الأدب
الشعر
العصر الجاهلي
العصر الاسلامي
العصر العباسي
العصر الاندلسي
العصور المتأخرة
العصر الحديث
النثر
النقد
النقد الحديث
النقد القديم
البلاغة
المعاني
البيان
البديع
العروض
تراجم الادباء و الشعراء و الكتاب
ابن حُصن الإشبيلي
المؤلف: عمر فرّوخ
المصدر: تأريخ الأدب العربي
الجزء والصفحة: ج4، ص514-517
7-2-2018
4546
هو أبو الحسن عليّ بن غالب بن حصن الإشبيليّ نشأ في إشبيلية و لم يكن فيها من ذوي اليسار. ثمّ إنّه اتّصل بإسماعيل بن المعتضد بن عبّاد؛ و من طريق إسماعيل اتّصل بالمعتضد. و نال ابن حصن حظوة عند المعتضد فولاّه المعتضد الوزارة و الكتابة فحسنت حاله.
و في سنة 44٠ ه أو بعدها بقليل جاء ابن زيدون إلى بلاط بني عبّاد في إشبيلية فأصبح وزيرا للمعتضد. حينئذ نشأت بين ابن حصن و ابن زيدون نفرة فحسد. جعل ابن حصن يعرّض بابن زيدون ثمّ هجاه. و لكنّ ابن زيدون سكت في الظاهر عن ابن حصن. ثمّ كانت محنة ابن حصن: كان المعتضد قد جعل ابنه إسماعيل-و لم يكن إسماعيل بكره-وليّا للعهد. غير أنّ إسماعيل حاول الغدر بأبيه لتولّي الملك قبل أوانه و شايعه على ذلك نفر فيهم ابن حصن.
قال ابن عذاري (البيان المغرب 3:244) : «و في سنة 44٩(1057 م) قتل عبّاد المعتضد باللّه ابنه إسماعيل-و كان خليفته المرشّح لمكانه - بعد أن كان (إسماعيل) همّ بغدره. فأخذه أبوه و ثقّفه (حبسه مقيّدا) في قصره. فذهب (إسماعيل) إلى التدبير عليه ثانية من مكان اعتقاله. فقال عبّاد: «لا يلدغ المؤمن من جحر مرّتين» (و هذا حديث شريف) فقتله بيده و قتل الوزير الذي واطأه على ذلك (و الراجح أن هذا الوزير كان ابن حصن) -راجع ص 5٠٧[ من هذا الكتاب].
يبدو أن ابن حصن الإشبيليّ كان شاعرا مكثرا أجاد الوصف و الفخر و المديح و الغزل و الخمر و المجون. و هو متين الأسلوب جزل الألفاظ يطبع على غرار المشارقة. و كان طويل النفس إلاّ أن المعاني المبتكرة في شعره قليلة. و جمال شعره إنّما هو من حيث الصياغة المتينة المعبّرة عمّا يريد.
مختارات من شعره:
- قال ابن حصن الإشبيليّ يصف فرخ حمام:
و ما هاجني إلاّ ابن ورقاء هاتف... على فنن بين الجزيرة و النهرِ (1)
مفستق طوق لازورديّ كلكلٍ... موشّى الطّلا أحوى القوادم و الظهر (2)
أدار على الياقوت أجفان لؤلؤٍ... و صاغ من العقيان طوقا على الثّغر (3)
حديد شبا المنقار داجٍ كأنّه... شبا قلم من فضّة مدّ في حبر (4)
توسّد من فرع الأراك أريكةً... و مال على طيّ الجناح من النّحر (5)
و لمّا رأى دمعي مراقا أرابه... بكائي فاستولى على الغصن النّضر (6)
و حثّ جناحيه و صفّق طائرا... و طار بقلبي حيث طار و لا أدري (7)
- و قال يفتخر بشعره و يعرّض بابن زيدون و يقول في ذلك إنّ قيمة شعره إنّما هي في معانيه و إنّه لا يحسّن معانيه بتفخيم إنشاد الأبيات و ترديدها:
تذكّرت قولي للقوافي (8) فلم تزل... تساعدني عفوا و لم تتعذّرِ
فدونك عذراء المعاني ابتدعتها... عوان القوافي خيرة المتخيّر (9)
إذا ما الرواة استنشدتها تبرقعت... لها أوجه من حشمة و تغيّر (10)
و ينكل عنها شاعر المصر كلّه... ألا فاضحكن من شاعر المصر و افخر(11)
و لست بكاسيها مدى الدهر حلّةً... بنغمة إنشاد و لا بمكرّر
- و كان مرة في قرطبة فذكر إشبيلية (و كان يقال لها حمص تشبيها لها بحمص الشام) :
ذكرتك، يا حمص، ذكرى هوى... أمات الحسود و تعنيته ُ(12)
كأنّك، و الشمس عند الغرو... ب، عروس من الحسن منحوته
غدا النهر عقدك، و الطّود تا... جك و الشمس أعلاه ياقوته
- و قال في الخمر:
قم، يا غلام، فسقّنيها و اطرب... و اشرب-عتبت عليك-إن لم تشربِ
من قهوة صفراء ذات أسرّة... في الكأس تأتلق ائتلاق الكوكب (13)
خضبت بنان مديرها بشعاعها... فعل العرارة في شفاه الربرب (14)
____________________
١) ورقاء: حمامة. فنن: غصن.
٢) مفستق: مائل الى الخضرة. الطوق: العقد (ريش ملوّن حول عنق الحمامة) . لازورديّ: أزرق. الكلكل: أعلى الصدر. موشّى: مطرّز (مختلف الالوان) . الطلا جمع طلاة (بالضمّ) : العنق أو جانب العنق. أحوى: أسمر. القوادم جمع قادمة: ريشة في طرف الجناح.
٣) عيناه حمراوان و أجفانه بيض. العقيان: الذهب الخالص (الأصفر) . يكون على جانبي منقار الحمامة لحيمات مستطيلة حمراء. و يبدو أن الشاعر قد خلط بين العقيان (الذهب الأصفر) و العقيق (الحجر الكريم الأحمر) .
4) حديد: حادّ، ماض، قاطع. الشبا جمع شباة: حدّ السيف. داج: أسود.
5) توسّد: نام (هنا: جثم-وضع بطنه على الغصن) . الفرع: الغصن. الأراك: شجر تصنع منه المساويك له ثم أحمر يؤكل. أريكة: صفّة، مقعد وثير (مريح) . و مال بعنقه الى جانبه (نام) .
6) مراق: مسكوب، سائل. أرابه-رابه: أقلقه و أزعجه. استولى: امتلك، استوى (نهض من مجثمه) . النضر و الناضر: الأخضر الطريّ.
7) حثّ جناحيه: والى تحريكهما.
8) قول القوافي: نظم الشعر.
9) عذراء المعاني: ذات معان جديدة مبتكرة. عون القوافي أو عوانها: مكرّرة القوافي (لأنّ القوافي محدودة لا يستطيع الشاعر أن يبتكر شيئا منها غير الموجود في أحرف الهجاء) . و لكنّها متخيّرة (منتقاة: مختارة) .
10) رواة الشعر و العلماء بالشعر يطلبون أن يسمعوا شعري. و لكنّ نفرا من الشعراء تتبرقع (تتغطّى) وجوههم بالحشمة (بالحياء، لأنّهم لا يستطيعون أن يقولوا مثله) أو بالتغيّر (بالاصفرار، لأنّ شعري يعرّض بهم أو يعجّزهم عن قول مثله) .
11) نكل عن الشيء: جبن و تراجع خوفا أو عجزا. المصر: البلد. شاعر المصر: الشاعر المعترف له رسميّا بأنه شاعر الدولة (ابن زيدون!) سأضحك أنا عليه و أهزأ به ثمّ أفتخر بشعري.
12) في القاموس: عنّته (تعنيتا) شدّد عليه و ألزمه ما يعجز عن ادائه! و الكلمة قلقة هنا، و لعلّها قراءة خاطئة.
13) الأسرّة جمع سرير: صفّة (بضمّ الصاد) أو فراش مرتفع أو مقعد مرتفع (و لا معنى لها هنا) . و لقد قال عنترة في معلّقته: «بزجاجة صفراء ذات أسرة» (و حاول الشرّاح أن يجعلوا الأسرة خطوطا في الكأس؛ (و لكنّ عنترة أيضا ليس حجّة في اللغة) . ائتلق: لمع و أضاء.
14) العرارة: بهار (زهرة صفراء) طيّبة الرائحة. الربرب: القطيع من الظباء أو البقر الوحشي أو الإنسي لا واحد له. الملموح أن الظبي إذا أكل من العرار تلوّنت شفتاه كما تتلوّن كفّ الساقي من لون الخمر من خلال كأسها.