تأملات قرآنية
مصطلحات قرآنية
هل تعلم
علوم القرآن
أسباب النزول
التفسير والمفسرون
التفسير
مفهوم التفسير
التفسير الموضوعي
التأويل
مناهج التفسير
منهج تفسير القرآن بالقرآن
منهج التفسير الفقهي
منهج التفسير الأثري أو الروائي
منهج التفسير الإجتهادي
منهج التفسير الأدبي
منهج التفسير اللغوي
منهج التفسير العرفاني
منهج التفسير بالرأي
منهج التفسير العلمي
مواضيع عامة في المناهج
التفاسير وتراجم مفسريها
التفاسير
تراجم المفسرين
القراء والقراءات
القرآء
رأي المفسرين في القراءات
تحليل النص القرآني
أحكام التلاوة
تاريخ القرآن
جمع وتدوين القرآن
التحريف ونفيه عن القرآن
نزول القرآن
الناسخ والمنسوخ
المحكم والمتشابه
المكي والمدني
الأمثال في القرآن
فضائل السور
مواضيع عامة في علوم القرآن
فضائل اهل البيت القرآنية
الشفاء في القرآن
رسم وحركات القرآن
القسم في القرآن
اشباه ونظائر
آداب قراءة القرآن
الإعجاز القرآني
الوحي القرآني
الصرفة وموضوعاتها
الإعجاز الغيبي
الإعجاز العلمي والطبيعي
الإعجاز البلاغي والبياني
الإعجاز العددي
مواضيع إعجازية عامة
قصص قرآنية
قصص الأنبياء
قصة النبي ابراهيم وقومه
قصة النبي إدريس وقومه
قصة النبي اسماعيل
قصة النبي ذو الكفل
قصة النبي لوط وقومه
قصة النبي موسى وهارون وقومهم
قصة النبي داوود وقومه
قصة النبي زكريا وابنه يحيى
قصة النبي شعيب وقومه
قصة النبي سليمان وقومه
قصة النبي صالح وقومه
قصة النبي نوح وقومه
قصة النبي هود وقومه
قصة النبي إسحاق ويعقوب ويوسف
قصة النبي يونس وقومه
قصة النبي إلياس واليسع
قصة ذي القرنين وقصص أخرى
قصة نبي الله آدم
قصة نبي الله عيسى وقومه
قصة النبي أيوب وقومه
قصة النبي محمد صلى الله عليه وآله
سيرة النبي والائمة
سيرة الإمام المهدي ـ عليه السلام
سيرة الامام علي ـ عليه السلام
سيرة النبي محمد صلى الله عليه وآله
مواضيع عامة في سيرة النبي والأئمة
حضارات
مقالات عامة من التاريخ الإسلامي
العصر الجاهلي قبل الإسلام
اليهود
مواضيع عامة في القصص القرآنية
العقائد في القرآن
أصول
التوحيد
النبوة
العدل
الامامة
المعاد
سؤال وجواب
شبهات وردود
فرق واديان ومذاهب
الشفاعة والتوسل
مقالات عقائدية عامة
قضايا أخلاقية في القرآن الكريم
قضايا إجتماعية في القرآن الكريم
مقالات قرآنية
التفسير الجامع
حرف الألف
سورة آل عمران
سورة الأنعام
سورة الأعراف
سورة الأنفال
سورة إبراهيم
سورة الإسراء
سورة الأنبياء
سورة الأحزاب
سورة الأحقاف
سورة الإنسان
سورة الانفطار
سورة الإنشقاق
سورة الأعلى
سورة الإخلاص
حرف الباء
سورة البقرة
سورة البروج
سورة البلد
سورة البينة
حرف التاء
سورة التوبة
سورة التغابن
سورة التحريم
سورة التكوير
سورة التين
سورة التكاثر
حرف الجيم
سورة الجاثية
سورة الجمعة
سورة الجن
حرف الحاء
سورة الحجر
سورة الحج
سورة الحديد
سورة الحشر
سورة الحاقة
الحجرات
حرف الدال
سورة الدخان
حرف الذال
سورة الذاريات
حرف الراء
سورة الرعد
سورة الروم
سورة الرحمن
حرف الزاي
سورة الزمر
سورة الزخرف
سورة الزلزلة
حرف السين
سورة السجدة
سورة سبأ
حرف الشين
سورة الشعراء
سورة الشورى
سورة الشمس
سورة الشرح
حرف الصاد
سورة الصافات
سورة ص
سورة الصف
حرف الضاد
سورة الضحى
حرف الطاء
سورة طه
سورة الطور
سورة الطلاق
سورة الطارق
حرف العين
سورة العنكبوت
سورة عبس
سورة العلق
سورة العاديات
سورة العصر
حرف الغين
سورة غافر
سورة الغاشية
حرف الفاء
سورة الفاتحة
سورة الفرقان
سورة فاطر
سورة فصلت
سورة الفتح
سورة الفجر
سورة الفيل
سورة الفلق
حرف القاف
سورة القصص
سورة ق
سورة القمر
سورة القلم
سورة القيامة
سورة القدر
سورة القارعة
سورة قريش
حرف الكاف
سورة الكهف
سورة الكوثر
سورة الكافرون
حرف اللام
سورة لقمان
سورة الليل
حرف الميم
سورة المائدة
سورة مريم
سورة المؤمنين
سورة محمد
سورة المجادلة
سورة الممتحنة
سورة المنافقين
سورة المُلك
سورة المعارج
سورة المزمل
سورة المدثر
سورة المرسلات
سورة المطففين
سورة الماعون
سورة المسد
حرف النون
سورة النساء
سورة النحل
سورة النور
سورة النمل
سورة النجم
سورة نوح
سورة النبأ
سورة النازعات
سورة النصر
سورة الناس
حرف الهاء
سورة هود
سورة الهمزة
حرف الواو
سورة الواقعة
حرف الياء
سورة يونس
سورة يوسف
سورة يس
آيات الأحكام
العبادات
المعاملات
إطاعة السلطان الجائر
المؤلف: آية الله جعفر السبحاني
المصدر: مفاهيم القرآن
الجزء والصفحة: ج5 ، ص 423 - 435.
28-09-2015
4316
اتفقت كلمة الحنابلة ومن لفَّ لفّهم على وجوب إطاعة السلطان الجائر ، وإليك نصوصهم :
قال أحمد بن حنبل في إحدى رسائله : السمع والطاعة للأئمّة ، وأمير المؤمنين ، البر والفاجر ، ومن ولي الخلافة فأجمع الناس ورضوا به ومن غلبهم بالسيف ، وسمّي أمير المؤمنين ، والغزو ماض مع الأُمراء إلى يوم القيامة ، البر والفاجر ، وإقامة الحدود إلى الأئمّة ، وليس لأحد أن يطعن عليهم وينازعهم ، ودفع الصدقات إليهم جائز من دفعها إليهم أجزأت عنهم ، براً كان أو فاجراً ، وصلاة الجمعة خلفه وخلف كل من ولي ، جائزة إقامتها ، ومن أعادها فهو مبتدع تارك للآثار مخالف للسنّة (1).
ومن خرج على إمام من أئمّة المسلمين وقد كان الناس قد اجتمعوا عليه وأقرّوا له بالخلافة بأيِّ وجه من الوجوه ، كان بالرضاء أو بالغلبة ، فقد شق الخارج عصا المسلمين وخالف الآثار عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فإن مات الخارج عليه ، مات ميتة جاهلية.
هذا الرأي المنقول عن إمام الحنابلة لا يمكن إنكار صحة نسبته إليه ، ولأجل ذلك قال الأُستاذ أبو زهرة : ولأحمد رأي يتلاقى فيه مع سائر الفقهاء وهو جواز إمامة من تغلّب ورضيه الناس وأقام الحكم الصالح بينهم ، بل انّه يرى أكثر من ذلك إنّ من تغلّب وإن كان فاجراً تجب إطاعته حتى لا تكون الفتن (2).
والعبارة الّتي نقلناها عن إمام الحنابلة تعرب عن وجوب إطاعة الجائر ولو أمر بمعصية الخالق ، وهو أمر عجيب منه جداً ، مع أنّ أكثر الأشاعرة الذين يحرّمون الخروج عليه ، لا يوجبون طاعته كما سترى عندما نوافيك بنصوصهم ، ولغرابة رأي ابن حنبل هذا ، ذيّله أبو زهرة بقوله : ولكنه ينظر في هذه القضية إلى مصلحة المسلمين وأنّه لا بدَّ من نظام مستقر ثابت وإنّ الخروج على هذا النظام يحل قوّة الأُمّة ، ويفك عراها ، ولأنّه رأى من أخبار الخوارج وفتنتهم ما جعله يقرر أنّ النظام الثابت أولى ، وأنّ الخروج عليه يرتكب فيه من المظالم أضعاف ما يرتكبه الحاكم الظالم.
ثم إنّه ينظر في القضية نظرة اتّباع ، فإنَّ التابعين عاشوا في العصر الأموي إلى أكثر من ثلثي زمانه قد رأوا مظالم كثيرة ، ومع ذلك نهوا عن الخروج ولم يسيروا مع الخارجين ، وكانوا ينصحون الخلفاء والولاة إن وجدوا آذاناً تسمع ، وقلوباً تفقه ، وفي كل حال لا يخرجون ولا يؤيدون الخارج (3).
وهذا التوجيه من الأُستاذ غريب جداً :
أمّا أوّلاً : فلأنّ الخروج على النظام الظالم إذا كان موجباً لحلِّ قوّة الأُمّة وفك عراها ، يكون الصبر عليه تشويقاً لتماديه في الظلم ، وإكثار الضغط على الأُمّة ، وبالنتيجة : تحويل الدين وتحريفه عمّا هو عليه من الحق ... فأيُّ فائدة تكمن في حفظ قوّة أُمّة ، انحرفت عن صراطها وتبدّلت سننها وتغيرت أُصولها ، فإنّ الظالم لا يرى لظلمه حداً ولتعدّيه ضوابط ، فلو رأى أنّ الإسلام بواقعه يضاد آراءه الشخصية وميوله الخبيثة ، عمد إلى تغييره وتحويره ، فليس يقتصر ظلم الظالم على التعدّي على النفوس والأموال ، بل الراكب على أعناق الناس ، يغيّر كل شيء كيفيما يريد ، وحيثما يرى أنّه لصالح شخصه ، والتاريخ شاهدنا الأصدق على ذلك.
وثانياً : فإنَّ الأُستاذ أبا زهرة نسب إلى التابعين الذين عاشوا في العصر الأموي إلى أكثر من ثلثي زمانه بأنّهم رأوا مظالم كثيرة ومع ذلك نهوا عن الخروج ولم يسيروا مع الخارجين ... ، ولكنّه كيف غفل عن قضية الحرّة الدامية حيث كان الخارجون فيها على الحكومة الغاشمة هم الصحابة والتابعون ... .
وهذا المسعودي صاحب « مروج الذهب » ينقل إلينا لمحة عمّا جرى هناك ويقول : ولما انتهى الجيش من المدينة إلى الموضع المعروف بالحرّة وعليه « مُسرف » خرج إلى حربه أهلها ، عليهم عبد الله بن مطيع العدوي وعبد الله بن حنظلة الغسيل الأنصاري ، وكانت وقعة عظيمة قتل فيها خلق كثير من الناس من بني هاشم وسائر قريش والأنصار وغيرهم من سائر الناس ; فمن قتل من آل أبي طالب اثنان : عبد الله بن جعفر بن أبي طالب ، وجعفر بن محمد بن علي بن أبي طالب ; ومن بني هاشم من غير آل أبي طالب ، الفضل بن العباس بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب ، وحمزة بن عبد الله بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب ، والعباس بن عتبة بن أبي لهب بن عبد المطلب ، وبضع وتسعون رجلاً من سائر قريش ومثلهم من الأنصار ، وأربعة آلاف من سائر الناس ممّن أدركه الإحصاء ، دون من لم يعرف (4).
كيف نسي أبو زهرة ـ أو لعلّه تناسى ـ قضية دير الجماجم حيث قام ابن الأشعث التابعي في وجه الحجاج السفّاك بالموضع المعروف بدير الجماجم فكان بينهم نيّف وثمانون وقعة تفانى فيها خلق ، وذلك في سنة اثنتين وثمانين (5).
وعلى كل تقدير فقد اقتفى أثر أحمد بن حنبل جماعة من متكلّمي الأشاعرة وادّعوا بأنّ هذه عقيدة إسلامية كان الصحابة والتابعون يدينون بها ، وانّه يجب الصبر على الطغاة الظلمة إذا تصدّروا منصّة الحكم ، نعم غاية ما يقولون : إنّه لا يجب إطاعتهم إذا أمروا بالحرام والفساد ، جاعلين قولهم هذا منعطفهم الوحيد عن قول ابن حنبل وبقية أهل الحديث ، وإليك نبذة من أقوال القوم :
1. قال الإمام الشيخ أبو جعفر الطحاوي الحنفي ( المتوفّى عام 321 ه ) في رسالته المسمّاة بـ « بيان السنّة والجماعة » المشهورة ب « العقيدة الطحاوية ».
ونرى الصلاة خلف كلِّ بَرٍّ وفاجر من أهل القبلة ، ولا نرى السيف على أحد من أُمّة محمّد إلاّ على من وجب عليه السيف ( أي سفك الدم بالنص القاطع كالقاتل والزاني المحصن والمرتد ) ولا نرى الخروج على أئمتنا ولا ولاة أمرنا وإن جاروا ، ولا ندعوا على أحد منهم ولا ننزع يداً من طاعتهم ، ونرى طاعتهم من طاعات الله عزّ وجلّ فريضة علينا ما لم يأمروا بمعصية (6).
2. قال الإمام الأشعري من جملة ما عليه أهل الحديث والسنّة : ويرون العيد والجمعة والجماعة خلف كل إمام بر وفاجر ... إلى أن قال : ويرون الدعاء لأئمّة المسلمين بالصلاح ، وأن لا يخرجوا عليهم بالسيف ، وأن لا يقاتلوا في الفتن (7).
3. وقال الإمام أبو اليسر محمد بن عبد الكريم البزدوي : الإمام إذا جار أو فسق لا ينعزل عند أصحاب أبي حنيفة بأجمعهم ، وهو المذهب المرضي ... ثم قال : وجه قول عامّة أهل السنّة والجماعة إجماع الأُمّة ، فإنّهم رأوا الفساق أئمة ، فإنّ أكثر الصحابة كانوا يرون بني أُمية وهم بنو مروان أئمّة حتّى كانوا يصلّون الجمعة والجماعة خلفهم ، ويرون قضاياهم نافذة ، وكذا الصحابة والتابعون ، وكذا من بعدهم يرون خلافة بني عباس وأكثرهم كانوا فسّاقاً ، ولأنَّ القول بانعزال الأئمّة بالفسق ، إيقاع الفساد في العالم ، وإثبات المنازعات وقتل الأنفس ، فإنّه إذا انعزل يجب على الناس تقليد غيره ، وفيه فساد كثير ، ثم قال : إذا فسق الإمام يجب الدعاء له بالتوبة ، ولا يجوز الخروج عليه ، وهذا مروي عن أبي حنيفة ، لأنّ في الخروج إثارة الفتن والفساد في العالم (8).
4. وقال الإمام أبو بكر محمد بن الطيب الباقلاني ( المتوفّى عام 403 ه ) في « التمهيد ».
إن قال قائل : ما الّذي يوجب خلع الإمام عندكم ؟ قيل له : يوجب ذلك أُمور : منها كفر بعد إيمان ، ومنها تركه الصلاة والدعاء إلى ذلك ، ومنها عند كثير من الناس فسقه وظلمه بغصب الأموال وضرب الأبشار ، وتناول النفوس المحرمة ، وتضييع الحقوق ، وتعطيل الحدود ، وقال الجمهور من أهل الاثبات وأصحاب الحديث : لا ينخلع بهذه الأُمور ولا يجب الخروج عليه ، بل يجب وعظه وتخويفه وترك طاعته في شيء ممّا يدعو إليه من معاصي الله ، إذ احتجوا في ذلك بأخبار كثيرة متضافرة عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وعن الصحابة في وجوب طاعة الأئمّة وإن جاروا واستأثروا بالأموال وانّه قال (عليه السلام) :
« واسمعوا وأطيعوا ولو لعبد أجدع ، ولو لعبد حبشي ، وصلّوا وراء كلِّ برٍّ وفاجر ».
وروي أنّه قال : « وان أكلوا مالك وضربوا ظهرك وأطيعوهم ما أقاموا الصلاة » (9).
5. وقال الشيخ نجم الدين أبو حفص عمر بن محمد النسفي ( المتوفّى عام 537 ه ) في « العقائد النسفية » : ولا ينعزل الإمام بالفسق والجور ... ويجوز الصلاة خلف كلِّ بَرٍّ وفاجر. وعلله الشارح التفتازاني بقوله : لأنّه قد ظهر الفسق واشتهر الجور من الأئمّة والأُمراء بعد الخلفاء الراشدين ، والسلف كانوا ينقادون لهم ويقيمون الجُمع والأعياد بإذنهم ولا يرون الخروج عليهم (10).
وقد أُيّدت تلك العقائد بروايات ربّما يتصوّر القارئ أنّ لها مسحة من الحق أو لَمْسة من الصدق ، لكن الحق أنّ أكثرها مفتعلة على لسان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قد أفرغها في قالب الحديث جَمعٌ من وعّاظ السلاطين ومرتزقتهم تحفظاً على عروشهم وحفظاً لمناصبهم ، وإليك بعض تلك الروايات الّتي رواها مسلم في صحيحه :
1. روى مسلم ، عن حذيفة بن اليمان ، قلت يا رسول الله ... إلى أن قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : « يكون بعدي أئمّة لا يهتدون بهداي ولا يتسنّون بسنّتي ، وسيقوم رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان انس » قال : قلت كيف أصنع يا رسول الله إن أدركت ذلك ؟ قال : « تسمع وتطيع للأمير وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك فاسمع وأطع ».
2. وروى عن أبي هريرة عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه قال : « من خرج من الطاعة وفارق الجماعة مات ميتة الجاهلية ... إلى أن قال : ومن خرج على أُمّتي يضرب بَرّها وفاجرها ، ولا يتحاشى من مؤمنها ، ولا يفي لذي عهد عهده فليس مني ولست منه ».
3. وروى عن ابن عباس أنّه قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : « من رأى من أميره شيئاً يكرهه فليصبر ، فإنّه من فارق الجماعة شبراً فمات فميتته جاهلية ».
4. روى عنه أيضاً ، عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال : « من رأى من أميره شيئاً فليصبر ، فإنّه ليس أحد من الناس خرج من السلطان شبراً فمات عليه إلاّ مات ميتة جاهلية ».
5. روي عن عبد الله بن عمر أنّه جاء إلى عبد الله بن مطيع ـ حين كان من أمر الحرّة ما كان زمن يزيد بن معاوية ـ فقال : اخرجوا لأبي عبد الرحمن وسادة فقال : إنّي ما أتيتك لأجلس ، أتيتك لأحدّثك حديثاً ، سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول :
« من خلع يداً من طاعة لقي الله يوم القيامة لا حجة له ، ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية ».
وقد فسر قول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ابن عمر بلزوم بيعة يزيد وإطاعته حتّى في مسألة الحرة.
6. روي عن أُمّ سلمة أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال : « ستكون أُمراء فتعرفون وتنكرون فمن عرف برئ ، ومن أنكر سلم ، ولكن من رضي وتابع » قالوا : يا رسول الله ! ألا نقاتلهم ؟ قال : « لا ما صلّوا ».
7. وروي عن عوف بن مالك في حديث : قيل يا رسول الله أفلا ننابذهم بالسيف ؟ فقال : « لا ما أقاموا فيكم الصلاة ، وإذا رأيتم من ولاتكم شيئاً تكرهونه فاكرهوا عمله ، ولا تنزعوا يداً من طاعته » (11).
وقد أورد ابن الأثير الجزري قسماً من هذه الأحاديث في جامع الأُصول (12).
8. روى البيهقي في سننه عن أبي هريرة قال ، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : « سيكون بعدي خلفاء يعملون بما يعلمون ، ويفعلون بما يؤمرون ، وسيكون بعدهم خلفاء يعملون بما لا يعلمون ، ويفعلون ما لا يؤمرون ، فمن أنكر عليهم برئ ، ومن أمسك يده سلم ، ولكن من رضي وتابع » (13).
9. وروى ابن عبد ربّه ، عن عبد الله بن عمر : إذا كان الإمام عادلاً فله الأجر وعليك الشكر ، وإذا كان الإمام جائراً فعليه الوزر وعليك الصبر (14).
وقبل كل شيء يجب علينا أن نعرض تلك الروايات على كتاب الله سبحانه فإنّه المحك الأوّل لتشخيص الحديث الصحيح من السقيم.
قال سبحانه حاكياً عن العصاة والكفّار : { يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولا * وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلا * رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا } [ الأحزاب : 66 ـ 68].
فهذا القسم من الآيات يندد بقول من يرى وجوب طاعة السلطان الظالم الّتي توجب ضلالة المطيع لهم عن السبيل السوي ، وثمّة آيات تندد بعمل من يصبر على عمل الطاغية من دون أن يأمره بالمعروف او ينهاه عن المنكر ، وترى نفس السكوت والصبر على طغيان الطاغية جرماً وإثماً موجباً للهلاك ، وهذه الآيات هي الواردة حول قوم من بني إسرائيل الذين كانوا يعيشون قرب ساحل من سواحل البحر فتقسمهم إلى أصناف ثلاثة :
الأوّل : الجماعة المعتدية العادية الّتي رفضت حكم الله سبحانه حيث حرم عليهم صيد البحر يوم السبت قال سبحانه : { إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ }[ الأعراف : 163].
الثاني : الجماعة الساكتة الّتي أهمّتهم أنفسهم لا يرتكبون ما حرم الله وفي الوقت نفسه لا ينهون الجماعة العادية عن عدوانها ، بل كانوا يعترضون على الجماعة الثالثة الّتي كانت تقوم بواجبها الديني من إرشاد الجاهل والقيام في وجه العاصي والطاغي ، بقولهم : { لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا }[ الأعراف : 164].
الثالث : الجماعة الآمرة بالمعروف والناهية عن المنكر محتسبين ذلك وظيفة دينية عريقة ونصيحة لازمة للإخوان ، وقد حكى الله سبحانه على لسانهم في محكم كتابه العزيز حيث قال : { مَعْذِرَةً إِلَىٰ رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ }[ الأعراف : 164].
نرى أنّ الله سبحانه أباد الطائفتين الأُوليين وأنجى الثالثة قال سبحانه : { فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ }[ الأعراف : 165].
فالآية الآخيرة صريحة في حصر النجاة في الناهين عن السوء فقط ، دون العادين والساكتين على عدوانهم ، فلو كان السكوت والصبر على عدوان العادين أمراً جائزاً ، لماذا عمّ العذاب كلتا الطائفتين ؟! أو ما كان في وسع هؤلاء أن يعتذروا للقائمين بالأمر بالمعروف ، بأنّ في القيام والخروج وحتّى في النصيحة بالقول تضعيفاً لقوّة الأُمّة وفكّاً لعراها ؟
فلو دلّت الآية الأُولى على حرمة طاعة الظالم ودلّت الآية الثانية على حرمة السكوت في مقابل طغيان العادين ، فهناك آية ثالثة تدل على حرمة الركون إلى الظالم يقول سبحانه : { وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ }[ هود : 113].
أوليس تأييد الحاكم الجائر والدعاء له في الجمعة والجماعات ، وإقامة الصلاة بأمره ، وإدارة كل شأن خوّل منه إليه ، يعد ركوناً إلى الظالم ؟ فما هو جواب هؤلاء المرتزقة في الدول الإسلامية اصطلاحاً الذين يعترفون بجور حكامهم وانحرافهم عن الصراط السوي ، ومع ذلك يدعون لهم عقب خطب الجماعات بطول العمر ودوام السلامة ، ويديرون الشؤون الدينية حسب الخطط الّتي يرسمها ويصورها لهم أُولئك الحكام ، الذين يعدّهم أُولئك المرتزقة محاور ومراكز ، وأنفسهم أقماراً تدور في أفلاكها ، اللّهمّ إلاّ أن يعتذر هؤلاء بعدم التمكّن ممّا يجب عليهم من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على مراتبهما المختلفة ، ولكنّه عذر لا يقبل في كثير من الأحيان ، وعلى ذلك الأساس فما قيمة تلك الروايات المعارضة لنصوص الكتاب وصريح الذكر الحكيم.
أضف إلى ذلك أنّ هناك روايات تنفي صحة الروايات السابقة وتجعلها في مدحرة البطلان ، وقد نقلها أصحاب الصحاح والسنن أيضاً ، وعند المعارضة يؤخذ من السنّة الشريفة ما يوافق كتاب الله الحكيم ، وإليك نزراً من تلك الروايات :
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : « اسمعوا سيكون بعدي أُمراء ، فمن دخل عليهم فصدقهم بكذبهم وأعانهم على ظلمهم ، فليس مني ولست منه ، وليس بوارد عليّ الحوض » (15).
هذا بعض ما لدى السنّة من الروايات وأمّا ما لدى الشيعة فنأتي ببعضها عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) انّه قال : « ألا ومن علّق سوطاً بين يدي سلطان جعل الله ذلك السوط يوم القيامة ثعباناً من النار طوله سبعون ذراعاً يسلطه الله عليه في نار جهنم وبئس المصير ».
وعنه (صلى الله عليه وآله وسلم) أيضاً أنّه قال : « إذا كان يوم القيامة نادى مناد : أين أعوان الظلمة ، ومن لاق لهم دواة أو ربط لهم كيساً ، أو مدّ لهم مدة قلم ، فاحشروهم معهم ».
وعنه (صلى الله عليه وآله وسلم) انّه قال : « من خف لسلطان جائر في حاجة كان قرينه في النار ».
وقال (صلى الله عليه وآله وسلم) : « ما اقترب عبد من سلطان جائر إلاّ تباعد من الله ».
وعن الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام) أنّه قال : « من أحب بقاء الظالمين فقد أحب أن يُعصى الله ».
وعنه (عليه السلام) أنّه قال : « من سوّد اسمه في ديوان الجبّارين ... حشره الله يوم القيامة حيراناً ».
وعنه (عليه السلام) أنّه قال : « من مشى إلى ظالم ليعينه وهو يعلم أنّه ظالم فقد خرج عن الإسلام ».
وعن الإمام الصادق جعفر بن محمد (عليه السلام) أنّه قال : « ما أحب أنّي عقدت لهم عقدة أو وكيت لهم وكاء وإنّ لي ما بين لابتيها ، لا ولا مدّة بقلم ، إنّ أعوان الظلمة يوم القيامة في سرادق من نار حتّى يحكم الله بين العباد » (16).
وغيرها من عشرات الأحاديث والروايات الواردة من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل بيته المعصومين (عليهم السلام) الناهية عن السكوت على الحاكم الجائر ، والحاثّة على زجره ودفعه ، والإنكار عليه بكل الوسائل الممكنة ، فهذه الأحاديث تدل على أنّ ما مرَّ من الروايات الحاثة على السكوت عن الحاكم الظالم ، والانصياع لحكمه ، والتسليم لظلمه ، والرضا بجوره ، جميعها ممّا لفّقه رواة السوء والجور بإيعاز من السلطات الحاكمة في تلك العصور المظلمة ، فنسبوها إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو (صلى الله عليه وآله وسلم) منها براء لمعارضتها الصريحة لمبادئ الكتاب والسنّة.
ولو لم يكن في المقام إلاّ قول علي (عليه السلام) في خطبته : « ... وما أخذ الله على العلماء أن لا يقارّوا على كظة ظالم ولا سغب مظلوم ... » (17) لكفى في وهن تلك الروايات المفتعلة على لسان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).
وفي ختام الكلام نلفت نظر القارئ الكريم إلى ما ألقاه الإمام أبو الشهداء الحسين بن علي (عليه السلام) إلى أهالي الكوفة حيث خطب أصحابه ، وأصحاب الحر ـ قائد جيش عبيد الله بن زياد آنذاك ـ فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : « أيّها الناس انّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال : من رأى سلطاناً جائراً مستحلاً لحرم الله ، ناكثاً لعهد الله ، مخالفاً لسنّة رسول الله ، يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان ، فلم يغيّر عليه بفعل ولا قول ، كان حقاً على الله أن يدخله مدخله ، ألا وإنّ هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان ، وتركوا طاعة الرحمن وأظهروا الفساد ، وعطّلوا الحدود ، واستأثروا بالفيء ، وأحلّوا حرام الله وحرموا حلاله وأنا أحق من غَيَّر » (18).
وهذه النصوص الرائعة المؤيدة بالكتاب والسنّة وسيرة السلف الصالح من الصحابة والتابعين الذين قاموا في وجه الطغاة من بني أُمية وبني العباس ، تشهد بأنّ ما نسب إلى الصحابة والتابعين من الاستسلام والسكوت على ظلم الظالمين لكون ذلك من عقيدتهم الإسلامية ، ما هو إلاّ بعض مفتعلات أصحاب العروش ، وقد وضعها وعاظهم ومرتزقتهم ، وإلاّ فالطيبون ـ من الصحابة والتابعين ـ بريئون من هذه النسبة.
__________________
(1) تاريخ المذاهب الإسلامية : 2 / 322.
(2) المصدر السابق : 321.
(3) تاريخ المذاهب الإسلامية : 2 / 322.
(4) مروج الذهب : 3 / 69 ـ 70 ، طبع بيروت.
(5) المصدر السابق : 3 / 132.
(6) شرح العقيدة الطحاوية : 110 و 111 ، طبع دمشق.
(7) مقالات الإسلاميين : 323.
(8) أُصول الدين للإمام البزدوي : 190 ـ 192 ، ط القاهرة.
(9) التمهيد : 186 ، ط القاهرة.
(10) شرح العقائد النسفية : 185 ـ 186.
(11) صحيح مسلم باب الأمر بلزوم الجماعة : 6 ، وباب حكم من فرق أمر المسلمين : 20 ـ 24.
(12) لاحظ جامع الأُصول : 4 ، الكتاب الرابع في الخلافة والامارة ، الفصل الخامس : 451 ... الخ.
(13) السنن الكبرى : 8 / 158.
(14) العقد الفريد : 1 / 8.
(15) جامع الأُصول : 4 / 75 ، نقلاً عن الترمذي والنسائي.
(16) راجع لمعرفة هذه الأحاديث وسائل الشيعة : 12 ، الباب 42 من أبواب ما يكتسب به ، الأحاديث 6 ، 10 ، 11 ، 12 ، 14 ، 15 ، والباب 44 من نفس الأبواب الحديث 5 و 6.
(17) نهج البلاغة : الخطبة 3.
(18) تاريخ الطبري : 5 / 204 حوادث سنة 61 ه.