الحياة الاسرية
الزوج و الزوجة
الآباء والأمهات
الأبناء
مقبلون على الزواج
مشاكل و حلول
الطفولة
المراهقة والشباب
المرأة حقوق وواجبات
المجتمع و قضاياه
البيئة
آداب عامة
الوطن والسياسة
النظام المالي والانتاج
التنمية البشرية
التربية والتعليم
التربية الروحية والدينية
التربية الصحية والبدنية
التربية العلمية والفكرية والثقافية
التربية النفسية والعاطفية
مفاهيم ونظم تربوية
معلومات عامة
معالم فلسفتنا التربوية
المؤلف:
أ. د. عبد الكريم بكَار
المصدر:
حول التربية والتعليم
الجزء والصفحة:
ص 32 ــ 41
2025-08-07
16
إن فلسفة التربية تحدد للمربين الإطار التوجيهي للأنشطة التي سيقومون بها، وهي بذلك توفر البنية العميقة للتربية، وينبغي أن تسري فيها كما يسري الماء في العود الأخضر. إن المنهج الرباني يوفر للأمة رؤية واضحة للكون والإنسان وعالم الغيب، وهو بذلك لا يغنينا عن أن نختار ولا أن نجتهد ولكنه يقلل من عدد السبل التي قد تشتتنا وتبعدنا عن الهدف، وإن مثل المهتدي به كمثل من يبحث عن إبرة في غرفة، أما المعرض عنه فإنه كمن يبحث عن إبرة في صحراء!
إن فلسفة التربية في منظورنا ينبغي أن تكون جزءاً من رؤيتنا العامة للحياة والأحياء، والأولى والآخرة، كما أنها ينبغي أن تكون في الوقت نفسه منفتحة على ما يتراكم من الخبرات في الوعي التربوي العالمي؛ مما يعد تعزيزاً لرؤيتنا العامة أو تفريعاً عليها، ويمكن أن تذكر أهم ما تراه مجسداً لفلسفتنا التربوية من خلال المفردات التالية:
1- إن الناظر في آيات القرآن الكريم يقف على حقيقة كبرى، هي أن الكون كله مخلوق لله - جل وعلا، كما يجد أن الإنسان جزء من هذا الكون يقول سبحانه: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ} [الزمر: 62].
والإنسان أوجد على هذه الأرض للابتلاء: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ} [الملك: 2].
ووسيلة الابتلاء هي العبادة: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56].
والعلاقة بين الإنسان والكون هي علاقة تسخير: {أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} [لقمان: 20].
إن هذا كله يعني ما يلي:
أ- إن تحقيق العبودية لله - تعالى - يجب أن يكون مستحضراً في كل وقت، ولدى جميع المربين، وفي جميع المحاضن العربية: الأسرة والمدرسة ووسائل الإعلام... فينشأ الطفل على حب الله ورسوله (صلى الله عليه وآله)، وتذكيره بنعمة الله عليه ورعايته له كما يلفت نظره بين الفينة والفينة إلى بديع خلق الله وتناسقه وجماله كي يتعاظم في نفسه توقير الله وإجلاله. ويكون هذا محوراً من المحاور الأساسية للمناهج الدراسية، مهما كانت المادة التي تقدمها.
ويضاف إلى ذلك تأسيس ثقافة عامة تدور في فلك الأصول الحضارية الإسلامية في ميادين الأخلاق والاجتماع والسياسة والاقتصاد والنظم كافة.
قد بات من المهم أكثر من أي وقت مضى أن نؤكد بكل وسيلة أن بلوغ قمة التحضر لن يكون إلا عبر الخضوع لله - تعالى - وحده والامتثال لأمره، وأن التقوى والاستقامة ونفع الخلق هي مقاييس التفاضل في المجتمع الإسلامي.
ب- نحن جزء من هذا الكون، وقد تكرم الله - تعالى - فجعل الإنسان قادراً على استثمار جميع ما حوله والانتفاع به، ولذا فإن العلاقة به هي علاقة تعاون وتعاطف والتعاليم الإسلامية الكثيرة تدلنا على أن على الإنسان أن يتخلق بخلق الرحمة، وأن يتمتع بالإحساس المرهف مع كل ما فيه نوع من الحياة، بل إن ذلك يجب أن يمتد إلى الجمادات أيضاً، وذلك بالمحافظة على وجودها، فلا ينبغي للمسلم أن يدمر الموارد المتاحة، وألا يستخدمها إلا على وجه يعود عليه بالنفع.
إن الحضارة الغربية لم تقتصر على إفساد فكر الإنسان وعقيدته، بل تسببت في تلويث الماء والهواء، وتدهور البيئات، كما أشاعت ثقافة عالمية، تقوم على تدمير الموارد، بدلاً من المحافظة عليها، من خلال نشر ثقافة الاستهلاك العظيم. والحجة دائماً هي السعي إلى المزيد من السعادة لبني البشر، لكن الحقيقة ناطقة بأن ذلك يتم من أجل مضاعفة أرباح الشركات الكبرى التي ليس لجشعها أي حدود.
2- إن الوجود البشري وجود ممتد إلى ما شاء الله، وإن مدة الحياة الدنيا هي الجزء الأقل شأناً، وإن الحياة الحقيقية هي حياة الدار الآخرة، كما قال. سبحانه -: {وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} [العنكبوت: 64]. فالانتصارات في هذه الدنيا مهما كان حجمها، يجب أن ينظر إليها على أنها تقدم في إطار حياة محدودة، والهزائم يجب أن ينظر إليها على أنها كذلك؛ فهي مؤقتة، ولا يجوز قطعها عن سياقها العام. وهذه النظرة ضرورية لحماية مجتمعاتنا من شرور الأنانية، وتضخم الشره في الاستحواذ على المزيد من المتاع، مهما كان الطريق الذي يوصل إليه!.
ومن وجه آخر فإذا كنا نعد الدار الآخرة هي المرحلة الأهم والأبقى في حياتنا الأبدية، فيجب أن نعلم الناشئة كيف يسخرون طاقاتهم وإمكاناتهم للفوز بالسعادة الأبدية، ومما يؤسف له أن هذه الحقيقة أمست ضامرة إلى حد بعيد في الحس التربوي لدى معظم الناس، حيث لا تكاد تسمع في المجالس الخاصة والعامة وفي وسائل الإعلام إلا الحديث عن النجاحات والخسائر الدنيوية، وهذا في الحقيقة شكل من أسوأ أشكال التطور التي شهدناها خلال العشرين سنة الماضية!.
إن على الفلسفة التربوية أن تمارس وظيفتها النقدية بوضوح؛ حتى لا نبتعد كثيراً عن أصولنا وأهدافنا.
3- إن الله - جل وعلا - أرسل محمداً (صلى الله عليه وآله) رحمة للعالمين، ولا بد لنا من أن نسعى إلى تحقيق هذا المعنى؛ فلا يتصل مسلم بغير مسلم إلا ناله شيء من رحمة الإسلام ولطفه وهديه، ولن يتم هذا إلا إذا كانت تربيتنا تربية إنسانية.
إن ثورة الاتصالات والمواصلات قد وضعت العالم فيما يشبه الخلاطة الكبيرة، وهذا التواصل يمكن أن يكون سبباً في إحداث براكين ثقافية تزلزل العالم كله إذا ما اعتمد كل بلد تربية إقليمية ضيقة الأفق أنانية المشاعر. كما أنه يمكن لهذا التواصل أن يكون أداة لنقل الخبرات، وصقل الكيانات الاجتماعية المختلفة، إذا ما تم اعتماد قيم عالمية، ومعايير إنسانية رحبة، ينظر الناس بعضهم إلى بعض من خلالها.
إن هذا الزمان هو زمان (المواطن العالمي) الذي يجوب الأرض معلماً ومتعلماً، وأخذاً ومعطياً، ومؤثراً ومتأثراً... ولا بد للتربية أن تسعى إلى تكوين هذا الإنسان فكراً وثقافة وروحاً وخلقاً. وإن الإسلام لم يحكم أجزاء واسعة من الأرض في الماضي إلا بما يملكه من رؤية ومبادئ عالمية سامية؛ والذي ينظر في أدبيات التربية في القرون الإسلامية الأولى يجد أنها كانت ترمي حقيقة إلى تكوين شخصية عالمية في التفكير والرؤية والتعامل وهذا ما نحتاج إليه اليوم على نحو ملح.
إن التربية الإنسانية تتجاوز حدود الواجبات والحقوق، لتسمو إلى آفاق مراعاة المشاعر والظروف والهموم؛ إنها نوع من الشهامة والمروءة والتذمم، أو هي - كما سماها القرآن الكريم - درجة الفضل (1).
إن فلسفتنا التربوية تقوم على تنشئة الإنسان الصالح الذي له سلوك واحد، وتعامل واحد، ومعايير واحدة؛ فالإنصاف والأمانة، والعدل، وأداء الحقوق، والنصح والإحسان، وإغاثة الملهوف، ونصرة المظلوم، وإكرام الضيف، ورعاية حقوق الجار... وما شاكل ذلك من كريم الصفات مقومات أساسية يجب أن تتجلى في سلوك المسلم وتعامله مع المسلم وغير المسلم؛ والنصوص في هذا كثيرة ومشهورة.
إن الثقافة الغربية صنعت من المواطن الغربي إنساناً له سلوك وتعامل داخل بلاده، وسلوك وتعامل آخر خارجها، حيث يتم لي الذراع، ونهب الخيرات وقهر الضعفاء وهذا ما تأثر به بعض المسلمين اليوم، وهو جزء من الغزو الخلقي والروحي لنا!
4- من معالم فلسفتنا التربوية: التماسك والانسجام، بمعنى عدم اشتمالها على تنافر بين أجزائها، يؤدي إلى أن يجهض بعضها بعضاً. وهذا الانسجام تابع في الأصل من أن الله - جل وعلا - هو خالق الكون والإنسان، وهو الذي أرسل الرسل، وأنزل الكتب؛ ولذا فعلى مقدار التزام فلسفتنا التربوية بالمنهج الرباني يكون انسجامها أقرب إلى الكمال.
ويشكل ذلك الانسجام عنصر الشمول والتوازن فتجد على سبيل المثال أن القرآن الكريم دعا المسلمين إلى امتلاك القوة، وامتلاك أسباب الغلبة، وهذا لا يتم إلا من خلال نظم وأنشطة تؤدي إلى التفوق المادي؛ ولذا نجد أن في جوهر ثقافتنا وأدبياتنا الكثير مما يجعل المسلم لو التزم به متفوقاً، مثل العلم والنظام والنظافة والإتقان وحسن التدبير والدقة.
ونجد الإسلام قد حث الشباب على التعفف والتحصن، فشرع كل ما يساعد على ذلك، مثل ستر النساء، ومنع الاختلاط، والأمر بغض البصر، والبعد عن المغريات والفتن إلى جانب الحث على تيسير الزواج وخفض نفقاته، وهذا كله يسهل الالتزام بالعفة. ونحن مدعوون خلال مسيرتنا التربوية إلى اكتشاف المزيد من أشكال الانسجام في التعاليم الإسلامية؛ إذا ما أردنا لأنشطتنا التربوية أن تكون فعالة ومنتجة.
إن مما يؤسف له أن تربيتنا الواقعية لا تهتدي في كثير من الأحيان بهذا الهدي، ففي مسألة العفة مثلاً نجد أن كثيراً من الدول أقامت المؤسسات التعليمية التي يدرس فيها الفتيان والفتيات في قاعات واحدة وتجد إلى جانب ذلك البرامج التلفازية التي تعرض الصور الفاضحة؛ ويكمل هذا غلاء السكن، وارتفاع تكاليف الزواج، وانتشار البطالة. فكيف يمكن للشباب أن يحافظوا على العفة في مثل هذه الأجواء، وكم هي نسبة الذين سيقاومون هذه الظروف البالغة القسوة؟!
ه- التسامي على السفاسف، ومحاولة الارتقاء إلى المثل الأعلى (2) ركن ركين في فلسفتنا التربوية؛ فالله - جل وعلا - زود الإنسان بطاقات وإمكانات، وجعل في تركيبه النفسي والجسمي حاجات تتطلب الإشباع ومن له إلى جانب ذلك مبادئ وآداباً، ووضعه في ظروف قد تكون مواتية وقد تكون معاكسة لتحقيق ذلك ابتلاء منه واختباراً؛ وعلى المرء أن يتعلم حسن التصرف حيال كل ذلك.
إن الحضارة الحديثة أضعفت إرادة الإنسان ونقلت مجال السيطرة والتحكم من الإنسان إلى الأشياء، وصار الإنسان المسلم يشعر - أكثر من أي وقت مضى - أنه مغلوب على أمره لاهث حول تحقيق رغبات وحاجات تقصر إمكاناته دونها، وصار يضغط على مبادئه، ويتجاهل أخلاقياته وأدبياته في سبيل اكتمال الوسط الذي يعيش فيه؛ وهذا حد من تساميه وتشوفه إلى المثل العليا.
إن الرؤية الإسلامية في هذه المسألة تتلخص في أن رغبات الناس في امتلاك الأشياء لن تتوقف عند حد لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى ثالثاً، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب (3) ومن ثم فإنه لا بد للمسلم من المجاهدة الدائمة حتى لا يخضع للظروف الصعبة، وينشد دائماً الأسمى والأرقى. وفي سيرة النبي (صلى الله عليه وآله) وسير أصحابه الكرام دروس عملية كثيرة للتسامي؛ فقد خير (صلى الله عليه وآله) بين أن يكون ملكاً رسولاً، وأن يكون عبداً رسولاً، فاختار أن يكون عبداً رسولاً، وكان تمر عليه الليالي العديدة دون أن يوقد في بيت من بيوت نسائه نار، وكان يقوم من الليل حتى تتورم قدماه، مع مغفرة الله - تعالى - له وكان وكان.
وكان فتيان الصحابة - رضي الله عنهم - يتسابقون إلى ساحات الجهاد طلباً للشهادة، كما كان بعض الصحابة يؤثر إخوانه على نفسه بأشياء، هو في أمس الحاجة إليها، وكان منهم من يعمل وبكد من أجل أن يتصدق بشيء من أجره في سبيل الله!
إن التشريع الإسلامي يراعي الظروف الصعبة، والإمكانات المحدودة لبني البشر، ويعترف بها، ومن أجل ذلك كان التكليف ضمن الوسع، وكانت الرخص؛ لكن الله - تعالى - يريد دائماً من عباده أن يكون فيهم من يأخذ بالعزائم، ويضغط على حاجاته ومصالحه، من أجل الارتقاء إلى مقام القدوة، وذلك هو السبق وأصحابه هم السابقون الذين قال الله فيهم: {وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ * فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ} [الواقعة: 10 - 12].
إن التسامي والارتفاع إلى مقام الإمامة في الخلق والسلوك يحتاج دائماً إلى تضحية، ولكن العاقبة رضوان من الله ورحمة وفوز مبين، وإذا كان من العسير على الواحد منا أن يرتقي إلى المثل الأعلى في كل جوانب الحياة؛ فلا أقل من أن يكون قدوة في مجال من المجالات على الأقل؛ لينير شمعة في زاوية من زوايا ليل العالم الحالك.
التسامي في التحليل النهائي مظهر من مظاهر الإرادة الصلبة، وهو في الوقت نفسه أداة من أدوات التحرر من ربقة الأهواء والشهوات، وأسر الظروف الصعبة.
الأجيال الجديدة تواجه المزيد من ندرة الموارد، والمزيد من المغريات مع ظروف قاسية، ولذا فإن حاجتها إلى التسامي ستزداد يوماً بعد يوم، ومهمة التربية أن تبرز الحاجة إليه، وأن تستهدف تحقيقه في مناشطها المختلفة.
6- اقتضى خلود المنهج الرباني واتساعه لأحوال الإنسان مهما تطاول الزمان واختلف المكان - أن يشتمل على ثوابت صلبة خارجة عن نطاق التطور والاجتهاد، وعلى فراغات، يمكن للمجتهدين والمنظرين أن يملؤوها من خلال خبراتهم، ومن خلال حاجات الناس الفعلية؛ ففلسفتنا التربوية في مستوياتها العليا لا تقدم أحكاماً في مسائل فرعية، مثل موضوع عقاب الأولاد وضربهم في المدارس، ومثل بيان القدر المسموح به من نقد الابن لأبيه، ومثل تفضيل طريقة على أخرى في التعليم؛ لأن هذه القضايا تتنوع تنوعاً شديداً بين الأمم؛ فالرأي فيها متروك لموجهي التربية وعلمائها.
وهكذا ففلسفتنا التربوية ليست وليدة الخبرة ولا تبنى بناء على نحو مطلق - كما يرى بعض الباحثين - ولا هي في المقابل فلسفة مغلقة، كل ما فيها قطعي ونهائي، ولا هي فلسفة متعالية تدعي نضج نظمنا التربوية وتوصد الأبواب أمام تراكم الخبرة؛ فالإسلام دين عملي؛ ولذا فلا يكاد يذكر الإيمان إلا ويذكر معه العمل الصالح، وكان (صلى الله عليه وآله) يستعيذ بالله - تعالى - من علم لا ينفع (4)، وإن أكبر مشكلة خلقتها الفلسفة الإسلامية وغير الإسلامية لنفسها، أنها أقحمت نفسها في بحث أمور لم يعد الخالق - سبحانه - العقل البشري لاستجلاء كنهها، فكان حليفها دائماً الإخفاق والاضطراب.
ولو أن الفلسفة جنحت نحو (العملية) وسد الفراغات المعرفية، ونحو التحليل وتشكيل المفهومات الجزئية لأسدت للعلم أيادي، هو بأمس الحاجة إليها.
إن النظريات التربوية، لا تعدو أن تكون أدوات في يد الفلسفة التربوية، وهي مثل كل الأدوات تستمد قيمتها من مدى إمكانية تطبيقها، ومن تحقيقها للغايات التي نشأت من أجلها؛ ولذا فإنها قد تصلح في مرحلة، ولا تصلح في أخرى، وقد تصلح في بلد، ولا تصلح في بلد آخر (5). وقد مر على الناس زمان كان الهم المسيطر عليهم هو استيعاب الواقع الموضوعي وفهمه، لكن القرآن الكريم يشير إلى أن علينا أن نغير من هدف العلم ومن هدف التربية، وأن نضيف إلى محاولة فهم العالم محاولة تغييره، كما في قوله سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [الرعد: 11].
إن المنهج الرباني يمنح المسلم الأصول والأسس والغايات الكبرى ويمنحه إلى ذلك ما يشكل به (العقل المفتوح) الذي يملك استعداداً دائماً القبول الجديد والنافع، وما تبرهن التجارب على صدقه وصوابه، ما دام لا يتنافر مع الإطار الإسلامي العام، ولا يخالف نصوصاً أو أحكاماً قطعية. والمنهج التجريبي في الأصل صناعة إسلامية، ومن شأن التجريب أن يأتي دائماً بالجديد، وفلسفتنا العامة فلسفة تجديدية مرنة؛ والارتباك الذي تشهده الساحات التربوية يعود إلى أمرين:
الأول: هو محاولة التجديد في الحقول التربوية دون وجود أطر واضحة؛ مما يؤدي إلى الاضطراب والبلبلة.
والثاني: هو الجمود عند التجارب والنظريات التربوية القديمة، والتي ذهب إليها بشر يصيبون ويخطئون، وهذا يؤدي إلى القصور والتخلف عن ملاحقة الحاجات التربوية المتجددة.
إن الغرب قد أبدع في استخدام الأساليب والنظريات والوسائل التربوية؛ لكن ذلك يتم في غياب فلسفة تربوية عامة، تتمتع برؤية مطلقة ونهائية.
أما المسلمون فإن لديهم فقراً في النظريات والأساليب والأدوات بالإضافة إلى نوع من الغبش في استجلاء الفلسفة التي ينبغي أن تواجه الأنشطة التربوية وهكذا دخل الضيم على التربية نتيجة فقد الفلسفة حيناً، ونتيجة قصور الآليات والنظريات حيناً آخر!.
إضاءة:
إن الطفل الذي ينشأ في جو من التشجيع يتعلم الثقة.
والطفل الذي ينشأ في جو من التهكم يتعلم الخجل.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1ـ قال تعالى: {وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [البقرة: 237].
2ـ يراد بالمثل الأعلى نموذج الحياة المعنوية والمادية المراد للإنسان المسلم أن يحياها. انظر: كلاماً مفصلاً حول هذا في: مقومات الشخصية المسلمة: 63.
3ـ رواه البخاري.
4ـ أخرجه مسلم.
5ـ انظر: أثر العلم في المجتمع: 83.
الاكثر قراءة في التربية العلمية والفكرية والثقافية
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة

الآخبار الصحية
