ليس المراد من الشاهد عبد الله بن سلام
المؤلف:
السيّد محمّد الحسين الحسينيّ الطهرانيّ
المصدر:
معرفة الإمام
الجزء والصفحة:
ج4/ص123-126
2025-12-09
28
الدلائل الواردة في أنّ عبد الله بن سلام ليس هو المراد من الشاهد
وهذه الآية لا تنطبق على عبد الله بن سلام للأسباب التالية:
أوّلًا: سورة الأحقاف مكّيّة وإسلام عبد الله بن سلام كان في المدينة فلا جدوى من جعل رسول الله شهادة شخص لم يسلم بعد ولم يظهر على مسرح الحياة الإسلاميّة سنداً لنبوّته، وشاهداً على أحقّيّته أمام مشركي قريش ومنكريهم.
ثانياً: تنصّ الآية المباركة على أنّ هذا الشاهد قد شهد على مثل القرآن، لا على القرآن نفسه، والمراد بمثل القرآن هنا التوراة، فما ذا يجني المشركون من وراء الشهادة على التوراة؟ بينما نجد أنّ قوله تعالى: {وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ} يفيدنا أنّ أمير المؤمنين شهد على النبوّة نفسها. وأمّا شهادة ذلك الشخص من بني إسرائيل في عصر موسى على نبوّته أو على التوراة فأنّها كانت ستؤتي ثمارها، وستمثّل سنداً لنبوّته.
ثالثاً: كان إسلام عبد الله بن سلام في بداية الهجرة إلى المدينة وليس بعد استقرار النبيّ فيها ويوم عيد اليهود. يقول ابن عبد البرّ في ترجمة عبد الله بن سلام: عبد الله بن سلام بن الحارث الإسرائيليّ ثمّ الأنصاريّ. يكنّى أبا يوسف، وهو من ولد يوسف بن يعقوب صلّى الله عليهما وكان حليفاً للأنصار، يقال كان حليفاً للقوافلة[1] (وهم) من بني عوف بن الخزرج. وكان اسمه في الجاهليّة الحصين. فلمّا أسلم، سمّاه رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم عبد الله. توفي بالمدينة أيّام معاوية سنة 43 (هـ)؛ وهو أحد الأحبار. أسلم إذ قدم رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم المدينة.
قال عبد الله بن سلام: خرجت في جماعة من أهل المدينة للنظر إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم في حين دخوله المدينة، فنظرت إليه وتأمّلت وجهه، فعلمتُ أنّه ليس بوجه كذّاب، وكان أوّل شيء سمعته منه: أيُّهَا النَّاسُ، أفْشُوا السَّلَامَ، وأطْعِمُوا الطَّعَامَ، وصِلُوا الأرْحَامَ، وصَلُّوا باللَّيْلِ والنَّاسُ نِيَامٌ، تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ بسَلَامٍ.
رابعاً: يدلّ سياق الآية الكريمة {قُلْ أَ رَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وكَفَرْتُمْ بِهِ وشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى مِثْلِهِ} على أنّ خطاب النبيّ لم يكن موجّهاً إلى بني إسرائيل.
خامساً: أنّ الإنجيل ليس من كتب اليهود، واليهود لا يقرّون به أبداً بل هم يفترون على مريم وينسبون إليها ما لا يليق ويعتبرون عيسى ابن سفاح. فكيف يمكن في هذه الحالة، ووفقاً لهذه الرواية، أنّ يقول عبد الله بن سلام لليهود: اشهد الله أنّ محمّداً هو النبيّ الذي وجدتموه في التوراة والإنجيل؟!
نستنتج ممّا تقدّم أنّ هذه الرواية مجعولة. ناهيك عن هذا كلّه فأنّ روايات قد جاءت عن طريق العامّة في أنّ آية واحدة من القرآن لم تنزل في عبد الله بن سلام أو في أنّ هذه الآية لا تخصّه. يقول السيوطيّ: أخرج ابن منذر عن الشعبيّ أنّه قال: مَا نَزَلَ في عَبْدِ اللهِ بْنِ سَلَامٍ شيء مِنَ الْقُرْآنِ[2]. ويقول أيضاً: أخرج عبد الله بن حميد، وابن منذر عن عكرمة أنّه قال في الآية: {وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى مِثْلِهِ}، قالَ: لَيْسَ بِعَبْدِ اللهِ بْنِ سَلَامٍ، هَذِهِ الآيَةُ مَكِّيَّةٌ فَيَقُولُ مَنْ آمَنَ مِنْ بَني إسْرائيلَ كَمَنْ آمَنَ بِالنَّبِيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم[3].
ويقول أيضاً: أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن مسروق أنّه قال: قَوْلُهُ: {وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى مِثْلِهِ}. قال: واللهِ مَا نَزَلَتْ في عَبْدِ اللهِ بْنِ سَلَامٍ، مَا نَزَلَتْ إلّا بِمَكَّةَ وأنّمَا كَانَ إسْلَامٍ ابْنِ سَلَامٍ بِالْمَدِينَةِ، وإنّمَا وكَانَتْ خُصُومَةً خَاصَمَ بِهَا مُحَمَّدٌ صلّى الله عليه وآله وسلّم[4].
نعم. أنّ نزول الآية في عبد الله بن سلام مستبعد إلى حدّ اضطرّ فيه البعض أن يقول بأنّ الآية مكّيّة وأنّ إسلام عبد الله بن سلام كان بالمدينة وذلك من أجل تصحيح هذا الموضوع. يقول السيوطيّ: أخرج الحسن بن مسلم أنّه نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ بِمَكَّةَ وعَبْدُ اللهِ بْنُ سَلَامٍ بِالْمَدِينَةِ[5].
ويقول أيضاً: أخرج ابن سعد، وابن عساكر عن الحسن البصري أنّه قال: نَزَلَتْ حم وعَبْدُ اللهِ بِالْمَدِينَةِ مُسْلِمٌ[6]. وهاتان الروايتان غير صحيحتين أيضاً لأنّنا قلنا: أنّ عبد الله بن سلام لم يكن قد أسلم بعد عند نزول سورة الأحقاف. وكما قلنا في تفسير الآية: {وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ}، فأنّ عبد الله بن سلام، وابنه، وحفيده دون غيرهم ينسبون هذه الآية إلى أنفسهم، ولم ينسبها شخص آخر إليهم.
بَيدَ أنّه لمّا كان نزول هذه الآية في أمير المؤمنين عليّ عليه السلام فأنّ علماء الشيعة رضوان الله عليهم أصرّوا على أنّها لم تنزل في عبد الله بن سلام، وبرهنوا على ذلك. وأمّا الآية: {وَشَهِدَ شاهِدٌ} فلمّا لم تكن فيه عليه السلام. لذلك لم يعيروا لها اهتماماً، ومرّوا عليها دون تحّرٍ دقيق حتى قال البعض من أهل السنّة، أنّ علماء الشيعة أيضاً قالوا بنزولها في عبد الله بن سلام، مع أنّها نزلت في يوشع بن نون وصيّ موسى عِدل عليّ بن أبي طالب وصيّ محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم. ولا فرق في إمكان نزول الآيتين المذكورتين: {وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ، وشَهِدَ شاهِدٌ} في عبد الله بن سلام وعدم إمكان نزولهما فيه. فكلتاهما مكّيّتان. فإذا كان جائزاً في إحداهما فهو جائز في الاخرى، والعكس صحيح.
مضافاً إلى ذلك ما هو وزن عبد الله بن سلام الذي يعتبره البعض مغموراً مجهول الحال، وهو لم يبايع أمير المؤمنين عليّاً بالخلافة بعد عثمان، حتى يهتمّ رسول الله بشهادته أمام المشركين، ويجعله قريناً لنبوّته وللتوراة التي فيها هدى ورحمة للناس؟ أجل، هذا بحث تناولنا فيه الآية الكريمة: {وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى مِثْلِهِ}، فلنعرّج الآن على الآية التي هي مدار بحثنا: {وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ}.
[1] اسم طائفة من الأنصار.
[2] «الدرّ المنثور» ج 6، ص 39.
[6] «الدرّ المنثور» ج 6، ص 39.
الاكثر قراءة في شبهات وردود
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة