الأدب
الشعر
العصر الجاهلي
العصر الاسلامي
العصر العباسي
العصر الاندلسي
العصور المتأخرة
العصر الحديث
النثر
النقد
النقد الحديث
النقد القديم
البلاغة
المعاني
البيان
البديع
العروض
تراجم الادباء و الشعراء و الكتاب
عبد الكريم النهشلي
المؤلف: عمر فرّوخ
المصدر: تأريخ الأدب العربي
الجزء والصفحة: ج4، ص342-345
2-3-2018
11799
هو أبو محمّد عبد الكريم بن إبراهيم النهشليّ، ولد في المسيلة (المحمّدية) من بلاد الزاب (في القطر الجزائري) و نشأ فيها.
في سنة 345 ه(956-957 م) انتقل عبد الكريم النهشلي إلى القيروان، في أيام المعزّ لدين اللّه الفاطميّ (341-365 ه) ، و لقي فيها الشاعر ابن هاني و الشاعر عليّ بن الأياديّ و غيرهما.
و يبدو أنّ عبد الكريم النهشليّ دخل في خدمة بني زيري الصّنهاجيّين، منذ أوائل عهدهم بخلع دعوة الفاطميّين و استبدادهم بالحكم في المغرب، فكان كاتبا لهم في ديوان الرسائل ثمّ نال عندهم حظوة و صحبهم في حروبهم في المغرب الأدنى و المغرب الأوسط، و كان ينادمهم أيضا. و قد صحب منهم المنصور بن بلقّين (٣٧٣-386 ه) و ابنه باديس (386-4٠6 ه) .
و كانت وفاة عبد الكريم النهشليّ في المهدية في الأغلب، سنة 4٠5 ه (١٠١٣- 1014 م) .
كان عبد الكريم النهشليّ عالما في اللغة عارفا بأيّام العرب و أشعارهم، كاتبا مترسّلا و أديبا ناقدا قديرا و شاعرا محسنا، قيل يجيد القصائد الطوال و لا يكاد يصنع مقطوعا. و لكن لعلّه لم يجاوز في شعره نظم خمس قطع (العمدة 1:163) . و هو يذهب في شعره مذهب التروية (التفكير) و لا يرتجل أو يبتده. و شعره الرثاء و الوصف و الخمر، و لم يقل في الهجاء اقتداء بأستاذه عليّ بن الأيادي.
و له كتاب «الممتع» في علم الشعر و عمله و في النقد على نمط كتاب الشعر لقدامة ابن جعفر و كتاب الصناعتين لأبي هلال العسكريّ. و على كتاب «الممتع» اعتمد ابن رشيق القيروانيّ (ت 456 ه) في كتابه «العمدة في صناعة الشعر و نقده» : في الموضوعات و أسماء الأبواب، كما نقل منه فصولا كاملة. و يبدو أنّه كان لعبد الكريم النهشليّ كتب أخرى أيضا لم تصل إلينا أسماؤها.
و يبدو أنّ قيمة كتاب «الممتع» إنّما هي في الجمع و التنظيم أكثر منها في الابتكار. قسم الشعر أربعة أقسام: مديحا و هجوا و حكمة و لهوا (غزلا و خمرا) . ثمّ عاد فقسمه من وجه آخر فقال: من الشعر ما هو خير كلّه (الزهد و الوعظ و المثل) ثمّ ما هو ظرف كلّه (النعوت و التشبيه و ما يفتنّ فيه من المعاني و الآداب) ثمّ ما هو شرّ كلّه (الهجاء) ثمّ شعر التكسّب (مخاطبة كلّ إنسان من حيث هو و الإتيان إليه من حيث فهمه) .
و عبد الكريم النهشلي يفضّل المعنى على اللفظ ثمّ هو يؤكّد أثر البيئة و أثر الزمن في مرتبة الشعر (يحسن في بيئة أو في زمن ما لا يحسن في بيئة أخرى أو في زمن آخر) .
مختارات من آثاره:
- قال عبد الكريم النهشليّ في الشكوى:
أ واجدة وجدي حمامة أيكةٍ... تميل بها ميل النزيف غصونها (1)
نشاوى و ما مالت بخمر رقابها... بواكٍ و ما فاضت بدمع عيونها (2)
أفيقي، حمامات اللّوى، إنّ عندنا... لشجواك أمثالا يعود حنينها (3)
و كلّ غريب الدار يدعو همومه... غرائب محسودا عليه شجونها (4)
- و قال عبد الكريم النهشلي (العمدة ١:١٠٧) :
الكلام الجزل أغنى عن المعاني اللطيفة من المعاني اللطيفة عن الكلام الجزل. قال بعض الحذّاق: المعنى مثال و اللفظ حذو. و الحذو يتبع المثال و يتغيّر بتغيّره و يثبت بثباته.
- في اختلاف الشعر بحسب الأمكنة و الأزمنة (من كتاب «الممتع») :
قد تختلف المقامات و الأزمنة و البلاد فيحسن في وقت ما لا يحسن في آخر، و يستحسن عند أهل بلد ما لا يستحسن عند أهل غيره. و نجد الشعراء الحذّاق تقابل كلّ زمان بما استجيد فيه و كثر استعماله عند أهله بعد، و إلاّ تخرج (اقرأ: خرجت) عن حسن الاستواء و حدّ الاعتدال و جودة الصنعة. و ربّما استعملت في بلد ألفاظ لا تستعمل كثيرا في غيره، كاستعمال أهل البصرة بعض كلام أهل فارس في أشعارهم و نوادر حكاياتهم.
و الذي أختاره أنا التجريد و التحسين الذي يختاره علماء الناس بالشعر، و يبقى غابره على الدهر و يبعد عن الوحشيّ المستكره و يرتفع عن المولّد المنتحل (5) و يتضمّن المثل السائر و التشبيه المصيب و الاستعارة الحسنة. . .
الشعر أصناف: فشعر هو خير كلّه، و ذلك ما كان من باب الزهد و المواعظ الحسنة و المثل العائد على من تمثّل به بالخير و ما أشبه ذلك؛ و شعر هو ظرف كلّه، و ذلك القول في الأوصاف و النعوت و التشبيه و ما يفتنّ (6) به من المعاني و الآداب؛ و شعر هو شرّ كلّه، و ذلك الهجاء و ما تسرّع به الشاعر إلى أعراض الناس؛ و شعر يكتسب به، و ذلك أن يحمل (الشاعر) إلى كلّ سوق ما ينفق فيها و يخاطب كلّ إنسان من حيث هو و يأتي إليه من جهة فهمه. . .
_______________________
١) الوجد: شدّة الحبّ أو الحزن: الأيكة (مكان فيه شجر ملتفّ كثيف) . النزيف: (هنا) السكران. الغصون تتمايل بهذه الحمامة بشدّة كما يتمايل السكران الشديد السكر في مشيه.
٢) نشاوى جمع نشوى (سكرى، سكرانة) . بواك جمع باكية.
٣) اللوى: التلّة المستديرة من الرمل (و يكون عند سفحها ماء و شجر؟) . الشجوى ليست في القاموس. و الشاعر يقصد الشجو (الحزن) . يعود (يرجع مرّة بعد مرّة) حنينها (صوتها الدالّ على حزنها) .
4) كلّ غريب (عن داره و بلاده) يعتقد أن همومه غريبة (أعظم من هموم كلّ شخص آخر) مع أن أشخاصا آخرين يحسدونه على تلك الهموم اليسيرة القليلة التافهة.
5) المولّد المنتحل (هنا) : الكلام المأخوذ من لهجات غريبة ثمّ لم يجر آخذه في صوغه على مقاييس العرب.
6) افتنّ الرجل في القول: أتى بأفانين (بأنواع) منه مختلفة (و فاتنة: جميلة) .