أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-05-28
1155
التاريخ: 3-12-2019
5110
التاريخ: 7-3-2022
2098
التاريخ: 2023-11-05
1319
|
إن القرآن الكريم عد الكذّاب من الذين لا يؤمنون بكل صراحة ووضوح: {إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ}[النحل: 105]، ويستفاد من مفهوم الآية أن المؤمن لا يتدنس بدنس الكذب.
وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (عليكم بالصدق، فإن الصدق يهدي إلى البر، وأن البر يهدي إلى الجنة، وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقاً وإياكم والكذب، فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وأن الفجور يهدي إلى النار، وما يزال الرجل يكذب حتى يكتب عند الله كذاباً)(1).
ومن خصائص الكذابين أنهم لا يصدقون بشيء إلا بعد لأيٍ وشدة، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) بهذا الصدد: (إن اشد الناس تصديقاً للناس اصدقهم حديثاً، وإن أشد الناس تكذيباً أكذبهم حديثاً)(2).
ويقول الدكتور صموئيل اسمايلز: (إن من الناس من يجعل طبيعته الدنيئة مقياساً لطبائع الآخرين بينما يجب أن نعلم ان الناس مرآة لأخلاقنا في الحقيقة، فما نرى فيهم من الخير والشر فإنما هو صورة عمّا في نفوسنا من ذلك)(3).
وأن الذي يكون ذا جرأة أدبية وشجاعة اخلاقية فإنه لا يحوم حول الكذب، ولا يتدنس بهذه الرذيلة، إن في دخيلة الكذاب مرضاً نفسياً يزيغه عن الاستقامة في الكلام، وإنما يتوسل بالكذب من يحس في قرارة نفسه بالضعف والصغار والذلة فإن الكذب إنما هو ملجأ كل ضعيف خائف وجبان كما قال علي (عليه السلام): (لو تميزت الأشياء لكان الصدق مع الشجاعة وكان الجبن مع الكذب)(4).
ويقول الدكتور ريموند بيج: (إن الكذب خير سلاح للدفاع للضعفاء وأسرع وسيلة لدرء الخطر لهم ولهذا نرى الكذب بين افراد الدماء الملونة رائجاً بكثير، إذ أنهم كانوا تحت نير البيض يحسّون بنفوذ سيطرة هؤلاء على أنفسهم وما يريدونه منهم. وليس الكذب في كثير من الأحيان إلا رد فعل للعجز والفشل وحينما نسأل الطفل هل أنت مسست هذه الحلويات؟، وهل أنت كسرت المزهرية؟، فلو كان الطفل يعلم ان الاعتراف يجره إلى جزاء شديد، كانت (غريزة الدفاع) تدفعه أن يقول: (لا)(5).
وقد بين الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) فوائد الصدق وثماره في جملة جليلة إذ قال: (يكتسب الصادق ثلاثاً: حسن الثقة، والمحبة له، المهابة منه)(6).
وقد بين الإمام الصادق (عليه السلام) أن ميزان الصلاح بنظر الإسلام إنما هو الصدق والأمانة وليس كثرة الصلاة والصيام، وذلك إذ قال (عليه السلام): (لا تغتروا بصلاتهم ولا صيامهم، فإن الرجل ربما لهج بالصلاة والصوم حتى لو تركه استوحش، ولكن اختبروهم عند صدق الحديث وأداء الأمانة)(7).
وقال الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام): (أقبح الخلائق الكذب)(8).
ويقول الدكتور صموئيل اسمايلز: (إن الكذب من بين الرذائل الأخلاقية والصفات الذميمة أقبح وألأم وأذمّ، إنه يجب على الإنسان أن يكون الصدق والأمانة هدفه الوحيد في جميع مراحل الحياة، وأن لا يضحي به في أي مورد ولأي ملاحظة في سبيل الأغراض والمقاصد الأخرى)(9).
إن الإسلام بنى جميع برامجه الإصلاحية والأخلاقية على أساس الإيمان، وجعله أساساً لسعادة الإنسان. يقول دكارت: (إن الأخلاق من دون الإيمان كالقصر المشيد على الطين او الجليد)، او كما يقول عالم آخر: (إن الأخلاق بدون الإيمان كحب النبات يزرع على صخرة او بين أشواك، فإنه يذبل ويموت. إن أسمى مراتب الأخلاق لو لم يكن مستوحى من الدين فهو كميّت أمام إنسان حي).
إن الدين يحكم العقل والقلب معاً، ولهذا فهو ساحة الإصلاح بينهما. إن العواطف الدينية تقلل من غلواء الأحاسيس المادية، وتجعل بين الإنسان وأنواع الرذائل سداً منيعاً، إن الذي يطمئن إلى الإيمان يكون دائماً على هدف وطمأنينة: {أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد: 28]، إن الإسلام جعل مقياس شخصية الإنسان إيمانه وملكاته الفاضلة، وسعى سعيه الحثيث لتنمية هذين العمودين فيه، فجعل إيمانه ضماناً لاعتبار قوله حيث حسب يمينه في قانون القضاء - مع الشرائط ـ قائماً مقام الدليل حاسماً للنزاع، وشهادته من طرق إثبات الحقوق.
وإذا أبدى الكذب شكله الموحش في هذين الموردين فواضح كم يترتب على ذلك من الضرر الكثير، حتى أنه يعد من الذنوب غير المعفو عنها، بحيث قال القرآن فيه: {وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}[النور: 4]، إذن فملاك شدة الذنب في الكذب بما ينشأ منه من أضرار ومفاسد، فالكذب في الشهادة واليمين أضر وأفسد وبذلك يكون الذنب فيهما أعظم وألأم.
إن الكذب وسيلة للوصول إلى سائر الرذائل، وقد قال الإمام الحسن العسكري (عليه السلام): (جعلت الخبائث كلها في بيت وجعل مفتاحها الكذب)(10)، ولكي يتضح لنا ما قاله الإمام الحسن العسكري (عليه السلام)، نجذب انتباهكم إلى هذا الحديث الشريف: جاء رجل إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله)، الموعظة، فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله): (دع الكذب وتزود بالصدق)، فذهب الرجل، ثم كان يقول أنه كان كثير الذنوب، ولكنه اضطر إلى أن يدعها، إذ لو سئل فصدق فضح نفسه، ولو كذب خالف ما التزم به وعصى نبيه، فبالتزامه بما وعظه به رسول الله (صلى الله عليه وآله)، نجى من الذنوب وطهر نفسه منها.
نعم إن من كان مع الصادقين فصدق في القول والفعل عاش بعيداً عن الاسف والحرمان، نيّر الفكر والروح بالإيمان، بعيداً عن القلق والاضطراب، وآمناً من التشويش في الأفكار.
ثم إن النظر في عواقب الكذب السيئة في الدين والدنيا لهو أكبر درس من العبر لمن فكر وأراد أن يعيش بعزة وشرف وكرامة، فإن عواقب الكذب سياط للتنبه والاعتبار. إن حقيقة الكمال لا تحصل إلا في ظل الأخلاق مع الإيمان، وحيثما لا توجد حقيقة هذا الكمال فليس للسعادة هناك أي مجال.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1ـ نهج الفصاحة: ص418.
2ـ المصدر السابق: ص118.
3ـ عن الترجمة الفارسية: أخلاق.
4ـ غرر الحكم: ص605.
5ـ عن الترجمة الفارسية: ما وفرزندان ما.
6ـ غرر الحكم: ص876.
7ـ اصول الكافي: ج1، ص460.
8ـ غرر الحكم: ص175.
9ـ عن الترجمة الفارسية: اخلاق.
10ـ جامع السعادات: ج2، ص318.
|
|
دراسة تحدد أفضل 4 وجبات صحية.. وأخطرها
|
|
|
|
|
الأمين العام للعتبة العسكرية المقدسة يستقبل مدير الوقف الجعفري في دولة الكويت
|
|
|