أقرأ أيضاً
التاريخ: 25-4-2018
772
التاريخ: 26-4-2018
683
التاريخ: 25-4-2018
3625
التاريخ: 26-4-2018
875
|
رغم اهمية معايير مثل التعبيرية والكلية والتأليفية في الحكم على النظريات الدلالية، ورغم وجود الخصائص الدلالية التي يمكن ان تزودنا بوصف للبنية الدلالية في اللغة، فان كل هذا لا يفسر بصورة مباشرة كيف يعكس الشكل التركيبي في اللغة الطبيعية طبيعة الفكر البشري. من اجل تبيان هذا الارتباط نحتاج الى معيارين اضافيين يتعلقان بالنظرية الدلالية، وهما القيد النحوي والقيد المعرفي.
القيد النحوي
يقول هذا القيد انه يجب تفضيل نظرية دلالية تفسر التسميات الموجودة في كل من المعجم والتركيب، على اعتبار ان المعجم يعطينا "المحتوى"، والتركيب يعطينا "الشكل" الصوري الملائم لهذا المحتوى. ومن الاشياء التي تحتوي وجود هذا القيد مهمة من يكتسب اللغة، اذ عليه ان يكتسب ذلك الربط بين الشكل التركيبي والمعنى. ويبدو ان هذا المتعلم لا يمكن ان يكتسب تركيب اللغة دون استعمال قواعد للمقابلة او الموافقة: عليه ان يلتقط بصورة مستقلة معاني الملفوظات ويضعها في التركيب الملائم. واعتمادا على افتراضات معينة حول طبيعة التركيب استدل عدد من اللغويين على ان التركيب لا يمكن ان يتعلم صوريا بما ان المتعلم يستقي المعلومات من البنية التحتية للجمل التي يعتبرها هؤلاء اللغويون مشتقة من المعنى. ولتقوية هذا الافتراض لجأ اللسانيون الى التركيز على الدور الرئيسي الذي تلعبه مظاهر المعنى المكتسبة في المراحل الاولى لاكتساب اللغة، ومدى اسهامها في تطوير اكتساب التركيب. ومن جهة اخرى ابرزت عدة اعمال اهمية العلاقات الصورية في ابراز القراءات المختلفة لجملة متعددة معناها، اذ تساهم هذه العلاقات في تسهيل اكتساب متعلم اللغة لقراءة معينة في مقابل قراءة اخرى تلغيها هذه القراءات. كما تشير جاكندوف (1972)، من جهته، الى ان عددا من القيود التي تبدو تركيبية مصدرها بالأساس قيود دلالية. وعندما يتعلم المتكلم معنى هذه التراكيب يتم استحضار الشكل التركيبي بصورة الية. ومن امثلة ذلك ما يسمى بالاشتراك الإحالي بين مركبين اسميين في تركيب معين، اذ يحيلان كلاهما على كيان واحد. ومعلوم ان الاشتراك الاحالي محكوم بعدد من القيود الصورية، ومنها قيد سبق العائد على الضمير الذي نجد له صدى في النحو القديم، كما في وجوب تقديم المفعول على الفاعل اذا وجد ضمير يحيل على الاول مضافا الى الثاني، مثل: "نادى الولد ابوه". فتأويل الاشتراك الاحالي بين الهاء والولد في المثال لا يمكن ان يحصل في جملة من قبيل: " نادى ابوه الولد". والتأويل الممكن يكون على عدم الاشتراك الاحالي بين هذين المكونين التركيبيين.
ويشرح فودور (1975) هذا التلازم بين الشكل التركيبي والتأويل الدلالي بكون الجمل التي تفهمها لا تختلف عملية فهمها عن الشكل التركيبي الذي يمثلها داخليا، ومن هنا تعالق
ص102
فهم الجمل وانتاجها، اذ انهما عملية واحدة ذات وجهين، الا ان هذا لا يعني انه يجب تفسير كل مظهر تركيبي من خلال ما هو دلالي. فالاسم باعتباره مقولة تركيبية لا يمكن تحديده من خلال مقولة دلالية معينة. فالأسماء تصف كل الكيانات وان اختلفت مقولاتها الدلالية. ان القيد النحوي يفترض بالأساس للتقليل من الاختلافات بين التركيب والدلالة، وهذا الافتراض من شأنه ان يرصد ذلك التلاؤم الذي يوجد بين الجانبين لما نلحظه من نسقية بينهما.
القيد المعرفي
من الاعمال التي تركت بصماتها واضحة في البحث الدلالي عموما، وفي نموذج الدلالة التصويرية بالخصوص، رسالة غروبر (1965). وقد سمي الافتراض الذي دافع عنه غروبر بافتراض العلاقات المحورية، نسبة الى المحور، وهو المفهوم الدلالي الجوهري في نظريته. (وسنعتمد هذا الافتراض في الفصل المقبل). فالمحمولات، حسب هذا التصور، قد تقيد الحركة او الحلول و الاستقرار. وفي الحركة لا بد من مصدر ( وهو مكان ابتداء الحركة )، ومن هدف ( وهو مكان انتهاء الحركة )، ومن محور ينتقل بين المصدر والهدف. اما في الاستقرار والحلول فلا بد من كيان حال في المكان، وهو محور الحلول. وهذا التقسيم لا يسري على المحمولات الدالة على الفضاء المادي الفيزيائي فحسب، بل يسري على المحمولات غير الفضائية ايضا. فالعلاقات الفضائية تبين حقل الفضاه والحقول الاخرى غير الفضائية، ولا بد من وجود محور في كل هذه الحقول الدلالية. وبهذا يعد المصدر والهدف والمحور ادوارا دلالية تلازم البنيات الدالة على الحركة الفضائية وغيرها، ويعد المحور والمكان دورين دلاليين ملازمين للبنيات الدالة على الحلول الفضائي وغيره.
وتجدر الاشارة الى ان الادبيات تقترح ادوار دلالية اخرى غير فضائية مثل دور المنفذ ودور الضحية وما شابههما. وطرح مشكل الربط بين هذه الادوار والادوار الفضائية السالفة الذكر. وتم اقتراض تقابل ممكن بين هذه وتلك، اذ تقابل مصفوفة الادوار الدلالية الفضائية مصفوفة الادوار الدلالية غير الفضائية.
لن ندخل في التفاصيل النظرية والتجريبية التي تطرحها علينا الفكرة اعلاه. ما يهمنا بالأساس هو المفاهيم التي تم اقتراحها في وصف الانتقال في الفضاء او الحلول فيه. من هذه المفاهيم مفهوم المكان والمسار والاشياء. فالمكان هو الحيز الذي يحل فيه المحور، والمسار هو المسافة التي تفصل بين المصدر والهدف ويقطعها المحور، والشيء هو الكيان الذي يحل في المكان او ينتقل عبر المسار وهو المحور.
لنرجع، بعد هذا الى القيد المعرفي. يقول هذا القيد: " ان نظرية البنية الدلالية في اللغة الطبيعية هي في حد ذاتها نظرية لبنية الفكر " (جاكندوف (1983)). وقد اشرنا سابقا الى اصل هذه الفكرة الذي يقول ان اللغة تعكس الفكر.
ص103
ولكي يتم الاستدلال على واقعية المفاهيم الفضائية انصب البحث على انسقة ادراكية معرفية اخرى، مثل نسق البصر ونسق الحركة. فواقعية هذه المفاهيم، من مكان ومسار وشيء، مرتبطة بوجودها في الانسقة غير اللغوية. ففي نسق البصر، مثلا، نجد ثلاثة ابعاد تشكل عالم الرؤية، ويقتضي هذا النظام وجود مفهوم للمكان ومفهوم للمسار، كما يقتضي وجود ما يحل في المكان او ما ينتقل عبر المسار. وفي النسق اللغوي نجد فرقا بين المركبات الحرفية والمركبات الاسمية. فالمركب الحرفي له خصائص تركيبية تختلف عن خصائص المركب الاسمي. وكل من المركبات الاسمية والمركبات الحرفية تحيل، الا ان احالة المركب الاسمي تكون على الاشياء والكيانات، واحالة المركب الحرفي تكون على الامكنة والمسارات. وهذه حجة معرفية اولى تبين التقاطع الحاصل بين نسق ادراكي ومعرفي ( وهو نسق البصر ) ونسق اخر هو نسق اللغة. وهذه الحجة تنطلق من النحو ( الذي تبنى فيه المركبات)، تلك الدلالة التي ما هي الا بنية تصورية يفعل فيها النسق اللغوي كما تفعل فيها باقي الانسقة المعرفية وتنظيمها.
بالإضافة الى هذه الحجة، هناك حجة اخرى ترتبط بوجود مستويين للتمثيل الذهني للكيانات (او الاشياء). ومن الامثلة المقدمة في هذا الشأن امثلة تخص ما يسمى بمشكل الصورة. والصورة هنا بمعناها الحقيقي، ولتكن صورة فوتوغرافية او مرسومة لشخص نسميه زيدا. مشكل الصورة يدل على ان البنية الدلالية تحتوي على اشياء تعمل كتمثيلات لأشياء اخرى. لنفترض ان رساما انتهى من رسم زيد وقال:
(1) وضعت زيدا في الصورة
فما وضعه الرسام في الصورة ليس زيدا وانما صورة زيد. ونفهم ان صورة زيد توجد داخل الصورة، لكن هذه الصورة تحيل على شيئين في نفس الآن: صورة زيد وزيد. هناك تمثيل لزيد عبر صورته، وهناك تمثيل لزيد داخل الصورة. لشرح هذا الالتباس نفترض ان الرسام اردف قائلا:
(2) يبدو انه حزين
هنا نجد قراءتين: 1. كان زيد حزينا، او كان يظهر حزينا في الواقع الخارجي، والتقطه الرسام ووضعه في الصورة بشكله الحزين. وتعتبر الصورة هنا تمثيلا لحالة كانت تفتري زيدا وقت التقاطه. 2. لم يكن زيد حزينا وظهر في الصورة حزينا. وما قاله الرسام ينسحب على الصورة وليس على زيد. فالكلام ينصب على صورة زيد، وليس على زيد.
يتضح اننا بإزاء شيئين: زيد الواقع وزيد الصورة. وهناك علاقة متضمنة بين زيد الصورة وزيد الواقع. وما يجعلنا نمالق بين شيء في الصورة وشيء في الواقع ان الصورة
ص104
(وهي عبارة عن مجموعة من المواد والالوان ) تتوق الى تمثيل شيء في الواقع هو زيد. هناك علاقة مقابلة، اذن، بين وسيلتين للتمثيل داخل الذهن: تمثيل صورة زيد وتمثيل زيد. وبدون هذه الخاصية التمثيلية، او العلاقة بين التمثيلات، لا يمكن للصورة ان تكون اكثر من رسم بصري تلتقطه العين. ولا يمكن وجود هذا التمثيل الا اذا افترضنا ان هناك بنية معرفية تقوم على قواعد للمقابلة بين التمثيلات المختلفة. وهذا يعني ان البنية الدلالية تتضمن مفهوم التمثيل وان البنية المعرفية يجب ان تتضمن امكان وصف وتعلم انظمة لقواعد المقابلة هاته.
لنلخص ما سبق. حين تقول:
(3) وضعت زيدا في الصورة ، يبدو انه حزين
فان تأويل اللبس الموجود في جملة "يبدو انه حزين" يقتضي ان نأخذ بعين الاعتبار وجود شيء هو صورة زيد ووجود شيء اخر هو زيد. ووجود علاقة تربط بين الشيء وتمثله ( اي الواقع والصورة ) دليل على وجود علاقة بين نظام معرفي هو النظام البصري ( الذي يختص في ادراك الاشكال والالوان ومقولتها ) ونظام معرفي اخر هو النظام اللغوي اذ لدينا قراءتان، احداهما للشيء والاخرى لتمثيله. وهذا دليل، ايضا، على وجود التقاء في نقطه معينة بين هذا النظام وذاك، وان هناك مقابلة بين ما يوجد في هذا النظام وما يوجد في ذلك النظام، وان المقابلة بينهما هي التي تخول التأويل الدلالي. فتأويل الجملة ينتج عن قواعد تقابل بين البنية اللغوية والمعلومات الموجودة في البنية البصرية. والمزج بين المعلومات اللغوية والمعلومات غير اللغوية (كتلك الموجودة في نظام البصر) هو الذي يبين انه توجد بنية تصويرية تخص البنية الدلالية التي يتم بناؤها في اللغة من خلال قواعد مقابلة مع انسقة معرفية اخرى. وهكذا، فالأنسان لا يتعلم قواعد دلالية، وانما انظمة معرفية مختلفة، واذا وقعت المقابلة بين هذه الانظمة نتجت الدلالة التي نرغب فيها.
ويمكن ان نعطي امثلة عديدة على التعالق بين الواقع والصورة الذهنية ( او التمثيل الذهني ). فحين اقول: مثلا، " تصورت ان لك رأسين "، نجد ان هناك صورة واقعية (= رأس واحد )، وصورة ذهنية ( = رأسان ). والجملة تبين ان هناك خلافا بين الصورة الذهنية والصورة الواقعية. وهذه الافعال ( مثل "تصور" و "ظن" و "خال".. الخ ) التي تخص ما يتعلق بالمجال الذهني، نجد فيها دائما ذلك الالتباس بين الصورة الواقعية والصورة الذهنية التي تعتبر بدورها واقعا، اي واقعا في الذهن. فالصور الذهنية واقعية (او لها واقعها ) لان الصورة تقع فعلا في ذهن الانسان.
ولعل التفريق بين نوعي الواقع (الواقع الخارجي والواقع الذهني) يتضح من خلال امثلة ما يسمى بالاستغلاق الحالي. وقد تعرض لهذا النوع من المعطيات عددا من فلاسفة اللغة، خصوصا فيما يتعلق باستعمال المعادلات بين الاشياء. اذا قلنا مثلا:
ص105
(4) أ – يعتقد زيد ان عدد الكواكب يساوي سبعة
ب – وعدد الاقمار تسعة
جـ - اذن، يعتقد زيد ان سبعة هي تسعة
فإن قياسنا سيكون خاطئا، والسبب في ذلك أن التصور هنا لا يحيل على وصف الواقع الخارجي او حتى على وصف الواقع الذهني باعتباره مرآة للأول، وإنما يحيل على وصف اعتقاده زيد، أو الصورة الذهنية الموجودة عند زيد والتي تحاول أن تمثل للواقع. فالجملة (أ) تصف الواقع الذهني عند زيد، والجملة (ب) تصف الواقع الخارجي الذي يقابل الواقع الذهني لزيد، والجملة (ج) تسوي بين الواقع الذهني والواقع الخارجي. ولذلك فالقياس خاطئ لأن الأمر ليس كذلك.
ص106
|
|
لصحة القلب والأمعاء.. 8 أطعمة لا غنى عنها
|
|
|
|
|
حل سحري لخلايا البيروفسكايت الشمسية.. يرفع كفاءتها إلى 26%
|
|
|
|
|
جامعة الكفيل تحتفي بذكرى ولادة الإمام محمد الجواد (عليه السلام)
|
|
|