أقرأ أيضاً
التاريخ: 10-11-2020
2852
التاريخ: 23-04-2015
3179
التاريخ: 14-06-2015
2052
التاريخ: 23-04-2015
3304
|
الذي عليه معظم علماء الإسلام أنّ القرآن الكريم أنزل جملة واحدة إلى السماء الدنيا ليلة القدر، ثمّ أنزل بعد ذلك متتابعا متدرّجا مع الوقائع والأحداث في قرابة ثلاث وعشرين سنة . «1» {وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا} [الإسراء : 106] " وغالب القرآن نزل مفرّقا وأقلّه نزل جمعا " «2».
ويضع مؤلّفو كتب علوم القرآن حكما لنزول القرآن منجّما ومنها تثبيت فؤاد النبيّ- صلى اللّه عليه وآله وسلّم- {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا} [الفرقان : 32] وحول هذه الآية وهذه الحكمة يقول السيوطي : " لنثبّت به قلبك، أي لنقوّي به قلبك، فإنّ الوحي إذا كان يتجدّد في كل حادثة، كان أقوى بالقلب، وأشدّ عناية بالمرسل إليه، ويستلزم ذلك كثرة نزول الملك، وتجدّد العهد به ، وبما معه من الرسالة الواردة من ذلك الجناب العزيز، فيحدث له من السرور ما تقصر عنه العبارة" «3». وفي موضع آخر يذكر طرفا آخر من حكم تنزّل القرآن الكريم مفرّقا يقول : [و منه ما هو جواب لسؤال، ومنه ما هو إنكار على قول قيل، أو فعل فعل «4»" {وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ} [الفرقان : 33].
ولا شكّ أنّ هذين النصّين يكشفان بجلاء عن تفاعل النصّ مع سياقه المقامي (الخارجي) ؛ فتثبيت الفؤاد المشار إليه في الآية، وفي نصّ السيوطي يشير إلى مراعاة حال المتلقّي الأوّل من حيث صعوبة عمليّة الاتصال بالوحي عليه - على الأقل في بدايتها- ومن حيث إنّ الثقافة ثقافة شفاهية يستحيل فيها استيعاب نصّ على هذا الطول ، وعلى ذلك فإنّ مراعاة حال المتلقّي الأوّل ليست مجرد مراعاة لعوامل شخصيّة ذاتيّة بقدر ما هي مراعاة لحالة عامّة ، يدخل فيها المتلقي الأول جنبا إلى جنب مع المخاطبين بالنصّ " لتقرأه على الناس على مكث". إنّ النصّ هنا يستجيب لواقع ثقافي له شروطه الموضوعيّة الخاصّة، وإنّ فهم علماء القرآن لعلّة التنجيم يتجاوز إطار مراعاة حال المتلقّي الأول ، إلى مقاربة الإحساس بجدليّة العلاقة بين النصّ والواقع.
وقد عبّر الأستاذ مالك بن نبي عن هذه العلاقة بقوله : " سيهدي الوحي خلاله ثلاثة وعشرين عاما سير النبي وأصحابه خطوة خطوة نحو هذا الهدف البعيد وهو يحوطهم في كلّ لحظة بالعناية الإلهيّة المناسبة، فهو يعزز جهودهم العظيمة، ويدفع أرواحهم وإرادتهم نحو هدف الملحمة الفريد في التاريخ، فيكرّم بآية صريحة قضاء شهيد أو استشهاد بطل" «5». ثمّ تساءل كيف كان القرآن سيؤدّي دوره حيال طبيعة الإنسان التي جاء يصوغها في ذلك العصر، لو أنّه سبق بنزوله أحداث حنين وأحد، وما ذا كان يكون لو أنّه لم يأت لكلّ ألم بعزائه العاجل، ولو أنّه لم ينزّل لكلّ تضحية جزاءها، ولكلّ هزيمة أملها، ولكلّ نصر درسه، ولكلّ عقبة إشارة إلى ما تقتضيه من جهد، ولكلّ خطر أدبي أو مادّي روح التشجيع اللازم لمواجهته، وهل كان لدرس الإسلام العظيم أن يجد طريقه إلى قلوبهم وضمائرهم لو لم يكن نزوله تبعا لأمثلة الحياة نفسها والواقع المحيط بهم؟ ويجيب : لو أنّ القرآن كان قد نزل جملة واحدة لتحوّل سريعا إلى كلمة مقدّسة خامدة، وإلى فكرة ميّتة، وإلى مجرّد وثيقة دينيّة لا مصدرا يبعث الحياة في حضارة وليدة، فالحركة التاريخيّة والاجتماعيّة والروحيّة التي نهض بأعبائها الإسلام لا سرّ لها إلّا في هذا التنجيم" «6».
ومن ناحية أخرى فإنّ تنجيم هذا النصّ ليتناسب مع مقتضيات الأحوال الخارجيّة ولمدّة طويلة (23 سنة) يعني الترابط الواضح بين النصّ اللّغوي والواقع الخارجي ويكشف أيضا عن قضيّة أخرى هي قضية الاتّساق الداخلي في النصّ القرآني، فمسألة التنجيم ، ومسألة أسباب النزول، ومسألة الناسخ والمنسوخ كلّها قضايا قد توحي بوجود تناقض في العلاقات الداخليّة للنصّ القرآني. ولكنّها جميعا تؤكّد اتساق النصّ القرآني، فالقرآن رسالة، والمتلقّي الأول هو الرسول (صلى اللّه عليه وآله وسلّم) ، وهناك مخاطبون، وقد تنزّل القرآن إليهم معالجا مقتضيات حياتهم بخطابات متنوّعة في الأسلوب والمضمون ، وإنّ تنوّع الخطاب القرآني، وتدرّجه في مستويات عدّة، بحسب المخاطبين وظروف الخطاب، هو أبرز دليل على أنّ هذا الخطاب هو خطاب الحياة. والذي يكشف عن هذا التفاعل الحار بين النصّ والمقام الذي يتنزّل فيه، ومع ذلك يبقى متّسقا منسجما مترابطا، فالتفاعل مع الواقع ينتج نصّا متآلفا متناغما. ولن يفوتنا الإشارة إلى أنّ السبب الرئيسي في بقاء النصّ القرآني متوحّدا كالكلمة الواحدة هو وحدة المخاطب سبحانه وتعالى، وعلى الرغم من توحّده فهو متنوّع يشتمل على خطابات عديدة تختلف باختلاف المقام داخل النسيج القرآني الواحد.
_______________________________
(1) منّاع القطان، مباحث في علوم القرآن ، ص 101.
(2) السيوطي ، الإتقان ، ص 12.
(3) السيوطي ، الإتقان، ص (92- 93).
(4) نفسه ، ص : 92.
(5) مالك بن نبي، الظاهرة القرآنيّة ، ص 174.
(6) نفسه ، ص 174.
|
|
لصحة القلب والأمعاء.. 8 أطعمة لا غنى عنها
|
|
|
|
|
حل سحري لخلايا البيروفسكايت الشمسية.. يرفع كفاءتها إلى 26%
|
|
|
|
|
جامعة الكفيل تحتفي بذكرى ولادة الإمام محمد الجواد (عليه السلام)
|
|
|