أوّلًا: لقد جمع رسول الله اولئك الخمسة في مكان واحد، وأجلسهم جنباً إلى جنب، ودعا لهم بالعصمة، فلم يجلسوا متفرّقين في الغرفة حتى يحوم الشكّ حولهم، ويقول القائل إنَّ آية التطهير لا تخصّهم، ولو فرضنا وجود أحد معهم في نفس المكان، فإنَّه سوف يحظى بهذه الفضيلة.
ثانياً: أنَّه ألقى عليهم الكساء الخيبريّ، فجعلهم في مرتبة متّصلة مع بعضها، يشتركون في وجودهم مجتمعين تحت الكساء.
ثالثاً: أنَّ تخصيصهم بهذه الآية قد بلغ من القوّة درجة نجد معها أنَّ رسول الله كان في غرفة امّ سلمة فألقى الكساء في مكان خال من الغرفة ليشعر من حوله أنَّ العصمة تخصّ هؤلاء لا غيرهم لأنَّ الذي يُفهم من إلقاء الكساء في مكان خالٍ هو الحصر الحقيقيّ بالنسبة إلى جميع الأشخاص الحاضرين والغائبين. أمّا لو كان المكان مكتظّاً بالناس، لاحتملنا أنَّ هؤلاء الخمسة قد خُصّصوا من بين الحاضرين. فلا يفهم عندئذ هذا الحصر بالنسبة إلى الآخرين.
رابعاً: أنَّ قوله صلّى الله عليه وآله وسلّم "اللهُمَّ إنَّ هؤلاءِ أهلُ بَيْتي" يُشعر على أنَّ هؤلاء الأشخاص المعدودين هم فقط أهل بيته، ولو كان أشخاص غير هؤلاء كنساء النبيّ أو أقار به الآخرين في عداد أهل البيت لقال: هؤلاءِ مِن أهل بيتي، ولما قال: هؤلاء أهل بيتي.
خامساً: أنَّ قوله صلّى الله عليه وآله وسلّم لُامّ سَلَمَةَ: "تَنَحيّ عَن أهل بيتي" يشعر على أنَّها لو كانت من أهل البيت، فكيف يصحّ هذا الكلام؟ بل إنَّ هذا الكلام يدلّنا على أنَّ عنوان أهل البيت لا ينطبق على زوجاته صلّى الله عليه وآله وسلّم، فأهل البيت أشخاص معيّنون محدّدون، وزوجاته لا يدخلن في دائرتهم، بل هنّ في جانب، وهم في جانب آخر.
سادساً: ليس في ذلك المكان الخالي أحد غير الخمسة وامّ سلمة. وقد استأذنت امّ سلمة للدخول تحت الكساء قائلة: يا رسول الله وأنا من أهل البيت؟ فقال صلّى الله عليه وآله وسلّم قِفي بِمَكَانِكِ، إنَّكِ على خير، ولكن أنت لستِ من أهل بيتي، ليس لك أن تدخلي تحت الكساء الخيبريّ العائد لكِ، وإن كان الفراش لكِ والغرفة غرفتكِ. وهي التي قالت: لو قال لي رسول الله: نعم، لكان أحبّ إلى ممّا تطلع الشمس وتغرب. وقالت: عند ما رفعت طرف الكساء لاستأذن رسول الله بالدخول، اجتَذَبَهُ مِن يَدي وقال: قفي بمكانك، أنتِ على خير وإلى خير وما أرضاني عنكِ، ولكنّها خاصّة لي ولهم.
سابعاً: أنَّ إخراج رسول الله يده من تحت الكساء، ورفعها إلى السماء قائلًا: اللهُمّ لكلّ نبيّ أهلٌ وهؤلاء هم أهلي: يدلّ جيّداً على أنَّ انحصار الأهل يكمن في اولئك البررة، كما جاء في بعض الأحاديث أنَّه وضع إحدى يديه على رؤوسهم، وأخرج الاخرى من تحت لكساء ودعا لهم.
ثامناً: أنَّ تكرار هذا العمل من قبل رسول الله عدّة مرّات، وما تفيده الأحاديث المأثورة من أنَّه كان في بيت امّ سلمة مرّتين، وفي بيت فاطمة عليها السلام مرّة واحدة، مع أنَّ آية التطهير نزلت مرّة واحدة فقط- على ما يبدو- وفي بيت امّ سلمة لا غير، كلّ ذلك يشعر أكثر فأكثر على أنَّ أهل البيت هم فقط الذين تحت الكساء خاصّة.
تاسعاً: لِمَ كان يذهب النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم إلى بيت فاطمة وقت الصلاة باستمرار وينادي: الصَّلاةَ يرحمكم الله، السلام عليكم يا أهل البيت، ثمّ يقرأ عليهم آية التطهير، ويكرّر هذا العمل على امتداد أربعين يوماً أو ستّة أشهر أو ثمانية أو تسعة، وعند صلاة الصبح مواصلًا هذا العمل حتى آخر عمره؟ ما ذا كان يعني هذا العمل في قاموسه؟ وما هو الهدف الذي كان يتوخّاه من وراء ذلك؟ أ لم تكفِ مرّة واحدة لقراءة آية التطهير تبياناً لشأنهم وعظمتهم؟ إنَّ قيامه المتواصل بهذا العمل كان من أجل أن يطّلع عليه الناس والمسلمون كافّة، سواء الذين كانوا في المدينة أو الذين كانوا يفدون إليها من شتّى الحواضر والأمصار، ولكي ينقله هؤلاء إلى غيرهم.
والعجيب أنَّه صلّى الله عليه وآله وسلّم لم يكتف بهذا النداء، بل كان يمسك عِضادتي الباب بيديه وينادي: "الصَّلاةَ يَرحَمْكُمُ اللهُ، السَّلامُ عَلَيكُمْ يا أهلَ البَيتِ ورَحمَةُ اللهِ" {إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ ويُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً}.
ولو كانت زوجاته في عداد أهل البيت، لقام ولو مرّة واحدة على الأقلّ بإطلاق هذا النداء عند باب إحداهنّ، فم يدّع أحدٌ، حتى بعض زوجاته اللائي كنّ يرغبن كثيراً أنْ يكنّ محترمات ومعزّزات، لم يدّعين الانتماء إلى أهل البيت، ولم يرد هذا الأمر في أيّ حديث وأيّ كتاب، بل إنَّ عائشة نفسها، التي تروي هذا الحديث أيضاً، تقرّ بأنَّ هذه الآية نزلت في رسول الله، وعليّ، وفاطمة، والحسن، والحسين عليهم السلام. ولم يشاهد بعد وفاة الرسول الأكرم أنَّ إحدى زوجاته قد اعتبرت نفسها من أهل البيت، أو أنَّها استشهدت بهذه الآية على أنَّها نزلت في حقّها، كما لم يلاحظ قطّ أنَّ أحد الصحابة أو التابعين قد اعتبر زوجات النبيّ من أهل البيت، أو استشهد بآية التطهير على أنَّها فيهنّ.
حتى أنَّ عائشة عند ما تحرّكت إلى البصرة لحرب أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب بمعيّة طلحة، والزبير، ومحمّد بن طلحة، وعبد الله بن الزبير، ومروان بن الحكم، واثني عشر ألفاً من الصحابة وغيرهم، أرسلت كتبها إلى الكبار من صحابة النبيّ وغيرهم تدعوهم فيها لنصرتها، وكانت تكتب فيها ألقاباً خاصّة لنفسها نحو: حَبيبةُ رَسُولِ الله أو امّ المؤمنين، بَيدَ أنَّها لم تطلق على نفسها عنوان أهل البيت قطّ، وليس من حقّها ذلك كما لم تستطع أن تفعله. ولم ينقل المؤرّخون أنَّها استدلّت بآية التطهير على نفسها مع أنَّ ذلك كان ضروريّاً للغاية في تلك المواقف العجيبة، والمواطن الخطيرة من أجل كسب الناس إلى جانبها، والدفاع عن جريمتها الشنيعة، فكان لها أن تتشبّث بأبسط ذريعة فيها رائحة من الفضيلة والامتياز، لكنّها لم تفعل من ذلك شيئاً.
مضافاً إلى ذلك كلّه فإنَّنا لم نجد أحداً على مرّ التاريخ قد أنكر نزول آية التطهير بحقّ اولئك الخمسة المطهّرين وذلك عند تلاوتها بمحضر المعاندين المناوئين لأهل البيت، مثل معاوية وأشباهه[1].
تحدّثنا لحدّ الآن عن شأن نزول الآية وبيان الأحاديث المأثورة في هذا الباب، ولا بدّ لنا فيما يلي أن نتطرّق إلى تفسير الآية الشريفة، وبيان المراد منها: {أَنَّما يُرِيدُ اللَّهُ ...} «إنَّمَا» من أدوات الحصر، بل هي أقواها جميعاً عند أهل العربيّة، ومفادها حصر إرادة الله في عصمة أهل البيت، إذ إنَّها تحصر إرادة الله في ضمير «كُم»، {لِيُذهِبَ عَنكُم}، أمّا {أهْلَ الْبَيْتِ} فإنَّها منصوبة إمّا على الاختصاص أو المدح أو النداء، أي: أخُصُّ أهلَ البَيتِ أو أمدَحُ أهلَ البَيتِ أو يا أهلَ البَيتِ. على أيّ حال فإنَّها مفسّرة ومبيِنة لضمير عنكم، وبالتالي فَسَيَتَحَقَّق حصر إرادة الله في عصمة أهل البيت.
وينقسم هذا الحصر إلى قسمين: الأوّل: حصر إرادة الله في العصمة المتمثّلة بإذهاب الرجس والتطهير. ومفاد ذلك أنَّ الله ليس له إرادة في أهل البيت غير إرادة العصمة.
الثاني: حصر إرادة الله في العصمة تخصّ أهل البيت، ومفاد ذلك أنَّ الله ليس له إرادة العصمة في غير أهل البيت، مثل ذلك مثل من يقول لك: أنا لم آت إلى بيتكم إلّا لزيارتكم، فهذا يشعر أوّلًا: أنَّ المجيء كان للزيارة فقط لا لشيءٍ آخر. وثانياً: يشعر أنَّ المجيء كان فقط لزيارتكم، لا لزيارتكم وزيارة أفراد آخرين غيركم. ومن الطبيعيّ فإنَّ استفادة حصرين بمعزل عن واحدة من أدوات الحصر أمر عسير، بَيدَ أنَّ ما تقدّم حصر واحد ينقسم إلى قسمين.
و إرادة الله هذه هي إرادته التكوينيّة لا إرادته التشريعيّة المتمثّلة بالحكم والقانون والأمر والنهي، لأنَّ من الواضح أنَّ هذه الأشياء لا تخصّ أهل البيت، بل إنَّ الامّة جميعها، بل البشريّة جميعها متساوية في هذه الإرادة، ولأنَّ إرادة الله بل كلّ إرادة، تكوينيّة كانت أو تشريعيّة لا تتخلّف عن المراد؛ أمّا في التشريع، فإنَّ المراد جعل الحكم، وفي التكوين، فإنَّه عين الوقوع في العالم الخارجيّ، لذلك فإنَّ إرادة عصمة الله هي عين تحقّق العصمة وواقعيّة العصمة فيهم، {إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ}[2].
وبكلمة بديلة، فإنَّ إرادة الله هي سبب ظهور الموجودات، والعلّة لا تتخلّف عن المعلول، لذلك فإنَّ إرادة العصمة تستلزم تحقّق العصمة. والمراد من الرجس[3] القَذَر. والشيء القَذِر هو الشيء الذي يتنفّر منه الطبع، وتشمئزّ منه النفس. ويُدعى باللغة الفارسيّة (كَثَافَت، وآلودگى وپليدي) وقد يكون هذا الرجس أحياناً حسب الظاهر، مثل رجس الخنزير في قوله تعالى: {أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ}[4]، وقد يكون حسب الباطن، وهو القذارة المعنويّة، كالكفر، والشرك، والشكّ في الله عزّ وجلّ والعمل المستقبح، والأخلاق المذمومة، كما جاء ذلك في قوله تعالى: {وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ وماتُوا وهُمْ كافِرُونَ}[5].
على أيّ حال فإنَّ هذه القذارة المعنويّة تمثّل نوعاً من الأثر الشعوريّ والإدراك النفسانيّ المنبعث عن تعلّق القلب بالعقيدة الباطلة أو العمل القبيح، لأنَّ معنى الرجس وحقيقته ومادّته في الأصل هو التزلزل والاضطراب والحركة والتقلّب. وأنَّ جميع العقائد الباطلة أو الاعمال القبيحة إنَّما تنشأ من اضطراب النفس وعدم الاطمئنان. لذلك فإنَّ إذهاب الرجس، هو إذهاب الاضطراب والتأرجح الروحيّ، والشكّ، والتردد وبالتالي إذهاب العقائد الباطلة، والأخلاق المذمومة، والملكات الرديئة الوضيعة، وأخيراً إذهاب الأعمال القبيحة المشينة. ولمّا كانت الطهارة في مقابل القذارة، وتطهير أهل البيت ملازم لإزالة الأقذار الروحيّة والأخلاقيّة، والإثم، لذلك فإنَّ قوله: ويُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا يعني أنَّ كلّ صفة محمودة، وكلّ ملكة صالحة، وكلّ عقيدة طاهرة، وكلّ عملٍ مرضيّ، هذه كلّها ستحلّ بديلة عن تلك الأقذار المشينة. أيّ أنَّ اليقين سيحلّ بديلًا عن الشكّ، وأنَّ الإنفاق، والإيثار، والصفح، والعفو، وحبّ الله، وذلّ العبوديّة في مقابل، عظمة ربّ الأرباب، كلّ هذه الأشياء ستحلّ بديلة عن البخل، والإثرة، والحسد، والحقد، وحبّ الظهور، وحبّ الجاه، وكنز المال، وحبّ الرئاسة، وتلك هي ملكة العصمة المستفادة من الآية.
في ضوء ما تقدّم، لمّا كانت نفس أهل البيت متنزّهة عن كلّ عيب وقذارة معنويّة بإرادة إلهيّة، لذلك فإنَّ ملكاتهم وأخلاقهم التي تمثّل قواهم النفسيّة، ستكون طاهرة ومنزّهة تبعاً لطهارة نفوسهم. وأنَّ أعمالهم المنبعثة عن تلك الملكات والأخلاق ستكون صالحة وحميدة تبعاً للملكات والأخلاق نفسها. لذلك فالمعصية لا تصدر عن أهل البيت، لأنَّهم لا ينوون ارتكابها. وأنَّهم لا ينوون ارتكاب المعصية لعدم رغبتهم فيها، وأنَّ عدم رغبتهم فيها منبعث عن طهارة نفوسهم من كلّ لطخة قائمة أو وصمة سوداء، أو بقعة قذرة ملوَّثة، ممّا يستدعي ذلك عدم ظهور تلك الرغبة التي هي في حكم الطفل المتولّد عن القوى النفسانيّة.
ولمّا كانت الآية المباركة معلنة بذهاب الرجس من نفوسهم، لذلك فإنَّ ذهاب الرجس سيتحقّق في جميع مراتبهم الوجوديّة التابعة لنفوسهم.
وهذه هي أعلى درجات العصمة، أي، العصمة في السرّ، والعصمة في النفس، والعصمة في القوى الخيالية والوهميّة، والعصمة في الأفعال الخارجيّة، عَصَمَكُمْ اللهُ مِنَ الزَّلَل وآمَنَكُمْ مِنَ الْفِتَنِ وطَهَّرَكُمْ مِنَ الدَّنَسِ وأذهَبَ عَنكُمُ الرِّجسَ وطَهَّرَكُمْ تَطهيراً[6].
ومن هنا، يمكن الاستدلال على إمامة أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام لأنَّه ادّعى الخلافة بعد الرسول الأكرم، صلّى الله عليه وآله وسلّم وادّعاها بعده ولداه الحسن، والحسين عليهما السلام، وكانت الزهراء عليها السلام أيضاً ترى إمامتهم. ولمّا كان هؤلاء الأربعة المطهّرون هم من أهل البيت، وأنَّهم معصومون بحكم الآية الكريمة، والمعصوم لا يكذب، لانَّ الكذب رجس، لذلك فإنَّ إمامة عليّ بن أبي طالب ثابتة بالاستلزام، ولا مناصّ للعامّة الَّذين ينكرون إمامته من هذا الاستدلال.
ويمكن الاستدلال أيضاً على غصب فدك، لانَّ الصدّيقة الطاهرة فاطمة عليها السلام معصومة بحكم الآية المباركة، والمعصوم لا يكذب ولا يغصب مال الناس، ولو كانت فدك للمسلمين، فكيف يدّعي المعصوم ملكيّته لها؟!
يقول المرحوم السيّد عبد الحسين شرف الدين رضوان الله عليه: أورد النبهانيّ في أوّل كتابه «الشرف المؤبّد» هذه الآية (آية التطهير) فنقل عن جماعة من الأعلام (أعلام العامّة) ما يدلّ على أنَّهم قد فهموا منها عصمة أهلها (أهل البيت عليهم السلام)، وإليك ما نقله بعين لفظه. قال:
قال الإمام أبو جعفر محمّد بن جرير الطبريّ في تفسيره: يقول الله تعالى: "إنَّمَا يُريدُ اللهُ لِيُذهِبَ عَنكُمُ السُّوءَ والْفَحشَاءَ يَا أهْلَ مُحَمَّدٍ ويُطَهِّرَكُم مِنَ الدَّنَسِ الذي يَكُونُ في مَعاصِي اللهِ تَطهيراً".
وروي عن أبي زيد: "إنَّ الرِّجسَ هاهُنَا الشَّيطانُ".
وذكر الطبريّ أيضاً بسنده إلى سعيد بن قتادة أنَّه قال قوله: {إنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أهْلَ الْبَيْتِ ويُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا}. قال: فهم أهلُ بَيتٍ طَهَّرَهُمُ اللهُ مِنَ السُّوءِ وخَصَّهُم بِرَحمَةٍ مِنهُ.
وقال ابن عطيّة: والرجس اسم يقع على الإثم والعذاب، وعلى النجاسات والنقائص، فأذهب اللهُ جميعَ ذلك عن أهل البيت.
وقال الإمام النَّوَويّ، قيل هو الشكّ، وقيل العذاب، وقيل الإثم.
قال الأزهريّ: الرجس اسم لكلّ مستقذر من عمل إنسان وغيره.
وفسّر الشيخ محي الدين بن العربيّ لفظ الرجس في الباب 29، من فتوحاته، بكلّ ما يشين، وإليك عبارته عند ذكر النبيّ: قَد طَهَّرَهُ اللهُ وأهلَ بَيتِهِ تَطهيراً وأذهَبَ عَنْهُمُ الرِّجسَ، وهُوَ كُلُّ ما يَشينُهُم فإنَّ الرِّجسَ هُوَ القَذَرُ عِندَ العَرَبِ، هَكَذَا حَكى الفَرّاءُ[7].
روى الصدوق بسنده المتّصل عن عبد الغفّار الجازيّ، عن الإمام الصادق عليه السلام في قَولِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ: {إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ ويُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً} قالَ: "الرِّجسُ هُوَ الشَّكُّ"[8].
وروى محمّد بن الحسن الصفّار في «بصائر الدرجات» بسنده عن الإمام محمّد الباقر عليه السلام أنَّه قال: "الرِّجسُ هُوَ الشَّكُّ ولا نَشُكُّ في رَبِّنَا أبَداً"[9].
ونقل محمّد بن يعقوب الكلينيّ مثل هذا المعنى بسنديه المتّصلين عن أبي بصير، عن الإمام الصادق عليه السلام في ذيل رواية مفصّلة[10]. وقد نقلنا في هامش الصفحات المتقدّمة هذا المعنى عن «تاج العروس» و«لسان العرب» حيث ذكر صاحبا هذين الكتابين نقلًا عن الإمام أبي جعفرٍ، الباقر عليه السلام: إنَّ الرجس يعني الشكّ.
وروي عن محمّد بن العبّاس بن ماهيار بسنده المتّصل عن الإمام الصادق، عن الإمام الباقر، عن الإمام أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليهم السلام قَالَ عَلِيّ بنُ أبي طالِبٍ في قَولِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ: "فَضْلُ أهلِ البَيتِ لا يَكُونُ كَذلِكَ، واللهُ عَزَّ وجَلَّ يَقُولُ: {إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ ويُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً} فَقَدْ طَهَّرَنَا اللهُ مِنَ الْفَواحِشِ ما ظَهَرَ مِنها ومَا بَطَنَ على مِنهاجِ الْحَقِّ".[11]
وجاء في تفسير «الدرّ المنثور» ج 5، ص 199 قوله: أخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ ويُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً} قَالَ: هُمْ أهلُ بَيتٍ طَهَّرَهُمُ اللهُ مِنَ السُّوءِ واختَصَّهُم بِرَحْمَتِهِ، قَالَ: وحَدَّثَ الضّحاكُ بن مُزاحم: أنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وآلِهِ وسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ: "نَحْنُ أهلُ بَيتٍ طَهَّرَهُمُ اللهُ مِن شَجَرَةِ النُّبُوَّةِ ومَوضِعِ الرِّسالَةِ ومُختَلَفِ المَلائِكَةِ وبَيتِ الرَّحمَةِ ومَعْدِنِ الْعِلمِ". وأخرَجَ التَّرمَذِيّ والطَّبرانيّ، وابنُ مَردَويه وأبو نَعِيمٍ، والْبَيْهَقِيّ مَعاً في الدَّلائلِ عَنِ ابنِ عبّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما قالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وآلِهِ وسَلَّمَ: "إنَّ اللهَ قَسَمَ الْخَلْقَ قِسمَينِ فَجَعَلَنِي في خَيرِهِما قِسماً، فَذَلِكَ قَولُهُ: {وَأَصْحابُ اليمين ما أَصْحابُ اليمين}، فَأنَا مِن أصحابِ اليمين (ثمّ ساق الحديث إلى أن قال:) فَأنَا وأهلُ بَيتي مُطَهَّرُونَ مِنَ الذُّنُوبِ".
يقول أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام كما جاء في الخطبة 86، من «نهج البلاغة»: "فَأينَ تَذهَبُونَ وأنَّي تُؤفَكُونَ والأعلامُ قَائِمَةٌ والآياتُ واضِحَةٌ والْمَنَارُ مَنْصُوبَةٌ، فَأينَ يُتاهُ بِكُم وكَيفَ تَعمَهُونَ وبَينَكُم عِترَةُ نَبِيِّكُمْ وهُم أزِمَّةُ الحَقِّ وأعلامُ الدِّينِ وألسِنَةُ الصِّدقِ فَأنزِلُوهُمْ بِأحسَنِ مَنازِلِ القُرآنِ، ورِدُوهُمْ وُرُودَ الهِيمِ العِطاشِ"[12].
يقول ابن أبي الحديد في شرح هذه الفقرات: وقد بيّن رسول الله عترته من هي، لمّا قال: "إنِّي تَاركٌ فيكُمُ الثَّقَلينِ"، فقال: "عِترَتي أهلَ بيتي" وبيّن في مقام آخر مَن أهل بيته حيث طرح عليهم كساءً. وقال حين نزلت {إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ ويُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً}: "اللهُمَّ هَؤلاءِ أهلُ بَيتي فَأذْهِبْ عَنْهُمُ الرِّجسَ". قال ابن أبي الحديد: فإن قلتُ: فمن هي العترة التي عناها أمير المؤمنين عليه السلام بهذا الكلام؟ قلتُ: نفسه وولداه [ولديه]؛ والأصل في الحقيقة نفسه، لأنَّ ولديه تابعان له، ونسبتهما إليه مع وجوده كنسبة الكواكب المضيئة مع طلوع الشمس المشرقة. وقد نبّه النبيّ صلّى الله عليه وآله على ذلك بقوله: "وأبُوكُما خيرٌ مِنكُما" وقوله: "وَهُمْ أزِمَّةُ الْحَقِ" جمع زمام؛ كأنَّه جعل الحقّ دائراً معهم حيثما داروا، وذاهباً معهم حيثما ذهبوا، كما أنَّ الناقة طوع زمامها، وقد نبّه رسول الله صلّى الله عليه وآله على صدق هذه القضيّة بقوله: "وَأدِرِ الحَقَّ مَعَهُ حيْثُ دارَ". وقوله: "وألسِنَةُ الصِّدقِ" من الألفاظ الشريفة القرآنيّة، قال الله تعالى: {وَاجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ} لما كان لا يصدر عنهم حكم ولا قول إلّا وهو موافق للحقّ؛ والصواب جَعَلَهُم كَأنَّهم ألسنة صدق لا يصدر عنها قول كاذب أصلًا؛ بل هي كلًّا مطبوعة على الصدق.
وقوله: «فَأنزِلُوهُم مَنازِلَ القُرآنِ» تحته سرٌّ عظيم، وذلك أنَّه أمر المكلّفين بأن يجروا العترة في إجلالها وإعظامها والانقياد لها والطاعة لأوامرها مجرى القرآن.
فإن قلت: فهذا القول منه يشعر بأنَّ العترة معصومة، فما قول أصحابكم في ذلك؟ قلتُ: نصّ أبو محمّد بن متَّويه في كتاب «الكفاية» على أنَّ عليّاً عليه السلام معصوم، وإن لم يكن واجب العصمة، ولا العصمة شرط في الإمامة، لكنّ أدلّة النصوص قد دلّت على عصمته، والقطع على باطنه ومغيبه، وأنَّ ذلك أمرٌ اختصّ هو به دون غيره من الصحابة؛ والفرق ظاهر بين قولنا: زيد معصوم، وبين قولنا: زيد واجب العصمة لأنَّهُ إمام. ومن شرط الإمام أن يكون معصوماً، فالاعتبار الأوّل مذهبنا، والاعتبار الثاني مذهب الإماميّة[13].
لقد ذكرنا هنا إجمالًا كلام المؤالف والمخالف في معنى الرجس حتى يُفَهم أنَّ الجميع متّفقون على هذا المعنى وهو أنَّ المراد منه في هذه الآية هو كلّ قذارة ظاهريّة نحو: الأعمال القبيحة المذمومة، وكلّ قذارة باطنيّة نحو: الشكّ، والشرك، والكفر، والملكات السيّئة، والأخلاق المشينة، والنوايا والخواطر المستقبحة، وأهل البيت معصومون من كلّ الجهات، ولا منافاة بين هذه العصمة واختيارهم في العمل وكيفيّته، لأنَّ إرادة الله هنا غير خارجة عن مرحلة الاختيار لكن عن طريق الاختيار هي محقّقة للاختيار ومثبّتة له، فالله قد طهّر ذواتهم، وطهّر جميع مراحل وجودهم، والاختيار يمثّل إحدى هذه المراحل. إذَن، فالأفعال الصادرة عنهم كلّها مرتكزة على الاختيار. ولمّا كان الاختيار ناتجاً عن نفس شريفة طاهرة نقيّة، لذلك فإنَّهم يقومون بالأفعال والأعمال المحمودة مختارين لا مجبرين أو مضطرّين. وفي مقابل هؤلاء المطهّرين، ثمّة أشخاص ذواتهم ملوّثة وشقيّة، فلا تلحظ فيهم نقطة بيضاء صافية، وتبعاً لتلك الذوات الشقيّة تكون ملكاتهم وأخلاقهم قبيحة ومذمومة، وكذلك تكون نواياهم وخواطرهم تبعاً لذلك، ثمّ تكون أعمالهم قبيحة ومذمومة تبعاً لتلك النوايا والخواطر. وبين هذين الفريقين أشخاص آخرون خلطوا بين طهارة النفس وقذارتها، فكلّما كانت القذارة أقلّ والطهارة أكثر، فإنَّ أفعالهم المتحقّقة في الخارج تكون أفضل وأنقى وأرضى. وكلّما كانت الطهارة أقلّ والقذارة أكثر، فإنَّ تلك الأفعال تكون أكثر ظلمة، وأبعد عن الإخلاص، وأقذر. وبين هاتين المرحلتين اناس لا يعدّون ولا يحصون في درجات متنوّعة. وأعمالهم وليدة نيّاتهم، ونيّاتهم وليدة ملكاتهم النفسيّة، وملكاتهم النفسيّة تتباين تبعاً لاختلاف درجات القذارة والطهارة التي عليها نفوسهم، وكلّ إناء بالذي فيه يرشح.
مَلَكْنَا فَكانَ الْعَفْوُ مِنّا سَجِيَّةً *** فَلَمَّا مَلَكْتُمْ سالَ بِالدَّمِ أبطَحُ
وَحَلَّلْتُمْ قَتلَ الأُسَارى فَطَالَمَا *** غَدَوْنَا على الأسرى فَنَعْفُو ونَصْفَحُ
وَحَسْبُكُمُ هَذَا التَّفَاوُتُ بَيْنَنَا *** وَكُلُّ إنَاءٍ بِالذي فِيه يَرْشَحُ
إنَّ عفو أمير المؤمنين عليّ عليه السلام عن أعدائه مثل: مروان بن الحكم، وعائشة بعد معركة الجمل قد أدهش العقل وحَيّره. فعليّ وغيره من أئمّة أهل البيت عليهم السلام يتوكّلون على العصمة وينطلقون في أعمالهم من العصمة، وما لم تكن النفوس في هذه الدرجة من العصمة والطهارة والنزاهة فإنَّ أفعالها الخارجيّة سوف لن تكون طاهرة ونزيهة إلى هذا الحدّ.
"وَإنَّ أرْوَاحَكُمْ ونُورَكُمْ وطِينَتَكُمْ وَاحِدَةٌ طابَتْ وطَهُرَتْ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ، خَلَقَكُمْ اللهُ أنْوَاراً فَجَعَلَكُمْ بِعَرْشِهِ مُحْدِقِينَ"[14].
إلى أهلِ بَيتٍ اذهِبَ الرِّجسُ عَنهُمُ *** وَصُفُّوا مِنَ الأدناسِ طُرّاً وطُيِّبُوا
إلى أهلِ بَيتٍ ما لِمَنْ كان مُؤمِناً *** مَن النّاسِ عَنهُمْ في الوِلَايَةِ مَذْهَبُ
وَحُبُّهُمْ مِثلُ الصَّلَاةِ وإنَّهُ *** على الناس مِن بَعضِ الصّلاةِ لأوْجَبُ[15]
أمّا الشبهات المثارة على الآية:
الاولى: أنَّ المراد من الإرادة هنا هي الإرادة التشريعيّة. أي أنَّ الله يريد أن يطهّركم بالأمر والنهي والوعد والوعيد وتشريع الأحكام والسنن. فالطهارة هنا ستكون مرتكزة على أفعالهم بسبب اتّباع الأحكام الإلهيّة كما جاء في قوله تعالى: {ما يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ ولكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ ولِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ}[16].
هذه الشبهة غير صحيحة، لأنَّه لو كان المراد من إرادة التطهير، هي الإرادة التشريعيّة، فهذه لا تخصّ أهل البيت، بل تشمل جميع المسلمين، بل جميع الناس، فالحكم والقانون والأمر والنهي، كلّ هذه الأشياء تكون للجميع، وقد ذكرنا فيما تقدّم أنَّ الآية بدأت بكلمة «إنَّمَا» وهي تفيد الحصر، أي أنَّ الله أراد تطهير أهل البيت على سبيل الحصر، وهذه الإرادة طبعاً هي الإرادة التكوينيّة المستلزمة للعصمة، كما جاء في مريم، قوله تعالى: {وَ إِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفاكِ وطَهَّرَكِ واصْطَفاكِ عَلى نِساءِ الْعالَمِينَ}[17].
فمن الواضح أنَّ هذه الطهارة هي طهارة ذاتيّة قبل العمل، لا طهارة مسبّبة عن العمل وبعد العمل، بل يمكن القول إنَّ آية التطهير {أَنَّما يُرِيدُ اللَّهُ} في الإرادة التكوينيّة وإفادة العصمة من هذه الآية أكثر صراحة، لأنَّ من الممكن أن يطرح احتمال وهو أنَّ طهارة مريم ناتجة عن الطهارة في الأمر والنهي والتشريع، مع أنَّ هذا الاحتمال هو خلاف الظاهر، بَيدَ أنَّه ليس خلاف النصّ والتصريح أمّا في آية التطهير، لمّا كانت الإرادة إنَّما نصّ في الحصر، والحصر ينأى عموميّة التكليف بالنسبة إلى جميع الاشخاص، لذلك فإنَّ آية التطهير أقوى في إفادة معنى العصمة لأهل البيت من الآية التي تفسِّر معنى العصمة لمريم.
ولو قيل: إنَّ المراد من إذهاب الرجس، والتطهير، هو إرادة التقوى في أعلى درجاتها، إذ إنَّ الله أرادها من أهل البيت فقط، وجعل تكليفهم أشقّ من تكليف غيرهم، كما في وجوب صلاة الليل على الرسول الأكرم وجواز صوم الوصال، وأمثال ذلك من التكاليف الشاقّة والعسيرة، لذلك فإنَّ المراد من إرادة الله في هذه الآية إرادته التشريعيّة وجعل الحكم. وهذا لا ينأى حصر هذه الإرادة في أهل البيت.
وجواب هذه: أنَّ أهل البيت خمسة بلا ريب، وأنَّ رسول الله هو منهم، وأنَّ عصمته ليست مسبّبة عن العمل قطعاً بل هي موهبة إلهيّة لذلك فلا معنى لأن يكون سرّ التكليف بالنسبة إليه مقدّمة للطهارة. وملخص الكلام أنَّ هذه الآية هي في مقام الامتنان، وتمثّل موهبة في أمر استثنائيّ. وما هي المنّة من وراء التحلّي بالطهارة بواسطة التكليف الشاقّ. ولمّا كانت إرادة إذهاب الرجس والتطهير في الآية المباركة بالنسبة إلى أهل البيت جميعهم في سياقٍ واحد، ومنهج واحد، لذلك فإنَّ المراد من الإرادة هو ليس الإرادة التشريعيّة وجعل الحكم.
الثانية: أنَّ المراد من أهل البيت في هذه الآية زوجات النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم. وأنَّ المراد من إرادة إذهاب الرجس والتطهير، هو ملازمة التقوى في أعلى درجاتها ومراعاة الأحكام الشرعيّة أكثر من بقيّة المسلمين، والقرينة في ذلك هو ما صرّحت به الآيات المتقدّمة على هذه الآية أنَ الله يؤتيهنّ أجرهنّ مرّتين عند طاعتهنّ وقنوتهنّ لله ورسوله وأنَّه يضاعف لهنّ العذاب ضعفين عند مخالفتهنّ واتيانهنّ فاحشة مبيّنة. وكذلك صرّحت إحدى الآيات إنهنّ لسنَ كأحد من النساء. مضافاً إلى ذلك فإنَّ آية التطهير جاءت مبثوثة بين الآيات التي تحوم حول نساء النبيّ، فما جاء قبلها وبعدها بيّن أحكامهنّ وتكاليفهنّ، فكيف يمكن أن يكون هذا القسم الضئيل من الآية خارجاً عن نطاق تلك الآيات، ومتحدّثاً عن أشخاص غيرهنّ، بحيث إنَّ صدر الآية يخصّ نساء النبيّ، وذيلها يخصّ الخمسة أصحاب الكساء؟ والشاهد على هذا الكلام هو الأحاديث المأثورة التي جعلت آية التطهير خاصّة بنساء النبيّ.
أمّا الآيات المتقدّمة على هذه الآية والمتأخّرة عنها فهي: { يَآأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالينَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا ، وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ َعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا ، يَا نِسَآءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا ، وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُؤْتِهَآ أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا ، يَا نِسَآءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَآءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا ، وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَىٰ وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ، وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَىٰ فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا}[18].
وأمّا الأحاديث، فقد قال السيوطيّ في تفسيره، وابن حجر الهيثميّ في «الصواعق المحرقة»: نسب هذا القول إلى ابن عبّاس[19].
وقال السيوطيّ: روى ابن أبي حاتم وابن عساكر، عن عِكرَمَة، عن ابن عبّاس أنَّه قال: {إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ} نزلت في أزواج النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم وقال عكرمة: مَن شاءَ باهَلْتُهُ، إنَّها نَزلَ في أزواجِ النَّبِيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم.
وروى ابن مردويه عن طريق سعيد بن جبير، عن عكرمة، عن ابن عبّاس أنَّه قال: «نزلت في أزواج النبيّ».
والحديث الثالث رواه ابن جرير، وابن مردويه، عن عكرمة، أنَّه قال في قول الله: {إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ}: لَيسَ بِالذي تَذهَبُونَ، إنَّمَا هُوَ نِساءُ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وسَلَّمَ.
والحديث الرابع رواه ابن سعد عن عُروة في آية التطهير، قال: نزلت هذه الآية في حجرة عائشة، ويراد بأهل البيت أزواج النبيّ[20].
فهذا عدد من الأحاديث التي اختلقها حثالة من أعداء أهل البيت ودعاة الخوارج، وصنائع بني اميّة. فذهبوا في صرف الآية عن أهلها كلّ مذهب، وعملوا على تشويش أذهان البعض من غير المطّلعين على التفاسير والأخبار. ونحن بحول الله وقوّته سنكشف كذب هؤلاء وافتراءهم بدرجة لا يبقى معها ريب في قلب أحد.
نقل رواة الأحاديث المتقدّمة هذا القول عن طريقين: الأوّل: عن طريق عِكرَمة، والآخر: عن طريق مقاتل بن سليمان، وكلاهما من الكذّابين المعروفين، والوضّاعين المشهورين. وليس لروايتهما قيمة عند العامّة. فهذان الشخصان أرادا أن يحرّفا مدلول الآية عن اتّجاهه الطبيعيّ طوعاً لما يحملانه من روح عدائيّة لأهل بيت العصمة.
أمّا عِكرَمَة غلام ابن عبّاس فقد كان يرى رأي الخوارج، وبالأخص رأي نجدة الحروريّ، وكان نجدة من أشدّ الخوارج عداوة لأمير المؤمنين عليه السلام. وعكرمة من الدعاة إلى الخوارج، يجوب الأمصار داعياً إلى عداوة عليّ ساعياً في تضليل الناس عنه بكلّ طريق، ولمّا كان غلاماً لابن عبّاس، وابن عبّاس من مشاهير الصحابة، وأصحاب العلاقة الوطيدة مع النبيّ، والسوابق المشهودة في الإسلام، لذلك فإنَّ كلّ حديث كان يفتريه عكرمة على النبيّ، كان ينقله عن ابن عبّاس فيقول مثلًا حدّثني مولاي ابن عبّاس عن رسول الله كذا وكذا، ونجده في آية التطهير أيضاً ينقل عن ابن عبّاس أنَّه قال بأنَّ المراد من أهل البيت نساء النبيّ.
ذكر الذهبيّ في «ميزان الاعتدال»[21] ترجمة عكرمة بالتفصيل. وذكر المرحوم السيّد عبد الحسين شرف الدين ملخّص ذلك عند البحث في آية التطهير[22]. ومحصّل ذلك: أنَّ عِكرمة كان من غلاة الخوارج مبالغاً في الدعوة إليهم.
فقد نقل عن ابن المدائنيّ أنَّه قال: كان عكرمة يرى رأي نجدة الحروريّ (وكان نجدة من أشدّ الخوارج عداوة لأمير المؤمنين).
وقال يعقوب الحضرميّ: لمّا كان عكرمة من الإباضيّة (وهم من غلاة الخوارج) لذلك كان يكفّر جميع المسلمين. وكان يقف على باب المسجد، ويقول: ما فيه إلّا كافر.
وقال مصعب الزبيريّ: كان عكرمة يرى رأي الخوارج. وعن عطاء: كان عكرمة إباضيّاً.
وقال أحمد بن حنبل: كان عكرمة يرى رأي الصُفريّة (وهم من غلاة الخوارج أيضاً).
وقال يحيى بن بكير: قدم عكرمة مصر وهو يريد المغرب. قال: الخوارج الذين هم بالمغرب عنه أخذوا [دينهم].
وقال خالد بن أبي عمران: كنّا في المغرب وعندنا عكرمة في وقت الموسم (الحجّ)، فقال: وددتُ أنَّ بيدي حربة فاعترض بها من شهد الموسم يميناً وشمالًا (لبنائه على كفر من عدا الخوارج من أهل القبلة). [وله في القرآن رأي سيّء].
وحدّث أيّوب عن عكرمة أنَّه قال: إنَّما أنزل الله متشابه القرآن ليضلّ به الناس.
هذا عن مذهبه وعقيدته! وأمّا كذبه فقد نقلوا عنه قصصاً في ذلك. قال ابن أبي شعيب: سألت محمّد بن سيرين عن عكرمة، فقال: ... كذّاب.
وقال عفّان: حدّثنا وهيب، قال: شهدت يحيى بن سعيد الأنصاريّ وأيّوب، فذكروا عكرمة، فقال يحيى: كذّاب. وقال إبراهيم بن مَيسرةَ عن طاووس اليمانيّ: قال: لو أنَّ عبد ابن عبّاس اتّقى الله وكفّ عن حديثه لشدّت إليه المطايا.
وقال إبراهيم بن المنذر: حدّثنا هشام بن عبد الله المخزوميّ: قال: سمعت ابن أبي ذئب يقول: رأيت عكرمة، وكان غير ثقة.
وقال محمّد بن سعد: كان عكرمة كثير العلم والحديث، وليس يحتجّ بحديثه، ويتكلّم الناس فيه. [ولا ريب في وضعه الحديث].
وعن عبد الله بن الحارث، قال: دخلت على عليّ بن عبد الله بن عبّاس، فإذا عكرمة في وثاق عند باب الحشّ (الخلاء) فقلت له: أ لا تتّقي الله؟ فقال: إنَّ هذا الخبيث يكذب على أبي (ويكذب على رسول الله به).
ونقل ياقوت الروميّ في ترجمة عكرمة من معجمه هذه القصّة نفسها. وكذلك نقلها عن يزيد بن زياد أنَّه قال: دخلت على عليّ بن عبد الله بن مسعود وعكرمة مقيّد على باب الحشّ. قلت: ما لهذا كذا؟ قال: إنَّه يكذب على أبي.
فهو بمقتضى هاتين الروايتين تارة يكذب على ابن عبّاس، فينكر عليه ابنه ويعزّره ويوثقه؛ وتارة يكذب على ابن مسعود، فينكر عليه ابنه ويعزّره ويقيّده.
ولمّا عُرِف عكرمة بخيانة مولاه ابن عبّاس وكذبه عليه، لذلك قال ابن المسيّب لمولاه بُرْد: لا تكذب عليّ كما كذب عكرمة على ابن عبّاس.
ويروى ذلك عن عبد الله بن عمر [أنَّه أيضاً قال لمولاه نافع: لا تكذب عليّ كما كذب عكرمة على مولاه].
وعلى هذا الأساس، رفض كبار المحدّثين من العامّة رواياته، ولم يثق أحد بها إلّا البخاريّ. وكان مسلم بن الحجّاج يتجنّب الرواية عنه، ولم ينقل عنه إلّا رواية أو روايتين في سياق روايات اخرى مقرونة بروايته ومؤيّدة لها.
قال مطرف بن عبد الله: سمعت مالكاً يكره أن يُذكر عكرمة ولا رأي أن يروى عنه.
وقال أحمد بن حنبل: ما علمت أنَّ مالكاً حدّث بشيء لعكرمة [إلّا في موضوع واحد].
وأمّا أفعاله الاخرى:
فقد نقل عن كتاب عليّ بن المدينيّ أنَّه قال: سمعت يحيى بن سعيد يقول: حدّثني والدي عن أيّوب أنَّه ذكر له أنَّ عكرمة لا يحسن الصلاة. فقال أيّوب: وكان يصلّي؟
وقال الفضل السِّينانيّ: رأيت عكرمة قد اقيم قائماً في لعب النرد.
وعن يزيد بن هارون أنَّه قال: قدم عكرمة البصرة، فأتاه أيّوب ويونس، وسليمان التيميّ، فسمع صوت غناء. فقال: اسكتوا، ثمّ قال: قاتله الله، لقد أجاد. فأمّا يونس وسليمان فما عادا إليه. وبسبب أفعاله هذه لم يشهد الناس جنازته عند ما توفي سنة 105 أو 106 أو 107 هـ.
وورد عن سليمان بن معبد السِّنجيّ أنَّه قال: مات عكرمة، وكثير عَزَّة في يوم، فشهد الناسُ جنازة كُثير، وتركوا جنازة عكرمة، [ولم يشهدها إلّا سُودان المدينة].
وقال مصعب الزبيريّ: كان عكرمة يرى رأي الخوارج، فطلبه تولّي المدينة، فتغيّب عند داود بن الحصين حتى مات عنده. [وكان قد جاب الآفاق في الدعوة إلى مذهب الخوارج طيلة عمره].
وقال أبو طالب: سمعت أحمد بن حنبل يقول: كان عكرمة من أعلم الناس، ولكنّه كان يرى رأي الصُفريّة، ولم يدع موضعاً إلّا خرج إلىه: خراسان، والشام، وإلىمن، ومصر، وإفريقيا، كان يأتى الامراء فيطلب جوائزهم، وأتى الجَنَدَ إلى طاووس فأعطاه ناقة.
فهذه نبذة موجزة عن ترجمة عكرمة، نقلناها عن كتاب «ميزان الاعتدال». فلمّا كان يرى رأي الخوارج، وكان معروفاً بالكذب، ويجيزه على وجه الخصوص، من أجل تأييد اعتقاده، لذلك يتّضح السرّ من وراء وضع تلك الروايات، وتفسير أهل البيت بنساء النبيّ. لقد كان الخوارج أعداء أمير المؤمنين عليه السلام ولا سيّما عكرمة الذي كان من غلاتهم ودعاتهم، وكان يجوب البلدان من أجل الدعوة إلى مذهبه وترويج عقيدته بين الناس. فهل نتوقّع من عكرمة، وهو بهذه المواصفات، أن يقول بنزول آية التطهير في أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام ويرى فيه إماماً معصوماً مفترض الطاعة بين اناس كان يرمي إلى تنفيرهم عنه؟ كلّا.
ولقد كان عالماً وهو يقول عن نفسه: لازمت ابن عبّاس أربعين سنة، وكنت أحدّث الناس، وألممتُ بفنون العلم. ولمّا كان عكرمة آثماً ومن أهل المعاصي والكذب، لذلك رأى أنَّ أفضل وسيلة لإغواء الناس ودعوتهم إلى مذهب الخوارج هي أن يصرف الآية عن أهل بيت العصمة ويفسّرها بنساء النبيّ. ولمّا لم يشهد النبيّ، فإنَّه استغلّ سمعة مولاه عبد الله بن عبّاس، فنسب إلى هذا الرجل الوجيه الذي يحترمه المسلمون الكذب غير متحرّج عن ذلك. وكان يقول: تأدّبتُ في بيت ابن عبّاس وعلّمت الناس العلم أربعين سنة فيه، فأنا أقول ما قال، فالآية نزلت في نساء رسول الله. وبلغ به التحمّس لإثبات مدّعاه أنَّه طلب المباهلة، ولنا أن نسأل: أنَّه لِمَ لَمْ يطلب المباهلة في المسائل الخلافيّة الاخرى وطلبها فقط في هذه المسألة التي تمسّ عقيدته في الصميم؟
ويتّضح من قوله: لَيْسَ بِالذي تَذهَبُونَ إنَّ الأجواء الفكريّة للناس كانت تعرف أهل البيت على أنَّهم أهل العصمة والطهارة من آل محمّد صلوات الله عليهم ولم يألف الوسط الاجتماعيّ أحداً غيرهم، إلّا أنَّ عكرمة كان ينادي في الأسواق أيّها الناس، ليس بالذي تذهبون، وذلك من أجل صرف الناس عمّا يعلمون بتحريف أفكارهم، وبلغ في الصلافة مستوى لم يستطع معه عليّ بن عبد الله بن عبّاس أن يردعه عن عمله على الرغم من التهديد والوعيد، حتى حبسه في بيته لئلّا يختلط بالناس ويكذب على أبيه أو على رسول الله.
هذا فيما يخصّ رواية عكرمة إذ اتّضح سندها وهويّتها، وانكشف كذبها، مع أنَّ الواحديّ في «أسباب النزول» نقل في هذا الحقل رواية عن سعيد بن جبير، عن ابن عبّاس بدون ذكر عكرمة[23]. بَيدَ أنَّا كما نقلنا عن السيوطيّ رواية عن ابن مردويه، عن سعيد بن جبير، عن ابن عبّاس بواسطة عكرمة، فإنَّه يبدو أنَّ هاتين هما خبر واحد. ووقع في الخبر الواحد تدليس، فأسقطوا منه عكرمة الكذّاب من أجل بلبلة الأفكار.
[1] عند الحديث عن آية التطهير، ثمّة موضوع لا بدّ أن يناقش ويمحّص ليتّضح المراد من ذكر عبارة «أهل البيت»، فهل أنَّ المراد هو سكنهم الدائم في بيت رسول الله وعيشهم معه في مكان واحد؟ وهذا ما يثير الإشكال، أو أنَّ المراد هو ذرّيّته؟ أو أنَّ كلمة «البيت» تحمل مفهوماً معنويّاً وإنسانيّاً منذ البداية. بناءً على ما جاء في بعض المعاني، فإنّ رسول الله هو واحد من أهل البيت، وعلى ما جاء في معان اخرى، فإنّه خارج عنهم ويُدعى المعصومون الآخرون من أهل بيت رسول الله، وأمّا هو فلا يُدعى منهم. مضافاً إلى ذلك كيف يُدعى بعض الأشخاص أحياناً مثل: عبد الله بن عبّاس، ومحمّد بن الحنفيّة وزيد بن على بن الحسين من أهل البيت؟ ولمّا كان عنوان أهل البيت من حيث الأحاديث المأثورة يخصّ الخمسة البررة والأئمّة التسعة من ذرّيّة سيّد الشهداء، فإنّ استخدام هذا المعني لغويّاً واصطلاحيّاً، يحتاج إلى تأمّل.
[2] الآية 83، من السورة 36: يس.
[3] يقول ابن الأثير في «النهاية» ج 2، ص 200: الرِّجس: القذر وقد يعبّر عن الحرام والفعل القبيح والعذاب واللعنة والكفر. وفي «لسان العرب» ج 6: الرجس: القذر ... والرِّجس: العذاب كالرجز. وأمّا الرجز فالعذاب والعمل الذي يؤدّي إلى العذاب، والرجس في القرآن: العذاب كالرجز. وقال ابن الكلبيّ في قوله تعالى: فإنه رجس، الرجس: المأثم، وقال مجاهد: كذلك يجعل الله الرجس، قال: ما لا خير فيه، وقال أبو جعفر: {إنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أهْلَ الْبَيْتِ ويُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} قال: الرجس: الشكّ. {إنَّما الْخَمْرُ والْمَيسِرُ والأنْصَابُ والأزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ}، قال الزجّاج: الرجس في اللغة اسم لكلّ ما استقذر من عمل فبالغ الله في اسم هذه الأشياء وسمّاها رجساً، ويُقالُ: رجُس الرجل رَجَساً ورجِس يرجَس: إذا عمل عملًا قبيحاً، وقال ابن الكلبيّ: رِجسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيطَانِ، أي، مأثم، وفي الحديث: "إذا كان أحَدُكُم في الصّلاةِ فَوَجَدَ رِجساً أو رِجزاً فلا يتصَرِفُ حتى يَسمَعُ صَوتاً أو يَجِدَ رِيحاً، ورِجسُ الشَّيطانِ: وَسوَسَتُهُ." ويقول في «تاج العروس» ج 4، ص 159: والرِّجس بالكسر: القَذَر أو الشيء القَذِر، وقال ابن الكلبيّ في قوله تعالى: {فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً}، وكذا في قوله تعالى: {رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ} قال: الرجس: المأثم، والرجس: العذاب والعمل المؤدّي إلى العذاب. وفي التهذيب: وأمّا الرجز فالعذاب والعمل الذي يؤدّي إلى العذاب، والرجس: العذاب كالرجز، قلبت الزاي سيناً كما قيل: الأسَد والأزَد. وقال أبو جعفر في قوله تعالى: {إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ ويُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً} أي الشك. ورجس (كفرح وكرم) رَجَساً ورجاسةً ككرامةً عمل عملًا قبيحاً. وقال في «مجمع البحرين»: قوله تعالى: {كَذلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ} أي: اللعنة في الدنيا والعذاب في الآخرة. قوله: فَزادَتهُم رِجسًا إلى رِجسِهِمْ: أي: نتناً إلى نتنهم. والنتن عبارة عن الكفر، أي: كفراً إلى كفرهم. قوله: {إنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أهْلَ الْبَيْتِ} أي: الأعمال القبيحة والمآثم، والرجس لطخ الشيطان ووسوستُهُ. وقال في «شرح قاموس اللغة»: الرجس: القَذَر.
[4] الآية 145، من السورة 6: الأنعام.
[5] الآية 125، من السورة 9: التوبة.
[6] فقرة من فقرات الزيارة المعروفة بالزيارة الجامعة الكبيرة.
[7] «الكلمة الغرّاء» الهامش، ص 217، وص 218.
[8] «غاية المرام» ص 293، الحديث الخامس.
[9] «المصدر السابق» ص 293، الحديث الرابع.
[10] «غاية المرام» ص 292، الحديث الثاني؛ وص 293، الحديث الثالث.
[11] «المصدر السابق» ص 295، الحديث الخامس عشر.
[12] «نهج البلاغة» طبع مصر مع حواشي الشيخ محمّد عبدة ص 154.
[13] «شرح نهج البلاغة» ابن أبي الحديد، ج 6، ص 375- 377. ونقل المحدّث البحرانيّ هذا الحديث نفسه عن ابن أبي الحديد في كتابه: «غاية المرام» ص 291 تحت عنوان: «الحديث السادس والثلاثون».
[14] فقرة من الزيارة الجامعة الكبيرة.
[15] «ديوان السيّد الحِميريّ» ص 66.
[16] الآية 6، من السورة 5: المائدة.
[17] الآية 42، من السورة 3: آل عمران.
[18] الآيات 28 إلى 34، من السورة 33: الأحزاب
[19] «الدرّ المنثور» ج 5، ص 198، و«الصواعق المحرقة» ص 85.
[20] «الدرّ المنثور» ج 5، ص 198.
[21] «ميزان الاعتدال» ج 3، من ص 93 إلى ص 97.
[22] «الكلمة الغرّاء» ص 209 إلى ص 213.
[23] «أسباب النزول» ص 267.
الاكثر قراءة في شبهات وردود
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة