علم اللغة وفقه اللغة:

إن موضوع فقه اللغة Philology لا يختص بدراسة اللغات فقط.  ولكن يجمع إلى ذلك دراسات تشمل الثقافة والتاريخ والتقالید والنتاج الأدبي للغات موضوع الدراسة أما علم اللغة Linguistics  فیركز على اللغة نفسھا ولكن مع إشارات عابرة -أحيانا- إلى قیم ثقافیة وتاريخیة، ويولي علم اللغة معظم اهتمامه للغة ، المتكلمة، وإن كان يوجه كذلك للغة المكتوبة شيئًا من الاهتمام.

إن علم اللغة ھو دراسة اللغة، والمعنى الاشتقاقي للغة ھو أنھا "تلك التي تتعلق باللسان الإنساني"، وھناك تعريفات أوسع للغة بأنھا "تلك التي تحمل معنى"، أو "كل شيء له معنى مفید"، أو "كل شيء ينقل المعنى من عقل إنساني لآخر"، وفي ھذه التعريفات الواسعة لا تقتصر اللغة على صورتھا المتكلمة فقط، وإنما تحوي إلى جانب ذلك الإشارات، والإيماءات، وتعبیرات الوجه، والرموز من أي نوع، مثل إشارات المرور، والأسھم، وحتى الصور والرسوم، وكذلك دقات الطبول الخاصة في أدغال إفريقیة، وإطلاق الدخان بطريقة معینة بین الھنود الأمريكیین، كل ھذه الأشكال للنواقل المعبرة تلقى اھتمام عالم المعنى الذي يھتم بكل رمز له معنى مفید، بغض النظر عن أصله وطبیعته ودلالته، ولكن اللغوي لا يلقي بالا إلیھا إلا بدرجة محدودة.

وإن علم اللغة الحديث لیقسم الآن إلى قسمین رئیسیین ھما: علم اللغة

ص35

الوصفي descriptive linguistics وعلم اللغة التاريخي.historical linguistics  فعلم اللغة الوصفي -كما يدل الاسم- يصف اللغة، ويفحص ظواھرھا ومظاھرھا "على سبیل المثال الأصوات أو التركیب الخاص بلغة معینة في فترة تاريخیة معینة". أما علم اللغة التاريخي فیتتبع تطور اللغة وتغیرھا على مر الزمن "على سبیل المثال تطور اللغة اللاتینیة إلى اللغات الرومانسیة، أو الأنجلوسكسونیة

إلى الإنجلیزية الحديثة" وھناك مصطلح يستعمل مرادفا لعلم اللغة التاريخي وھو diachronic linguistics  مكون من dia بمعنى "عبَرْ"  و " chronic بمعنى "زمن" ومصطلح آخر يرادف علم اللغة الوصفي وھو Synchronic linguistics

مكون من Syn بمعنى "في "" chronic بمعنى "زمن"، ويعني دراسة اللغة كما تبدو في و " نقطة معینة من الزمن.

ويوجد كذلك ما يعرف بعلم اللغة المقارن Comparative linguistics ويتعلق بمقارنة التركیبات الخاصة بلغتین أو أكثر "على سبیل المثال الإنجلیزية  والھولندية والسويدية" غالبا بھدف التوصل إلى أصولھا المشتركة، وھذا يعني أن علم اللغة المقارن -من ھذه الزاوية- أقرب إلى علم اللغة التاريخي. ولكن من الممكن كذلك أن يقارن المرء بین لغتین حديثتین، من غیر إشارة إلى تطوراتھما أو أصولھما التاريخیة، وذلك بقصد الوصول إلى مواطن الشبه والاختلاف بینھماى في صورتھما الحاضرة.

وھناك اصطلاح يكثر استعماله مرادفا لعلم اللغة الوصفي، وھو علم اللغة التركیبي

Structural linguistics الذي ھدفه الرئیسي، وصف تركیب اللغة، وقد يستعمل ھذا الاصطلاح في معنى أضیق لیشیر إلى أعمال مدرسة لغوية معینة من مدارس علم اللغة الوصفي، تؤمن بأن أي تغیر في اللغة لا يحدث خبط عشواء، أو بصورة فردية، ولكن يؤثر في نظام اللغة وإطارھا العام، مع وجود خیط معین يربط التغیرات بعضھا ببعض.

وھناك كذلك ما يعرف بعلم اللغة الجغرافي Geolinguistics الذي

ص36

يعتبر حديث الوجود إلى حد ما، وھو الآن يشق طريقه إلى الإمام نتیجة لاتساع دائرته العملیة، إن وظیفته أن يصف بطريقة علمیة وموضوعیة توزيع اللغات في مناطق العالم المختلفة لیوضح أھمیتھا السیاسیة والاقتصادية والاجتماعیة والاستراتیجیة والثقافیة، وأن يدرس طرق تفاعل اللغات بعضھا مع بعض، وكیفیة تأثیر العامل اللغوي على تطور الثقافة والفكر الوطنیین، وكمثال واحد، ربما يكفي أن نشیر إلى توزيع اللغات السلافیة وغیر السلافیة في جمھوريات الاتحاد السوفیتي وأھمیتھا النسبیة، ودور اللغة الروسیة باعتبارھا اللغة المتسلطة، أو اللغة المشتركة.

وإن علم اللغة الجغرافي لیتناول إلى جانب النتاج الحديث حاصل العوامل والأحداث التاريخیة، ومن أجل ھذا فھو وثیق الصلة بعلم اللغة التاريخي، ومظاھر تطبیقه الحديثة تبدو -إلى حد كبیر- وصفیة جغرافیة اجتماعیة. إن أي لغة تملك عددا معینا من المتكلمین قل أو كثر, تتوزع في مناطق مختلفة من العالم ضاقت أو اتسعت إنھا تستعمل في مجال الإنتاج وتوسیق البضائع وخلق القیم الثقافیة، وھي تحمل -إلى جانب ذلك- نفوذًا سیاسیًا وعسكريا في مناطق معینة، ھذه العوامل تبرز القیمة العملیة للغة، وتجعل منھا موضوعًا واسعًا للدراسة، وھناك مجالات أخرى ثانوية لھذا الفرع، مثل دراسة استعمال اللغة في الطقوس، أو لأغراض دينیة أخرى، ودراسة حالات فرضھا على البلاد المستعمرة، أو التي كانت مستعمرة، وإمكان تغلبھا على اللغات الأصلیة، أو إحلالھا محلھا في مناطق متاخمة.

حقا إن كل ھذه العوامل متغیر ومؤقت ولا يوصف بالدوام، ولكن اللغة نفسھا، ظاھرة متغیرة ومؤقتة، وخاضعة لقوانین التطور، من الممكن إذن أن يوصف علم اللغة الجغرافي بأنه التطبیق العملي الحديث لعلم اللغة، تماما كما تعتبر الھندسة تطبیقا عملیا لقوانین علم الطبیعة، وكما يعتبر الطب والجراحة تطبیقا عملیا لعلم وظائف الأعضاء، وعلم التشريح.

ص37

وبینما نجد علمي اللغة التاريخي والوصفي لا يظفران بغیر اھتمام اللغوي المتخصص، يظفر علم اللغة الجغرافي باھتمام أي إنسان تتاح له أي فرصة للذھاب إلى خارج بلده، أو لإقامة اتصالات أجنبیة، أو تشغله الحالة الدولیة بوجه عام.

ص38