجه المتوجهين لا يتعدى طور الأسماء ولا يتجاوز مرتبة الأبناء الذين هم مظاهر أسمائه فإنا إنما نعبد فيما نعبد الإله أوالخالق أوالرازق أوالمحيي أوالمميت إلى غير ذلك، وهذه كلها أسماء مظاهرها الأبناء من الملائكة والجن، وأما الذات المتعالية فهي أرفع من أن يناله حس أووهم أوعقل، وأعلى من أن يتعلق به توجه أوطلب أوعبادة أونسك.

فعندهم دعوة كل اسم هي عبادة ذلك الاسم أي الملك أوالجن الذي هو مظهر ذلك الاسم، وهو الإله المعبود بتلك العبادة فيتكثر الآلهة بتكثر أنواع الدعوات بأنواع الحاجات ولذلك لما سمع بعض المشركين دعاءه (صلى الله عليه وآله وسلم) في صلاته: يا الله يا رحمن قال: انظروا إلى هذا الصابىء ينهانا أن نعبد إلهين وهو يدعوإلهين.

والآية الكريمة ترد عليهم ذلك وتكشف عن وجه الخطإ في رأيهم بأن هذه الأسماء أسماء حسنى له تعالى فهي مملوكة له محضا لا تستقل دونه بنعت ولا تنحاز عنه في ذات أوصفة تملكه وتقوم به فليس لها إلا الطريقية المحضة، ويكون دعاؤها دعاءه والتوجه بها توجها إليه، وكيف يستقيم أن يحجب الاسم المسمى وليس إلا طريقا دالا عليه هاديا إليه ووجها له يتجلى به لغيره، فدعاء الأسماء الكثيرة لا ينافي توحيد عبادة الذات كما يمتنع أن تقف العبادة على الاسم ولا يتعداه.

ويتفرع على هذا البيان ظهور الخطإ في عد الأسماء أومظاهرها من الملائكة والجن أبناء له تعالى فإن إطلاق الولد والابن سواء كان على وجه الحقيقة أوالتشريف يقتضي نوع مسانخة واشتراك بين الولد والوالد - أوالابن والأب - في حقيقة الذات أوكمال من كمالاته وساحة كبريائه منزهة من أن يشاركه شيء غيره في ذات أوكمال فإن الذي له هو لنفسه، والذي لغيره هوله لا لأنفسهم.

وكذا ظهور الخطإ في نسبة التصرف في الكون بأنواعه إليهم فإن هؤلاء الملائكة وكذا الأسماء التي هم مظاهر لها عندهم لا يملكون لأنفسهم شيئا ولا يستقلون دونه بشيء بل عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون، وكذا الجن فيما يعملون وبالجملة ما من سبب من الأسباب الفعالة في الكون إلا وهو تعالى الذي ملكه القدرة على ما يعمله، وهو المالك لما ملكه والقادر على ما عليه أقدره.

وهذا هو الذي تفيده الآية التالية{ وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ} وسنكرر الإشارة إليه إن شاء الله.

وفي الآية دلالة على أن لفظة الجلالة من الأسماء الحسنى فهو في أصله - الإله - وصف يفيد معنى المعبودية وإن عرضت عليه العلمية بكثرة الاستعمال كما يدل عليه صحة إجراء الصفات عليه يقال: الله الرحمن الرحيم ولا يقال: الرحمن الله الرحيم وفي كلامه تعالى:{بسم الله الرحمن الرحيم}.

قوله تعالى:{ وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا} الجهر والإخفات وصفان متضائفان، يتصف بهما الأصوات، وربما يعتبر بينهما خصلة ثالثة هي بالنسبة إلى الجهر إخفات وبالنسبة إلى الإخفات جهر فيكون الجهر هو المبالغة في رفع الصوت، والإخفات هو المبالغة في خفضه وما بينهما هو الاعتدال فيكون معنى الآية لا تبالغ في صلاتك في الجهر ولا في الإخفات بل اسلك فيما بينهما سبيلا وهو الاعتدال وتسميته سبيلا لأنه سنة يستن بها هو ومن يقتدي به من أمته المؤمنين به.

هذا لوكان المراد بالصلاة في قوله:{بصلاتك} للاستغراق والمراد به كل صلاة صلاة وأما لو أريد المجموع ولعله الأظهر كان المعنى لا تجهر في صلواتك كلها ولا تخافت فيها كلها بل اتخذ سبيلا وسطا تجهر في بعض وتخافت في بعض، وهذا المعنى أنسب بالنظر إلى ما ثبت في السنة من الجهر في بعض الفرائض اليومية كالصبح والمغرب والعشاء والإخفات في غيرها.

ولعل هذا الوجه أوفق بالنظر إلى اتصال ذيل الآية بصدرها فالجهر بالصلاة يناسب كونه تعالى عليا متعاليا والإخفات يناسب كونه قريبا أقرب من حبل الوريد فاتخاذ الخصلتين جميعا في الصلوات أداء لحق أسمائه جميعا.

قوله تعالى:{ وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا} معطوف على قوله في الآية السابقة:{ قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ} ويرجع محصل الكلام إلى أن قل لهم إن ما تدعونها من الأسماء وتزعمون أنها آلهة معبودون غيره إنما هي أسماؤه وهي مملوكة له لا تملك أنفسها ولا شيئا لأنفسها فدعاؤها دعاؤه فهو المعبود على كل حال.

ثم أحمده وأثن عليه بما يتفرع على إطلاق ملكه فإنه لا يماثله شيء في ذات ولا صفة حتى يكون ولدا له إن اشتق عنه في ذات أوصفة كما تقوله الوثنية وأهل الكتاب من النصارى واليهود وقدماء المجوس في الملائكة أوالجن أو المسيح أوعزير والأحبار، أويكون شريكا إن شاركه في الملك من غير اشتقاق كما تقوله الوثنيون والثنويون وغيرهم من عبدة الشيطان أويكون وليا له إن شاركه في الملك وفاق عليه فأصلح من ملكه بعض ما لم يقدر هو على إصلاحه.

وبوجه آخر لا يجانسه شيء حتى يكون ولدا إن كان دونه أوشريكا له إن كان مساويا له في مرتبته أووليا له إن كان فائقا عليه في الملك.

والآية في الحقيقة ثناء عليه تعالى بما له من إطلاق الملك الذي يتفرع عليه نفي الولد والشريك والولي، ولذلك أمره (صلى الله عليه وآله وسلم) بالتحميد دون التسبيح مع أن المذكور فيها من نفي الولد والشريك والولي صفات سلبية والذي يناسبها التسبيح دون التحميد فافهم ذلك.

وختم سبحانه الآية بقوله:{وكبره تكبيرا} وقد أطلق إطلاقا بعد التوصيف والتنزيه فهو تكبير من كل وصف، ولذا فسر{الله أكبر} بأنه أكبر من أن يوصف على ما ورد عن الصادق (عليه السلام)، ولو كان المعنى أنه أكبر من كل شيء لم يخل من إشراك الأشياء به تعالى في معنى الكبر وهو أعز ساحة أن يشاركه شيء في أمر.

ومن لطيف الصنعة في السورة افتتاح أول آية منها بالتسبيح واختتام آخر آية منها بالتكبير مع افتتاحها بالتحميد.

________________

1- تفسير الميزان ،الطباطبائي،ج13،ص178-183.

تفسير الامثل
- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه  الآيات (1) :

عُشاق الحق

مرّة أُخرى يشير القرآن العظيم إِلى أهمية وعظمة هذا الكتاب السماوي ويُجيب على بعض ذرائع المعارضين.

في البداية تقول الآيات: { وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْنَاهُ}، ثمّ تضيف بلا أدنى فاصلة { وَبِالْحَقِّ نَزَلَ }.

ثمّ تقول: { وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا} إِذ ليسَ لك الحق في تغيير محتوى القرآن.

لقد ذكر المفسّرون آراء مُختلفة في الفرق بين الجملة الأُولى: (وبالحق أنزلناه) والجملة الثّانية: (وبالحق نزل) مِنها:

1 ـ المراد مِن الجملة الأُولى: إِنّنا قَدّرنا أن ينزل القرآن بالحق. بينما تضيف الجملة الثّانية أنَّ هذا الأمر أو التقدير قد تحقق، لذا فإِنَّ التعبير الأوّل يُشير إِلى التقدير، بينما يشير الثّاني إِلى مرحلة الفعل والتحقق(2).

2 ـ الجملة الأُولى تشير إِلى أنَّ مادة القرآن ومحتواه هو الحق، أمّا التعبير الثّاني فانَّهُ يبيّن أن نتيجته وثمرته هي الحق أيضاً(3).

3 ـ الرأي الثّالث يرى أنَّ الجملة الأُولى تقول: إِنّنا نزَّلنا هذا القرآن بالحق بينما الثّانية تقول: إِنَّ الرّسول(صلى الله عليه وآله وسلم) لم يتدخل في الحق ولم يتصرف بهِ، لذا فقد نزل الحقّ.

وثمّة احتمال آخر قد يكون أوضح مِن هذه التّفاسير، وهو أنَّ الإِنسان قد يبدأ في بعضِ الأحيان بعمل ما، ولكنّه لا يستطيع اتمامه بشكل صحيح وذلك بسبب مِن ضعفه، أمّا بالنسبة للشخص الذي يعلم بكل شيء ويقدر على كل شيء، فإِنَّهُ يبدأ بداية صحيحة، ويُنهي العمل نهاية صحيحة. وكمثال على ذلك الشخص الذي يخرج ماءً صافياً مِن أحد العيون، ولكن خلال مسير هذا الماء لا يستطيع ذلك الشخص أن يُحافظ على صفاء هذا الماء ونظافته أو يمنعهُ مِن التلوث، فيصل الماء في هذه الحالة إِلى الآخرين وهو مُلَوَّث. إِلاَّ أنَّ الشخص القادر والمحيط بالأُمور، يحافظ على بقاء الماء صافياً وبعيداً عن عوامل التلوث حتى يصل إِلى العطاشى والمحتاجين له.

القرآن كتاب نزلَ بالحق مِن قبل الخالق، وهو محفوظ في جميع مراحله سواء في المرحلة التي كان الوسيط فيها جبرائيل الأمين، أو المرحلة التي كان الرّسول فيها هو المتلقي، وبمرور الزمن له تستطيع يد التحريف والتزوير أن تمتد إِليه بمقتضى قوله تعالى: { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}(الحجر ،9) فالله هو الذي يتكفل حمايته وحراسته.

لذا فإِنَّ هذا الماء النقي الصافي الوحي الإِلهي القويم لم تناله يد التحريف والتبديل مُنذ عصر الرّسول(صلى الله عليه وآله وسلم) وحتى نهاية العالم.

الآية التي تليها ترد على واحدة مِن ذرائع المعارضين وحججهم، إِذ كانوا يقولون: لماذا لم ينزل القرآن دفعة واحدة على الرّسول(صلى الله عليه وآله وسلم)، ولماذا كان نزوله تدريجياً؟ كما تُشير إِلى ذلك الآية (32) مِن سورة الفرقان التي تقول: {وقالَ الذين كفروا لولا نُزّلَ عليه القرآنُ جملةً واحدةً، كذلك لِنثِّبتَ بهِ فؤادَكَ ورتلناه ترتيلا} فيقول الله في جواب هؤلاء: {وقرآناً فرَّقناه لتقرأهُ على الناس على مُكث}(4) حتى يدخل القلوب والأفكار ويُترجم عملياً بشكل كامل.

ومِن أجل التأكيد أكثر تبيّن الآية ـ بشكل قاطع ـ أنَّ جميع هذا القرآن أنزلناه نحنُ: {ونزَّلناه تنزيلا}.

إِنَّ القرآن كتاب السماء إِلى الأرض، وهو أساس الإِسلام ودليل لجميع البشر، والقاعدة المتينة لجميع الشرائع القانونية والإِجتماعية والسياسية والعبادية لدنيا المسلمين، لذلك فإِنَّ شبهة هؤلاء في عدم نزوله دُفعة واحدة على رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) يُجاب عليها مِن خلال النقاط الآتية:

أوّلا: بالرغم مِن أنَّ القرآن هو كتاب، إِلاَّ أنَّهُ ليسَ ككتب الإِنسان المؤَلَّفة حيثُ يجلس المُؤَلَّف ويفكِّر ويكتب موضوعاً، ثمّ ينظِّم فصول الكتاب وأبوابه لِينتهي مِن تحرير الكتاب، بل القرآن لهُ ارتباط دقيق بعصره، أي ارتباط بـ (23) سنة، هي عصر نبوة نبي الإِسلام بكل ما كانت تتمخض بهِ مِن حوادث وقضايا.

لذا كيف يُمكن لكتاب يتحدث عن حوادث (23) سنة متزامناً لها أن ينزل في يوم واحد؟

هل يُمكن جمع حوادث (23) سنة نفسها في يوم واحد، حتى ينزل القرآن في يوم واحد؟

إِنَّ في القرآن آيات تتعلق بالغزوات الإِسلامية، وآيات تختص بالمُنافقين، وأُخرى ترتبط بالوفود التي كانت تفد على رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم). فهل يُمكن أن يُكتب مجموع كل ذلك مُنذ اليوم الأوّل؟

ثانياً: ليس القرآن كتاباً ذا طابع تعليمي وحسب، بل ينبغي لكل آية فيه أن تُنفَّذ بعدَ نزولها، فإِذا كانَ القرآن قد نَزَل مرَّة واحدة، فينبغي أن يتمّ العمل بهِ مرّةً واحدة أيضاً، ونعلم بأنَّ هذا مُحال، لأنَّ إِصلاح مُجتمع مَليء بالفساد لا يتمّ في يوم واحد، إِذ لا يمكن إِرسال الطفل الأمي دفعة واحدة مِن الصف الأوّل إِلى الصفوف المتقدمة في الجامعة في يوم واحد. لهذا السبب نزل القرآن نجوماً ـ أي بشكل تدريجي ـ كي ينفذ بشكل جيِّد ويستوعبه الجميع وكي يكون للمجتمع قابلية قبوله واستيعابه وتَمثُله عملياً.

ثالثاً: بدون شك، إِنَّ رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) كقائد هذه النهضة العظيمة سيكون ذا قدرات وإِمكانيات أكبر عِندما يقوم بتطبيق القرآن جزءاً جزءاً، بدلا مِن تنفيذه دفعة واحدة. صحيح أنَّهُ مُرسَل مِن الخالق وذو عقل واستعداد كبيرَيْن ليسَ لهما مثيل، إِلاَّ أنَّهُ برغم ذلك فإِنَّ تقبّل الناس للقرآن وتنفيذ تعاليمه بصورة تدريجية سيكون أكمل وأفضل ممّا لو نزل دفعة واحدة.

رابعاً: النّزول التدريجي يعني الإرتباط الدائمي للرّسول(صلى الله عليه وآله وسلم) مع مصدر الوحي، إِلاَّ أنَّ النّزول الدفعي يتمّ بمرحلة واحدة لا يتسنى للرّسول(صلى الله عليه وآله وسلم)الإِرتباط بمصدر الوحي لأكثر مِن مَرَّة واحدة.

آخر الآية (32) مِن سورة الفرقان تقول: {كذلك لِنثبّت بهِ فؤادك ورتلناه ترتيلا} وهي إِشارة إِلى السبب الثّالث، بينما الآية التي نبحثها تِشير إِلى السبب الثّاني من مجموع الأسباب الأربعة التي أوردناها. ولكن الحصيلة أنَّ مجموع هذه العوامل تَكشف بشكل حي وواضح أسباب وثمار النّزول التدريجي للقرآن.

الآية التي تليها استهدفت غرور المعارضين الجهلة حيث تقول: { قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لَا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا}.

آخر الذرائع والأغذار

بعد سلسلة من الذرائع التي تشبث بها المشركون امام دعوة الرّسول(صلى الله عليه وآله وسلم)، نصل مع الآيات التي بين أيدينا إِلى آخر ذريعة لهم، وهي قولهم: لماذا يذكر رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) الخالق بأسماء مُتعدِّدة بالرغم من أنَّهُ يدّعي التوحيد. القرآن ردَّ على هؤلاء بقوله: { قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى}. إنَّ هؤلاء عُميان البصيرة والقلب، غافلون عن أحداث ووقائع حياتهم اليومية حيثُ كانوا يذكرون أسماء مُختلفة لشخص واحد أو لمكان واحد، وكل اسم مِن هذه الأسماء كان يُعرِّف بشطر أو بصفة مِن صفات ذلك الشخص أو المكان.

بعد ذلك، هل مِن العجيب أن تكون للخالق أسماء مُتعدِّدة تتناسب مع افعاله وكمالاته وهو المطلق في وجوده وفي صفاته و المنبع لكل صفات الكمال وجميع النعم، وهو وحده عزَّوجلّ الذي يُدير دفة هذا العالم والوجود؟

أساساً، فانَّ اللّه تعالى لا يمكن معرفته ومناجاته باسم واحد إِذ ينبغي أن تكون أسماؤه مثل صفاته غير محدودة حتى تعبِّر عن ذاته، ولكن لمحدودية ألفاظنا ـ كما هي أشياؤنا الأُخرى أيضاً ـ لا نستطيع سوى ذكر أسماء محدودة له، وإِنَّ معرفتنا مهما بلغت فهي محدودة أيضاً، حتى أنَّ رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) وهو من هو في منزلته وروحه وعلو شأنه، نراه يقول: «ما عرفناك حق معرفتك»(5).

إِنَّ الله تعالى في قضية معرفتنا إِيَّاه لم يتركنا في أفق عقولنا ودرايتنا الخاصّة، بل ساعدنا كثيراً في معرفة ذاته، وذكر نفسهُ بأسماء مُتعدِّدة في كتابه العظيم، ومِن خلال كلمات أوليائهِ تصل اسماؤه ـ تقدس وتعالى ـ إِلى ألف اسم.

وطبيعي أنَّ كل هذهِ أسماء الله، وأحد معاني الأسماء العلاّمة، لذا فإِنَّ هذه علامات على ذاته الطاهرة، وجميع هذه الخطوط والعلامات تنتهي إِلى نقطة واحدة، وهي لا تقلّل مِن شأن توحيد الذات والصفات.

وهُناك قسم مِن هذهِ الأسماء ذو أهمية وعظمة أكثر، حيث تعطينا معرفةً ووعياً أعظم، تسمى في القرآن الكريم وفي الرّوايات الإِسلامية، بالأسماء الحسنى، وهُناك رواية معروفة عن رسول الهدى(صلى الله عليه وآله وسلم) ما مضمونها: «إِن الله تسعاً وتسعين اسماً، مَن أحصاها دخل الجنّة».

وهناك شرح مُفصل للأسماء الحسنى، والأسماء التسعة والتسعين بالذات، أوردناه في نهاية الحديث عن الآية (180) مِن سورة الأعراف، في قوله تعالى: { وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا}.

لكن علينا أن نفهم أنَّ الغرض مِن عَد الأسماء الحسنى ليس ذكرها على اللسان وحسب، حتى يصبح الإِنسان مِن أهل الجنّة ومستجاب الدعوة، بل إِنَّ الهدف هو التخلُّق بهذه الأسماء وتطبيق شذرات مِن هذه الأسماء، مِثل (العالم، والرحمن، والرحيم، والجواد، والكريم) في وجودنا حتى نصبح مِن أهلِ الجنّة ومستجابي الدعوة.

وَهُناك كلام ينقلهُ الشيخ الصدوق(رحمه الله) في كتاب التوحيد عن هشام بن الحكم جاءَ فيه:

يقول هشام بن الحكم: سألت أبا عبدالله الصادق(عليه السلام) عن أسماء الله عزَّ ذكره واشتقاقها فقلت: الله ممّا هو مشتق؟

قالَ(عليه السلام): «يا هشام، الله مُشتقٌ مِن إِله، وإِلهٌ يقتضي مألوهاً، والاسمُ غير المسمّى، فمن عبد الاسم دون المعنى فقد كَفَر ولم يعبدُ شيئاً، ومَن عَبدَ الاسم والمعنى فقد أشرك وعبد الاثنين، ومَن عبد المعنى دونَ الاسم فذاك التوحيد. أفهمت يا هشام؟».

قال هشام: قلتُ: زدني.

قالَ(عليه السلام): «لله عزَّوجلّ تسعةٌ وتسعون اسماً، فلو كانَ الاسمُ هو المسمى لكان كلُّ اسم مِنها هو إِلهاً، ولكن الله عزَّوجلّ معنىً يدلُّ عليه بهذه الأسماء وكُلُّها غيره. يا هشامُ، الخبزُ اسمٌ للمأكول، والماء اسمٌ للمشروب، والثوب اسمٌ للملبوس، والنار اسم للمحِرق»(6).

والآن لنعد إِلى الآيات. ففي نهاية الآية التي نبحثها نرى المشركين يتحدّثون عن صلاة رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) ويقولون: إِنَّهُ يؤذينا بصوته المرتفع في صلاته وعبادته، فما هذه العبادة؟ فجاءت التعليمات لرسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) عبر قوله تعالى: { وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا}.

لذلك فإِنَّ الآية أعلاه لا علاقة لها بالصلوات الجهرية والإِخفاتية في اصطلاح الفقهاء، بل إِنَّ المقصود مِنها يتعلق بالإِفراط والتفريط في الجهر والإِخفات، فهي تقول: لا تقرأ بصوت مرتفع بحيث يشبه الصراخ، ولا أقل مِن الحد الطبيعي بحيث تكون حركة شفاه وحسب ولا صوت فيها.

أسباب النّزول الواردة ـ حول الآية ـ التي يرويها الكثير مِن المفسّرين نقلا عن ابن عباس تؤيِّد هذا المعنى.

وهُناك آيات عديدة مِن طُرق أهل البيت نقلا عن الإِمام الباقر والصادق(عليهما السلام)وتؤيد هذا المعنى وتشير إِليه(7).

لذا فإِنا نستبعد التفاسير الأُخرى الواردة حول الآية.

أمّا ما هو حد الإِعتدال، وما هو الجهر والإِخفات المنهي عنهما؟ الظاهر أنَّ الجهر هو بمعنى (الصُراخ)، و(الإخفات) هو مِن السكون بحيث لا يسمعهُ حتى فاعله.

وفي تفسير علي بن إِبراهيم عن الإِمام الصادق(عليه السلام) أنَّهُ قالَ في تفسير الآية: «الجهر بها رفع الصوت، والتخافت بها ما لم تسع نفسك، واقرأ بين ذلك»(8).

أمّا الإِخفات والجهر في الصلوات اليومية، فهو ـ كما أشرنا لذلك ـ لهُ حكم آخر، أو مفهوم آخر، أي لهُ أدلة مُنفصلة، حيثُ ذكرها فقهاؤنا رضوان الله عليهم في (كتاب الصلاة) وبحثوا عنها.

__________________

1- تفسير الامثل،ناصر مكارم الشيرازي،ج7،ص430-439.

2 ـ يُراجع تفسير القرطبي، ج 6، ص 3955.

3 ـ في ظلال القرآن، أننا تفسير الآية.

4 ـ مجي كلمة (قرآن) منصوبة في الآية أعلاه يُفسّرهُ المفسّرين بأنَّهُ مفعول لفعل مقدَّر تقديرهُ (فرقناه)، وبذلك تصبح الجملة هكذا: (وفرقناه قرآناً).

5- بحار الانوار،ج68،ص23.

6 ـ توحيد الصدوق نقلا عن تفسير الميزان أثناء تفسير الآية.

7 ـ يمكن مُراجعة نور الثقلين، ج 3، ص 233 فما بعد.

8- تفسير نور الثقلين ،ج3،ص234.

 

EN

تصفح الموقع بالشكل العمودي