الإسلام والشعر
المؤلف:
عمر فرّوخ
المصدر:
تأريخ الأدب العربي
الجزء والصفحة:
ج1، ص257-259
2903
زعم نفر من المستشرقين أن الاسلام انتشر
بين العرب انتشارا جغرافيا سياسيا منذ انتصار الاسلام الحربي في شبه الجزيرة، ولكنّ
الاسلام الثقافي لم يجد طريقه إلى قلوب المسلمين إلاّ في العصر العباسيّ (1).
وقد كانت حجّتهم أن الشعر العربي الأوّل كان خاليا من الصور الاسلامية المختلفة.
وبالرجوع إلى الشعر العربي يتبيّن أن حجّة
المستشرقين لم تكن تستند إلى أساس، فان الألفاظ الاسلامية والمدارك الاسلامية وجدت
طريقها إلى الشعر العربي منذ الهجرة على الأقلّ. وهذا لا يعني أن المسلمين الذين
أسلموا قبل الهجرة ثم اتّفق لهم أن قالوا شعرا لم يظهر أثر الاسلام في شعرهم، ولكنّ
المسلمين قبل الهجرة كانوا قلّة ولم يكن ثمّة مناسبات تقتضي قول الشعر كالتي كانت
بعد الهجرة.
ان ديوان حسّان بن ثابت-وقد كان حسّان قد
دخل في الاسلام وأصبح شاعرا للرسول منذ أيام الهجرة الأولى-مملوء بالألفاظ والاغراض
الاسلامية. ثم ان الاسلام بعد أن أصبح، بالهجرة من مكّة إلى المدينة، «دولة» ترهب
المشركين العرب، ثار الشعراء من المشركين كعبد اللّه بن الزّبعرى وكعب بن زهير وأبي
سفيان بن الحارث إلى هجاء الرسول وإلى التعرّض للإسلام. ولقد انبرى الشعراء من
المسلمين الأوّلين كحسّان بن ثابت وعبد اللّه بن رواحة وكعب بن مالك إلى الردّ على
الشعراء المشركين وإلى نصرة الاسلام. فمنذ السنة الأولى للهجرة نجد أن الشعراء قد
أخذوا يستعملون في أشعارهم أسماء اللّه الحسنى من تلك التي كانت معروفة في
الجاهلية، نحو: اللّه، اللهمّ، رب، الرحمن... الخ استعمالا اسلاميا. ومنذ العام
الثاني للهجرة أخذ الشعراء يوردون في أشعارهم أسماء للّه لم تعرف قبل نزول القرآن،
نحو: رؤوف، ذي العرش، الواهب، الرزاق، العزيز، الغفور، الوهّاب، مولى المؤمنين،
الواحد، الصّمد، عالم الغيب، ذي الجلال. ففي السنة الثالثة للهجرة مثلا قال حسّان
بن ثابث:
محمّد، والعزيز اللّه يخبره... بما تكنّ
سريرات الأقاويل
وكذلك استعمل حسّان بن ثابت كلمة «رسول»
بمعنييها: معناها اللغويّ القديم ومعناها الاسلامي الجديد في بيتين متواليين لمّا
قال:
ألا أبلغ خزاعيّا رسولا...بأن الذمّ يغسله
الوفاء
وبايعت الرسول وكان خيرا... إلى خير، وأدّاك
الثراء
ويقول عبد اللّه بن رواحة، والمعنى اسلامي
بحت:
أنت النبيّ، ومن يُحرم شفاعته...يوم الحساب
فقد أزرى به القدر
وفي السنة الثانية للهجرة قال عبد اللّه بن
جحش الاسديّ يشير إلى حادث الهجرة وإلى أن المشركين تآمروا على رسول اللّه فأذن
اللّه لرسوله بالهجرة من مكّة إلى المدينة (وهو في ذلك يشير إلى ما ورد في القرآن
الكريم):
...وإخراجكم من مسجد اللّه أهله... لئلاّ
يرى للّه في البيت ساجد
________________
1) للتوسع في هذا الموضوع راجع malsiheurF sed dliB saD (انظر قائمة المصادر والمراجع،
ص 252).