أقرأ أيضاً
التاريخ: 10-12-2018
1668
التاريخ: 10-12-2018
2696
التاريخ: 10-12-2018
4528
التاريخ: 10-12-2018
2265
|
اللهجات العربية واللغة الفصحى:
المصادر القديمة التي تمدنا ببعض الظواهر اللغوية في اللهجات العربية القديمة تنقسم إلى مجموعتين رئيسيتين, أولاهما: كتب النحو, الثانية: كتب اللغة والمعاجم. ومعظم المادة التي جاءت في كتب النحو واللغة إنما جمعت من لهجات البادية في القرنين الأول والثاني. حاول اللغويون الذين جمعوا هذه المادة النظر بمعيار الخطأ والصواب إلى كل الظواهر اللغوية التي عرفها عصرهم, ولذا رفضوا أخذ اللغة عن القبائل التي عاشت في مناطق متاخمة للحضر في بادية الشام أو العراق, كما نظروا إلى اللهجات العربية في الجنوب بعين الشك، ولم يأخذوا اللغة عنها. لم يحاولوا جمع الظواهر بهدف بحثها بحثًا شاملا ينسب لكل قبيلة كل ما عندها من ظواهر, وإنما قصروا همهم على تسجيل بعض الظواهر التي لفتت نظرهم عند بعض القبائل. ومن هنا نستطيع أن نقول أن كتب النحو واللغة لم تقدم لنا إلا قطاعًا صغيرًا محدودًا من الحياة اللغوية حتى القرن الثاني للهجرة, وهذا القطاع هو بعض لهجات البدو.
أخذ النحاة واللغويون اللغة عن بعض قبائل شبه جزيرة العرب, واستبعدوا عددًا كبيرًا من القبائل التي اختلطت في حياتها بغير العرب, واستبعدوا كذلك اللهجات الناشئة في الأمصار المفتوحة, كما رفضوا أخذ اللغة عن القبائل الجنوبية, والناظر في كتب النحو واللغة يلاحظ أن أكثر المادة التي جاءت بها هذه الكتب
ص227
تنسب إلى لهجات الحجاز وتميم وهذيل وطيئ, وهناك ظواهر كثيرة جاءت دون نسبة إلى قبيلة بعينها. اتخذ جامعو اللغة موقفًا مختلفًا عن موقف الباحث اللغوي الحديث, فقد نظروا إلى هذه اللهجات وقاسوها بمعيار اللغة الفصحى واعتبروا أي اختلاف عنها خروجًا على النمط الصحيح وخروجًا على الضوابط وفسادًا لغويًّا لا يجوز أن يقبل ممن يندرج ضمن المثقفين. ومن ثم فقد أهملوا تلك اللهجات التي أصبح البون بينها وبين الفصحى شاسعًا ولم ينظروا ويهتموا إلا باللهجات التي تقترب في خصائصها من العربية الفصحى، وهذه هي لهجات الحجاز وتميم وهذيل وطيئ.
وسنحاول دراسة بعض الظواهر التي جاءت في كتاب سيبويه منسوبة إلى هذه اللهجات دراسة لغوية وصفية وسنبدأ بالأصوات, ثم بعد ذلك إلى بناء الكلمة فبناء الجملة.
الهمز بين التحقيق والتخفيف:
أول ما يلفت النظر في لهجة الحجاز من الناحية الصوتية أنها لا تعرف تحقيق الهمز, أي النطق بالهمزة باعتبارها صامتًا, والكتب العربية تتحدت دائمًا عن تحقيق الهمز وتنسبه إلى لهجة تميم, وعن تخفيف الهمز أو نطق الهمزة نطقًا بين بين, وتنسبه إلى لهجة الحجاز.
قال سيبويه: "اعلم أن كل همزة مفتوحة كانت قبلها فتحة فإنك تجعلها إذا أردت تخفيفها بين الهمزة والألف الساكنة, وذلك قولك سال في لغة أهل الحجاز إذا لم تحقق كما يحقق بنو تميم"(1). وواضح من هذا النص أن تحقيق الهمزة عند بني تميم كان يقابله التخفيف عند أهل الحجاز, ويعبر سيبوبه عن
ص228
الهمزة المخففة قائلا بأنها تنطق نطقًا يجعلها بين الهمزة والألف الساكنة. وإذا حاولنا فهم كلامه على نحو صوتي لاحظنا أن الهمزة, ويعني بها الهمزة المحققة. إنما تنطق نتيجة التقاء تام يحدث إغلاقًا لحظيًّا في أقصى الحنجرة يتبعه انفراج مفاجئ فيصدر هذا الصوت الذي نعرفه بالهمزة. وهذا النطق يختلف اختلافًا أساسيًّا عن نطق الفتحة الطويلة, وهو ما يطلق عليه سيبويه "الألف". فالفتحة الطويلة إحدى الحركات, والحركات تختلف عن الأصوات الساكنة في اتساع مخرجها, وأنه لا يحدث ضيق شديد يسبب عقبة في سبيل تيار الهواء, فظهور العقبة ثم انفراجها من خصائص النطق بالأصوات الصامتة، أما الحركات فيمضي في النطق بها تيار الهواء من الداخل إلى الخارج دون عقبة، والهمزة من الأصوات الصامتة, ولكن الحركة الطويلة التي تكتب في الخط العربي بالألف ليست من الأصوات الصامتة. ويبدو أن تخفيف الهمزة كان يعني عند سيبويه أن الالتقاء الذي يحدث إغلاقًا لحظيًّا في أقصى الحنجرة لم يحدث, وأن الهواء المندفع إلى الحنجرة كان يمضي من دون أن يعترضه هذا الإغلاق الحنجري.
الإمالة:
من الظواهر التي ذكرها سيبويه ظاهرة الإمالة. والإمالة إحدى الظواهر الخاصة بنطق الفتحة الطويلة نطقًا يجعلها بين الفتحة الصريحة والكسرة الصريحة، يقول سيبويه في هذا:
"الألف تمال إذا كان بعدها حرف مكسور، وذلك قولك: عابد، وعالم، ومساجد. ومفاتيح... إنما أمالوها للكسرة التي بعدها، أرادوا أن يقربوها منها وجمع هذا لا يميله أهل الحجاز"(2).
ص229
ويتضح من هذا النص أن الإمالة ظاهرة من ظواهر المماثلة، وتعني المماثلة أن صوتًا من الأصوات في كلمة أو ما يشبه الكلمة أثر في صوت آخر في نفس الكلمة فجعل نطقه قريبًا من نطقه، أي جعل نطقه مماثلا لنطقه. وفي شرح سيبويه لهذه الظاهرة تعليل بأن إمالة الفتحة الطويلة إنما حدث نتيجة لقربها من الكسرة، فيتحدث سيبويه عن الألف ونتحدث نحن عن الفتحة الطويلة، ويعتبر سيبويه الألف غير الممالة أصلا والممالة فرعًا، ونتحدث -نحن- عن نطق الألف الطويلة بصورة ما تجعلها قريبة -نطقًا- من الكسرة التي تلي اللام والباء. وهذا يعني أن الفتحة الطويلة الممالة إنما تأتي في محيط صوتي بعينه دون غيره، ومن هنا فنحن نتحدث عن صورة صوتية لا عن وحدة صوتية. فالفتحة الطويلة في تلك اللهجات لها صورتان: صورة بلا إمالة، وصورة بالإمالة، وكلتاهما وحدة صوتية واحدة، وكانت لهجة الحجاز القديمة لا تعرف الإمالة.
بقي أن نشير إلى المثال الأخير الذي ذكره سيبويه وهو "مفاتيح"، فالإمالة هنا في تفسير سيبويه أثر للكسرة، وكأنه تصور -في كلمة مفاتيح- الكسرة شيئًا والياء شيئًا آخر، فالواقع أن نظرة النحويين العرب للخط جعلتهم يتصورون أن ما نطلق عليه كسرة طويلة هو كسرة ثم ياء ساكنة، ولهذا لم يلاحظ سيبويه أن الإمالة حدثت كأثر لمد الياء "الكسرة الطويلة" وكفاه أن وجد الكسرة هنا وهناك، والصحيح أن الإمالة حدثت كأثر للكسرة الطويلة. هذا وقد علل سيبويه ظاهرة الإمالة بالتماس الخفة، وهذا الرأي هو التفسير السائد في علم اللغة إلى عهد قريب، فكان كل تطور يفسر بعامل السهولة في كثير من اللغات.
ولنحاول المضي قليلا مع سيبويه وهو يتحدث عن الإمالة. يقول سيبويه: "هذا باب ما يمتنع من الإمالة من الألفات... فالحروف التي تمنعها الإمالة هذه السبعة: الصاد، والضاد، والطاء، والظاء، والغين، والقاف، والخاء. إذا كان
ص230
حرف منها قبل الألف تليه، ذاك قولك: قاعد، غائب، خامد، صاعد، طائف، وضامن، وظالم، إنما منعت هذه الحروف الإمالة لأنها حروف مستعلية إلى الحنك الأعلى، والألف إذا خرجت من موضعها استعلت إلى الحنك الأعلى فلما كانت مع هذه الحروف المستعلية غلبت عليها كما غلبت الكسرة عليها في مساجد... ولا نعلم أحد يميل هذه الألف إلا من لا يؤخذ بلغته"(3).
وهذا النص واضح في أن الإمالة صورة لنطق الفتحة الطويلة أن نطقها يتأثر بالمحيط الصوتي، فهي ممالة على مقربة من الكسرة أو الكسرة الطويلة، وهي غير ممالة على مقربة من مجموعات من الأصوات. إذا نظرنا إلى تلك الأصوات التي ذكرها سيبويه مانعة للإمالة لاحظنا فيها وجود كل أصوات الإطباق، وهي: الصاد، والضاد، والطاء، والظاء، والقاف، كما نجد من أصوات الحلق: الغين والخاء. يبدو أن اللهجات التي كانت تميل مع الكسرة والكسرة الطويلة كانت تنطق الفتحة الطويلة بلا إمالة إذا كانت تميل مع الكسرة والكسرة الطويلة كانت تنطق الفتحة الطويلة بلا إمالة إذا كانت قريبة من أصوات الإطباق أو الحلق. وهذا يؤكد ما ذكرناه من أن تلك اللهجات عرفت صورتين لنطق الفتحة الطويلة، كل واحدة منها تظهر في محيط صوتي بعينه. والعبارة الأخيرة في نص سيبويه السابق تشير إلى موقف اللغويين من بعض اللهجات فهو لم يسجل إلا بعض اللهجات، ورفض الأخذ عن البعض الآخر، ويبدو أن بعض اللهجات التي رفض سيبويه الأخذ عنها كانت تعرف الإمالة بصورة أكثر ولكن إلى أي حد؟ هذا ما لم نستطع أن نعرفه، فهذه من لغة من لا يؤخذ بلغته، ولذا لم يجد سيبويه نفسه مطالبًا بتسجيلها ودراستها.
ص231
الاتباع = التوافق الحركي
مما سجله سيبويه في كتابه ظاهرة أطلق عليها "الاتباع"، ويطلق عليها عند اللغويين المحدثين اسم Vowel Harmony أي التوافق الحركي. وهذه الظاهرة تدخل أيضًا في باب المماثلة، وهي هنا مماثلة حركة لحركة أخرى مماثلة تامة، فنحن نقول في العربية الفصحى: منه، فوقه، تحته، فنجعل الحركة التالية للهاء ضمة، ولكنا نقول: به، عليه، فيه، فنجعل الحركة التالية للهاء كسرة، والضمير هو الضمير، فلماذا حدث هذا الاختلاف؟ ولنقرأ الفصل الذي عنونه سيبويه بقوله: هذا ما تكسر فيه الهاء التي هي علامة الإضمار: "اعلم أن أصلها الضم وبعدها الواو، لأنها في الكلام كله هكذا، إلا أن تدركها هذه العلة التي أذكرها لك. وليس يمنعهم ما أذكره لك أيضًا من أن يخرجوها على الأصل، فالهاء تكسر إذا كان قبلها ياء أو كسرة.. فكما أمالوا الألف في مواضع استخفافًا، كذلك كسروا هذه الهاء.. فالكسرة هنا كالإمالة في الألف لكسرة ما قبلها وما بعدها نحو كلاب وعابد، وذلك قولك: مررت بهِي وَلَدَيْهِي مال ومررت بِدَارِهِي... وأهل الحجاز يقولون مررت بِهُو قبل، وَلَدَيْهُو مال، ويقرءون "فخسفنا بِهُو وبِدارِهُو الأرض". فإذا لحقت الهاء الميم في علامة الجمع كسرتها كراهية الضمة بعد الكسرة، ألا ترى أنهما لا يلزمان حرفًا أبدًا. فإذا كسرت الميم قلبت (4).
وهذا النص مهم، فسيبويه اعتبر الأصل في ضمير الغائب أن تعقبه ضمة طويلة، وهو يتحدث دائمًا عن الواو في هذا الصدد كما لو كان الضمير مكونًا من هاء تليها واو. وقد حدد سيبويه المواضع التي كسرت فيها هذه الهاء فالهاء تكسر
ص232
إذا كان قبلها ياء أو كسرة، فهذه الظاهرة إذن من ظواهر المماثلة، ولكنها مماثلة حركة لحركة. عندما نتحدث عن "فيه" فالحركة التي بعد الفاء كسرة طويلة أتت بكسرة بعد الهاء. عندما نناقش كلمة "عليه" فالصوت المزدوج "ay" جعل الضمة كسرة، وهذا أيضا ضرب من التوافق الحركي.
ويبدو أن التوافق الحركي كان يميز بعض اللهجات عن البعض الآخر. فبعض اللهجات كان يعرف التوافق الحركي على هذا النحو الذي تعرفه العربية الفصحى. ولكن لهجة الحجاز كانت بعيدة عنه كل البعد كما نرى في نص سيبويه عن التوافق الحركي بعدها عن الإمالة. فالحجازيون كانوا لا يقولون "بِهِ" بكسر الهاء، بل قالوا "بِهُ" بضمها، أو كما كتب في كتاب سيبويه "بِهُو" وكانوا يقولون "لديهو" بواو مسبوقة بضمة. ولم يقتصر الأمر على هذا، بل إن قراءاتهم للقرآن الكريم كانت تعكس لهجتهم المحلية التي لا تعرف التوافق الحركي، فبينما كان غيرهم يقرأ: {فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأَرْضَ} بكسرة بعد الهاء كان الحجازيون يستخدمون الضم دون أن يستشعروا حاجة إلى التوافق الحركي.
ويبدو أن التوافق الحركي كان من خصائص لهجة تميم، وهو ما نجده في الفصحى بينما كانت لهجة الحجاز بعيدة عن التوافق الحركي. ولكن بعض اللهجات مضت في التوافق الحركي شوطًا أبعد مما تعرفه اللغة الفصحى. يقول سيبويه: "واعلم أن قومًا من ربيعة يقولون: مِنْهِمِ، بكسر الميم والهاء والميم أتبعوها الكسرة، ولم يكن المسكن حاجزا عندهم. وهذه لغة رديئة، إذا فصلت بين الهاء والكسرة فالزم الأصل"(5).
ص233
فلهجة ربيعة كانت تستخدم صيغة، مِنْهِمِ،بكسر الهاء والميم، بينما لا تعرف الفصحى اليوم إلا ضم الهاء وضم الميم، وهو ما قرره سيبويه أيضًا، فلهجة ربيعة تمثل طورًا أبعد من الفصحى في التوافق الحركي. فالكسرة بعد الميم في: مِنْهِمِ، جعلت حركتي الضمير كسرتين رغم البعد. وهنا يظهر سيبويه الذي يريد أن يشرع للحياة اللغوية فيقول وهذه لغة رديئة.
لاحظ سيبويه أيضا وجود التوافق الحركي في بعض أبنية الأسماء، يقول سيبويه: وفي: فَعِيل، لغتان، فَعِيل، وفِعِيل. إذا كان الثاني من الحروف الستة "حروف الحلق" مطرد ذلك فيهما لا ينكسر في فعيل ولا فعل. وإذا كان كذلك في فعيل أو فعل كسرت الفاء في لغة تميم وذلك قولك لئيم "بكسر اللام" وشهيد وسعيد ونحيف ورغيف وبخيل، وشهد "بكسر الشين والهاء ولعب وضحك .... أما أهل الحجاز فيجرون جميع هذا على القياس"(6).
وهذا النص على صعوبته في الصياغة واضح المضمون، فالكتب العربية تقدم لنا فعيل "بفتح الفاء" وفعيل "بكسر الفاء" لعدد كبير من المفردات. والصيغة الأخيرة تمثل صورة من صور التوافق الحركي، فالكسرة الطويلة بعد العين جلبت كسرة سابقة على العين عند من يعرفون التوافق الحركي، ومن ثم فهم يقولون: فعيل، وهذا خاص بلهجة تميم. أما لهجة الحجاز التي لا تعرف الإمالة أو التوافق الحركي فتقدم لنا صيغة فعيل بفتح الفاء.
وشبيه بهذا وزن فعل عند الحجازيين مثل شهد لعب ضحك، يقابل هذا الوزن في لهجة تميم كسر الفاء وكسر العين. وهنا تتفق اللغة الفصحى كما نعرفها اليوم مع لهجة الحجاز، ومن الجدير بالبحث أن ننظر إلى المعجم العربي المتوارث في ضوء هذه الاختلافات.
ص234
كسر أحرف المضارعة:
كانت كل اللهجات التي اعترف سيبويه بصحة أخذ اللغات عنها تكسر حروف المضارعة على عكس ما نعرفه في العربية الفصحى اليوم. وكان أهل الحجاز هم من لم يعرفوا كسر حروف المضارعة. قال سيبويه:
"هذا باب ما تكسر فيه أوائل الأفعال المضارعة للأسماء كما كسرت ثاني الحروف حين قلت فعل وذلك في لغة جميع العرب إلا أهل الحجاز وذلك قولهم: أنت تعلم ذلك "بكسر التاء" وأنا إعلم "بكسر الهمزة" وهي تعلم "بكسر التاء" ونحن نعلم "بكسر النون" ..... وكذلك كل شيء من بنات الواو والياء التي الياء والواو فيهن لام أو عين والمضاعف، وذلك قولك: شقيت فأنت تِشقى "بكسر التاء" وخشيت فأنا إخشى "بكسر الهمزة" وخلنا فنحن نخال "بكسر النون" .... وجميع ذلك مفتوح في لغة أهل الحجاز وهو الأصل"(7).
وواضح من الأمثلة التي ذكرها سيبويه أن كسر حرف المضارعة كان مطردًا في الفعل الثلاثي في كل اللهجات إلا لهجة الحجاز، وأن الفعل الناقص أو الأجوف ذا الواو أو الياء كان يعرف كسر حرف المضارعة أيضًا. ولهجة الحجاز أقرب في هذا الجانب إلى العربية الفصحى.
مطابقة الفعل والفاعل:
من أهم الظواهر اللهجية التي سجلها سيبويه وألقت الضوء على بناء الجملة ظاهرة تطابق الفعل الماضي المقدم مع فاعله في التثنية والجمع.
من المعروف في كتب النحو العربي أن الفعل الذي تلاه فاعله يأتي بصيغة واحدة قبل الفاعل المفرد والمثنى والجمع، وهذه الصيغة هي صيغة المفرد الغائب، مثل:
ص235
قال رجل، قال رجلان، قال الرجال. قال نسوة، أما المطابقة الكاملة في العدد والجنسين بين الفاعل والفعل فتنسب في كتب النحو العربي إلى بعض اللهجات، ذكر البعض أن المطابقة الكاملة من خصائص لهجة طيئ. وأطلقوا على هذه الخاصية اسم "لغة أكلوني البراغيث". قال سيبويه: "اعلم أن من العرب من يقول: ضربوني قومك، ضرباني أخواك فشبهوا هذا بالتاء التي يظهروها في قالت فلانة"(8)، فهذه الظاهرة إذن مثلما نجد في بعض اللهجات العربية الحديثة. ولم تكن هذه الظاهرة مقصورة على الحديث اليومي عند طيئ. فالواقع أن هذه الظاهرة وجدت في بعض اللهجات القديمة، وفي أبيات من الشعر الجاهلي والإسلامي، وهي مطردة في اللهجات العربية الحديثة.
ما الحجازية:
اختلفت اللهجات القديمة في الحالة الإعرابية للاسم الثاني بعد "ما" النافية، فلهجة الحجاز تجعل اسم الثاني بعد "ما" وهو خبرها منصوبًا، أما لهجة تميم فتستخدم هذا الاسم مرفوعًا. قال سيبويه: "هذا باب ما أجرى مجرى ليس في بعض المواضع بلغة أهل الحجاز، ثم يصير إلى أصله. وذلك الحرف هو ما، نقول: ما عبد الله أخاك، ما زيد منطلقًا. وأما بنو تميم فيجرونها مجرى أما وهل، وهو القياس لأنه بفعل كليس، ولا يكون فيه إضمار. وأما أهل الحجاز فيشبهونها بليس، إذ كان معناها كمعناها .... ومثل ذلك قوله عز وجل: {مَا هَذَا بَشَرًا} في لغة أهل الحجاز، وبنو تميم يرفعونها إلا من عرف كيف هي في المصحف"(9).
وبجانب الآية التي ذكرها سيبويه نجد هذه الظاهرة في آية أخرى هي:
ص236
{مَا هُنَّ أُمَهَاتِهِم} قرأها الحجازيون بكسر التاء وذلك باعتبار خبرها منصوبًا. أما التميميون فكانوا يرفعون عملا برفع الخبر بعد ما.
وهكذا نلاحظ أن لهجة الحجاز تتفق مع العربية الفصحى التي نعرفها مطردة في الشعر الجاهلي والقرآن في ظواهر، وتختلف معها في ظواهر أخرى، كما أن لهجة تميم لا تمثل العربية الفصحى في كل مظاهرها.
ص237
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الكتاب 2/ 163.
(2) الكتاب 2/ 259.
(3) الكتاب 2/ 264.
(4) الكتاب 2/ 293.
(5) الكتاب 2/ 294.
(6) الكتاب 2/ 255.
(7) الكتاب 2/ 256.
(8) الكتاب 1/ 237.
(9) الكتاب 1/ 28.
|
|
دراسة تحدد أفضل 4 وجبات صحية.. وأخطرها
|
|
|
|
|
العتبة العباسية تستعدّ لتكريم عددٍ من الطالبات المرتديات للعباءة الزينبية في جامعات كركوك
|
|
|