الأدب
الشعر
العصر الجاهلي
العصر الاسلامي
العصر العباسي
العصر الاندلسي
العصور المتأخرة
العصر الحديث
النثر
النقد
النقد الحديث
النقد القديم
البلاغة
المعاني
البيان
البديع
العروض
تراجم الادباء و الشعراء و الكتاب
الغزل والنسيب في الشعر الأموي
المؤلف: عمر فرّوخ
المصدر: تأريخ الأدب العربي
الجزء والصفحة: ج1، ص367-368
25-12-2015
5329
عاد الغزل والنسيب في العصر الأمويّ إلى الازدهار بعد أن كانا قد أهملا قليلا في صدر الاسلام الأوّل.
لقد انحدر الغزل الأمويّ من الغزل الجاهليّ. غير أن هذا الغزل كان في الجاهلية غرضا من أغراض القصيدة يأتي في أبيات تقلّ أو تكثر وتتوالى أو تتفرّق؛ فلمّا انحدر إلى العصر الأمويّ أتيح له شعراء وقفوا جهدهم عليه كعمر بن أبي ربيعة الذي جعل منه فنّا قائما بنفسه: كان عمر يقصر القصيدة على الغزل فلا يكاد يقول فيها إلاّ غزلا، ثم انه لم يقل إلاّ في الغزل. ومع أنّ عمر بن أبي ربيعة لم يبتكر شيئا من خصائص الغزل العامّة، فانه قد جمع معظم هذه الخصائص في شعره وأجرى الغزل في قصص وحوار حينا وفي نقاش وإقناع حينا آخر. ومثل ذلك فعل نفر كثيرون من الشعراء المغامرين الذين كانوا يتّبعون الجمال ويهيمون بالمرأة هياما يجرون فيه على مقتضى الطبيعة البشرية.
والنسيب أيضا فنّ جاهليّ أصيل، غير أنه خضع في العصر الامويّ لتطوّر بارز جدّا: لقد تطوّر جانب منه فنشأ ما نسمّيه بالغزل العذري.
ومع أن الغزل العذريّ اكتسب اسمه من قبيلة بني عذرة التي كثر فيها الشعراء الذين اختار كلّ واحد منهم أن يقصر همّه وشعره على امرأة واحدة يرى فيها وفي قربها سعادته وشقاءه ثم لا يلتفت إلى امرأة غيرها أيضا، فان مثل هذا الحبّ قد عرف في قبائل أخرى كقبيلة بني عامر مثلا.
والمفروض أن يكون الغزل العذري غزلا عفيفا، وهو كذلك في الأكثر. غير أن الشعراء العذريين كانت تنازعهم أنفسهم إلى كلّ ما كانت تصبو اليه نفوس غيرهم، ثم إذا هم وجدوا فرصة سلكوا مسلك الناس جميعا في هذا الجانب من الحياة. على أن الذي ظلّ يفصل بين الشعراء الذين نسمّيهم عذريين وبين سواهم من الشعراء المحبّين أن هؤلاء العذريين لم يبالوا بامرأة غير تلك التي توهّموا حبّها. وقد تبدي المرأة التي يتتبّعها المحب العذري صدّا أو كرها لذلك المحبّ الشاذّ؛ وقد تتزوج تلك المرأة وتربط سعادتها ومصيرها برجل آخر، ولكنّ محبّها يظل على وهمه الأوّل ينظم فيها الاشعار، ويضرب في أزمات تذكّره لها، عن الطعام والشراب حتّى يهزل جسمه أو حتّى يموت.
ولا ريب في أن الشعر العذريّ شعر عذب سهل محبّب إلى النفس الإنسانية لأنه في الواقع يمثل النزوع الموجود في كل نفس إلى الحياة الطبيعية في البشر. ولكن يجب ألاّ ننسى أن المحب العذريّ رجل ضعيف الشخصية لأنه في الحقيقة رجل ناقص الرجولة. ان الحنين الشعري في هؤلاء العذريين يجب أن يكون تعويضا نفسانيا لهم عمّا فقدوه من قدرة الشعراء المغامرين على التمتّع بالحياة الطبيعية تمتّعا تامّا كاملا.
والمبالغة في الحب العذري أدّت إلى ظهور الشعراء المجانين، أولئك الشعراء الذين ذهب عقلهم في تلك الأوهام التي كانوا يشبّحونها لأنفسهم في خيالهم. ومع ان شعر الشعراء المجانين غير ثابت على القطع لشعرائه، فان هذه الطبقة من الشعراء كانت موجودة وكان لها شعر يبدو أن بعضه اختلط ببعض.