أقرأ أيضاً
التاريخ: 20-3-2016
3938
التاريخ: 12-6-2019
5144
التاريخ: 22-11-2017
3658
التاريخ: 14-7-2022
2036
|
بخلق الرسالة وآداب النبوة وبالفضائل السامية أطلّ الإمام الحسين ( عليه السّلام ) على مرحلة الرجولة في العقد الثالث من العمر ، يعيش أجواء أبيه المحتسب وهو يرى اللعبة السياسية تتلوّن والهدف واحد ، وهو أن لا يصل عليّ ( عليه السّلام ) وبنوه إلى زعامة الدولة الإسلامية بل تبقى الخلافة بعيدة عنهم ، فهاهو ابن الخطّاب لا يكتفي بحمل الامّة على ما لا تطيق من جفاء رأيه وطبعه وأخطاء اجتهاداته ؛ حتّى ابتلاها بالشورى السداسيّة التي انبثقت منها خلافة عثمان .
ولقد وصف الإمام أمير المؤمنين ( عليه السّلام ) هذه المرحلة وهو الذي آثر مصلحة الدين والامّة على حقّه الخاص في الزعامة فصبر صبرا مرّا حتّى قال :
فصبرت وفي العين قذى ، وفي الحلق شجا ، أرى تراثي نهبا ، حتى مضى الأوّل لسبيله ، فأدلى بها إلى ابن الخطّاب بعده ، فصيّرها في حوزة خشناء يغلظ كلمها ويخشن مسّها ، ويكثر العثار فيها ، فصبرت على طول المدّة وشدّة المحنة ، حتى إذا مضى لسبيله جعلها في جماعة زعم أنّي أحدهم ، فيا للّه وللشورى ، متى اعترض الريب فيّ مع الأوّل منهم حتى صرت اقرن إلى هذه النظائر ؟ ![1].
وازدادت محنة أهل البيت ( عليهم السّلام ) وتضاعفت مهمّتهم صعوبة ، وهم يواجهون عصرا جديدا من الانحراف بالخلافة ، وهو عصر يتطلّب جهودا أضخم وسعيا أكبر لكي لا تضيع الامّة والرسالة ، ولكنّ لونا متميزا من المعاناة القاسية بدأ واضحا يصبغ حياة الامّة الإسلامية ، فإنّ خيار رجالها من صحابة رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) يهانون ويضربون وينفون في الوقت الذي تتسابق على مراكز الدولة شرارها من الطلقاء وأبنائهم ، تحت ظلّ ضعف عثمان وجهله بالأمور أحيانا وعصبيّته القبليّة الامويّة أحيانا أخرى[2].
وعاش الحسين ( عليه السّلام ) معاناة الامّة وهي تنتفض على فساد حكم عثمان في مخاض عسير ، فتمتدّ الأيادي المظلومة لتزيح الخليفة الحاكم بقوّة السيف .
وفي خطبة الإمام عليّ ( عليه السّلام ) المعروفة بالشقشقيّة والتي وصف فيها محنة الامّة بتولّي الخلفاء الثلاثة دفّة الحكم قبله تصوير دقيق لما جرى في حكم عثمان بن عفّان ؛ إذ قال ( عليه السّلام ) :
إلى أن قام ثالث القوم نافجا حضنيه[3] بين نثيله[4] ، ومعتلفه[5] ، وقام معه بنو أبيه يخضمون[6] مال اللّه خضمة الإبل نبتة الربيع[7] ، إلى أن انتكث عليه فتله[8] ، وأجهز[9] عليه عمله ، وكبت[10] به بطنته[11].
موقف مع أبي ذرّ الغفاري :
أمعن الخليفة عثمان بن عفان في التنكيل بالمعارضين والمندّدين بسياسته غير مراع حرمة أو كرامة أحد من صحابة الرسول ( صلّى اللّه عليه واله ) الذين طالتهم يداه ، فصبّ عليهم جام غضبه وبالغ في ظلمهم وإرهاقهم ، وكان أبو ذر الغفاري - وهو أقدم أصحاب الرسول ( صلّى اللّه عليه واله ) الذين سبقوا إلى الإسلام - واحدا من المندّدين بسياسة عثمان والرافضين لها ، وقد نهاه عثمان عن ذلك فلم ينته ، فالتاع عثمان وضاق به ذرعا فأبعده إلى الشام ، وفي الشام أخذ أبو ذر يوقظ الناس ويدعوهم إلى الحذر من السياسة الامويّة التي كان ينتهجها معاوية ابن أبي سفيان وإلي عثمان الأموي على الشام .
لقد غضب معاوية على حركة أبي ذرّ وكتب إلى عثمان يخبره بخطره عليه ، فاستدعاه إلى المدينة ، لكن هذا الصحابي الجليل واصل مهمّة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتحذير من خطر الأموية الدخيلة على الاسلام والمسلمين ، فرأى عثمان أنّ خير وسيلة للتخلّص من معارضة أبي ذر هي نفيه إلى جهة نائية لا سكن فيها ، فأمر بإبعاده إلى الربذة موعزا إلى مروان بن الحكم بأن يمنع المسلمين من مشايعته وتوديعه ، ولكنّ أهل الحقّ أبوا إلّا مخالفة عثمان ، فقد انطلق لتوديعه - بشكل علني - الإمام علي ( عليه السّلام ) والحسنان ( عليهما السّلام ) وعقيل وعبد اللّه بن جعفر وعمّار بن ياسر رضي اللّه عنهم . وقد نقل المؤرّخون كلمات حكيمة وساخنة للمودّعين استنكروا خلالها الحكم العثماني الجائر ضدّه ، وقد جاء في كلمة الإمام الحسين ( عليه السّلام ) ما نصّه :
يا عمّاه ! إنّ اللّه تبارك وتعالى قادر أن يغيّر ما قد ترى ، إنّ اللّه كلّ يوم هو في شأن ، وقد منعك القوم دنياهم ، ومنعتهم دينك ، فما أغناك عمّا منعوك ، وأحوجهم إلى ما منعتهم ؟
فاسأل اللّه الصبر ، واستعذ به من الجشع والجزع ، فإنّ الصبر من الدين والكرم ، وإنّ الجشع لا يقدّم رزقا والجزع لا يؤخّر أجلا[12].
وبكى أبو ذر بكاءا مرّا ، فألقى نظرة الوداع الأخيرة على أهل البيت ( عليهم السّلام ) الذين أخلص لهم الودّ وأخلصوا له ، وخاطبهم بقوله :
« رحمكم اللّه يا أهل بيت الرحمة ، إذا رأيتكم ذكرت بكم رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) ، ما لي بالمدينة سكن ولا شجن غيركم ، إنّي ثقلت على عثمان بالحجاز كما ثقلت على معاوية بالشام ، وكره أن أجاور أخاه وابن خاله بالمصرين فافسد الناس عليهما فسيّرني إلى بلد ليس لي به ناصر ولا دافع إلّا اللّه ، واللّه ما أريد إلّا اللّه صاحبا ، وما أخشى مع اللّه وحشة »[13].
[1] نهج البلاغة : الخطبة الشقشقية .
[2] تاريخ الخلفاء : 57 .
[3] نافجا حضنيه : رافعهما ، والحضن : ما بين الإبط والكشح
[4] النثيل : الروث وقذر الدواب .
[5] المعتلف : موضع العلف .
[6] الخضم : أكل الشيء الرطب .
[7] النبتة - بكسر النون - : كالنبات في معناه .
[8] انتكث عليه فتله : انتقض .
[9] أجهز عليه : تمّم قتله .
[10] كبت به : من كبا الجواد إذا سقط بوجهه .
[11] البطنة - بالكسر - : البطر والأشر والتخمة .
[12] بحار الأنوار : 22 / 412 ، وراجع : مروج الذهب : 2 / 350 .
[13] المصدر السابق .
|
|
دراسة تحدد أفضل 4 وجبات صحية.. وأخطرها
|
|
|
|
|
جامعة الكفيل تحتفي بذكرى ولادة الإمام محمد الجواد (عليه السلام)
|
|
|