أمثلة الأسماء من بنات الخمسة لا زيادة فيها
قال أبو عثمان: فالأسماء من بنات الخمسة نحو: "سَفَرْجَل وهَمَرْجَل وجِرْدَحْل وحِنْزَقر وجَحْمَرِش وقُذَعْمِلَة"، وتكون هذه الخمسة أسماء وصفات.
قال أبو الفتح: اعلم أن الأسماء الخماسية تجيء على أربعة أمثلة, وخامس لم يذكره سيبويه, وهي: "فَعَلَّل وفِعْلَلّ وفَعْلَلِل وفُعَلِّل".
فمثال فَعَلَّل يكون اسم وصفة, فالاسم "فَرَزْدَق، وخدرنق"، والصفة "هَمَرْجَل وشمردل".
وفِعْلَلّ يكون اسما وصفة، فالاسم "قِرْطَعْب" والصفة "جِرْدَحْل وحنزقر".
وفَعْلَلِل: ذكر أبو عثمان أنه يكون اسما وصفة؛ لأنه قال قُبَيْلُ: وتكون هذه الخمسة أسماء وصفات, وذكر أبو العباس أنه إنما جاء هذا المثال في النعت
ص30
نحو: "جَحْمَرِش ونخورش" ونخورش ليس عندي من بنات الخمسة؛ لأن فيه واوا، والواو لا تكون أصلا في ذوات الخمسة, ومثل "جحمرش" عندي "صَهْصَلِق وقهبلس وقنفرش".
وفُعَلِّل يكون اسما وصفة، فالاسم "الخُزَعْبِلَة"، والصفة "الخُبَعْثِن، والقُذَعْمِل" وقيل: قذعملة اسم.
والخامس الذي لم يذكره سيبويه: فُعْلَلِل، وهو "هندلع". وقالوا: هو اسم بقلة، ومن ادعى ذلك احتاج أن يدل على أن النون من الأصل.
فهذه أبنية الأسماء والأفعال التي لا زيادة فيها, ويجمعها ثلاثة وعشرون مثالا: أحد عشر ثلاثيا، وسبعة رباعيات، وخمسة خماسيات. فمن الثلاثي ثلاثة أمثلة يشترك فيها الأسماء والأفعال, وهي: فَعَل، وفَعِل، وفعل, وواحد تختص به الأفعال وهو: فُعِل إلا في حرف واحد وهو دُئِل وقد ذكرته، والباقي يختص به الاسم.
وأما الرباعي: فالأسماء والأفعال تشترك في مثال واحد منه وهو فَعْلَل. ويختص الفعل ببناء واحد وهو فُعْلِلَ لأنه نظير فُعِلَ في الثلاثي، والباقي يختص به الاسم، والخماسي خمسة أمثلة يختص بها كلها الاسم.
فإن قال قائل: فلِمَ كانت الثلاثية أكثر أبنية؟ فالجواب: أنه إنما كثر تصرف ذوات الثلاثة في كلامهم؛ لأنها أعدل الأصول، وهي أقل ما يكون
ص31
عليه الكَلِم المتمكنة: حرف يُبتدَأ به وحرف يُحشَى به وحرف يُوقَف عليه. ويدلك على تمكنها أنهم يصرفون منها ما كان معرفة مؤنثا إذا سكن وسطه نحو: هنْد وجمْل. فصرفهم إياه مع أن فيه علتين ثقيلتين وهما التعريف والتأنيث دلالة على خفته، ألا ترى أن الخفة فيه عادلت أحد السببين, فانصرف الاسم؛ فلذلك كثرت أمثلة الثلاثي.
ومن هنا أيضا صارت ذوات الثلاثة أحق بالزيادة؛ لأن الزيادة في الكلمة ضرب من تصريفها، ولست أعني بالتصريف ها هنا التنقل في الأزمنة نحو: ضرب ويضرب وسيضرب، وإنما أريد تنقل أحوال الكلمة وتعاور الزيادة إياها.
ألا ترى أنهم إنما حكموا بزيادة النون في "سِنْدَأو، وقندأو، وحنطأو، وكنتأو"؛ لأنهم لما رأوا الواو زائدة فيها؛ لأنها لا تكون أصلا في ذوات الخمسة, قضوا بزيادة النون، قالوا: لتكون الكلمة ثلاثية؛ لأن الزيادة بذوات الثلاثة أشبه, فلخفة ذوات الثلاثة ما كثر تصرفها واعتورتها الزيادات.
ولما كانت ذوات الأربعة وسيطة بين الثلاثة والخمسة، لم تمنع الفعل أصلا، بل جاء فيها؛ لأنها -وإن كانت فوق الثلاثة- فهي دون الخمسة.
فمن هنا جاء فيها دحرج ونحوه؛ ولذلك لم يُزَدْ على فَعْلَلَ وفُعْلِلَ،
ص32
وكأن ذوات الخمسة, وإن لم يكن فيها فعل، فإن دخول التحقير والتكسير فيها كالعوض من منع الفعلية فيها، ألا ترى أنك تقول في تحقير سَفَرْجَل: "سُفَيْرِج" وفي تكسيره "سَفَارِج", فجرى هذان مجرى قولك: "سَفْرَجَ يُسَفْرِجُ سَفْرَجَةً، فهو مُسَفْرِج" وإن كان هذا لا يقال, فإنه لو اشتُق منه فعل لكانت هذه طريقته.
وسألت أبا علي فقلت له: هلا حقّروا سفرجلًا وكسّروه ولم يحذفوا من آخره شيئًا؟ فقال: لم يجز ذلك؛ لأن التحقير والتكسير ضرب من التصرف ، وأصل التصرف للأفعال؛ لأنها بالزوائد أحق، فلما لم يكن لهم فعل خماسي لم يكسر نحو سفرجل, ولا حقر إلا بحذف حرف ليصير إلى باب دحرج, فيمكن فيه التصريف، فهذا قول حسن سديد، وهو تلخيص قول سيبويه.
ولهذا ما قلّت الزوائد في بنات الخمسة. ومن ها هنا أيضًا لم تلحق بنات الخمسة الزيادة من أولها؛ لأن الزيادة في الكلمة ضرب من توهينها؛ لأنك قد أدخلت فيها ما ليس منها، فلما كانت الخماسية قليلا ما تدخلها الزوائد، كرهوا أن يبدءوا فيها بما هو زائد على أصلها وكان آخر الكلمة ووسطها أشبه بالتوهين من أولها؛ لقوة الأول وضعف الآخر.
ألا ترى أن الزيادة إنما تجيء في مثل "عَضْرَفُوط وعندليب ويَسْتَعُور وقبعثرى" حشوا وآخرا، ولا يقع شيء من ذلك في أول الكلمة، على أن الزيادة فيها حشوا أكثر منها آخرا، وكل قليل.
ص33
وإذا كانت ذوات الأربعة التي هي أمكن من ذوات الخمسة وأخف, لا تقع الزوائد في أولها إلا في ضرب واحد منها وهو الاسم الجاري على فعله نحو: "مُدحرِج, ومسرهف" كراهية الابتداء بالزوائد فيها، فذوات الخمسة -على طولها وقلة تصرفها وكثرة حروفها- أولى بذلك.
ويدل على أن الزيادة في أول الكلمة بابها الفعل، أنه لم يأت في ذوات الأربعة إلا فيما كان جاريا على فعل نحو مدحرج وبابه، والخماسية لا فعل منها؛ فلذلك لم يزد في أولها.
ص34