أقرأ أيضاً
التاريخ: 13-11-2018
23648
التاريخ: 27-11-2018
2230
التاريخ: 25-11-2018
4078
التاريخ: 25-11-2018
10979
|
ينبغي قبل البدء في دراسته النظام الصوتي للغة أن ننبه إلى الفرق بين الصوت وبين الحرف على نحو ما فرقنا بينهما من قبل أثناء الكلام في التفريق بين الكلام واللغة, فالصوت عملية حركية يقوم بها الجهاز النطقي وتصحبها آثار سمعية معينة تأتي من تحريك الهواء فيما بين مصدر إرسال الصوت وهو الجهاز النطقي ومركز استقباله وهو الأذن، ولا بُدَّ لدراسة هذه العمليات النطقية والآثار المصاحبة من أن تكون ملاحظة حسية, وأحيانًا معملية, للباحث فيها فضل الملاحظة والتسجيل. وقد رأينا منذ قليل كيف كان سيبويه أمينًا في نقل صورة الأصوات المستعملة في أيامه, مع أن بعضها لا يعتبر من بين أصوات اللغة العربية التي كانت مرمى دراسته وحافزها الأكبر. وتتم هذه الدراسة الحسية بالملاحظة والتسجيل قبل محاولة أي تفكير تجريدي يرمي إلى استنباط العلاقات التي تجمع أو تفرق الأصوات التي جرت ملاحظتها في إطار نظام لغوي ما, ومن ثمَّ تعتبر دراسة الأصوات مقدمة لا بُدَّ منها لدراسة النظام الصوتي والنُّظُم اللغوية الأخرى, ولكنها لا تعتبر بحالٍ جزءًا من دراسة اللغة, ويمكن بعبارة أخرى أن نقول: إن دراسة الأصوات تعتبر ملاحظة للكلام ولا تعتبر دراسة للغة، أي: إنها تقع خارج دائرة الدراسات(1) القاعدية بالمعنى الضيق, ومن هنا كان الكشف عن النظام الصوتي للغة من عمل الباحث في علم الصوتيات لا من عمل الباحث في الأصوات. ولكن الذي يحدث عادة أن الباحث الذي يبدأ دراسة الأصوات يكون مؤهلًا لأن يقوم هو نفسه بدراسة الصوتيات, ومن هنا كانت الرسائل العلمية التي تحمل عنوان " ... The Phonetics of" مشتملة على دراسة تشمل " ... The Phonetics and Phonology of", وأحيانًا ينص العنوان عليهما معًا كما في الحالة الثانية. ويحرص الأساتذة المشرفون على الرسائل العلمية دائمًا على مراقبة عمل الطلاب حتى لا يخلطوا في رسائلهم
ص66
بين هذين المستويين من مستويات التفكير أثناء عرضهم لحقائق البحث, فيقوم الطالب على المستوى الصوتي بالملاحظة, ويقوم على مستوى الصوتيات بالتجريد والتنظيم والتبويب والتقسيم.
لقد سبق لنا أن ذكرنا في الفصل الأول من هذا الكتاب أن علم الصوتيات ينبني على دعامتين رئيسيتين هما:
1- معطيات علم الأصوات, أي: مجموعة الملاحظات المسجَّلة التي تقرر أن اللغة المدروسة تشتمل على عدد معين من الأصوات لكلٍّ منهما وصفه العضوي والسمعي.
2- طائفة من المقابلات بين الأصوات من حيث المخارج والصفات والوظائف, وهذه المقابلات هي جهات الاختلاف بين كل صوت وكل صوت آخر, إما من حيث المخرج فقط, أو الصفة فقط, أو هما معًا, وتسمَّى "القيم الأخلاقية".
ونود الآن أن نشرح كيف يقوم الباحث بتكوين النظام الصوتي للغة, ثم نثني بعد ذلك بشرح طبيعة تكوين النظام الصوتي للغة العربية الفصحى.
بعد أن يكتمل وصف الأصوات التي تَمَّت ملاحظتها وحصرها, يقوم الباحث بمحاولة استقراء القيم الخلافية التي تفرق بين كل صوت منها وبين الصوت الآخر, وسيرى أن هذا العدد الكبير من الأصوات يتوزَّعه عدد من المخارج, ومن ثمَّ يمكن تقسيم هذا العدد بواسطة هذه المخارج إلى أقسام بعددها, وقد رأينا أن سيبويه قسَّم الأصوات خمسة عشر قسمًا, يشترك كل قسم منها في مخرج خاص. فتقع الباء والميم والواو مثلًا في مخرج واحد, وتقع الظاء والذال والثاء في مخرج واحد أيضًا, وتقع الهمزة والهاء في مخرج واحد كذلك. ومعنى ذلك بالضرورة أن كل مجموعة من الأصوات مشتركة في مخرج واحد تظل بحاجة إلى أساس آخر يفرق بين كل واحد منها وبين الآخر في نطاق المخرج الواحد, وهنا يأتي دور الصفات التي تتصف بها الأصوات, والتي تعتبر الأساس السمعي للتفريق بينها وهذه الصفات نفسها, تختلف من حيث الأساس الذي تنبني عليه, فقد يكون التبويب مبنيًّا على أساس طريقة
ص67
التدخل في مجرى الهواء الرئوي الذي يعتبر المادة الأولى للكلام, فإما أن يقفل مجراه ثم يسرح الهواء بسرعة, وإما أن يقفل ويسرح الهواء ببطء, وإما أن يضيق, وإما أن يترك مجرى الهواء كما هو دون إقفال أو تضييق, فالأساس هنا إذًا هو طريقة النطق, ويمكن أن يشتمل كل مخرج من هذه المخارج التي ذكرناها بحسب طريقة النطق هذه على أصوات شديدة أو رخوة أو مركبة أو متوسطة أو غير ذلك مما تختص به لغة ما. وقد يكون الأساس هو وجود اهتزاز في أوتار الحنجرة, أو كما نسميها الأوتار الصوتية أثناء نطق الصوت, أو عدم وجود هذا الاهتزاز, والتبويب على هذا الأساس يكون إلى صوت مجهور وآخر مهموس. وقد يكون الأساس هو شكل حجرات رنين الصوت أثناء النطق, مما يتسبب عن وضع مؤخر اللسان ارتفاعًا أو انخفاضًا، وهذا الأساس يعطينا التفريق بين المفخَّم والمرقَّق من الأصوات.
المسألة إذًا مسألة تبويب, والتبويب تفريق, والتفريق رصد فروق قد تكون على أسس متعددة كما رأينا, والفروق مقابلات, وهذه الفروق أو المقابلات هي القيم الخلافية التي تعتبر عنصرا أساسيًّا من عناصر النظام الصوتي, أو أي نظام آخر في اللغة, ومن أهم القيم الخلافية في أيّ نظام لغوي اختلاف الوظيفة التي تؤديها كل واحدة من وحدات النظام, وهي التي نطلق عليها "المعنى الوظيفي". وفي حالة النظام الصوتي العربي بالذات تقوم الوظيفة أو المعنى الوظيفي أولًا وقبل كل شيء بالتفريق بين طائفتين متباينتين من الأصوات؛ إحداهما الصحاح والأخرى العلل.
ص68
__________
(1) كلمة قاعدية هنا تساوي الكلمة الإنجليزية Grammar لأن Grammatical وهو القواعد" على المستويات الصوتية والصرفية والنحوية.
|
|
دراسة تحدد أفضل 4 وجبات صحية.. وأخطرها
|
|
|
|
|
جامعة الكفيل تحتفي بذكرى ولادة الإمام محمد الجواد (عليه السلام)
|
|
|