دريد بن الصمّة
المؤلف:
عمر فرّوخ
المصدر:
تأريخ الأدب العربي
الجزء والصفحة:
ج1، ص228-230
27-09-2015
8319
دريد لقبه، والصمّة لقب أبيه. أما عمود
نسبه فهو: أبو عمرو معاوية بن الحارث بن معاوية بن بكر بن علقمة بن غزيّة بن جشم
بن معاوية ابن بكر بن هوازن من قيس عيلان، ويكنى أيضا أبا قرّة. وكانت أمه ريحانة
بنت معدي كرب.
نشأ دريد في أسرة من الفرسان الشجعان: كان
أبوه قائد بني جشم في يوم نخلة في حرب الفجار (38 ق. ه. -584 م) وقتل في معركة
تالية. وكان هو فارس بني جشم وسيدهم وقائدهم في الغزوات. وكان له أربعة اخوة
أشقّاء. عبد اللّه وعبد يغوث وقيس وخالد، وكانوا كلهم من الفرسان المعدودين وقد
قتلوا في المعارك في حياته هو. أما خاله عمرو بن معدي كرب فهو من الفرسان الشجعان
المعدودين في الجاهلية والاسلام.
غزا دريد مائة غزوة، فيما قيل، يهمّنا منها
ثلاث:
بعد حرب الفجار ومقتل الصمة (32 ق. ه.
-590 م) نشبت حرب بين بني كنانة وبني سليم. فانضمّ دريد ببني جشم إلى بني سليم. وفي
هذه الحرب وقع دريد أسيرا.
وكان دريد مع أخيه عبد اللّه في غارة على
بني غطفان يوم اللوى، فظفر عبد اللّه بغطفان وعاد بغنائم كثيرة. فلما سار غير بعيد
قال لأصحابه: «انزلوا بنا هنا نريح». فنصحه أخوه دريد ألاّ يفعل وحذّره من ارتداد
غطفان عليه. فأبى عبد اللّه إلاّ النزول. فلم يكن إلاّ قليل حتى عاد بنو غطفان
بمدد عظيم ولحقوا بعبد اللّه وأصحابه بمنعرج اللوى وهزموهم واستردوا ما كان عبد
اللّه قد غنمه منهم. وسقط عبد اللّه في هذه الأثناء قتيلا.
وحزن دريد على أخيه حزنا شديدا ورثاه بمراث
كثيرة، ولم يترك غزو بني غطفان حتى قتل جماعة منهم ولم يرهم يفون بأخيه. ولمّا
لامته امرأته أمّ معبد على إسرافه في الأخذ بالثأر وفي الحزن طلّقها.
وجاء الاسلام فلم يسلم دريد. فلما سار بنو
هوازن يوم حنين لقتال المسلمين أخرجوا دريدا معهم، وكان يومذاك شيخا هرما فانيا
أعمى لا بقيّة فيه ولكنهم أرادوا أن يستضيئوا برأيه. وانهزم المسلمون في أول
الأمر، ثم حزموا أمرهم وكرّوا على هوازن فهزموهم هزيمة منكرة. وقتل دريد في هذه
المعركة مشركا، سنة 8 ه (630 م).
كان دريد شاعرا مكثرا، ولكنّ أكثر شعره كان
في رثاء اخوته وفي الحماسة، مع شيء من المدح ومن الهجاء القبلي. وكان له أيضا شيء
من الغزل قال بعضه في الخنساء قبل أن خطبها. فلما رفضت الزواج به هجاها (1).
ودريد أشعر الشعراء الفرسان.
-المختار من شعره:
قال دريد يرثي أخاه عارضا (وكان اسمه عبد
اللّه). في هذه القصيدة يبرّر دريد طاعته لقومه (في النزول بعد المعركة في منعرج
اللوى) بأنه واحد من قومه يصيبون فيصيب معهم ويخطئون فيخطئ معهم (مع أنه كان واثقا
من أن ذلك كان خطأ):
نصحت لعارض وأصحاب عارض... ورهط بني
السوداء والقوم شهّدي (2)
فقلت لهم: ظنّوا بألفي مدجّج... سراتهمو في
الفارسيّ المسرّد (3)
فلما عصوني كنت فيهم، وقد أرى... غوايتهم وأنني
غير مهتد
أمرتهم أمري بمنعرج اللوى (4)
... فلم يستبينوا النصح إلاّ ضحى الغد
وهل أنا إلاّ من غزيّة: إن غوت... غويت، وان
ترشد غزية أرشد (5)
تنادوا فقالوا: أردت الخيل فارسا...فقلت:
أعبد اللّه ذلكم الرّدي (6)
فجئت اليه والرماح تنوشه... كوقع الصياصي
في النسيج الممدّد (7)
فطاعنت عنه الخيل حتى تنفست...وحتى علاني
حالك اللون أسودي (8)
قتال امرئ آسى أخاه بنفسه... ويعلم ان
المرء غير مخلّد
فان يك عبد اللّه خلّى مكانه... فما كان وقّافا ولا طائش اليد
قليل التشكي للمصيبات حافظ... من اليوم
أعقاب الأحاديث في غد
وطيّب نفسي أنني لم أقل له... كذبت، ولم
أبخل بما ملكت يدي
_________________
1) راجع غ 10:22.
2) نصحت للذاهبين إلى الحرب الا يفعلوا.
3) السراة: الوجهاء، سادة القوم. الفارسي
المسرد: الدروع المنسوجة-نسجا جيدا-ان اعداءكم الفا رجل كاملو عدة الحرب، أكثر
منكم عددا وسلاحا.
4) منعرج اللوي: مستدار الرمل، اسم
مكان-لما وصلنا إلى ذلك المكان قبل أن ندخل المعركة أمرتهم بالرجوع فلم يعرفوا
صواب رأيي إلا في اليوم التالي بعد أن هزموا في المعركة.
5) أنا من قومي لا أعصيهم فان ضلوا ضللت
معهم وان اهتدوا اهتديت معهم.
6) أردى: قتل، أهلك. الردي: القتيل.
7) تنوشه: تمزقه. الصياصي جمع صيصة:
(الملوك) -كانت الرماح تمزقه بكثرة وبسرعة.
8) تنفست: تفرقت. الاسودي: الاسود. حالك
اللون اسودي: غبار الحرب.