أقرأ أيضاً
التاريخ: 1-1-2019
1208
التاريخ: 13-12-2018
1384
التاريخ: 13-12-2018
597
التاريخ: 22-2-2019
841
|
تصور التجانس
إلى الآن كنا نتعامل مع ما سأشير إليه بتصور التجانس: وهو الاعتقاد أو الافتراض الذي يذهب إلى أن جميع أفراد الجماعة اللغوية الواحدة يتكلمون لغة واحدة على نحو دقيق، ومن الممكن بطبيعة الحال أن نعرف مصطلح جماعة لغوية بالطريقة التي تسلك في التعريف فهي تلك التي لا يوجد اختلافات منظومة في النطق أو النحو أو المعجم في كلام أفرادها، لكن إذا ما فسرنا هذا المصطلح بالجروع إلى أية مجموعة من الناس يقال عنها عادة أنها تتكلم بلغة واحدة، وذلك مثل اللغة الإنجليزية أو اللغة الفرنسية أو اللغة الروسية فسيكون إذن بمثابة كشف تجريبي عما إذا كان كل أفراد جماعة لغوية معينة يتكلمون بالطريقة نفسها من جميع النواحي أم لا.
ويوجد في كل الجماعات اللغوية الصغرى في أنحاء العالم اختلافات واضحة إلى حد ما في اللكنة(1) واللهجة(2)، وفيما يتصل بمصطلحي اللكنة والهجة فإن
ص34
المصطلح الأول أكثر تحديدا من المصطلح الثاني فهو لا يشير إلا إلى الطريقة التي تنطق بها اللغة ولا يحمل أي تضمين -بأي شكل من الأشكال- يتعلق بالمفردات أو النحو، فعلى سبيل المثال من الممكن ومن غير الشائع على الإطلاق تمييز الأجنبي مباشرة بواسطة لهجته ولو كان يتكلم اللغة -بقدر العناية بالنحو والمعجم- بحيث لا يمكن تمييزه عن متكلمي اللغة الأصليين، وهو ممكن لمتكلمين أصليين يستخدمان لهجة واحدة، بالنظر إلى جوانبها الأخرى غير أنهما يتكلمانها بلكنة مختلفة اختلافا واضحا، وهو أمر شائع بصفة خاصة إذا كانت اللهجة موضع البحث قد اكتسبت -لأسباب تاريخية- مكانة اللغة المشتركة على المستوى الإقليمي أو القومي، فعلى سبيل المثال معظم المتعلمين من سكان إنجلترا الأصليين مولدا يتكلمون لهجة إنجليزية تقترب بشكل وثيق إلى حد ما من نوع معين من اللغة الإنجليزية المشتركة لكنهم يتكلمونها بلكنة تكشف عن أصولهم الجغرافية أو الاجتماعية، ويوجد مميز مرسوم -على الأقل في الاستخدام الدارج- بين اللكنة واللهجة ورغم ذلك يدرج كثير من اللغويين الاختلافات الخاصة باللكنة ضمن الاختلافات الخاصة باللهجة، وليس لهذه النقطة الاصطلاحية البحتة -في حد ذاتها- أية نتائج، لكن من الأهمية أن ندرك أن ما يعد من الجوانب الأخرى لهجة واحة يمكن أن تنطق بطرق مختلفة اختلافا واضحا، ولا يقل أهمية أن ندرك أنه حيث لا يوجد قبول واشتراك في اللغة على المستوى الإقليمي أو القومي مؤسس لمدة طويلة فإن الاختلافات في اللهجة التي تتجاوز النطق إلى النحو والمفردات تتجه إلى أن تكون أكثر وضوحا عما هي عليه لدى معظم الجماعة اللغوية التي تتكلم الإنجليزية هذه الأيام.
ورغم أن اللغوي يستخدم مصطلح لهجة ويربط هذا المصطلح -مثل غير المتخصص- بمصطلح اللغة بقوله إن اللغة من اللغات قد تتركب من لهجات عديدة مختلفة فهو لا يقبل التضمينات التي ترتبط بشكل شائع بمصطلح لهجة
ص45
في الاستخدام الدارج، والأهم أنه لا يقبل أن تكون لهجة منطقة معينة أو طبقة اجتماعية معينة صورة منحطة أو متدهورة من اللهجة المشتركة فهو يعرف أن اللهجة المشتركة -من وجهة النظر التاريخية- التي قد يفضل غير المتخصص أن تنطبق على مصطلح "اللغة" أكثر من مصطلح "لهجة" لا تختلف -من حيث الأصل لا من حيث تطورها التالي- من حيث النوع عن اللهجات غير المشتركة، ويعرف أيضا أن اللهجات ما دامت تستخدم في مجال أوسع إلى حد ما من الوظائف في الحياة اليومية للمقاطعة أو الطبقة الاجتماعية التي تعمل فيها فهي لا تقل تنظيما عن اللغة المشتركة على المستوى الإقليمي أو القومي، وهذه النقاط قد أثرناها من قبل وسوف نعود إليها لتطويرها، ولضرب الأمثلة عليها، ولإدخال توصيفات محددة عليها عند الاقتضاء في الفصول الأخيرة من هذا الكتاب، واللغة المشتركة على المستوى الإقليمي أو القومي -من وجهة نظر ثقافية واجتماعية معاصرة- تعد بحق مختلفة إلى حد بعيد في الخصائص عن اللهجات غير المشتركة المرتبطة بها ارتباطا تاريخيا.
ومن المعتاد كثيرا في الاستخدام اليومي للمصطلحين: لهجة ولغة أن يقوم التمييز بينهما إلى حد بعيد على اعتبارات ثقافية أو سياسية، فعلى سبيل المثال الماندارينية "Mandarin" والكانتونية "Cantonese" تسمى لهجات صينية "Chinese" لكنهما متميزتان الواحدة عن الأخرى أكثر من تميز اللغة الدانماركية "Danish" عن اللغة النرويجية "Norwegian"، وحتى أكثر من تميز اللغات الهولندية "Dutch" والفلمنكية "Flemish" والأفريكانز "Afrikaans" الواحدة عن الأخرى التي توصف وصفا متكررا بأنها لغات مختلفة، وقد يكون هناك تفكير في أن معيار الفهم المتبادل يكفي لرسم خط سياسي وثقافي محايد للفصل بين اللغات، وهو في الحقيقة المعيار الرئيسي الذي يطبقه اللغوي المتمرس عند إقامته حدود جماعة لغوية ما، لكن
ص37
هناك مشكلات، فكثيرا ما يكون الاختلاف اللهجي اختلافا تدريجيا ومتواصلا إلى حد ما عبر مساحة شاسعة من الأرض فلا يتمكن المتكلمون الذين ينتمون إلى منطقتين منفصلتين إلى حد بعيد من أن يفهم أحدهما الآخر، لكن ربما لم يكن هناك نقطة بين لهجتين متجاورتين ينهار عندها الفهم المتبادل حينئذ يوجد ما هو أكثر من ذلك مشكلة أكثر إزعاجا إذ إن الفهم ليس متماثلا دائما كما أن ليست حالة من كل شيء أو لا شيء، ومن الممكن بل من الشائع فعلا إلى حد بعيد أن يكون X فاهما معظم ما يقوله Y غير أن Y يفهم قليلا مما يقوله X أو لا يفهم شيئا مما يقوله وذلك عندما يتكلمان معا ويستخدم كل منهما لهجته الخاصة، وهكذا فإن رسم حدود حاسمة بين اللغات المتميزة وبين اللهجات المختلفة الخاصة بلغة واحدة صعب عادة إلى حد بعيد لأسباب متنوعة.
وفي الحقيقة فإنه من المعتاد كثيرا ألا يوجد مميز حاسم يمكن وضعه بين لهجة منطقة ولهجة منطقة أخرى تكون مجاورة لها غالبا، ومع ذلك نحدد النطاق المكاني للهجة بشكل تقربي بواسطة المعيار الاجتماعي بالإضافة إلى المعيار الجغرافي، وإذا ما بحثنا القضية فسوف نجد دائما قدرا معينا من التنوع المنظوم في كلام أولئك الذين نعدهم ناطقين بلهجة واحدة، والملاذ الأخير أن نقبل أن لكل فرد لهجته الفردية(3) أي: لهجته الشخصية كما يصوغها اللغويون وكل لهجة شخصية تختلف عن اللهجات الشخصية الأخرى بشكل مؤكد في المفردات والنطق وربما بدرجة طفيفة في النحو أيضا، وأكثر من ذلك فإن اللهجة الشخصية للفرد لا تثبت مرة واحدة وللجميع عند نهاية ما نعتبره مرحلة اكتساب اللغة أي: إنها عرضة للتغيير والاتساع على مر حياته.
وإضافة إلى ما يمكن تفصيله بخصوص مجال "اللغة, اللهجة, اللهجة
ص38
الفردية" هناك بعد آخر للتنوع المنظوم في أقوال أفراد جماعة لغوية ما وهو البعد الخاص بالأسلوب، والاختلافات الأسلوبية كانت تشير من قبل إلى ما يتعلق بالمميز بين الأدبي والعامي، ويستمد هذا الفاصل من المميز بين اللغة المكتوبة واللغة المنطوقة ويتطابق معه على الإطلاق، لكن هناك مما يتصل بالاختلافات الأسلوبية ما هو أكثر من ذلك، فكلما تكلمنا بلغتنا الأم أو كتبنا بها ننهج أسلوبا دون آخر تبعا للسياق وتبعا للعلاقات التي تربط بيننا وبين الشخص الذي نتحدث معه أو نكتب إليه وتبعا لطبيعة ما يتحتم علينا إيصاله والغرض منه، وتبعا لعوامل أخرى عديدة، وسواء أكانت الخيارات الأسلوبية التي نمارسها واعية أم غير واعية فإنها ليست أقل تنظيما أو تحديدا، وممارسة الاختيارات الأسلوبية المناسبة جزء هام من استخدامنا الصحيح والفعال للغة، ومن هنا كان في التعدد الأسلوبي لكل متكلم أصلي للغة ما حكمة عملية، وما دام الأمر كذلك فمن الممكن -من حيث المبدأ- أن نعد كل لهجة فردية نظاما لغويا منفصلا كما أن من الممكن -وهو ما لا يقل وجاهة- أن نعد كل أسلوب مميز نظاما لغويا مميزا.
ص38
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) المؤثرات السمعية المتراكمة لسمات طريقة نطق الفرد التي تميزه من الناحيتين الإقليمية والاجتماعية وتؤكد المؤلفات في علم اللغة على أن هذا المصطلح لا يشير إلى طريقة النطق ومن ثم يتميز عن مصطلح، "اللهجة" "dialect" التي تشير إلى القواعد والمفردات أيضا.
(2) تنوع مميز من الناحية الاجتماعية أو الإقليمية في لغة ما ويظهر هذا التنوع من خلال مجموعة معينة من الكلمات والأبنية النحوية وترتبط اللهجات المنطوقة عادة بنطق مميز أو لكنة مميزة، وتبدو أي لغة ذات لهجات متنوعة خاصة إذا ما كان يتكلم بها عدد كبير من الناس وكانت هناك حدود جغرافية تفصل بين جماعات منهم أو كانت هناك تقسيمات في النظام الاجتماعي الطبقي، وقد تهيمن لهجة من اللهجات باعتبارها شكلا قياسيا أو رسميا لهذه اللغة.
(3) اللهجة الفردية "idiolect" مصطلح يستخدم في علم اللغة للإشارة إلى النظام اللغوي لدى متكلم فرد.
|
|
دراسة تحدد أفضل 4 وجبات صحية.. وأخطرها
|
|
|
|
|
العتبة العباسية تحتفي بذكرى ولادة الإمام الجواد (عليه السلام) في مشاتل الكفيل
|
|
|