المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 18130 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
الشكر قناة موصلة للنعم الإلهية
2025-01-12
أسباب ودوافع الكفران وطرق علاجه
2025-01-12
عواقب كفران النعمة
2025-01-12
معنى كفران النعمة
2025-01-12
دور الإدارة الحكوميـة فـي التنـميـة التكـنولوجـيـة 2
2025-01-12
دور الإدارة الحكوميـة فـي التنـميـة التكـنولوجـيـة 1
2025-01-12



تفسير الآية (15-18) من سورة الشورى  
  
2931   12:56 صباحاً   التاريخ: 26-8-2020
المؤلف : إعداد : المرجع الإلكتروني للمعلوماتية
الكتاب أو المصدر : تفاسير الشيعة
الجزء والصفحة : .....
القسم : القرآن الكريم وعلومه / التفسير الجامع / حرف الشين / سورة الشورى /

قال تعالى : { فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (15) وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ (16) اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ (17) يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِهَا وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْهَا وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ أَلَا إِنَّ الَّذِينَ يُمَارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ } [الشورى : 15 - 18]

 

 

تفسير مجمع البيان

- ذكر الطبرسي في تفسير هذه الآيات (1) :

 

{فلذلك فادع} أي فإلى ذلك فادع عن الفراء والزجاج يقال دعوت لفلان وإلى فلان وذلك إشارة إلى ما وصى به الأنبياء من التوحيد ومعناه فإلى الدين الذي شرعه الله تعالى ووصى به أنبياءه فادع الخلق يا محمد وقيل إن اللام للتعليل أي فلأجل الشك الذي هم فيه فادعهم إلى الحق حتى تزيل شكهم {واستقم كما أمرت} أي فاثبت على أمر الله وتمسك به واعمل بموجبه وقيل واستقم على تبليغ الرسالة .

{ولا تتبع أهواءهم} يعني أهواء المشركين في ترك التبليغ {وقل آمنت بما أنزل الله من كتاب} أي آمنت بكتب الله التي أنزلها على الأنبياء قبلي كلها {وأمرت لأعدل بينكم} أي كي أعدل بينكم أي أسوي بينكم في الدين والدعاء إلى الحق ولا أحابي أحدا وقيل معناه أمرت بالعدل بينكم في جميع الأشياء وفي الحديث ثلاث منجيات وثلاث مهلكات فالمنجيات العدل في الرضاء والغضب والقصد في الغنى والفقر وخشية الله في السر والعلانية والمهلكات شح مطاع وهوى متبع وإعجاب المرء بنفسه .

{الله ربنا وربكم} أي وقل لهم أيضا الله مدبرنا ومدبركم ومصرفنا ومصرفكم والمنعم علينا وعليكم وإنما قال ذلك لأن المشركين قد اعترفوا بأن الله هو الخالق {لنا أعمالنا ولكم أعمالكم} أي لا يضرنا إصراركم على الكفر فإن جزاء أعمالنا لنا وجزاء أعمالكم لكم لا يؤاخذ أحدا بذنب غيره {لا حجة بيننا وبينكم} أي لا خصومة بيننا وبينكم عن مجاهد وابن زيد والمعنى أن الحق قد ظهر فسقط الجدال والخصومة وكنى بالحجة عن الخصومة لاحتجاج أحد الخصمين على الآخر وهذا قبل أن يؤمر بالقتال وإذا لم يؤمر بالقتال وأمر بالدعوة لم تكن بينه وبين من لا يجيب خصومة وقيل معناه لا حجة بيننا وبينكم لظهور أمركم في البغي علينا والعداوة لنا والمعاندة لا على طريق الشبهة وليس ذلك تحريما لإقامة الحجة لأنه لا يلزم قبول الدعوة إلا بالحجة التي يظهر بها المحق من المبطل فإذا صار الإنسان إلى البغي والعداوة سقط الحجاج بينه وبين أهل الحق {الله يجمع بيننا} يوم القيامة لفصل القضاء {وإليه المصير} يحكم بيننا بالحق وفي هذا غاية التهديد .

ولما تقدم ظهور الحجة وانقطاع المحاجة عقبه بذكر من يحاج بالباطل فقال سبحانه {والذين يحاجون في الله} أي يخاصمون النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) والمسلمين في دين الله وتوحيده وهم اليهود والنصارى قالوا كتابنا قبل كتابكم ونبينا قبل نبيكم ونحن خير منكم وأولى بالحق عن مجاهد وقتادة وإنما قصدوا بما قالوا ليدفعوا ما أتى به محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) {من بعد ما استجيب له} أي من بعد ما دخل الناس في الإسلام وأجابوه إلى ما دعاهم إليه .

{حجتهم داحضة عند ربهم} أي خصومتهم باطلة حيث زعموا أن دينهم أفضل من الإسلام ولأن ما ذكروه لا يمنع من صحة نبوة نبينا بأن ينسخ الله كتابهم وشريعة نبيهم وقيل معناه والذين يجادلون في الله بنصرة مذهبهم من بعد ما استجيب للنبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) دعاؤه في كفار بدر حتى قتلهم الله بأيدي المؤمنين واستجيب دعاؤه على أهل مكة وعلى مضر حتى قحطوا ودعاؤه للمستضعفين حتى خلصهم الله من أيدي قريش وغير ذلك مما يطول تعداده عن الجبائي وقيل من بعد ما استجيب لمحمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) دعاؤه في إظهار المعجزات وإقامتها وقيل من بعد ما استجيب له بأن أقروا به قبل مبعثه فلما بعث جحدوه كما قال وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا وإنما سمى سبحانه شبهتهم حجة على اعتقادهم ولشبهها بالحجة أجري عليها اسمها من غير إطلاق الصفة بها .

{وعليهم غضب} أي غضب الله عليهم لأجل كفرهم {ولهم عذاب شديد} دائم يوم القيامة {الله الذي أنزل الكتاب} أي القرآن {بالحق} أي بالصدق فيما أخبر به من ماض ومستقبل وقيل بالحق أي بالأمر والنهي والفرائض والأحكام وكله حق من الله {والميزان} أي وأنزل الله العدل والميزان عبارة عن العدل كنى به عنه عن ابن عباس وقتادة ومجاهد ومقاتل وإنما سمي العدل ميزانا لأن الميزان آلة الإنصاف والتسوية بين الخلق وقيل أراد به الميزان المعروف وأنزله الله من السماء وعرفهم كيف يعملون به بالحق وكيف يزنون به عن الجبائي وقيل الميزان محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) يقضي بينهم بالكتاب عن علقمة ويكون على التوسع والتشبيه .

ولما ذكر العدل أتبعه بذكر الساعة فقال {وما يدريك لعل الساعة قريب} أي وما يدريك يا محمد ولا غيرك لعل مجيء الساعة قريب وإنما أخفى الله الساعة ووقت مجيئها على العباد ليكونوا على خوف وليبادروا إلى التوبة ولو عرفهم مجيئها لكانوا مغرين بالقبائح قبل ذلك تعويلا على التلافي بالتوبة {يستعجل بها الذين لا يؤمنون بها} لجهلهم بأحوالها وأهوالها فلا يخافون ما فيها إذ لم يؤمنوا بها فهم يطلبون قيامها إبعادا لكونها .

{والذين آمنوا مشفقون منها} أي خائفون من مجيئها وهم غير متأهبين لها {ويعلمون أنها الحق} أي أن مجيئها الحق الذي لا خلف فيه {ألا إن الذين يمارون} أي تدخلهم المرية والشك {في الساعة} فيخاصمون في مجيئها على وجه الإنكار لها {لفي ضلال} عن الصواب {بعيد} حين لم يذكروا فيعلموا أن الذي خلقهم أولا قادر على بعثهم .

_______________

1- مجمع البيان ، الطبرسي ، ج9 ، ص43-45 .

 

تفسير الكاشف

- ذكر محمد جواد مغنية في تفسير هذه الآيات (1) :

 

{فَلِذلِكَ فَادْعُ واسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ} . ذلك إشارة إلى دين اللَّه وإقامته ، والمعنى ادع يا محمد إلى الدين الحنيف الذي وصى به سبحانه جميع الأنبياء ، وأثبت عليه وعلى الدعوة إليه ، وقال تعالى في الآية 113 من سورة هود : {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ } [هود : 112] ج 4 ص 272 تماما كما في الآية التي نحن بصددها ، وتكلمنا هناك عن الاستقامة وأقسامها .

{ولا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ} . النبي معصوم يتبع ما يوحى إليه ، ولا يتبع هواه ولا هوى غيره . . وقلنا أكثر من مرة : ان النهي عن الشيء لا يدل على جواز وقوعه من المخاطب ، وان للأعلى أن ينهى غيره بما شاء . وتقدمت هذه الجملة بالحرف في الآية 48 من سورة المائدة ج 3 ص 67 {وقُلْ آمَنْتُ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتابٍ وأُمِرْتُ لأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنا ورَبُّكُمْ لَنا أَعْمالُنا ولَكُمْ أَعْمالُكُمْ لا حُجَّةَ بَيْنَنا وبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنا وإِلَيْهِ الْمَصِيرُ} . أعلن يا محمد على الملأ إيمانك بكل كتاب أنزله اللَّه كائنا ما كان ، وان اللَّه هورب الجميع ، وانك تحكم بين الناس بالعدل ، فتنتصف للمظلوم من الظالم ، وتقتص للضعيف من القوي ، وان كان ذا قربى ، وأعلن أيضا ان كل امرئ هو وحده المسؤول عن عمله أمام اللَّه ، وانه لا خصومة بينك وبين أي إنسان ، وان إليه تعالى مصير العباد ، فيجازي كل نفس بما كسبت ، وبهذا النهج القويم والمنطق السليم تقيم الحجة على أعدائك ، ولا تبقي علة لمتعلل .

{والَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ ما اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ داحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وعَلَيْهِمْ غَضَبٌ ولَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ} . كان أهل الكتاب يجادلون المسلمين ويحاولون أن يردوهم عن دينهم بعد أن هداهم اللَّه إلى الإسلام . وروى الطبري في تفسيره ان اليهود والنصارى قالوا للمسلمين : (كتابنا قبل كتابكم ، ونبيّنا قبل نبيكم ، فنحن خير منكم) . . وليس هذا ببعيد عن جدال أعداء الحق والدين ، بل هو أقل ما ينتظر منهم . . ولكن حجتهم باطلة لأن الفضل يكون بالعمل لا بالوقت وتقدمه ، وإلا كان إبليس أفضل من آدم ، لأنه أقدم منه . وعلى أية حال فإن عاقبة من جادل بالباطل إلى الوبال والخسران دنيا وآخرة .

{اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ والْمِيزانَ} . المراد بالكتاب هنا القرآن ، ومعنى نزوله بالحق ان كل ما فيه حق ، وأيضا يقر ويعترف بكل ما هو حق ، ومعنى نزوله بالعدل انه يفصل بين الناس بالعدل ، فالعدل يحتاج إلى طرفين دون الحق أي ان الحق أعم ، فكل عدل يقال له حق ، وليس كل حق يقال له عدل . .

تقول : الشمس حق لأنها موجودة ، ولا تقول : الشمس عدل {وما يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ} . هذا جواب قول المستهزئين : متى قيام الساعة ؟ أما قربها فلأن كل آت قريب . ومن مات فقد قامت قيامته .

{يَسْتَعْجِلُ بِهَا} استهزاء {الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِها} . وكم من مستعجل امرا ودّ حين يدركه ان بينه وبينه بعد المشرقين {والَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْها ويَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ} . أجل ، انهم يعرفون حقيقتها تماما كمن قد رآها ، لذا خافوا منها ، ومما قاله الإمام علي (عليه السلام) في وصفهم : (قد براهم الخوف بري القداح - أي السهام - ينظر إليهم الناظر فيحسبهم مرضى ، وما بالقوم من مرض ، ويقول :

قد خولطوا ، ولقد خالطهم أمر عظيم) ونظم هذا المعنى بعض الشعراء فقال :

يقال مرضى وما بالقوم من مرض *** أوخولطوا خبلا حاشاهم الخبل

تعادل الخوف والرجاء فلم *** يفرط بهم طمع يوما ولا وجل

{أَلا إِنَّ الَّذِينَ يُمارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلالٍ بَعِيدٍ} . يمارون يجادلون ، وفي ضلال بعيد أي أوغلوا في الضلال لأنهم أنكروا النشأة الأخرى ، وهم يرون النشأة الأولى .

__________________

1- الكاشف ، محمد جواد مغنية ، ج6 ، ص517-518 .

 

تفسير الميزان

- ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآيات (1) :

 

قوله تعالى : {فلذلك فادع واستقم كما أمرت ولا تتبع أهواءهم} إلى آخر الآية .

تفريع على ما ذكر من شرع دين واحد لجميع الأنبياء وأممهم ثم انقسام أممهم إلى أسلاف اختلفوا في الدين عن علم بغيا ، وإلى أخلاف شاكين مرتابين فيما أورثوه من الكتاب أي فلأجل أنه شرع لكم جميع ما شرع لمن قبلكم فادع ولأجل ما ذكر من تفرق بعضهم بغيا وارتياب آخرين فاستقم كما أمرت ولا تتبع أهواءهم .

واللام في قوله : {فلذلك} للتعليل ، وقيل : اللام بمعنى إلى أي إلى ما شرع لكم من الدين فادع واستقم كما أمرت ، والاستقامة - كما ذكره الراغب - لزوم المنهاج المستقيم ، وقوله : {ولا تتبع أهواءهم} كالمفسر له .

وقوله : {وقل آمنت بما أنزل الله من كتاب} تسوية بين الكتب السماوية من حيث تصديقها والإيمان بها وهي الكتب المنزلة من عند الله المشتملة على الشرائع .

وقوله : {وأمرت لأعدل بينكم} قيل : اللام زائدة للتأكيد نظير قوله : {وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام : 71] ، والمعنى : وأمرت أن أعدل بينكم أي أسوي بينكم فلا أقدم قويا على ضعيف ولا غنيا على فقير ولا كبيرا على صغير ، ولا أفضل أبيض على أسود ولا عربيا على عجمي ولا هاشميا أو قرشيا على غيره فالدعوة متوجهة إلى الجميع ، والناس قبال الشرع الإلهي سواء .

فقوله : {آمنت بما أنزل الله من كتاب} تسوية بين الكتب المنزلة من حيث الإيمان بها ، وقوله : {وأمرت لأعدل بينكم} تسوية بين الناس من حيث الدعوة وتوجه ما جاء به من الشرع .

وقيل : اللام في {لأعدل بينكم} للتعليل ، والمعنى : وأمرت بما أمرت لأجل أن أعدل بينكم ، وكذا قيل : المراد بالعدل العدل في الحكم ، وقيل : العدل في القضاء بينكم ، وقيل غير ذلك ، وهذه معان بعيدة لا يساعد عليها السياق .

وقوله : {الله ربنا وربكم} إلخ ، في مقام التعليل لما ذكر من التسوية بين الكتب والشرائع في الإيمان بها وبين الناس في دعوتهم وشمول الأحكام لهم ، ولذا جيء في الكلام بالفصل من غير عطف .

فقوله : {الله ربنا وربكم} يشير إلى أن رب الكل هو الله الواحد تعالى فليس لهم أرباب كثيرون حتى يلحق كل بربه ويتفاضلوا بالأرباب ويقتصر كل منهم بالإيمان بشريعة ربه بل الله هورب الجميع وهم جميعا عباده المملوكون له المدبرون بأمره والشرائع المنزلة على الأنبياء من عنده فلا موجب للإيمان ببعضها دون بعض كما يؤمن اليهود بشريعة موسى دون من بعده وكذا النصارى بشريعة عيسى دون محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) بل الواجب الإيمان بكل كتاب نازل من عنده لأنها جميعا من عنده .

وقوله : {لنا أعمالنا ولكم أعمالكم} يشير إلى أن الأعمال وإن اختلفت من حيث كونها حسنة أو سيئة ومن حيث الجزاء ثوابا أو عقابا إلا أنها لا تتعدى عاملها فلكل امرىء ما عمل فلا ينتفع أحد بعمل آخر ولا يتضرر بعمل غيره فليس له أن يقدم امرأ للانتفاع بعمله أو يؤخر امرأ للتضرر بعمله نعم في الأعمال تفاضل تختلف به درجات العاملين لكن ذلك إلى الله فيما يحاسب به عباده لا إلى الناس - النبي فمن دونه - الذين هم جميعا عباد مملوكون لا يملك منهم نفس من نفس شيئا ، وهذا هو الذي ذكره تعالى في محاورة نوح (عليه السلام) قومه : { قَالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ (111) قَالَ وَمَا عِلْمِي بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (112) إِنْ حِسَابُهُمْ إِلَّا عَلَى رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ } [الشعراء : 112 ، 113] ، وكذا قوله يخاطب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : {مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام : 52] .

وقوله : {لا حجة بيننا وبينكم} لعل المراد أنه لا حجة تدل على تقدم بعض على بعض تكون فيما بيننا يقيمها بعض على بعض يثبت بها تقدمه عليه .

ويمكن أن يكون نفي الحجة كناية عن نفي لازمها وهو الخصومة أي لا خصومة بيننا بتفاوت الدرجات لأن ربنا واحد ونحن في أننا جميعا عباده واحد ولكل نفس ما عملت فلا حجة في البين أي لا خصومة حتى تتخذ لها حجة .

ومن هنا يظهر أن لا وجه لقول بعضهم في تفسير الجملة : أي لا احتجاج ولا خصومة لأن الحق قد ظهر فلم يبق للاحتجاج حاجة ولا للمخالفة محمل سوى المكابرة والعناد انتهى .

إذ الكلام مسوق لبيان ما أمر به النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في نفسه وفي أمته من سنة التسوية لا لإثبات شيء من أصول المعارف حتى تحمل الحجة على ما حملها عليه .

وقوله : {الله يجمع بيننا} المراد بضمير التكلم فيه مجموع المتكلم والمخاطب في الجمل السابقة ، والمراد بالجمع جمعه تعالى إياهم يوم القيامة للحساب والجزاء على ما قيل .

وغير بعيد أن يراد بالجمع جمعه تعالى بينهم في الربوبية فهورب الجميع والجميع عباده فيكون قوله : {الله يجمع بيننا} تأكيدا لقوله السابق : {الله ربنا وربكم} وتوطئة وتمهيدا لقوله : {وإليه المصير} ويكون مفاد الجملتين أن الله هو مبدئنا لأنه ربنا جميعا وإليه منتهانا لأنه إليه المصير فلا موجد لما بيننا إلا هو عز اسمه .

وكان مقتضى الظاهر في التعليل أن يقال : {الله ربي وربكم لي عملي ولكم أعمالكم لا حجة بيني وبينكم على محاذاة قوله : {آمنت} {وأمرت لأعدل} لكن عدل عن المتكلم وحده إلى المتكلم مع الغير لدلالة قوله السابق : {شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا} إلخ ، وقوله : {الله يجتبي إليه من يشاء ويهدي إليه من ينيب} إن هناك قوما يؤمنون بما آمن به النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ويلبون دعوته ويتبعون شريعته .

فالمراد بالمتكلم مع الغير في {ربنا} و{لنا أعمالنا} و{بيننا} هو(صلى الله عليه وآله وسلم) والمؤمنون به ، وبالمخاطبين في قوله : {وربكم} و{أعمالكم} و{بينكم} سائر الناس من أهل الكتاب والمشركين ، والآية على وزان قوله تعالى : {قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} [آل عمران : 64] .

قوله تعالى : {والذين يحاجون في الله من بعد ما استجيب له حجتهم داحضة عند ربهم وعليهم غضب ولهم عذاب شديد} الحجة هي القول الذي يقصد به إثبات شيء أو إبطاله من الحج بمعنى القصد ، والدحض البطلان والزوال .

والمعنى : - على ما قيل - والذين يحاجون في الله أي يحتجون على نفي ربوبيته أو على إبطال دينه من بعد ما استجاب الناس له ودخلوا في دينه لظهور الحجة ووضوح المحجة حجتهم باطلة زائلة عند ربهم وعليهم غضب منه تعالى ولهم عذاب شديد .

والظاهر أن المراد بالاستجابة له ما هو حق الاستجابة وهو التلقي بالقبول عن علم لا يداخله شك تضطر إليه الفطرة الإنسانية السليمة فإن الدين بما فيه من المعارف فطري تصدقه وتستجيب له الفطرة الحية قال تعالى : {إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ } [الأنعام : 36] ، وقال : {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا} [الشمس : 7 ، 8] ، وقال : {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا } [الروم : 30] .

ومحصل الآية : على هذا أن الذين يحاجون فيه تعالى أوفي دينه بعد استجابة الفطرة السليمة له أو بعد استجابة الناس بفطرتهم السليمة له حجتهم باطلة زائلة عند ربهم وعليهم غضب منه ولهم عذاب شديد لا يقادر قدره .

ويؤيد هذا الوجه بعض التأييد سياق الآيات السابقة حيث تذكر أن الله شرع دينا ووصى به أنبياءه واجتبى إليه من شاء من عباده فالمحاجة في أن لله دينا يستعبد به عباده داحضة ومن الممكن حينئذ أن يكون قوله : {الله الذي أنزل الكتاب بالحق والميزان} في مقام التعليل وحجة مدحضة لحجتهم فتدبر فيه .

وقيل : ضمير {له} للرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) والمستجيب أهل الكتاب ، واستجابتهم له اعترافهم بورود أوصافه ونعوته في كتبهم والمراد أن محاجتهم في الله بعد اعترافهم له بما اعترفوا حجتهم باطلة عند ربهم .

وقيل : الضمير له (صلى الله عليه وآله وسلم) والمستجيب هو الله تعالى حيث استجاب دعاءه على صناديد قريش فقتلهم يوم بدر ، ودعاءه على أهل مكة فابتلاهم بالقحط والسنة ، ودعاءه على المستضعفين حتى خلصهم الله من يد قريش إلى غير ذلك من معجزاته ، والمعنيان بعيدان من السياق .

 

وقوله تعالى : {اللّهُ الّذِى أَنزَلَ الْكِتَب بِالحَْقِّ والْمِيزَانَ ومَا يُدْرِيك لَعَلّ الساعَةَ قَرِيبٌ (17) يَستَعْجِلُ بِهَا الّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِهَا والّذِينَ ءَامَنُوا مُشفِقُونَ مِنهَا ويَعْلَمُونَ أَنّهَا الحْقّ أَلا إِنّ الّذِينَ يُمَارُونَ في الساعَةِ لَفِي ضلَلِ بَعِيدٍ}

 

فصل رابع من الآيات يعرف الوحي الإلهي بأن الدين النازل به كتاب مكتوب على الناس وميزان يوزن به أعمالهم فيجزون بذلك يوم القيامة ، والجزاء الحسن من الرزق ثم يستطرد الكلام في ما يستقبلهم يوم القيامة من الثواب والعقاب ، وفيها آية المودة في القربى وما يلحق بذلك .

قوله تعالى : {الله الذي أنزل الكتاب بالحق والميزان} إلخ ، كان مفتتح الفصول السابقة في سياق الفعل إخبارا عن الوحي وغرضه وآثاره {كذلك يوحي إليك} {وكذلك أوحينا إليك} {شرع لكم من الدين} وقد غير السياق في مفتتح هذا الفصل فجيء بالجملة الاسمية المتضمنة لتوصيفه تعالى بإنزال الكتاب والميزان {الله الذي أنزل الكتاب} إلخ ، ولازمه تعريف الوحي بنزول الكتاب والميزان به .

ولعل الوجه فيه ما تقدم في الآية السابقة من ذكر المحاجة في الله {والذين يحاجون في الله} فاستدعى ذلك تعريفه تعالى للمحاجين فيه بأنه الذي أنزل الكتاب بالحق والميزان ، ولازمه تعريف الوحي بأثره كما عرفت .

وكيف كان فالمراد بالكتاب هو الوحي المشتمل على الشريعة والدين الحاكم في المجتمع البشري ، وقد تقدم في تفسير قوله تعالى : {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً } [البقرة : 213] أن هذا المعنى هو المراد بالكتاب في الكتاب ، وكون إنزاله بالحق نزوله مصاحبا للحق لا يخالطه اختلاف شيطاني ولا نفساني .

والميزان ما يوزن ويقدر به الأشياء ، والمراد به بقرينة ذيل الآية والآيات التالية هو الدين المشتمل عليه الكتاب حيث يوزن به العقائد والأعمال فتحاسب عليه ويجزي بحسبه الجزاء يوم القيامة فالميزان هو الدين بأصوله وفروعه ، ويؤيده قوله تعالى : {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ} [الحديد : 25] ، على ما هو ظاهر قوله : {معهم} .

وقيل : المراد به العدل وسمي العدل ميزانا لأن الميزان آلة الإنصاف والتسوية بين الناس والعدل كذلك وأيد بسبق ذكر العدل في قوله : {وأمرت لأعدل بينكم} .

وفيه أنه لا شاهد يشهد عليه من اللفظ ، وقد تقدم أن المراد بالعدل في {لأعدل} هو التسوية بين الناس في التبليغ وفي جريان الحكم دون عدل الحاكم والقاضي .

وقيل : المراد به الميزان المعروف المقدر للأثقال .

وهوكما ترى .

وقيل : المراد به النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ويمكن إرجاعه إلى ما قدمناه من الوجه لأن النبي مصداق كامل ومثل أعلى للدين بأصوله وفروعه ولكل فرد من أمته من الزنة الدينية قدر ما يشابهه ويماثله لكن لا يلائم هذا الوجه ما تقدم نقله آنفا من آية سورة الحديد كثير ملاءمة .

وقوله : {وما يدريك لعل الساعة قريب} لما كان الميزان المشعر بالحساب والجزاء يومىء إلى البعث والقيامة انتقل إلى الكلام فيه وإنذارهم بما سيستقبلهم فيه من الأهوال والتبشير بما أعد فيه للصالحين .

والإدراء الإعلام ، والمراد بالساعة - على ما قيل - إتيانها ولذا جيء بالخبر مذكرا ، والمعنى : ما الذي يعلمك لعل إتيان الساعة قريب والخطاب للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بعنوان أنه سامع فيشمل كل من له أن يسمع ويعم الإنذار والتخويف .

قوله تعالى : {يستعجل بها الذين لا يؤمنون بها والذين آمنوا مشفقون منها} إلخ المراد استعجالهم استعجال سخرية واستهزاء وقد تكرر في القرآن نقل قولهم : {متى هذا الوعد إن كنتم صادقين} .

والإشفاق نوع من الخوف ، قال الراغب : الإشفاق عناية مختلطة بخوف لأن المشفق يحب المشفق عليه ويخاف ما يلحقه ، قال تعالى : {وهم من الساعة مشفقون} فإذا عدي بمن فمعنى الخوف فيه أظهر ، وإذا عدي بفي فمعنى العناية فيه أظهر ، قال تعالى : {إنا كنا قبل في أهلنا مشفقين} {مشفقون منها} انتهى .

وقوله : {ألا إن الذين يمارون في الساعة لفي ضلال بعيد} المماراة الإصرار على الجدال ، والمراد إلحاحهم على إنكارها بالجدال ، وإنما كانوا في ضلال بعيد لأنهم أخطئوا طريق الحياة التي أصابتها أهم ما يتصور للإنسان فتوهموها حياة مقطوعة فانية انكبوا فيها على شهوات الدنيا وإنما هي حياة خالده باقية يجب عليهم أن يتزودوا من دنياهم لأخراهم لكنهم ضلوا عن سبيل الرشد فوقعوا في سبيل الغي .

____________________

1- الميزان ، الطباطبائي ، ج18 ، ص27-33 .

 

تفسير الامثل

- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه الآيات (1) :

 

فاستقم كما أمرت !

بما أن الآيات السابقة تحدثت عن تفرق الأمم بسبب البغي والظلم والإنحراف ، لذا فإنّ الآية التي نبحثها تأمر النّبي بمحاولة حل الإختلافات وإعادة الحياة إلى دين الأنبياء ، وأن يبذل منتهى الإستقامة في هذا الطريق ، فتقول : {فلذلك فادع}(2) أي ادعوهم إلى الدين الإلهي الواحد وامنع الإختلافات .

ثم تأمره بالإستقامة في هذا الطريق ، فتقول : (واستقم كما أمرت) .

ولعل جملة «كما أمرت» إشارة إلى المرحلة العالية من الإستقامة ، أو إلى أن الإستقامة يجب أن تكون من حيث الكمية والكيفية والزمن والخصوصيات الأُخرى مطابقة للقانون الإلهي .

وبما أن أهواء الناس تعتبر من الموانع الكبيرة في هذا الطريق ، لذا تقول الآية في ثالث أمر لها : {ولا تتبع أهواءهم} ، لأن كلّ مجموعة ستدعوك إلى أهوائها ومصالحها الشخصية ، تلك الدعوة التي يكون مصيرها الفرقة والإختلاف والنفاق ، فعليك القضاء على هذه الأهواء ، وجمع الكل في ظل الدين الإلهي الواحد .

وبما أن لكل دعوة نقطة بداية ، لذا فإن نقطة البداية هي شخص الرّسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ، حيث تقول الآية في رابع أمر لها : {وقل آمنت بما أنزل الله من كتاب} . فأنا لا أفرّق بين الكتب السماوية ، اعترف بها جميعاً ، وكلها تدعو إلى التوحيد والمعارف الدينية الطاهرة والتقوى والحق والعدالة ، وفي الحقيقة فإن ديني جامع لها ومكملها .

فأنا لستُ مثل أهل الكتاب حيث يقوم كلّ واحد بإلغاء الأخرين ، فاليهود يلغون المسيحيين ، والمسيحيون يلغون اليهود ، وحتى أن أتباع كلّ دين أيضاً يقبلون ما يتلاءم مع حاجاتهم ورغباتهم من كتبهم الدينية ، فانا أقبل بالكل لأن الكل له أصول أساسية واحدة .

وبما أن رعاية (أصل العدالة) ضروري لإيجاد الوحدة ، لذا فإن الآية تطرح ذلك في خامس أمر لها فتقول : {وأمرت لأعدل بينكم} ، سواء في القضاء والحكم ، أوفي الحقوق الإجتماعية والقضايا الأُخرى (3) .

وبهذا الشكل فإنّ الآية التي نبحثها مؤلفة من خمس تعليمات مهمّة ، حيث تبداً من أصل الدعوة ، ثمّ تطرح وسيلة انتشارها ـ يعني الإستقامة ـ ثمّ تشير إلى الموانع في الطريق «كعبادة الأهواء» ثمّ تبين نقطة البداية التي تبدأ من النفس ، وأخيراً الهدف النهائي والذي هو توسيع وتعميم العدالة .

بعد هذه التعليمات الخمس ، تشير إلى المشتركات بين الأقوام والتي تتلخص بخمس فقرات ، حيث تقول : {الله ربّنا وربّكم} وكل واحد مسؤول عن اعماله {لنا أعمالنا ولكم أعمالكم} . {لا حجّة بيننا وبينكم} وليس بيننا نزاع وخصومة ، ولا امتياز لأحدنا على الآخر وليست لدينا أغراض شخصية اتجاهكم .

وعادة لا توجد حاجة إلى الإستدلال والإحتجاج ، لأن الحق واضح ، إضافة إلى ذلك فإننا جميعاً سوف نجتمع في مكان واحد : {الله يجمع بيننا} (4) .

والذي سوف يقضي بيننا في ذلك اليوم هو الأحد الذي : {وإليه المصير} .

وعلى هذا الأساس فإنّ إلهنا واحد ، ونهايتنا ستكون في مكان واحد ، والقاضي الذي إليه المصير واحد ، وبالرغم من كلّ هذا فإننا مسؤولون جميعاً حيال أعمالنا ، وليس هناك فرق لإنسان على آخر إلاّ بالإيمان والعمل الصالح .

وننهي هذا البحث بحديث جامع ، فقد ورد في حديث عن الرّسول الأكرم(صلى الله عليه وآله وسلم) : «ثلاث منجيات ، وثلاث مهلكات ، فالمنجيات : العدل في الرضا والغضب ، والقصد في الغنى والفقر ، وخشية الله في السر والعلانية ، والمهلكات : شح مطاع ، وهوى متبع ، وإعجاب المرء بنفسه» (5) .

 

وقوله تعالى : {وَالَّذِينَ يُحَآجُّونَ فِى اللهِ مِن بَعْدِ مَا اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ ( 6) اللهُ الَّذِى أَنْزَلَ الْكِتَبَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ (17) يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لاَ يُؤمِنُونَ بِهَا وَالَّذِينَ ءَامَنُواْ مُشْفِقُونَ مِنْهَا وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ أَلاَ إِنَّ الَّذيِنَ يُمَارُونَ فِى السَّاعَةِ لَفِى ظَلَل بَعِيد

 

لا تستعجلوا بالساعة !!

الآيات السابقة كانت تتحدث عن واجبات النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) ، كاحترامه لمحتوى الكتب السماوية ، وتطبيق العدالة بين جميع الناس وترك أي محاججة أو خصومة بينه وبينهم . أمّا الآيات التي نبحثها ، فلكي تكمّل البحث السابق وتثبت أن حقانية نبيّ الأسلام لا تحتاج إلى دليل ، تقول : {والذين يحاجون في الله من بعد ما استجيب له حجتهم داحضة عند ربّهم} وبما أن نقاشهم ومحاججتهم ليس لكشف الحقيقة ، بل للعناد والاصرار تقول الآية (وعليهم غضب) .

{ولهم عذاب شديد} لعدم وجود غير هذا الجزاء للمعاندين .

وقد ذكر المفسّرون تفاسير مختلفة حول المقصود من جملة : {من بعد ما استجيب لهم} .

فقالوا : إنّ المقصود هو استجابة عامة الناس من ذوي القلوب الطاهرة ، والذين ليست لهم نوايا خبيثة ، يستسلمون للحق ويخضعون له مستلهمين ذلك من الفطرة الإلهية ومشاهدة محتوى الوحي والمعاجز المختلفة للنبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) .

وقد يكون المقصود بها استجابة دعاء الرّسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بحق معارضيه كما في يوم معركة بدر ، حيث أدى ذلك إلى فناء قسم عظيم من جيش العدو وانكسار شوكته .

وأحياناً اعتبروا ذلك إشارة إلى قبول أهل الكتاب ، حيث كانوا ينتظرون نبيّ الإسلام (صلى الله عليه وآله وسلم) قبل ظهوره ، ويذكرون علامات ظهوره للناس من خلال كتبهم ، وكانوا يظهرون الإيمان والحب له ، إلاّ أنّه بعد ظهور الإسلام أنكروا كلّ ذلك ، لأن مصالحهم غير المشروعة أصبحت في خطر .

ويبدو أن التّفسير الأوّل هو الأفضل ، لأن التّفسير الثّاني يقتضي أن تكون هذه الآيات نازلة بعد معركة بدر ، في حين أنّه لا دليل على هذا الأمر ، ويظهر أن جميع هذه الآيات نزلت في مكّة .

والتّفسير الثّالث لا يتلاءم مع أسلوب الآية ، لأنّه يجب أن يقال : «من بعدما استجابوا له» .

إضافةً إلى أن ظاهر جملة : {يحاجون في الله} يشير إلى محاججة المشركين بخصوص الخالق ، وليس أهل الكتاب بالنسبة الى النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) ولكن ما هي المواضيع المطروحة المشار إليها في هذه المحاججة الباطلة؟ هناك اختلاف بين المفسّرين :

فقال البعض : إنّ المقصود هو ادعاء اليهود الذين يقولون بأن دينهم كان موجوداً قبل الإسلام وإن اسبقيته دليلٌ على افضليته .

أو ، ما دمتم تدّعون الوحدة فتعالوا وآمنوا بدين موسى (عليه السلام) لأن الطرفين يقبلانه .

ولكن ـ كما قلناـ فإن من المستبعد أن يكون الكلام في هذه الآيات مع اليهود أو أهل اكتاب ، لأن «المحاججة في الله» أكثر ما تخص المشركين ، لذا فإنّ الجملة أعلاه تشير إلى الأدلة الواهية للمشركين في قبولهم بالشرك ، والتي منها شفاعة الأصنام أو اتباع دين الآباء والأجداد .

على أية حال ، فالمعاندون الذين يصرون على عنادهم بعد وضوح الحق ، سيفتضح أمرهم بين خلق الله ، وسيشملهم غضب الخالق في هذا العالم والعالم الآخر .

ثم يشير القرآن إلى أحد أدلة التوحيد وقدرة الخالق ، وفي نفس الوقت يتضمّن إثبات النبوة حيال المتحاججين ذوي المنطق الواهي ، حيث تقول الآية : {الله الذي أنزل الكتاب بالحق والميزان} .

«الحق» كلمة جامعة تشمل المعارف والعقائد الحقة ، والأخبار الصحيحة والبرامج المتطابقة مع الحاجة الفطرية والإجتماعية ، وما شابه ذلك ، لأن الحق هو الشيء الموجود الذي يطابق مصداقه الخارجي ، وليس له جنبة ذهنية وخيالية .

وأمّا «الميزان» فله معنى عام في مثل هذه الموارد ، بالرغم من أن معناه اللغوي هو وسيلة لقياس الوزن ، إلاّ أنّه في معناه الكنائي يطلق على أي معيار للقياس والقانون الإلهي الصحيح ، وحتى شخص الرّسول(صلى الله عليه وآله وسلم) والأئمّة (عليهم السلام) ، حيث أن وجودهم معيار لتشخيص الحق من الباطل وميزان يوم القيامة ، والميزان في القيامة يراد به هذا المعنى .

بناءً على هذا فإنّ الخالق أنزل كتاباً على نبيّ الإسلام (صلى الله عليه وآله وسلم) بحيث يعتبر هو الحق ، والميزان للتقييم ، والتدقيق في محتوى هذا الكتاب سواء معارفه وعقائده ، واستدلالاته المنطقية ، أو قوانينه الإجتماعية ، وحتى برامجه لتهذيب النفوس وتكامل البشر . . . كلّ ذلك يعتبر دليلا على حقانيته .

إنّ هذا المحتوى العظيم ـ بهذا العمق ـ من شخص أُمّي لا يعرف القراءة والكتابة ، وقد نشاً في مجتمع يعتبر من أكثر المجتمعات تخلفاً ، يعتبر بحدّ ذاته دليلا على عظمة الخالق ، ووجود عالم ما وراء الطبيعة ، وحقانية من جاء به .

وهكذا فإنّ الجملة أعلاه تعتبر جواباً للمشركين ولأهل الكتاب .

وبما أن نتيجة كلّ هذه الأمور ، خاصة ظهور الحق بشكل كامل والعدالة والميزان تتّضح في يوم القيامة ، لذا فإن الآية تقول في نهايتها : {وما يدريك لعل الساعة قريب} .

فالقيامة عندما تقام يحضر الجميع في محكمة عدله ، ويواجهون الميزان الذي يقيس حتى حبّة الخردل أو أصغر منها .

ثم يشير القرآن إلى موقف الكفار والمؤمنين حيال القيامة ، فتقول الآية : {يستعجل بها الذين لا يؤمنون بها} .

فهؤلاء لا يقولون ذلك بسبب عشقهم للقيامة والوصول إلى لقاء المحبوب أبداً ، إنّ كلامهم هذا من قبيل الإستهزاء والإنكار ، ولو كانوا يعلمون ما سيحل عليهم يوم القيامة لم يطلبوا مثل هذا الأمر .

{والذين آمنوا مشفقون منها ويعلمون أنّها الحق} (6) .

طبعاً لحظة قيام القيامة خافية على الجميع ، حتى بالنسبة للأنبياء المرسلين والملائكة المقربين ، ليكون هذا الأمر أسلوباً تربوياً مستمراً للمؤمنين ، واختباراً واتمام حجة للمنكرين ، ولكن لا يوجد أي شك في أصل وقوعها .

ومن هنا يتّضح مدى التأثير التربوي العميق للإيمان بالقيامة ومحكمة العدل الإلهي الكبيرة على المؤمنين خاصة في احتمالهم حصول هذا الأمر في أية لحظة من اللحظات .

وكإعلان عام ، تقول الآية في نهايتها : {ألا إن الذين يمارون في الساعة لفي ضلال بعيد} لأن نظام هذا العالم يعتبر ـ بحد ذاته ـ دليلا على أنّه مقدمة لعالم آخر وبدونه سيكون خلق هذا العالم عبثاً وليس له أي معنى ، وهذا لا يتناسب مع حكمة الخالق ولا مع عدالته .

وتشير عبارة (ضلال بعيد) إلى أن الإنسان قد يضل الطريق أحياناً ، إلاّ أنّه لا يبتعد عنه كثيراً ، وبقليل من البحث والجهد يمكنه أن يكتشف الطريق وأحياناً يكون البعد كبيراً جداً بحيث يصعب ـ أو يستحيل ـ عليه العثور على الطريق مرّة اُخرى .

والطريف في الأمر أنّنا نقرأ في حديث عن النّبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) : «سأل رجل رسول الله في إحدى سفراته وبصوت مرتفع : يا محمّد . . . ، فأجابه الرّسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وبصوت مرتفع مثل صوته «ما تقول ؟» .

قال الرجل : متى الساعة ؟

قال الرّسول (صلى الله عليه وآله وسلم) : «إنّها كائنة فما اعددت لها ؟» .

قال الرجل : حبّ الله ورسوله !

قال الرّسول (صلى الله عليه وآله وسلم) : «أنت مع من أحببت» (7) .

_________________

1- الامثل ، ناصر مكارم الشيرازي ، ج12 ، ص260-266 .

2 ـ بعض المفسّرين اعتبر «اللام» في «لذلك» بمعنى (إلى) ، والبعض الآخر بمعنى (التعليل) وفي الحالة الأولى تكون كلمة (ذلك) إشارة إلى دين الأنبياء السابقين ، وفي الحالة الثانية إشارة إلى اختلاف الأمم .

3 ـ بعض المفسّرين حدّد (العدالة) هنا بالقضاء ، في حين أنّه لا توجد قرينة على هذه المحدودية في الآية .

4 ـ الضمير المتكلم مع الغير في (بيننا) يشير إلى الرّسول(صلى الله عليه وآله وسلم) والمؤمنين ، وضمير الجمع في (بينكم) يشير إلى جميع الكفار ، سواء كانوا أهل الكتاب أو المشركين .

5 ـ مجمع البيان ، نهاية الآيات التي نبحثها . وتحف العقول كلمات الرّسول الأعظم(صلى الله عليه وآله وسلم) .

6 ـ «مشفقون» من كلمة (إشفاق) وتعني العلاقة المقترنة مع الخوف ، فمتى ما تعدت بحرف (من) يطغى جانب الخوف عليها ، وعندما تتعدى بحرف (على) يطغى جانب الإنتباه والمراقبة عليها ، ولذا فإن الإنسان يقول لصاحبه وصديقه : «أنا مشفق عليك» (تفسير روح المعاني ومفردات الراغب) .

7 ـ تفسير المراغي ، المجلد الخامس والعشرون ، ص32 .




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .