الاستشهادات على أنَّ آية التطهير نزلت في الخمسة أصحاب الكساء فقط:
الأوّل: استشهاد رسول الله نفسه:
نقل المرحوم الشيخ الطوسيّ في «الأمالي» بسلسلة سنده المتّصل عن الإمام عليّ بن الحسين زين العابدين عليهما السلام حديثاً مفصّلًا حول خطبة الإمام الحسن المجتبى عليه السلام بعد صلحه مع معاوية. قال في بعضها: "وَ قَدْ قَالَ الله تعالى: {إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ ويُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً}، فَلَمَّا نَزَلَتْ آية التَّطهيرِ جَمَعَنَا رَسُولُ اللهِ أنَا وأخِي وامِّي وأبي فَجَعَلَنا ونَفْسَهُ في كِساءٍ لُامِّ سَلَمَةَ خَيْبَريّ وذلِكَ في حُجْرَتِهَا ويَوْمِهَا، فَقَالَ: اللهُمَّ إنَّ هَؤلاءِ أهْلُ بَيْتِي وهَؤلاءِ أهْلِي وعِتْرَتِي فَأذْهِبْ عَنْهُمُ الرِّجْسَ وطَهِّرْهُمْ تَطْهِيراً. فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ رَضِي اللهُ عَنْهَا: أنَا أدْخُلُ مَعَهُمْ يَا رَسُولُ اللهِ؟ فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللهِ: يَرْحَمُكِ اللهُ أنْتِ على خَيرٍ وإلى خَيْرٍ، ومَا أرْضَانِي عَنْكِ ولَكِنَّهَا خَاصَّةٌ لِي ولَهُمْ، ثُمَّ مَكَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ علَيه وآلِه وسَلّم بَعْدَ ذَلِكَ بَقِيَّةَ عُمْرِهِ حتى قَبَضَهُ اللهُ إليهِ يأتِينَا في كُلِّ يَوْمٍ عِنْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ ويَقُولُ: الصَّلاةُ يَرْحَمُكُمُ اللهُ"[1] {إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ ويُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً} (الحديث)[2].
فهذا الحديث الشريف يضمّ استشهاد الرسول الأكرم أوّلًا، واستشهاد الإمام الحسن على نزول آية التطهير فيهم ثانياً.
وثمّة حديثان آخران ينقلهما الشيخ الطوسيّ بسنده المتّصل في «الأمالي» عن أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام:" قَالَ عَلِيّ عليه السّلام: كانَ رَسُولُ اللهِ صلّى الله عليه وآله وسلّم يَأتينا كُلَّ غَداةٍ فَيَقُولُ: الصَّلاةَ رَحِمَكُم اللهُ الصَّلاةَ {إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ ويُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً}.
ذكر هذان الحديثان في «غاية المرام» تحت عنوان الحديث الثامن عشر، والتاسع عشر في ص 295 من الكتاب المذكور[3]. وذكره المرحوم الشيخ في «الأمالي»[4] بسنده المتّصل عن أبي الحمراء، وكذلك ذكره السيوطيّ[5] بتخريج ابن مردويه عن أبي سعيد الخُدريّ، والهيثميّ[6]
باختلاف يسير في اللفظ. نحن نذكر هنا لفظ «الأمالي»، قال: شَهِدْتُ النَّبِيّ أربَعينَ صَباحاً يُجيءُ إلى بابِ عَلِيّ وفَاطِمَةَ فَيَأخُذُ بِعِضادَتي البابِ ثُمَّ يَقُولُ: "السَّلامُ عَلَيْكُمْ أهلَ الْبَيتِ ورَحْمَةُ اللهِ. الصَّلاةُ يَرْحَمُكُمْ اللهُ {إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ ويُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً}.
وجاء في ذيله حسب تخريج السيوطيّ والهيثميّ أنَّه قال: "أنا حَرْبٌ لِمَن حَارَبْتُمْ. أنَا سِلْمٌ لِمَن سَالَمْتُمْ".
وقال السيوطيّ بأنَّ الطبرانيّ خرّجه عن أبي الحمراء أنَّه قال: رَأيتُ رَسُولَ اللهِ صلّى الله عليه وآله وسلّم يأتي بابَ عَلِيّ وفَاطِمَةَ سِتَّةَ أشْهُرٍ فَيَقُولُ: {إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ ويُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً}[7].
وقال السيوطيّ: وأخرج ابن جرير، وابن مردويه عن أبي الحمراء أنَّه قال: حَفِظْتُ مِن رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وسَلَّمَ ثَمَانِيَةَ أشْهُرٍ بِالْمَدِينَةِ، لَيْسَ مَرَّةً يَخْرُجُ إلى صَلاةِ الْغَداةِ إلّا أتى إلى بابِ عَلِيّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فَوَضَعَ يَدَهُ على جَنْبَتَي الْبَابِ ثُمَّ قَالَ: "الصَّلاةَ الصَّلاة"، {إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ ويُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً}[8].
وروى كلّ من السيوطيّ[9] بتخريج ابن مردويه عن ابن عبّاس والثعلبيّ[10] بتخريجه عن أبي الحمراء، والخوارزميّ[11] بتخريجه عن أبي سعيد الخُدريّ مع اختلاف يسير في اللفظ (و نحن هنا نذكر اللفظ الأوّل) قَالَ: شَهِدْنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وسَلَّمَ تِسْعَةَ أشْهُرٍ يَأتي كُلَّ يَوْمٍ بَابَ عَلِيّ بْنِ أبي طالِبٍ رَضِي الله عَنْهُ عِنْدَ وقْتِ كُلِّ صَلاةٍ فَيَقُولُ: السَّلامُ عَلَيكُمْ ورَحْمَةُ اللهِ وبَرَكَاتُهُ أهْلَ الْبَيتِ {إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ ويُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً}"الصَّلاةَ رَحِمَكُمُ اللهُ، كُلَّ يَوْمٍ خَمْسَ مَرّاتٍ".
الثاني: استشهاد أمير المؤمنين عليه السلام بآية التطهير لبيان منزلته:
وقد تحقّق هذا الاستشهاد في أوقات متعدّدة:
الاستشهاد الأول: عند ما توفي رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم أتى أبو بكر وعمر إلى منزله، فخاطباه في البيعة، وبعد رفضه جاء إلى المسجد فقال كلاماً بمحضر المسلمين، تطرّق في بعضه إلى آية التطهير مستشهداً بها في بيان منزلته وموقعه المتميّز.
وهذا الحديث رواه الشيخ الطوسيّ في أماليه بسنده المتّصل عن الإمام الرضا عليه السلام عن آبائه واحداً بعد الآخر حتى السجّاد عليّ بن الحسين عليهما السلام أنَّه قال: "لَمَّا أتى أبو بكرٍ وعُمَرُ إلى مَنزِلِ أمير المؤمنين عَلَيه السَّلامُ وخَاطَباهُ في البَيْعَةِ وخَرَجا مِن عِنْدِه، خَرَجَ أمير المؤمنين عليه السَّلامُ إلى الْمَسجِدَ فَحَمِدَ اللهَ وأثنى عَلَيْهِ مِمَّا اصْطَنَعَ عِنْدَهُمْ أهْلَ الْبَيتِ إذ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ وأذهَبَ عَنْهُمُ الرِّجْسَ وطَهَّرَهُمْ تَطْهِيراً. ثُمَّ قَالَ: إنَّ فُلاناً وفُلاناً أتيَانِي وطالَبَاني لِلْبَيْعَةِ لِمَن سَبيلُهُ أن يُبَايِعَنِي، أنَا ابنُ عَمِّ النَّبِيّ وأبُو ابْنَيْهِ والصِّدِّيقُ الأكبَرُ وأخُو رَسُولِ اللهِ، لَا يَقُولُهَا أحَدٌ غَيرى إلّا كاذِبٌ، وأسْلَمتُ وصَلَّيتُ، وأنا وَصِيُّهُ وزَوْجُ ابْنَتِهِ سَيِّدَةِ نِساءِ الْعَالَمِينَ فَاطِمَةَ بِنتِ مُحَمَّدٍ وأبُو الحَسَنِ والْحُسَيْنِ سِبطَيْ رَسُولِ اللهِ ونَحْنُ أهلُ بَيتِ الرَّحْمَةِ، بِنَا هَدَاكُمُ اللهُ وبِنَا اسْتَنقَذَكُمْ مِنَ الضَّلَالَةِ، وأنَا صَاحِبُ يَوْمِ الرُّوحِ وفِيّ سَنَةُ سُورَةٍ مِنَ الْقُرآنِ[12]، وأنا الوَصِيّ على الأمواتِ مِن أهْلِ بَيْتِهِ وأنا ثِقَتُهُ عَلي الأحْياءِ مِن امَّتِهِ فَاتَّقُوا اللهَ يُثَبِّتْ أقدَامَكُمْ ويُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ. ثُمَّ رَجَعَ إلى بَيْتِهِ"[13].
الاستشهاد الثاني: جاء في «تفسير عليّ بن إبراهيم» بسنده عن الإمام الصادق عليه السلام ضمن حديث قال فيه: "قَالَ أمير المؤمنين عليه السلام لأبي بَكرٍ: يَا أبا بَكرٍ تَقْرَا الْكِتَابَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَأخْبِرنِي عَنْ قَولِ الله تعالى: {إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ ويُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً} فِيمَن نَزَلَتْ فِينا أم في غَيرِنَا؟ قَالَ: بَل فِيكُمْ"[14].
الاحتجاج الثالث لأمير المؤمنين عليه السلام بآية التطهير في مجلس الشورى:
روى الشيخ الصدوق في «الأمالي» بسنده المتّصل عن عامر بن واثلة أنَّه قال: كُنتُ في البَيتِ يَومَ الشُّورى فَسَمِعْتُ عَلِيّاً عَلَيهِ السَّلامُ وهُوَ يَقُولُ: "اسْتَخْلَفَ النّاسُ أبا بَكرٍ وأنَا واللهِ أحَقُّ بِالأمرِ وأولى بهِ مِنْهُ واسْتَخْلَفَ عُمَرَ وأنَا واللهِ أحَقُّ بِالأمْرِ وأولَى مِنْهُ إلّا أنَّ عُمَرَ جَعَلَني مَعَ خَمْسَةٍ أنَا سادِسُهُمْ لا يَعْرِفُ عَلَيّ فَضْلًا، ولَوْ أشاءُ لَاحْتَجَجْتُ بِمَا لَا يَسْتَطِيعُ عَرَبْيُّهُمْ ولا عَجَمِيُّهُمُ الْمُعاهِدُ مِنْهُمْ والْمُشرِكُ تَغييرَ ذَلِكَ"، ثُمَّ ذَكَرَ عَلَيهِ السَّلامُ مَا احتَجَّ بِهِ على أهلِ الشُّورى، فَقَالَ في ذَلِكَ: "نَشَدتُكُمْ بِاللهِ هَل فِيكُمْ أحَدٌ أنْزَلَ اللهُ فِيهِ آيةَ التَّطْهِير على رَسُولِ اللهِ: {إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ ويُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً}؟ فَأخَذَ رَسُولُ اللهِ صلّى الله عليه وآله وسلّم كِساءً خَيبَريّاً فَضَمَّني فِيهِ وفَاطِمَةَ والْحَسَنَ والْحُسَينَ ثُمَّ قَالَ: يَا رَبِّ إنَّ هَؤلاء أهْلُ بَيتِي فَأذهِبْ عَنْهُمُ الرِّجْسَ وطَهِّرْهُمْ تَطْهِيراً؟ قالُوا: اللهُمَّ لَا"[15].
وكذلك روى الشيخ الطوسيّ في «الأمالي» بإسناده المتّصل عن أبي ذرّ الغفاريّ أنَّه قال: إنَّ عَليّاً وعُثْمَانَ وطلْحَةَ والزُّبَيْرَ وعَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ عُوفٍ وسَعْدَ بن أبي وَقّاصٍ أمَرَهُم عُمَرُ بنُ الْخَطَّابِ أن يَدخُلُوا بَيتاً ويغْلِقُوا عَلَيْهِمْ بَابَهُ ويَتَشَاوَرُوا في أمرِهِمْ بَيْنَهُمْ ثَلاثَةَ أيْامٍ، فَإن تَوافَقَ خَمْسَةٌ على قَولٍ واحِدٍ وأبي رَجُلٌ مِنْهُمْ قُتِلَ: ذَلِكَ الرَّجُلُ، وإنْ تَوافَقَ أربَعَةٌ وأبي اثنانِ قُتِلَ الاثنانِ[16]. فَلَمَّا تَوافَقُوا جَميعاً على رأي واحِدٍ قالَ لَهُمْ عَلِيّ بنُ أبي طالِبٍ عليه السّلام: "إنِّي احِبُّ أن تَسْمَعُوا مِنّي مَا أقُولُ لَكُمْ فَان يَكُن حَقّاً فَاقْبَلُوهُ، وإن يَكُن بَاطِلًا فَأنْكِرُوهُ"، قَالُوا: قُلْ فَذَكَرَ فَضَائِلَهُ عَنِ اللهِ سُبْحَانَهُ وعَن رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وآلِهِ وسَلَّمَ وهُمْ يُوافِقُونَهُ ويُصَدِّقُونَهُ فِيمَا قَالَ وكَانَ فِيمَا قَالَ عَلَيهِ السَّلامُ: "فَهَلْ فِيكُمْ أحَدٌ أنْزَلَ اللهُ فِيهِ آيَةَ التَّطهير حَيثُ يَقُولُ الله تعالى: {إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ ويُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً} غَيرى وزَوجَتي وابْنَيّ؟ قَالُوا: لَا"[17].
وذكر الشيخ الطوسيّ في «الأمالي» حديثاً آخر بهذا المضمون لكن بسند آخر ينتهي إلى أبي الأسود الدؤليّ[18].
الاحتجاج الرابع لأمير المؤمنين عليه السلام بآية التطهير في مسجد النبيّ:
روى الحموينيّ في كتاب «فرائد السمطين في فضائل المرتضى والبتول والسبطين» بسلسلة سنده المتّصل عن سليم بن قيس الهلالي أنَّه قال: رأيت عليّاً عليه السلام في مسجد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم في خلافة عثمان وجماعة يتحدّثون ويتذاكرون العلم والفقه، فذكروا قريشاً وفضلها وسوابقها وهجرتها، وما قال فيها رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم من الفضل ... إلى أن قال وعليّ بن أبي طالب عليه السلام ساكت لا ينطق ولا أحد من أهل بيته، فأقبل القوم عليه فقالوا: يا أبا الحسن ما يمنعك أن تتكلّم؟ فقال: ما من الحيّين يعني المهاجرين قريش والأنصار إلّا وقد ذكر فضلًا وقال حقّاً، فأنا أسألكم يا معشر قريش والأنصار مَن [بمن] أعطاكم الله هذا الفضل؟ أبأنفسكم، وعشائركم، وأهل بيوتاتكم أم بغيركم؟ قالوا: بل أعطانا الله ومنّ به علينا بمحمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم وعشيرته، لا بأنفسنا وعشائرنا، ولا بأهل بيوتاتنا. قال: صدقتم يا معشر قريش والأنصار. ألستم تعلمون أنَّ الذي نلتم من خير الدنيا والآخرة منّا أهل البيت خاصّة دون غيرهم؟ [ثُمَّ بدأ عليه السلام يعدّد فضائله ومناقبه واحدة تلو الاخرى، ويقرأ عليهم الآيات القرآنيّة النازلة فيه، إلى أن قال: "أيُّها النّاسُ أ تَعْلَمونَ أنَّ اللهَ أنْزَلَ في كِتَابِهِ: {إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ ويُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً} فَجَمَعَنِي وفَاطِمَةَ وابْنَيّ حَسَناً والْحُسَينَ ثُمَّ ألْقَى عَلَيْنا كِساءً وقَالَ: اللهُمَّ هَؤلاءِ أهْلُ بَيتي ولُحْمتي يُؤلِمُني ما يُؤلِمُهُمْ، ويَجْرَحُني ما يَجْرَحُهُمْ[19] فَأذْهِبْ عَنْهُمُ الرِّجسَ وطَهِّرْهُمْ تَطْهِيرًا، فَقَالَتْ امُّ سَلَمَةَ: وأنَا يَا رَسُولَ اللهِ؟ فَقَالَ: أنْتَ إلى خَيْرٍ، فِيّ وفي أخِي عَلِيّ بنِ أبي طالِبٍ وفي ابْنَيّ وفي تِسْعَةٍ مِنْ وُلْدِ ابْنَي الْحُسيْنِ خاصَّةً لَيْسَ مَعَنا فِيها أحَدٌ غَيْرُنَا؟" فَقَالُوا كُلُّهُمْ: نَشْهَدُ أنَّ امَّ سَلَمَةَ حَدَّثَتْنَا بِذَلِكَ فَسَألْنَا رَسُولَ اللهِ صلّى الله عليه وآله وسلّم فَحَدَّثَنا كَما حَدَّثَتنا امُّ سَلَمَة[20].
هذا الحديث مفصّل جدّاً ونحن نقلنا هنا ما يهمّنا في هذا الموضوع من نزول آية التطهير في أهل البيت.
يقول العلّامة نجم الدين الشريف العسكريّ: هذا الحديث الشريف معروف بحديث المناشدة، أخرجه جماعة من علماء الإماميّة وعلماء السنّة، والذين أخرجوه من علماء السنّة كثيرون، منهم الحموينيّ الشافعيّ في «فرائد السمطين»، والخوارزميّ الحنفيّ في «المناقب» ص 217 مع اختلاف في اللفظ، والشيخ سليمان القندوزيّ الحنفيّ في «ينابيع المودّة» ص 114، أخرجه ناقصاً مع اختلاف في بعض ألفاظه، ومنهم مؤلّف «المناقب الفاخرة»، وابن حجر الهيثميّ في «الصواعق المحرقة» ص 77، أخرج بعض ألفاظ الحديث، وقد أخرجه من علماء الإماميّة العلّامة السيّد هاشم البحراني في «غاية المرام» ص 67. وأخرجه أيضاً في كتابه الصغير المسمّى ب- «المناقب» بعد ما علّقنا عليه وذكرنا مصادر أحاديثه وذكرنا مستدركات بعض أحاديثه، وقد طبع ببغداد تحت عنوان: «عليّ والسُّنَّة»[21].
الاحتجاج الخامس لأمير المؤمنين عليه السلام بآية التطهير قبل نشوب القتال في معركة صفين:
لمّا كتب معاوية كتاباً مفصّلًا إلى أمير المؤمنين عليه السلام وأرسله مع أبي الدرداء وأبي هريرة، ومفاده إن كان الأمر كما قلت أي إن كنتَ بريئاً من دم عثمان) فأمكنّا من قتلة عثمان وادفعهم إلينا نقتلهم، و(عند ذلك) نسلّم إليك الأمر، (ونبايعك نحن ومن يخصّنا وجميع أهل الشام)[22].
أجاب الإمام أبا هريرة وأبا الدرداء جواباً مفصّلًا، وبيّن لهما خيانة معاوية مع الدليل، إذا أنَّه لا علاقة له بقتلة عثمان، وقد بايعه الناس خليفة عليهم فهو الذي يحكم فيهم وليس معاوية. لأنَّ معاوية لا خليفة ولا وليّ دم ولا وريث عثمان بل هو مثير للفتن بذريعة المطالبة بثأر عثمان، ممّا أدّى إلى شقّ عصا المسلمين والحال أنَّ بيعة معاوية للإمام واجبة ومخالفته حرام. بعد ذلك ألقى الإمام خطبة مفصّلة بحضور أبي هريرة وأبي الدرداء وجماعة من المهاجرين والأنصار بيّن فيها ماضيه المشرق في الإسلام وأحقّيّته بالأمر مدعِّماً ذلك بالآيات القرآنيّة النازلة بحقّه، والأحاديث النبويّة الصادرة بشأنه ومناقبه وفضائله.
وممّا جاء فيها استشهاده بآية التطهير، فقال: "أيُّهَا النَّاسُ أتَعْلَمُونَ أنَّ اللهَ تَبَاركَ وتَعالى أنْزَلَ في كِتَابِهِ {إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ ويُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً}، فَجَمَعني رَسُولُ اللهِ وفَاطِمَةَ والْحَسَنَ والْحُسَينَ في كِساءٍ وقَالَ: اللهُمَّ هَؤلاء عِتْرَتِي وخَاصَّتِي وأهْلُ بَيتِي فَأذْهِبْ عَنْهُمْ الرِّجْسَ وطَهِّرْهُمْ تَطهِيراً، فَقَالَتْ امُّ سَلَمَةَ: وأنَا؟ فَقَالَ: إنَّكَ على خَيرٍ وإنَّمَا انْزِلَتْ فِيّ وفي أخي عَلِيّ وابنَتي فَاطِمَةَ وابْنَيّ الْحَسَنِ والْحُسَينِ صَلَواتُ اللهِ عليهم خَاصَّةً لَيْسَ مَعَنا غَيْرُنا وفي تِسعَةٍ مِن وُلدِ الْحُسَيْنِ مِن بَعْدي". فَقَامَ كُلُّهُمْ فَقَالُوا: نَشْهَدُ انَّ امَّ سَلَمَةَ حَدَّثَتنا بِذَلِكَ، فَسَألْنَا عَن ذَلِكَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وآلِهِ وسَلَّمَ فَحَدَّثَنا بِهِ كَمَا حَدَّثَتنا امُّ سَلَمَةَ[23].
وكذلك فإنَّ للإمام أمير المؤمنين عليّ عليه السلام في هذا العصر احتجاجاً آخر يستشهد فيه بآية التطهير. ولمّا كان مفصّلًا، لذلك نكتفي بنقل طرف منه.
روي في كتاب «المناقب الفاخرة في العترة الطاهرة» بسلسلة سنده المتّصل عن شريك بن عبد الله (الأعور أنَّه) قال: «رأيت أمير المؤمنين ذات يوم وهو قائم وأصحاب رسول الله جلوس وهو يقول لهم: أنشدكم الذي لا أعظم منه، أفيكم أخ لرسول الله غيرى؟ قالوا: لا.
قال: انشدكم الله أفيكم من آمن بالله ورسوله قبلي؟ فقالوا: لا.
قال: فأنشدكم الله أفيكم أحد صلّى القبلتين وبايع البيعتين قبلي؟ قالوا: لا.
قال: فأنشدكم الله أفيكم أحد له زوجة تشبه زوجتي سليلة المصطفى ونبعة العلى ومريم الكبرى وفاطمة الزهراء سيّدة نساء أهل الجنّة؟ قالوا: لا.
قال: فأنشدكم الله أفيكم أحد له ولد يشبه وَلَدي الحسن والحسين سيّدي شباب أهل الجنّة؟ فقالوا: لا.
فقال: فأنشدكم الله أفيكم أحد أقرب محتداً من رسول الله غيرى؟ قالوا: لا.
قال: فأنشدكم الله، هل فيكم أحد غسّله غيرى؟ قالوا: لا.
قال: فأنشدكم الله، هل فيكم أحد غمّض عينيْ رسول الله غيرى؟ قالوا: لا.
قال: فأنشدكم الله، أ فيكم أحد فدى رسولَ الله بنفسه ونام على فراشه وبذل مهجته دونه غيرى؟ قالوا: لا.
قال: فأنشدكم الله، أفيكم أحد كان إذا قاتل كان جبرائيل عن يمينه، وميكائيلُ عن شماله غيرى؟ قالوا: لا.
قال: فأنشدكم الله، هل فيكم أحدٌ أمر الله بمودّته حيث قال: قُلْ لَا أسْألُكُم عَلَيهِ أجْراً إلّا الْمَوَدَّةَ في الْقُرْبَى غيرى؟ قالوا: لا.
قال: فأنشدكم الله، هل فيكم من طهّره الله في كتابه حيث قال: {إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ ويُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً} غيرى وأهل بيتي؟ قالوا: لا.
قال: فأنشدكم الله، هل فيكم أحدٌ أخذ رسولُ الله بيده يوم غدير خمّ، وقال: مَنْ كُنتُ مَولَاهُ فَعَلِيّ مَولَاهُ، اللهُمَّ وَالِ مَنْ وَالاهُ وعادِ مَن عَادَاهُ غيرى؟ قالوا: لا.
قال: فأنشدكم الله، هل فيكم أحد كان يأخذ ثلاثة أسهم: سهم القرابة، وسهم الخاصّة، وسهم الهجرة غيرى؟ قالوا: لا.
قال: فأنشدكم الله، هل فيكم من أمر الله رسوله فتح بابه حيث سدّت الأبواب غيرى؟ حتى قام عمّي وقال: يا رسول الله أمرتَ بسدّ أبوابنا وفتحت باب عليّ؟ فقال: والله، ما أسكنت عليّاً بل الله أسكنه وأخرجكم! فقالوا: صدقتَ. فقال: اللهُمَّ اشهدْ وكفى بالله شهيداً»[24].
الثالث: استشهاد السيّدة فاطمة الزهراء بآية التطهير في قضيّة فدك:
يقول سُليم بن قيس: انتهيت إلى حلقة في مسجد رسول الله ليس فيها الّا هاشميّ غير سلمان، وأبي ذر، والمقداد، ومحمّد بن أبي بكر وعمر بن أبي سلمة، وقيس بن سعد بن عبادة، فقال العبّاس لعليّ صلوات الله عليه: ما ترى عُمَر منعه من أن يغرم قنفذاً كما أغرم جميع عمّاله؟ فنظر عليّ عليه السلام إلى من حوله ثمّ اغرورقت عيناه، ثمّ قال: نشكو له ضربة ضربها فاطمة بالسوط فماتت وفي عضدها أثره كأنَّه الدملج. ثمّ قال عليه السلام العجب ممّا اشربت قلوب هذه الامّة من حبّ هذا الرجل وصاحبه من قبله والتسليم له في كلّ شيء أحدثه. لئن كان عمّاله خونة وكان هذا المال في أيديهم خيانة، ما كان حلّ له تركه، وكان له أن يأخذه كلّه فإنَّه فَيء للمسلمين، فما له يأخذ نصفه ويترك نصفه. ولئن كانوا غير خونة، فما حلّ له أن يأخذ أموالهم ولا شيئاً منه قليلًا ولا كثيراً، وإنَّما أخذ أنصاها؛ ولو كانت في أيديهم خيانة ثمّ لم يقرّوا بها ولم تقم عليهم البيّنة، ما حلّ له أن يأخذ منهم قليلًا ولا كثيراً. وأعجب من ذلك إعادته إيّاهم إلى أعمالهم، لئن كانوا خونه ما حلّ له أن يستعملهم.
[ثمّ تطرّق أمير المؤمنين إلى ما أحدثه عمر، وما أجراه من تغييرات وتبديلات في سنّة النبيّ الأكرم، إلى أن وصل إلى قضيّة فدك، فذكر ما قالته فاطمة عليها السلام عند ما أراد الشيخان أن يأخذا منها فدكاً. قالت:] «أليست في يدي وفيها وكيلي، وقد أكلت غلّتها ورسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم حيّ؟ قالا: بلى. قالت: فلم تسألاني في البيّنة على ما في يدي؟ قالا: لأنَّها فَيء المسلمين، فإن قامت بيّنة وإلّا لم نمضها. قالت لهما والناس حولهما يسمعون: أ فتريدان أن تردّا ما صنع رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وتحكما فينا خاصّة بما لم تحكما في سائر المسلمين. أيّها الناس، اسمعوا ما ركب هؤلاء من الإثم. قالت: أ رأيتما أن ادّعيت ما في أيدي المسلمين من أموالهم، تسألونني البيّنة أم تسألونهم؟ قالا: بل نسألك (لأنَّها ليست في يدك). قالت: فإن ادّعى جميع المسلمين ما في يدي، تسألونهم البيّنة أم تسألونني؟
(لمّا كانت حجّة فاطمة قاطعة وعجزا عن الجواب) فغضب عمر وقال: إنَّ هذا فَيء للمسلمين وأرضهم، وهي في يدي فاطمة تأكل غلّتها، فإن أقامت بيّنة على ما ادّعت أنَّ رسول الله وهبها لها من بين المسلمين وهي فيئهم وحقّهم، نظرنا في ذلك. فقالت: حسب، انشدكم بالله أيّها الناس، أما سمعتم رسول الله يقول: إنَّ ابنتي سيّدة نساء أهل الجنّة؟" قالوا: اللهُم نعم قد سمعناه من رسول الله، قالت: "أ فسيّدة نساء أهل الجنّة تدّعى الباطل وتأخذ ما ليس لها؟ أ رأيتهم لو أنَّ أربعة شهدوا عليّ بفاحشة أو رجلان بسرقة، أكنتم مصدّقين عليّ"؟ فأمّا أبو بكر فسكت، وأمّا عمر فقال: نعم ونوقع عليك الحدّ. فقالت: "كذبت ولؤمت إلّا أن تقرّ أنَّك لست على دين محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم، إنَّ الذي يجيز على سيّدة نساء أهل الجنّة شهادة أو يقيم عليها حدّاً لملعون كافر بما أنزل الله على محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم. إنَّ مَن أذْهَبَ اللهُ عَنْهُمُ الرِّجسَ وطَهَّرَهُمْ تَطْهِيراً لَا تَجُوزُ عَلَيْهِم شَهادَةٌ لأنَّهُمْ مَعْصُومُونَ مِن كُلِّ سُوءٍ مُطهَّرُّونَ مِن كُلِّ فَاحِشَةٍ".
حدّثني يا عمر من أهل هذه الآية لو أنَّ قوماً شهدوا عليهم أو على أحد منهم بشرك أو كفر أو فاحشة كان المسلمون يتبرّؤون منهم ويحدّونهم؟
قال: نعم، وما هم وسائر الناس في ذلك إلّا سواء. قالت: كذبتَ وكفرتَ، ما هُم وسائرُ النَّاسِ سَواءً لأنَّ اللهَ عَصَمَهُمْ وأنزَلَ عِصْمَتَهُمْ وتَطْهِيرَهُمْ وأذْهَبَ عَنْهُمُ الرِّجْسَ، فَمَنْ صَدَّقَ عَليهِمْ فَإنَّمَا يُكَذِّبُ اللهَ ورَسُولَهُ. [فلمّا بلغ الأمر حيث بلغ وأفحمهما احتجاجُ فاطمة واستدلالها الرصين] قال أبو بكر: أقسمتُ عليك يا عمر، لما سكتَ[25]- (الحديث).
الرابع: استشهاد الإمام الحسن عليه السلام بآية التطهير في ثلاثة مواضع:
الأوّل: بعد وفاة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام إذ جاء الإمام الحسن عليه السلام إلى مسجد الكوفة بعد دفن أبيه، وكان المسجد يغصّ بالناس لكثرة الزحام، فخطب في تلك الجموع الغفيرة متطرّقاً إلى شيء من سيرة والده المرتضى. وبعد الخطبة، بايعه الناس جميعه بالخلافة. وكان ممّا ذكره في الخطبة استشهاده بآية التطهير في بيان شأنه ومنزلته.
روى محمّد بن العبّاس بن ماهيار- وهو من الموثّقين عند الشيعة- في تفسير القرآن الذي ألّفه للحديث عن الآيات النازلة في أهل البيت بسنده المتّصل عن عمر بن عليّ بن أبي طالب أنَّه قال: خَطَبَ الْحَسَنُ بنُ عَلِيّ عَلَيْهِمَا السَّلامُ النَّاسَ حِينَ قُتِلَ عَلِيّ عَلِيهِ السَّلامُ فَقَالَ: "قُبِضَ في هذهِ اللَّيلَةِ رَجُلٌ لَم يَسْبِقْهُ الأوَّلُونَ ولَا يُدْرِكُهُ الآخِرُونَ. ما تَرَكَ على ظْهرِ الأرضِ صَفْراءَ ولَا بيضَاءَ إلّا سَبْعَمِائَةِ دِرهَمٍ فَضَلَت مِن عَطائِهِ أرادَ أن يَبتَاعَ بِهَا خَادِماً لأهْلِهِ". ثُمَّ قَالَ: "أيُّهَا النَّاسُ مَن عَرَفَني فَقَدْ عَرَفَني ومَن لَم يَعْرِفِني فَأنَا الْحَسَنُ بنُ عَلِيّ وأنَا ابنُ البَشِيرِ والنَّذِيرِ والدّاعِي إلى اللهِ بِإذْنِهِ والسِّراجِ المُنِير. أنا مِن أهلِ الْبَيتِ الذي كان يَنزِلُ فِيهِ جَبرئيلُ ويَصْعَدُ، وأنَا مِن أهْلِ الْبَيتِ الَّذِينَ أذْهَبَ اللهُ عَنْهُمُ الرِّجْسَ وطَهِّرْهُمْ تَطْهِيراً"[26].
وروى الحاكم في «المستدرك» والهيثميّ في «مجمع الزوائد» أنَّ الْحَسَنَ بنَ عَلِيّ خَطَبَ النَّاسَ حِينَ قُتِلَ عَلِيّ وقَالَ في خُطْبَتِهِ: "أيُّهَا النَّاسُ مَن عَرَفَني فَقَدْ عَرَفَني، ومَن لَمْ يَعْرِفِني فَأنَا الْحَسَنُ بنُ عَلِيّ، وأنا ابنُ النَّبِيّ، وأنا ابنُ الوَصِيّ، وأنَا ابنُ الْبَشيرِ، وأنَا ابنُ النَّذِيرِ، وأنَا ابنُ الدّاعي إلى اللهِ بِإذنِهِ، وأنَا ابنُ السِّراجِ الْمُنيرِ، وأنا مِن أهْلِ الْبَيتِ الَّذِي كان جَبرَئيلُ يَنْزِلُ إلينَا ويَصْعَدُ مِن عِندِنا، وأنا مِن أهْلِ الْبَيتِ الَّذِين أذهَبَ اللهُ عَنْهُمُ الرِّجْسَ وطَهِّرَهُمْ تَطْهيراً"[27]- (الخطبة.)
الثاني: الاحتجاج الثاني للإمام الحسن عليه السلام بآية التطهير:
بعد الصلح مع معاوية، حيث صعد الإمام المنبر وألقى خطبة بليغة ومفصّلة للغاية ذكر فيها مناقبه وفضائله جميعها.
نقل الشيخ الطوسيّ في «الأمالي» هذه الخطبة بسندين. الأوّل: عن الإمام عليّ بن الحسين زين العابدين عليهما السلام وهذه الخطبة مفصّلة للغاية، وقد بيّن الإمام فيها فضائله، إلى أن قال: "وَأقُولُ مَعاشِرَ الْخَلائِقِ فَاسْمَعُوا ولَكُمْ أفْئِدةٌ وأسْماعٌ فَعُوا: إنَّا أهْلُ بيتٍ أكرَمَنا اللهُ بِالإسلامِ واختَارَنا واصطفانا واجْتَبَانَا وأذهَبَ عَنَّا الرِّجْسَ وطَهِّرَنا تَطهيراً، والرِّجْسُ هُوَ الشَّكُّ فَلا نَشْكُّ في اللهِ الْحَقِّ ودِينِهِ أبَداً، وطَهَّرَنا مِن كُلِّ أفْنٍ وعَيبٍ مُخْلَصِينَ إلى آدَمَ نِعْمَةً مِنهُ. لَم تَفْتَرِقِ النَّاسُ فِرقَتَينِ إلّا جَعَلَنَا اللهُ في خَيرِهِمَا، فَأدَّتِ الامورُ وأفضَتِ الدُّهُور"ُ.
ثمَّ واصل الإمام كلامه فتطرّق إلى مناقبه الاخرى بالتفصيل، إلى أن قال: "فَنَحْنُ أهْلُهُ ولَحْمُهُ ودَمُهُ ونَفْسُهُ ونَحْنُ مِنْهُ وهُوَ مِنّا، وقَد قَالَ الله تعالى: {إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ ويُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً}، فَلَمّا انزِلَت آيَةُ التَّطهيرِ جَمَعَنا رَسُولُ اللهِ صلّى الله عليه وآله وسلّم أنَا وأخي وامّي وأبي، فَجَعَلَنا ونَفْسَهُ في كِساءٍ لُامِّ سَلَمَةَ خَيبَريّ في حُجْرَتِهَا ويَومِها فَقَالَ: اللهُمَّ هَؤلاءِ أهْلُ بَيتِي وهؤلاءِ أهْلِي وعِترَتِي فَأذهِبْ عَنْهُمُ الرِّجْسَ وطَهِّرهُم تَطْهِيراً. فَقَالَت امُّ سَلَمَةَ رَضِي اللهُ عَنْهَا أنا أدْخُلُ مَعَهُمْ يَا رَسُولَ اللهِ؟ فَقَالَ لَها رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلِيهِ وآلِهِ وسَلَّمَ يَرحَمُكِ اللهُ أنتِ على خَيرٍ وإلى خَيرٍ وما أرضاني عنكِ ولكِنَّها خاصَّةٌ لي ولَهُم، ثُمَّ مَكَثَ رَسُولُ اللهِ بَعْدَ ذَلِكَ بَقِيَّةَ عُمْرِهِ حتى قَبَضَهُ اللهُ إليهِ يَأتِينا في كُلِّ يَومٍ عِندَ طُلُوعِ الْفَجْرِ ويَقُولُ: الصَّلاةَ يَرْحَمْكُمُ اللهُ، {إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ ويُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً}[28]- (الخطبة).
أمّا السند الثاني فهو عن أبي عمر زاذان قال: لمّا صالح الإمام الحسن عليه السلام معاوية، صعد المنبر فخطب الناس مبيّناً مناقبه، إلى أن قال: "وَلَمّا نَزَلَتْ آيَة التَّطهِيرِ جَمَعَنا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وآلِهِ وسَلَّمَ في كِساءٍ لُامِّ سَلَمَةَ رَضِي اللهُ عَنْها خَيبَريّ ثُمَّ قالَ: اللهُمَّ هَؤلاءِ أهْلُ بَيْتِي وعِترَتي فَأذْهِب عَنْهُمُ الرِّجْسَ وطَهِّرْهُمْ تَطْهِيراً"[29]. الثالث: بعد طعنه بالخنجر في فخذه أثناء حربه مع معاوية. روي أنَّه خطب الناس بعد أن تحسّنت صحّته. وقد نقل هذه الخطبة من العامّة: الهيثميّ وابن كثير مع اختلاف يسير في اللفظ. ونحن ننقل هنا كلمات الهيثميّ: إنَّ الحَسَنَ بنَ عَليّ حِينَ قُتِلَ عَلِيّ استُخْلِفَ، فَبَيْنا هُوَ يُصَلِّي بِالنَّاسِ إذ وَثَبَ رَجُلٌ فَطَعَنَهُ بِخَنْجَرٍ في وَرِكِهِ فَتَمرَّضَ مِنها أشْهُراً ثُمَّ قامَ فَخَطَبَ على الْمِنبَرِ فَقَالَ: "يَا أهْلَ الْعِرَاقِ اتَّقُوا اللهَ فِينا فَإنَّا امَراؤكُم وضِيفَانُكُمْ، ونَحْنُ أهلُ الْبَيتِ الذي قَالَ اللهُ عَزَّ وجَلَّ: {إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ ويُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً}، فَمَا زالَ يَومَئِذٍ يَتَكلَّمُ حتى ما نَرى في المَسْجِدِ إلّا بَاكِياً[30]. ثمّ قال الهيثميّ: روى الطبرانيّ هذا الحديث، ورواته من الموثّقين.
الخامس: استشهاد الإمام الحسين سيّد الشهداء عليه السلام بآية التطهير:
في الشعر المنسوب إليه الذي أنشده يوم العاشر من المحرّم أمام الجيش الأمويّ ومطلعه:
كَفَرَ الْقَومُ وقِدْماً رَغِبوا *** عَنْ ثَوابِ اللهِ رَبِّ الثَّقَلَين
ثمّ تطرّق فيه إلى مناقبه ومفاخره، وبعد ذلك قال:
نَحنُ أصحابُ الكِسا خَمْسَتُنا *** قَد مَلَكْنَا شَرْقَها والْمَغْرِبَين
ثُمَّ جَبريلُ لَنا سَادِسُنا *** وَلَنا الْبَيتُ كَذا والمَشْعَرَين[31]
وفي مواطن كثيرة تحدّث الإمام الحسين عن نفسه المقدّسة بوصفه من أهل البيت، منها: عند ما تردّد مسلم بن عقيل في الذهاب إلى العراق وأرسل إليه كتاباً يخبره فيه بتطيُّره من هذه المهمّة، أجابه الإمام عليه السلام قائلًا: "يَا ابنَ العَمِّ إنِّي سَمِعتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وآلِهِ وسَلَّمَ يَقُولُ: ما مِنّا أهلَ الْبَيتِ مَن يَتَطَيَّر ولَا يُتَطَيَّرُ بِهِ، فَإذا قَرأتَ كِتابي فَامضِ على ما أمَرتُكَ، والسَّلامُ عَلَيكَ ورَحْمَةُ اللهِ وبَرَكَاتُهُ"[32].
ومنها: عند ما خطب في مكّة قبل تحرّكه تلقاء كربلاء، فقال فيها: "رضا اللهِ رضانا أهلَ الْبَيتِ، نَصبِرُ على بَلائِهِ ويُوَفّينا اجُورَ الصَّابِرينَ"[33].
ومنها: عند ما خطب ليلة العاشر من المحرّم وأعلن أمام أصحابه بأنَّ من أحبّ الانصراف، فلينصرف، وقال: "وَالآنَ لَم يَكُن لَهُمْ مَقْصَدٌ إلّا قَتْلِي وقَتلِ مَن يُجاهِدُ بَينَ يَدَيّ وسَبْيَ حَرِيمي بَعدَ سَلْبِهمْ، وأخشى أنَّكُمْ ما تَعْلَمُونَ او تَعْلَمُونَ وتَستَحيُونَ والْخَدْعُ عِندَنا أهلَ الْبَيتِ مُحَرَّمٌ، فَمَنْ كَرِهَ مِنكُمْ ذَلِكَ فَليَنصَرِف"[34]. (الخطبة).
السادس: استشهاد الإمام السجّاد عليه السلام بآية التطهير:
يقول السيّد ابن طاووس في «اللهوف»: لمّا جاءوا بالسبايا إلى الشام، وسُلِكَ بِهم بين النظّارة على تلك الصفة حتى أتى بهم باب دمشق فوقفوا على درج باب المسجد الجامع حيث يقام السبي، وفي تلك الحالة دنا شيخ من عيال الحسين فقال: الْحَمدُ لِلهِ الذي قَتَلَكُمْ وأهْلَكَكُمْ وأراحَ الْبِلادَ عَن رِجَالِكُم وأمكَنَ أميرُ المؤمنين مِنكُمْ، فَقَالَ لَهُ عَليّ بنُ الْحُسَينِ عَلَيهِمَا السَّلامُ: "يَا شَيخُ هَلْ قَرَأتَ الْقُرآنَ؟ قَالَ نَعَمْ قَالَ: فَهَلْ قَرأتَ هَذِهِ الآيَةَ: {قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى}؟ قَالَ الشَّيخُ: نَعَمْ قَدْ قَرَأتُ ذَلِكَ، فَقَالَ عَلِيّ عَلَيهِ السَّلامُ: "فَنَحْنُ القُربى يَا شَيخُ، فَهَلْ قَرَأتَ في بَني إسرائيلَ: «وَءَاتِ ذَا الْقُربَى حَقَّهُ»؟ فَقَالَ الشَّيخُ: قَدْ قَرَأتُ، فَقَالَ عَلِيّ بنُ الْحُسَينِ عَلَيهِمَا السَّلامُ: فَنَحنُ الْقُربَى يا شَيخُ، فَهَلْ قَرَأتَ هَذِهِ الآيَةَ: {وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ ولِلرَّسُولِ ولِذِي الْقُرْبى}؟ قَالَ: نَعَمْ، فَقَالَ لَهُ عَلِيّ عَلَيهِ السَّلامُ: فَنَحْنُ الْقُربَى يَا شَيخُ، فَهَلْ قَرَأتَ هَذِهِ الآيَةَ: {إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ ويُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً}؟ قَالَ الشَّيخُ: قَدْ قَرَأتُ ذَلِكَ، فَقَالَ عَلِيّ عَلَيهِ السَّلامُ "فَنَحْنُ أهلُ الْبَيتِ الَّذينَ خَصَّصَنَا اللهُ بآيَةِ الطَّهَارَةِ يا شَيخُ". قَالَ الرَّاوي: فَبَقِي الشَّيخُ ساكِتاً نَادِماً عَلَي مَا تَكَّلَمَّ بِهِ، وقَالَ: بِاللهِ إنَّكُمْ هُمْ؟ فَقَالَ عَلِيّ بنُ الْحُسَينِ عَلَيهِمَا السَّلامُ "تَاللهِ إنَّا لَنَحنُ هُم مِن غَيرِ شَكٍّ، وحَقِّ جَدِّنا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وآلِهِ وسَلَّمَ إنَّا لَنَحنُ هُمْ" فَبَكى الشَّيخُ ورَمَى عِمَامَتَهُ ثُمَّ رَفَعَ رَأسَهُ إلى السَّمَاءِ وقَالَ: اللهُمَّ إنَّا نَبرَا إليكَ مِن عَدُوِّ آلِ مُحَمدٍ عَلَيهِمُ السَّلامُ مِن جِنٍّ وإنسٍ. ثُمَّ قَالَ: هَل لِي مِن تَوبَةٍ؟ فَقَالَ لَهُ: نَعَمْ إن تُبتَ تَابَ اللهُ عَلَيكَ وأنتَ مَعَنا، فَقَالَ: أنا تائِبٌ. فَبَلَغَ يَزيدَ بنَ مَعاوِيَةَ حَديثُ الشَّيخِ فَأمَرَ بِهِ فَقُتِلَ[35].
ونقل هذه القضيّة بالتفصيل الخوارزميّ في «المقتل» مع اختلاف يسير في اللفظ[36]. والطبريّ في تفسير آية التطهير[37]، وابن كثير[38] في تفسير هذه الآية فقط حيث ذكروا استشهاد الإمام السجّاد بآية التطهير عند حديثه مع ذلك الرجل الشاميّ.
ونقل الآلوسيّ[39] والسيّد شرف الدين[40] أيضاً استشهاد الإمام بآية المودّة {قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى} للشيخ الشاميّ. ونقل السيّد شرف الدين ذلك عن الطبرانيّ، وكتاب «الصواعق المحرقة».
السابع: استشهاد الإمام السجّاد والسيّدة زينب عليها السلام بآية التطهير في مجلس ابن زياد:
لمّا جاءوا بسبايا آل محمّد عليهم السلام إلى مجلس عبيد الله بن زياد، وأخبر ابن زياد بزينب عليها السلام بعد أن سأل عنها، قال: الْحَمْدُ لِلهِ الذي فَضَحَكُمْ وقَتَلَكُمْ وأكْذَبَ احْدُوثَتَكُمْ، فَقَالَت زَينَبُ: "الْحَمْدُ لله الذي أكْرَمَنا بِنَبيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وآلِهِ وسَلَّمَ وطَهَّرَنا مِنَ الرِّجسِ تَطْهيراً، إنَّما يَفتَضِحُ الْفَاسِقُ ويَكذِبُ الْفَاجِرُ وهُوَ غَيرُنا والحَمدُ للهِ"[41].
وكذلك عند ما خطبت سلام الله عليها في مجلس يزيد، فإنَّها استحقرت شأن يزيد بهذه الكلمات البليغة التي قالت في بعضها: "أمِنَ العَدلِ يَا بْنَ الطُّلَقَاءِ تَخديرُكَ حَرائِرَكَ وإماءَكَ، وسَوقُكَ بَناتِ رَسُولِ اللهِ سَبايا؟ قَد هَتَكتَ سُتُورَهُنَّ وأبدَيْتَ وُجُوهَهُنَّ، تَحْدُو بِهِنَّ الأعْدَاءُ مِن بَلَدٍ إلى بَلَدٍ، ويَستشرِفُهُنَّ أهلُ المَناهِلِ والمَناقِلِ، ويَتَصَفَّحُ وجُوهَهُنَّ الْقَرِيبُ والْبَعيدُ والدَّنِيّ والشَّريفُ، لَيسَ مَعَهُنَّ مِن رِجالِهِنَّ وَلِيّ ولَا مِن حُماتِهِنَّ حَمِيّ وكَيفَ يُرتَجَى مُراقَبَةُ مَن لَفَظَ فُوهُ أكبَادَ الأزكِياءِ، ونَبَتَ لَحْمُهُ مِن دِمَاءِ الشُّهَدَاءِ، وكَيفَ يَستَبطِئ في بُغضِنَا أهلَ الْبَيتِ مَن نَظَرَ إلينَا بِالشَّنَفِ والشَّنَآنِ والإحَنِ والأضغانِ"[42]- (الخطبة).
الثامن: استشهاد السيّدة فاطمة الصغرى بآية التطهير في مدينة الكوفة:
فبعد أن حمدت الله وأثنت عليه وصلّت على النبيّ وآله، وفصّلت في ذكر مصائب أهل البيت، قالت: وافتَخَرَ بِذَلِكَ مُفتَخِرُكُمْ شِعراً:
نَحنُ قَتَلنَا عَلِيّاً وبَني عَلِيّ *** بِسُيُوفٍ هَندِيَّةٍ ورِماحِ
وَسَبَينا نِساءَهُم سَبْيَ تُرْكٍ *** وَطَعَنّاهُمْ فَأيّ نِطاحِ
بِفِيكَ أيُّها الْقَائِلُ الْكَثكَثُ والأثلَبُ، افتَخَرتَ بِقَتلِ قَومٍ زَكّاهُمُ الله وَطَهَّرَهُمْ وأذهَبَ عَنْهُمْ الرِّجسَ؟![43]
التاسع: استشهاد عبد الله بن عفيف الأزديّ بآية التطهير:
لمّا فرغ ابن زياد بعد وقعة كربلاء جاء إلى المسجد وخطب الناس فقال في بعض كلامه: الحمد لله الذي أظهر الحقّ وأهله، ونصر أمير المؤمنين [يزيد] وأشياعه، وقتل الكذّاب ابن الكذّاب.
فما زاد على هذا الكلام شيئاً حتى قام إلىه عبد الله بن عفيف الأزديّ وكان من خيار الشيعة وزهّادها، وكانت عينه اليسرى ذهبت في يوم الجمل، والاخرى في يوم صفّين، وكان يلازم المسجد الأعظم بالكوفة فيصلّي فيه إلى الليل. [قام] فقال له: يا ابن زياد إنَّ الكذّابَ ابن الكذّاب هو أنت وأبوك، ومن استعملك وأبوه. يا عدوّ الله، أ تقتلون أبناء النبيّين، وتتكلّمون بهذا الكلام على منابر المؤمنين.
قال [الراوي]: فغضب ابن زياد لعنه الله من كلامه ثم قال: من هذا المتكلّم؟ فقال عبد الله: أنا الْمُتَكَلِّمُ يا عَدُّوَّ اللهِ: أتَقْتُلُ الذُّرِّيَّةَ الطَّاهِرَةَ التي قَدْ أذهَبَ اللهُ عَنْهُمُ الرِّجْسَ وتَزعَمُ أنَّكَ على دِينِ الإسلامِ. وا غَوثاهُ أينَ أولادُ المُهَاجِريِنَ والأنصارِ لا يَنتَقِمُونَ مِن طاغَيتِكَ اللَّعينِ ابنِ اللَّعينِ على لِسانِ رَسُولِ رَبِّ العالَمِينَ[44].
العاشر: استشهاد الإمام الرضا عليه السلام بآية التطهير أمام المأمون:
روى المرحوم الصدوق ابن بابويه بسنده المتّصل عن الريّان بن الصّلت، عن الإمام الرضا عليه السلام في جوابه على سؤال المأمون والعلماء عند ما استفسروا منه عن الفرق بين آل رسول الله، وبين الامّة، فقال: فَكَانَ الوِرَاثَةُ للعِتْرَةِ الطَّاهِرَةِ لَا لِغَيرِهِمْ، فَقَالَ المَأمُونُ: مَنِ الْعِتْرَةُ الطَّاهِرَةُ؟ فَقَالَ الرِّضَا عَلَيهِ السَّلامُ "الَّذِينَ وَصَفَهُمُ اللهُ في كِتابِهِ، فَقَالَ جَلَّ وعَزَّ: {إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ ويُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً}[45]- (الحديث).
الحادي عشر: استشهاد سعد بن أبي وقّاص بآية التطهير عند معاوية:
روى الشيخ الطوسيّ في «الأمالي» بسنده المتّصل عن ابن عبّاس قال: كنتُ عند معاوية وقد نزل بذي طوى، فجاء سعدُ بن أبي وقّاص فسلّم عليه.
فقال معاوية: يا أهل الشام، هذا سعد وهو صديق عليّ، قال: فطأطأ القوم رؤوسهم وسبّوا عليّاً عليه السلام فبكى سعد، فقال له معاوية: ما الذي أبكاك؟ قال: ولِمَ لا أبكي لرجل من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يُسَبُّ عندك، ولا أستطيع أن اغيّر.
وقد كان في عليّ خصال لئن تكون فِيّ واحدة منهنّ أحبُّ إلى من الدنيا وما فيها.
أحدها: إنَّ رجلًا كان باليمن فجفاه عليّ بن أبي طالب، فقال: لأشكونّك إلى رسول الله. فقدم على رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فسأله عن عليّ عليه السلام.
فقال: انشدك الله الذي أنزل عليّ الكتاب واختصّني بالرسالة، أعن سخط تقول ما تقول في عليّ. قال: نعم يا رسول الله. قال: ألا تعلم أنَّي أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قال: بلى. قال: من كنتُ مَولاهُ فعليّ مولاه.
والثانية: وأنَّه بعث يوم خيبر عُمر بن الخطّاب إلى القتال، فهُزم وأصحابه، فقال صلّى الله عليه وآله وسلّم لُأعطينَّ الرايةَ إنساناً يحبُّ اللهَ ورسولَه، ويحبّه اللهُ ورسولُه. فقعد المسلمون، وعليّ أرمد، فدعاه فقال: خذ الراية. فقال: يا رسول الله، إنَّ عينيّ كما ترى، فتفل فيها، فقام فأخذ الراية، ثمّ مضى بها، ففتح الله عليه.
والثالثة: خلّفه في بعض مغازيه. فقال عليّ: يا رسول الله خلّفتني مع النساء والصبيان؟ فقال رسول الله؟ أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى، إلّا أنَّه لا نبيّ بعدي؟
والرابعة: سدّ الأبواب في المسجد إلّا باب عليّ.
والخامسة: نزلت هذه الآية: {إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ ويُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً} فدعا النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم عليّاً وحسناً وحسيناً وفاطمة عليهم السلام فقال: "اللهمَّ هَؤلاء أهلي فَأذْهِبْ عَنْهُمُ الرِّجسَ وطَهِّرهُمْ تَطْهِيراً"[46].
ونقل النسائيّ في «الخصائص» عن سعد ثلاث مناقب من مناقب أمير المؤمنين هي: إعطاؤه الراية يوم خيبر؛ وحديث المنزلة، وآية التطهير. وقال: أمر معاويةُ سعدَ بن أبي وقّاص أن يسبّ عليّاً، فامتنع سعدُ وأثنى على عليّ بهذه الفضائل الثلاث[47].
وروى الحاكم[48] في «المستدرك» والطحاويّ[49]، وابن جرير الطبريّ[50]، وابن كثير[51]، عن سعد بن أبي وقّاص في تفسير آية التطهير أنَّه قال: قالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وسَلَّمَ حِينَ نَزَلَ عَلَيْهِ الْوَحْيُ، فَأخَذَ عَلِيّاً وابنَيهِ وفاطِمَةَ وأدْخَلَهُمْ تَحتَ ثَوبِهِ ثُمَّ قَالَ: هَؤلاءِ أهْلِي وأهْلُ بَيتِي.
الثاني عشر: استشهاد ابن عبّاس بآية التطهير عند ما أتاه تسعة رهط:
نقل أحمد بن حنبل بإسناده عن ابن ميمون أنَّه قال: إنَّي لجالس إلى ابن عبّاس إذ أتاه تسعة رهط. (ولمّا كان الخبر طويلًا، يقول السيّد البحرانيّ: ذكرناه بطوله في باب خبر غدير خمّ، وذكرنا عشر خصال نقلها ابن عبّاس في هذا الباب بشأن أمير المؤمنين، في باب خبر الراية، ولذلك نكتفي في هذا الباب، وهو باب آية التطهير بنقل الكلمات الخاصّة بآية التطهير).
قالَ ابنُ عَبّاسٍ: وأخَذَ رَسُولُ اللهِ ثَوبَهُ فَوَضَعَهُ على عَلِيّ وفَاطِمَةَ والْحَسَنِ والْحُسَينِ وقَالَ: {إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ ويُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً}.[52]
ونقل الطبريّ في تاريخه نقاش ابن عبّاس مع عمر حول النبوّة والخلافة، وذكر قول عمر لابن عبّاس وهو أنَّ قريشاً كرهت أن تجتمع النبوّة والخلافة في بيت واحد، وجواب ابن عبّاس له: ذلك الجواب الرصين الذي أفحمه. قال الطبريّ، قال عُمر لابن عبّاس: بَلَغَني أنَّكَ تَقُولُ: إنَّمَا صَرَفوهَا عَنّا حَسَداً وظُلْماً، فَقُلْتُ: أمّا قَوْلُكَ يَا أمير المؤمنين ظُلْماً فَقَدْ تَبَيَّنَ لِلْجَاهِلِ والْحَلِيمَ. وأمَّا قَوْلُكَ حَسَداً، فَإنَّ إبليسَ حَسَدَ آدَمَ فَنَحْنُ وُلْدُهُ الْمَحْسُودُونَ، فَقالَ عُمَرُ: هَيهاتَ أبَتْ واللهِ قُلُوبُكُمْ يَا بَني هاشمٍ إلّا حَسَداً ما يَحُولُ، وَضِغناً وغِشّاً ما يَزُولُ: فَقُلتُ: مَهْلًا يَا أمير المؤمنين لا تُصِب قُلُوبَ قَومٍ أذْهَبَ اللهُ عَنْهُمُ الرِّجسَ وطَهَّرَهُمْ تطَهيراً، فَقالَ: عُمَرُ: إليكَ عَنّي يا ابنَ عَبّاسٍ، فَقُلْتُ: أفْعَلُ، فَلَمّا ذَهَبتُ لأقُومَ، استَحيي فَقُلتُ: يا أمير المؤمنين إنَّ لي عَليكَ حَقّاً وعلى كلّ مُسلَمٍ: فَمَن حَفِظَهُ فَحَظَّهُ أصَابَ، ومَنْ أضَاعَهُ فَحَظَّهُ أخْطَأ، ثُمَّ قَامَ فَمَضَى[53].
وكذلك روي عن أحمد بن حنبل بسنده عن عمرو بن ميمون أنَّه قال: إنَّي لَجَالِسٌ إلى ابنِ عَبّاسٍ إذ أتَاهُ تِسعَةُ رَهطٍ فَقَالُوا: يا ابنَ عبّاسٍ: إمّا أن تقومَ مَعَنا وإمّا أن يُخَلُّونَا هؤلاء، قالَ: بل أقومُ مَعَكُمْ، قالَ: وهُوَ يَومئِذٍ صحيحٌ قَبلَ أن يَعمَى، قالَ: فَابتَدُؤا فَتَحَدَّثُوا فَلا نَدري ما قالوا: قال: فجاء يَنْفُصُ ثَوبَهُ[54] ويَقُولُ: افٍّ تُفٍّ وَقَعُوا في رَجُلٍ لَهُ عَشْرُ خِصالٍ- إلى قَولِهِ- وأخَذَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وآلِهِ وسَلَّمَ ثَوبَهُ فَوَضَعَهُ على عَلِيّ وفَاطِمَةَ وحَسَنٍ وحُسَينٍ، وقَالَ: {إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ ويُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً}[55].
الثالث عشر: استشهاد امّ سلمة بآية التطهير:
الأوّل: استشهادها بهذه الآية في عصمة أمير المؤمنين عليه السلام عند ما أتتها عمرة الهمدانيّة وسألتها عن أمير المؤمنين بعد استشهاده. قال الطحاويّ في كتاب «مشكل الآثار» قَالَت عُمرَةُ الهَمدانِيَّةُ: أتيتُ امِّ سَلَمَةَ فَسَلَّمتُ عَلَيها فَقَالَت: مَن أنتِ؟ فَقُلتُ: عُمرَةُ الهَمدانِيَّةُ. فَقَالَت عُمرَةُ: يا امَّ المؤمنينَ أخبرِيني عَنْ هَذَا الرَّجُلِ الذي قُتِلَ بَينَ أظْهُرِنا فَمُحِبٌّ ومُبغِضٌّ- تُريد عَلِيّ بنَ أبي طالِبٍ- قَالَت امَّ سَلَمَةَ: أتُحِبِّينَهُ أمْ تُبغِضينَهُ؟ قَالَت: ما احِبُّهُ ولَا ابغِضُهُ[56]... قالتَ: فَأنْزَلَ اللهُ هَذِهِ الآيةَ {إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ ويُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً} ومَا في البَيتِ إلّا جِبريلُ ورَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وسَلمَ وعَلِيّ وفَاطِمَةُ والْحَسَنُ والْحُسَينُ عَلَيهمُ السَّلامُ، فقلتُ: يا رسولَ اللهِ أنا مِن أهْلِ الْبَيتِ؟ فَقَالَ: "إنَّ لَكِ عِندَ اللهِ خَيْراً"، فَوَددتُ أنَّهُ قَالَ: نَعَمْ، فَكانَ أحَبَّ إلى مِمَّا تَطلُعُ الشَّمسُ وتَغْرُبُ[57].
الثاني: استشهادها بهذه الآية في عصمة الإمام الحسين عليه السلام:
عند ما جاءها نعيه. فقد جاء في «مسند» أحمد بن حنبل بسلسلة سنده عن عبد الحميد بن مهران، عن سهل أنَّه قال: قَالَت امُّ سَلَمَةَ زَوجَةُ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وسَلَّمَ حِينَ جاءَ نَعيُ الحُسَينِ بنِ عَلِيّ عَلَيهِمَا السَّلامُ لَعَنَتْ أهلَ الْعِرَاقِ فَقَالَ: قَتَلُوهُ قَتَلَهُمُ اللهُ: غَرُّوهُ وأذَلُّوهُ لَعَنَهُمُ اللهُ، فَإنِّي رَأيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وآلِهِ وسَلَّمَ وقَد جَاءَتهُ فَاطِمَةُ غُدَيَّةً ببُرْمَةٍ قَد صَنَعَتْ فِيها عَصَيدَةً تَحْمِلُهَا في طَبَقٍ لَهَا حَتَّى وَضَعَتْها بَينَ يَدَيهِ- إلى أن قَالَت- فَاجتَذَبَ كِسَاءً مِن تَحت خَيبَرِيّاً كَانَ بِسَاطاً لَنا على مَنامَةٍ في المدينَةِ فَلَفَّهُ رَسُولُ اللهِ وأخَذَ طَرَفي الْكِساءِ وألْوَى بِيَدِهِ إلى رَبِّهِ عَزَّ وجَلَّ وقَالَ: "اللهُمَّ هَؤلاءِ أهلُ بَيتي، أذهِبْ عَنْهُمُ الرِّجسَ وطَهِّرهُمْ تَطهِيراً"[58].
الرابع عشر: استشهاد واثلة بن الأسقع بآية التطهير:
عند ما جاءوا برأس سيّد الشهداء عليه السلام إلى الشام.
روى أحمد بن حنبل بسنده المتّصل عن شدّاد بن عبد الله أنَّه قال: سَمِعْتُ واثِلَةَ بنَ الأسقَعِ وقَد جِيءَ بِرَأسِ الحُسَينِ بنِ عَلِيّ عَلَيْهِمَا السّلامُ قالَ: فَلِقيَهُ رَجُلٌ مِن أهلِ الشَّامِ فَأظْهَرَ سُروراً، فَغَضِبَ واثِلَةُ وقَالَ: واللهِ لَا أزالُ احِبُّ عَلِيّاً وحَسَناً وحُسَيناً أبَداً بَعْدَ إذ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وسَلَّمَ في مَنزِلِ امِّ سَلَمَةَ يَقُولُ فِيهِم مَا قَالَ. قَالَ واثِلَةُ: رَأيتُني ذاتَ يَومٍ وقَدْ جِئتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وسَلَّمَ وهُوَ في مَنْزِلِ امِّ سَلَمَةَ قَد جَاءَ الْحَسَنُ فَأجْلَسَهُ على فَخِذِهِ اليمنى، وقَبَّلَهُ، وجاءَ الْحُسَينُ فَأجْلَسَهُ على فَخِذِهِ اليسرى، وقَبَّلَهُ، ثُمَّ جَاءَتَ فَاطِمَةُ فَأجْلَسَهَا بَيْنَ يدَيهِ ثُمَّ دَعَا بِعَلِيّ فَجاءَ ثُمَّ أرْدَفَ عَلَيهِمْ كِساءً خَيبَرِيّاً كَأنّي أنظُرُ إليهِ، ثُمَّ قَالَ: {إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ ويُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً} قُلتُ لِواثِلَةَ: مَا الرِّجسُ؟ فَقَالَ: الشَّكُّ في اللهِ عَزَّ وجَلَّ.[59]
قال أبو أحمد العَسكريّ: إنَّ الأوزاعِيّ لَم يَروِ في الفَضَائِلِ حَديثاً غَيرَ هَذا، واللهُ أعْلَمُ[60].
إنَّ النَّبِيّ مُحَمّداً ووَصِيَّهُ *** وَابنَيهِ وابنَتَهُ البَتُول الطَّاهِرَة
اهْلُ الْعَباءِ فَإنَّنِي بِوِلَائهِم *** أرجُو السَّلامَةَ والنَّجا في الآخِرة[61]
يقول يعقوب بن حميد: وأنشد الشاعر في هذه القضيّة قائلًا:
بِأبي خَمسَةٌ هُم جُنِّبُوا الرِّجسَ *** كِراماً وطُهِّروا تَطْهِيرا
أحمَدُ المصطفى وفاطِمٌ أعْنِي *** وَعَلِيّاً وشُبَّراً وشُبَيْرا
من تَوَلّاهُم تَوَلّاهُ ذُو العَرْشِ *** وَلَقَّاهُ نَضْرَةَ وسُرُورَا
وَعلى مُبغِضِيهِمْ لَعنَةُ اللهِ *** وَأصلاهُمُ الْمَلِيكُ سَعِيرا[62]
وذكر محمّد بن طلحة الشافعيّ الأبيات التالية بعد نقله الأحاديث الخاصّة بنزول آية التطهير في الخمسة البررة:
هُمُ العُروَةُ الوُثقَى لِمُعتَصِمٍ بِها *** مَناقِبُهُمْ جَاءت بِوَحْيٍ وإنزَالِ
مَناقِبُ في الشُّورى وسُورَة هَلْ أتى *** وَفي سُورَةِ الأحزابِ يَعرفُهَا التإلى
وَهُمْ أهلُ بَيتِ المصطفى فَوِدَادُهُمْ *** على الناس مَفرُوضٌ بِحُكمٍ واسْجَالِ
فَضَائِلُهُمْ تَعلُو طِرِيقَةَ مُنْتَهَي *** رُواةٌ عَلَوْا فِيهَا بِشَدٍّ وتِرْحَالِ[63]
[1] هذا الحديث وأمثاله لا يدلّ على أنَّ أهل البيت كانوا نياماً عند صلاة الصبح، وأنَّ رسول الله كان يوقظهم، بل يدلّ على عظم شأن أهل البيت وأهميّة هذا الموضوع، إذ كان رسول الله يلقي هذا الكلام فجر كلّ يوم عند باب فاطمة عليها السلام.
[2] «غاية المرام» ص 297، وص 298.
[3] وجاء مثله في «الدرّ المنثور» ج 5، ص 199، وفي «نظم درر السمطين» ص 239 مع اختلاف يسير في اللفظ.
[4] «غاية المرام» ص 295، الحديث 19؛ و«شواهد التنزيل» للحسكانيّ ج 2، ص 47.
[5] «الدرّ المنثور» ج 5، ص 199؛ والخوارزميّ في «المناقب» نقلًا عن «غاية المرام» ص 290، الحديث 28.
[6] «مجمع الزوائد» ج 9، ص 169.
[7] «الدرّ المنثور» ج 5، ص 199، وجاء هذا الحديث مع اختلاف يسير في اللفظ في كلّ من «المستدرك» ج 3، ص 158، و«اسد الغابة» ج 5، ص 521، و«مسند أحمد بن حنبل» ج 3، ص 258، و«تفسير ابن كثير» ج 3، ص 483، و«تفسير الطبريّ» ج 22، ص 5. ورواه في «غاية المرام» ص 289 تحت عنوان: الحديث 24 عن «سنن أبي داود»، و «موطّأ مالك»، عن أنس، وكذلك في ص 291 تحت عنوان الحديث 38 عن ابن الصبّاغ، عن جامع الترمذيّ، وجاء في «ينابيع المودّة» ص 108 عن أنس مع اختلاف يسير في اللفظ، وجاء أيضاً في «مطالب السُّؤل» ص 8. وورد في كلّ من «شواهد التنزيل» ج 2، ص 48، وص 51. و«الفصول المهمّة» لابن الصبّاغ ص 8، وكذلك «شواهد التنزيل» للحسكانيّ ج 2 ص 11 إلى ص 15. عن أنس.
[8] «الدرّ المنثور» ج 5، ص 199، وذكره الگنجيّ في «كفاية الطالب» ص 377 عن أبي سعيد الخدريّ مع اختلاف يسير في اللفظ، وكذلك جاء في «شواهد التنزيل» ج 2، ص 50و 51.
[9] «الدرّ المنثور» ج 5، ص 199.
[10] «غاية المرام» ص 289، الحديث العشرون.
[11] «غاية المرام» ص 290، الحديث التاسع والعشرون، وجاء أيضاً في «شواهد التنزيل» ج 2، ص 29، وفي ص 52 أيضاً، وفي «كفاية الطالب» للگنجيّ ص 376 أيضاً.
[12] يبدو أنَّ في هاتين الجملتين، أعني قوله: «وأنا صاحِبُ يَومِ الرُّوحِ، وفِيّ سَنَةُ سُورةٍ مِنَ الْقُرآن» على الظَاهِر إشارة إلى تأويل وتفسير الآية 4 من السورة السبعين: المعارج {تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ والرُّوحُ إليهِ فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ} أي: أنا صاحب يوم عروج الروح، وهو يوم القيامة وأمده خمسون ألف سنة، وهذه السنة المذكورة في هذه السورة القرآنيّة منطوية فيّ؛ وفي هذا الموضوع قال الشاعر الفارسيّ جلال الدين الروميّ في «مثنوي». «المثنويّ» ج 6، ص 550، سطر 7، طبعة ميرخاني:
پس محمّد صد قيامت بود نقد *** زآنكه حلّ شد در فنائش حلّ وعقد
زادة ثاني است احمد در جهان *** صد قيامت بود او اندر عيان
زو قيامت را همى پرسيدهاند *** كاين قيامت، تا قيامت راه چند
با زبان حال مىگفتى بسي *** كي ز محشر حشر را پرسد كسي؟
به از اين گفت آن رسول خوش پيام *** رمز مُوتوا قَبلَ مَوتٍ أي كرام
همچنان كه مردهام من قبل موت *** ز آن طرف آوردهام من صيت وصوت
پس قيامت شو قيامت را ببين *** ديدن هر چيز را شرط است اين
ملخّص ذلك تعريباً:كان وجود نبيّنا محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم دالًا على مائة قيامة قائمة، فذاته كانت ميداناً للحلّ والعقد. وهو كان أهلًا لحلّ كلّ مشكلة مستعصية (وجوده دليل على وجود المعاد). وقد ولد النبيّ ثانية في هذا العالم فكان وجوده مائة قيامة رأي العين (يقول أهل السلوك إنَّ السالك يولد مرّتين، الاولى عند ما يخرج من بطن امّه. والثانية عند ما يتجرّد من الأوصاف البشريّة. ولمّا كان النبيّ مولوداً مرّتين في فطرته، فإنَّ المعاد كان ظاهراً فيه إذ كان في بقاء وفناء كلّ باقٍ وفانٍ ...). وعند ذاك مسألة الناس عن المدّة ما بين قيامه هذا، ويوم المعاد. فقال بلسان الحال: كيف تسألون القيامة عن يوم القيامة؟ (أي أنَّه هو القيامة نفسها وقد رأوها بأعينهم، فكيف يسألونها عن يوم الحشر؟) وقد قال لهم ذلك النبيّ الصادق صاحب الرسالة الصالحة أحسن من ذلك بقوله: موتوا قبل أن تموتوا (تحرّروا من قالب الجسد بالموت الاختياريّ). كما متّ أنا قبل منيّتي، فجئتكم بنداء الرسالة. فكن أيّها الإنسان معاداً حتى ترى المعاد، فهذا هو الشرط لرؤية كلّ شيء (أي أنَّ معرفة كلّ شيء تلزم أن تكون عينه). [العبارات بين الأقواس من المترجم]
[13] «غاية المرام» ص 299، الحديث الثامن والعشرون.
[14] «المصدر السابق» ص 295، الحديث الثالث عشر.
[15] نفس المصدر السابق. ص 294، الحديث 9، ونقل هذا الحديث مفصّلًا عن الخوارزميّ في كتاب «عليّ والوصيّة» ص 128، وص 129. ويقول الإمام ضمن مناشداته: "أ مِنكم أحدٌ يُطهّره كتابُ الله غيرى ..." قالوا: لا.
[16] وإن اتّفق ثلاثة منهم على رجل وثلاثة اخرى على رجل آخر، يقدّم رأي الثلاثة الذين فيهم عبد الرحمن بن عوف.
[17] «غاية المرام» ص 296، الحديث 23.
[18] نفس المصدر السابق، الحديث 24.
[19] يبدو أنَّ عبارة ويجرحني ما يجرحهم غير صحيحة، وأنَّ عبارة يُحرّجني ما يحرّجهم هي الصحيحة وقد حدث تصحيف في كتابتها.
[20] «غاية المرام» ص 67 وص 68، الحديث الثاني عشر.
[21] «عليّ والوصيّة» ص 77.
[22] «كتاب سُليم» ص 179 إلى ص 182.
[24] «غاية المرام» ص 292، الحديث الحادي والأربعون، وص 642، الحديث السابع والعشرون. وذكر أمير المؤمنين عليه السلام أيضاً استشهاداً آخر بآية التطهير ضمن بيان سبعين منقبة من مناقبه، وجاء ذلك في «غاية المرام» ص 295، تحت عنوان: الحديث الثاني عشر.
[25] «كتاب سليم بن قيس الهلالي» ص 134 إلى ص 137، و«بحار الأنوار» ج 8 ص 233 وص 234 عن سليم بن قيس.
[26] «غاية المرام» ص 295، الحديث السادس عشر. ونقل الحموينيّ ذلك في «فرائد السمطين» كما جاء في «غاية المرام» ص 291، الحديث الخامس والثلاثون. كما نقله صاحب «ينابيع المودّة» الباب التسعون، ص 479 عن الحافظ جمال الدين الزرنديّ في «نظم درر السمطين».
[27] «المستدرك» للحاكم ج 3، ص 199، باب فضائل الحسن بن على عليهما السلام و«مجمع الزوائد» للهيثميّ في باب فضائل أهل البيت، و«ينابيع المودّة» ص 107 عن ابن سعد موجزاً. حسيني طهراني، سيد محمد حسين، معرفة الإمام، 18جلد، دار المحجة البيضاء بيروت لبنان، چاپ: 1، 1416 ه.ق.
[28] «غاية المرام» ص 297، الحديث السادس والعشرون.
[29] «غاية المرام» ص 298، الحديث السابع والعشرون؛ و«تفسير ابن كثير» في تفسير آية التطهير ج 3، ص 486، و«شواهد التنزيل» ج 2، ص 17.
[30] «مجمع الزوائد» ج 9، ص 172. باب فضائل أهل البيت، «شواهد التنزيل» ج 72، ص 18، وفي ص 19 بسند آخر.
[31] «ناسخ التواريخ» الجزء الخاصّ بسيّد الشهداء، طبع إسلاميّة ج 2، ص 372، ونسب صاحب «ينابيع المودّة» في ص 108 من كتابه هذا البيت إلى سيّد الشهداء:
نَحنُ وجَبريلُ غَداً سَادسُنَا *** وَلَنا الْكَعْبَةُ ثُمَّ الْحَرَمَين
[32] «المصدر السابق» ج 2، ص 41.
[33] «المصدر السابق» ج 2، ص 121، و«جلاء العيون» لشُبّر ج 2، ص 143.
[34] «ناسخ التواريخ» الجزء الخاصّ بسيّد الشهداء، ج 2، ص 158.
[36] «المقتل» للخوارزميّ، طبع النجف، ج 2، ص 61.
[37] «تفسير الطبريّ» ج 22، ص 7.
[38] «تفسير ابن كثير» ج 3، ص 486.
[39] «روح المعاني» ج 25 ص 31.
[40] «الفصول المهمّة» الطبعة الخامسة ص 221.
[41] «الإرشاد» للشيخ المفيد، ص 265، و«جلاء العيون» لشبّر ج 2، ص 241.
[42] «اللهوف» ص 162، و«جلاء العيون» لشبّر ج 2، ص 256.
[43] «اللهوف» ص 136، و«جلاء العيون» لشبّر ص 235.
[44] «المصدر السابق» ص 146؛ و«جلاء العيون» لشبّر، ص 242.
[45] «غاية المرام» ص 293، الحديث الثامن.
[46] «غاية المرام» ص 298، الحديث التاسع والعشرون.
[47] «الخصائص» للنسائيّ ص 4، وروي في «شواهد التنزيل» ج 2، ص 20، 21 ثلاث خصال عن سعد.
[48] «المستدرك» ج 3، ص 147.
[49] «تفسير الطبريّ» ج 22، ص 7.
[50] «مشكل الآثار» ج 1، ص 336.
[51] «تفسير ابن كثير» ج 3، ص 485.
[52] «غاية المرام» ص 287، الحديث السابع.
[53] «تاريخ الطبريّ» ج 3، ص 289، و«البداية والنهاية».
[54] كناية عن البراءة عن كلامهم.
[55] «مسند» أحمد بن حنبل ج 1، ص 321، الطبع الأوّل: و«الرياض النضرة» للمحبّ الطبريّ ج 2، ص 269؛ و«مجمع الزوائد» ج 9 ص 119.
[56] قد أسقط في المصدر جملات فأتى بنقاط إشارة إلى السقط.
[57] «مشكل الآثار» ج 1، ص 336.
[58] «غاية المرام» ص 288، الحديث الثامن: وروي في «مسند» أحمد، ص 298، الجزء السادس، بمسند امّ سلمة، عن شهر بن حوشب. وكذلك جاء في «تفسير الطبريّ» ج 22، ص 6، و«مشكل الآثار» ج 1، ص 335.
[59] «غاية المرام» ص 287، الحديث السادس، «شواهد التنزيل» ج 2، ص 43 و44.
[60] «اسد الغابة» ج 2 ص 20.
[61] يقول ابن الصبّاغ المالكيّ في «الفصول المهمّة» ص 8: أنشد بعضُهم هذا الشعر في طهارة أهل البيت.
[62] «المناقب» لابن المغازليّ ص 307.
الاكثر قراءة في مقالات عقائدية عامة
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة