كلام العلامة الطباطبائيّ في تفسير قوله تعالى: هُنَالِكَ الْوَلَايَةُ لِلّهِ الْحَقِّ
المؤلف:
السيّد محمّد الحسين الحسينيّ الطهرانيّ
المصدر:
معرفة الإمام
الجزء والصفحة:
ج5/ص20-22
2025-12-15
50
القراءة المشهورة بفتح الواو، وقري بكسرها، والمعنى واحد. وذكر المفسّرون أنّ الإشارة بقوله: هُنالِكَ إلى معنى قوله: احِيطَ بِثَمَرِهِ. أي: في ذلك الموضع أو في ذلك الوقت، وهو موضع الإهلاك ووقته الولاية لله.
وأنّ الولاية بمعنى النصرة؛ أي: أنّ الله سبحانه وتعالى هو الناصر للإنسان حين يحيط به البلاء، وينقطع عن كافّة الأسباب لا ناصر غيره.
وهذا معنى حقّ في نفسه لكنّه لا يناسب الغرض المسوق له الآيات،[1] وهو بيان أنّ الأمر كلّه لله سبحانه وهو الخالق لكلّ شيء المدبّر لكلّ أمر، وليس لغيره إلّا سراب الوهم وتزيين الحياة لغرض الابتلاء والامتحان.
ولو كان كما ذكروه، لكان الأنسب توصيفه تعالى في قوله:{لِلَّهِ الْحَقِ} بالقوّة، والعزّة، والقدرة، والغلبة ونحوها، لا بمثل الحقّ الذي يقابل الباطل، وأيضاً لم يكن لقوله: «هو خير ثواباً وخير عقبا» وجه ظاهر وموقع جميل.
والحقّ- والله أعلم- أنّ الوَلاية بمعنى مالكيّة التدبير، وهو المعنى الساري في جميع اشتقاقاتها، كما مرّ في الكلام على قوله تعالى: {إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ ورَسُولُهُ}.[2]
أي: عند إحاطة الهلاك، وسقوط الأسباب عن التأثير، وتبيّن عجز الإنسان الذي كان يرى لنفسه الاستقلال والاستغناء أن ولاية أمره وكل شيء وملك تدبيره لله، لأنه إله حقّ له التدبير والتأثير بحسب واقع الأمر.
وغيره من الأسباب الظاهريّة المدعوّة شركاء له في التدبير والتأثير باطل في نفسه لا يملك شيئاً من الأثر إلّا ما أذن الله له وملّكه إيّاه، وليس له من الاستقلال إلّا اسمه بحسب ما توهّمه الإنسان، فهو باطل في نفسه حقّ بالله سبحانه، والله هو الحقّ بذاته المستقلّ الغنيّ في نفسه.
وإذا أخذ بالقياس بينه- تعالى عن القياس- وبين غيره من الأسباب المدعوّة شركاء في التأثير، كان الله سبحانه خيراً منها ثواباً، فإنّه يثيب من دان له ثواباً حقّاً، وهي تثيب من دان لها وتعلّق بها ثواباً باطلًا زائلًا لا يدوم؛ وهو مع ذلك من الله وبإذنه. وكان الله سبحانه خيراً منها عاقبة، لأنه سبحانه هو الحقّ الثابت الذي لا يفنى ولا يزول؛ ولا يتغيّر عمّا هو عليه من الجلال والإكرام، وهي امور فانية متغيّرة جعلها الله زينة للحياة الدنيا، يتولّه إليها الإنسان، ويتعلّق بها قلبه حتى يبلغ الكتاب أجله، وإنّ الله لجاعلها صعيداً جرزاً.[3]
وينبغي أن نعلم أنّ الوِلاية بالكسر في هذه القراءة المتداولة لم ترد في القرآن الكريم؛ بَيدَ أنّ الوَلاية بالفتح جاءت في موضعين: الأوّل: في الآية التي صدّرنا درسنا هذا بها ومرّ تفسيرها؛ والثاني: في الآية 72 من السورة الثامنة: الأنفال: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وهاجَرُوا وجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ والَّذِينَ آوَوْا ونَصَرُوا أُولئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ والَّذِينَ آمَنُوا ولَمْ يُهاجِرُوا ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهاجِرُوا وإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ واللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٞ}.
[1] هذه الآيات في سورة الكهف، وهي من الآية 32 إلى الآية 43. ومفادها إجمالًا:
أنّ الله ضرب مثلًا، رجلين جعل لأحدهما جنّتين من أعناب ونخل لها أثمار مختلفة، وفجرّ خلالهما نهراً. فتباهى هذا الرجل وغرّ بكثرة ماله ونفره، وظنّ أنّ القيامة لا تكون، وأنّ جنّته لا تبيد. وكان يقول (ما أظنّ إن) رُددت إلى ربّي لأجدنّ خيراً من جنّتي هذه. فنصحه صاحبه، فلم ينفع نصحه، حتى أباد الله جنّته على حين غفلة، واحيط بثمره فكان يقول:
الويل لي كم أنفقت فيها، فيا ليتني لم اشرك بربّي أحداً.
[2] الآية 55، من السورة 5: المائدة.
[3] «تفسير الميزان» ج 13، ص 340 و341. طبع الآخوندي سنة 1386 هـ.
الاكثر قراءة في مقالات قرآنية
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة