أقرأ أيضاً
التاريخ: 25-11-2017
2285
التاريخ: 9-6-2022
2214
التاريخ: 4-12-2021
2660
التاريخ: 11-7-2022
1595
|
وجدت دراسة شهيرة في مجال نماء الطفل صممها والتر ميشيل من جامعة ستانفورد أن الأطفال الصغار عندما يُطلب منهم الاختيار بين قطعة واحدة أو قطعتين من البسكويت، فإنهم دائمًا ما يختارون قطعتين. بعدها قال ميشيل للأطفال في دراساته: (توجد قطعة من البسكويت في هذا الصحن في متناول يديك. أحتاج إلى مغادرة الغرفة لبضع دقائق. إن لم تأكل هذه القطعة في غيابي، سأعطيك قطعة بسكويت إضافية عندما أعود. إن لم تطق صبرًا على أكل هذه القطعة، فلا بأس، لكنك لن تحصل على القطعة الثانية. وإن صبرت، سأعطيك قطعة البسكويت الثانية بالإضافة إلى هذه القطعة عندما أعود).
أكل جميع الأطفال الدارجين تقريبا قطعة البسكويت في أثناء غياب الباحث عن الغرفة. لم يستطيعوا الانتظار، بصرف النظر عن مقدار رغبتهم في قطعة البسكويت الثانية، للسبب نفسه الذي يجعلهم عاجزين أحيانًا عن اتباع قواعدك في المنزل. قد يرغبون بشدة في اتباعها، لكن تطور عقولهم غير كاف للتحكم في اندفاعاتهم، ولو كان ذلك من أجل تحقيق هدف مهم بالنسبة إليهم.
حتى عند بلوغهم سن الروضة، لا يستطيع سبعون في المائة من الأطفال التحكم في اندفاعاتهم بما يكفي لتجنب أكل قطعة البسكويت الأولى، بصرف النظر عن مدى رغبتهم في الحصول على الثانية. لكن ديفيد، طفلنا الدارج ذا الإتقان العالي كبر ليصير واحدا من الثلاثين في المائة من أطفال الروضة الذين استطاعوا الانتظار. كل تلك التجارب التي أتقن فيها إطالة متوسط فترة تركيزه والتعامل مع عواطفه دربته على إدارة نفسه. صار يعرف كيف يعمل بدأب في سبيل ما يريد. وقد علمته العديد من التجارب في حل المشكلات بعض الاستراتيجيات المفيدة.
لذلك عندما يغادر الباحث الغرفة، يشتت ديفيد نفسه. وبعد نظرة اشتهاء واحدة إلى قطعة البسكويت، يترك الطاولة التي تحمل قطعة البسكويت، ويسحب اللعبة الأكثر إثارة من الرف، ويصب كل تركيزه عليها. ينظم ديفيد اندفاعاته بنجاح لتجنب أكل قطعة البسكويت الأولى في أثناء غياب الباحث عن الغرفة. وعندما يعود الباحث، يحصل ديفيد على قطعة البسكويت الثانية التي أرادها.
أعترف أنني عندما سمعت لأول مرة عن تجربة البسكويت هذه، فكرت أنها قاسية بعض الشيء، وتساءلت لماذا نعتد بها كثيرا. ماذا لو كان الطفل غير راغب في قطعة البسكويت الثانية أصلا؟ ومن يبالي إن استطاع مقاومة أكل القطعة الأولى؟ لكن جميع الأطفال الصغار تقريبا يقولون إنهم يريدون قطعة البسكويت الثانية، لذلك فإن السؤال المطروح هو ما إذا كان الطفل قادرًا على التحكم في اندفاعاته في سبيل تحقيق أهدافه.
تكمن فائدة تجربة البسكويت في أنها توضح لنا ما إذا كان الطفل قد طور قشرته الجبهية المنطقية بما يكفي لتنظيم عواطفه وقلقه واندفاعاته. يُعد هذا الإنجاز الضخم مؤشرًا على نشأة إتقان الطفل لذاته، الأمر الذي يسمح له بدوره بإتقان العالم. تشير الدراسات إلى أن الأطفال في سن الرابعة الذين يحسنون إدارة أنفسهم بما يكفي للامتناع عن تناول البسكويت يبلون بلاء حسنا في المدرسة، ويبلون بلاء حسناً مع أقرانهم، ويصنفهم الآباء على أنهم أكثر تعاونًا. هم أفضل في التركيز وفي حجب المشتتات. ومع تقدمهم في العمر، يصيرون أشد كفاءة وثقة وسعادة، حتى إنهم يسجلون متوسط مائتي نقطة أعلى في اختبار سات (SAT)، ولا غرو في ذلك حقًّا بالنظر إلى أنهم طلاب أعلى إنجازا وأفضل في تنظيم قلقهم. يسهل معرفة السبب في أن التحكم في الاندفاعات يساعد الأطفال على أن يصيروا أكثر تحملاً للمسؤولية وأكثر تهذيبا. ذلك لأنه بفضل قدرتهم على تنظيم عواطفهم، صاروا قادرين على التحكم في سلوكهم.
يطور الغالبية العظمى من الأطفال في النهاية القدرة على مقاومة قطعة البسكويت الأولى، إذ ترسخ قشرتهم الجبهية المسارات العصبية المسؤولة عن تهدئة القلق وتنظيم العواطف. يساعد الآباء أطفالهم في الوصول إلى هذه المرحلة الناضجة نسبياً بشكل أسرع في كل مرة يهدئون فيها القلق ويحاكون المشاعر.
لكن هذه القدرة على التنظيم الذاتي تتطور أيضا نتيجة لتجارب الطفل المتزايدة في حل المشكلات في أثناء محاولاته إتقان العالم الخارجي. لقد برع الأطفال القادرون على الامتناع عن أكل البسكويت في توجيه دفة انتباههم نحو شيء آخر. لنلق نظرة على الطريقة التي يمكن بها لآباء أطفال الروضة استخدام أدوات نصب السقالات لدعم طفل الروضة كحلّال مشكلات ناشئ.
1. تقديم نموذج. (أحاول اكتشاف ما الذي يفتحه هذا المفتاح. هل تريد مساعدتي في تجربته في البابين الأمامي والخلفي؟).
2. توفير الأدوات والاستراتيجيات. (عندما يتشارك شخصان قطعة من الكعك، كيف نحقق قسمة العدل بينهما؟ ما رأيك أن تقسمها جينا إلى قطعتين، ثم يختار جاكوب قطعة لكل فرد؟).
3. التسلسل. «عندما نصل إلى الروضة، سأقرأ لك قصة. ثم سنجد صديقك كريستوفر، ويمكنك أن تلعب معه في ركن المكعبات بعد أن أودعك».
4. دعم التنظيم العاطفي. (كم أنت محبط من ذلك! إليك، سأمسك هذا الجانب من أجلك، حتى تتمكن من دفع هذا الجانب في مكانه).
5. التذكير. (نحن ننظف فوضانا دائما. تعال دعنا نجلب المناشف الورقية وسوف أساعدك).
6. التشجيع. (قد يكون محبطاً أن ترتدي حذاءك بمفردك... أحب محاولاتك الدائمة وعدم استسلامك!).
كل هذه الممارسات بهدف نصب السقالات، التي استخدمناها لأول مرة مع الأطفال الدارجين تظل ضرورية لدعم أطفال الروضة في إتقان التعامل مع عالمهم. لكن أطفال الروضة يحتاجون أيضًا إلى التشجيع لممارسة حل المشكلات بمستواه الأكثر تعقيدا. وهذا يتطلب منا نحن الآباء أن نتخلى عن بعض السيطرة وأن نشجع كل ميل نحو الاكتفاء الذاتي. على سبيل المثال، يريد إيثان ذو السنوات الثلاث كوبا من الماء. جهَّز والداه الحمام بمقعد صغير وأكواب غير قابلة للكسر حتى يتمكن إيثان من مساعدة نفسه في الوصول إلى الماء متى أراد. ليست هذه عملية سهلة بالنسبة إلى إيثان الذي ما زال يتعين عليه التريث لتذكر الاتجاه الذي يجب أن يدير الصنبور إليه، لكنه يجد بهجة غامرة في حل المشكلة التي لا بد من حلها ليتسنى له جلب الماء لنفسه. هل يسكب الماء أحيانًا في الحمام؟ نعم، لكن هذا ثمن بخس تدفعه مقابل طفل أكثر اكتفاء ذاتيا وعدم اضطرارك إلى «خدمة» طفلك في سن الروضة كلما شعر بالعطش. حتى إنه يتعلم تنظيف فوضاه!
وبالمثل، والدا هيلي أخبراها بأنها تستطيع تولي مسؤولية ملابسها. أبقيا ملابس الموسم الحالي فقط على الرفوف في خزانة ثيابها، حتى تستطيع الطفلة ذات الأعوام الأربعة اختيار زيها بنفسها. هل تتعارض ثيابها المنقوشة بالمربعات مع تلك المنقوشة بالزهور؟ بالطبع. لكن في المقابل تلافي أبواها صراعات السلطة ومنحا طفلتهما ذات الأعوام الأربعة بعض الاستقلالية الأساسية، ناهيك بأنها تتعلم أيضًا أي الثياب ترتاح في ارتدائها وكيف تضع هذه الثياب على جسدها بنفسها.
تريد كيرا ارتداء فستانها الأحمر، لكن أمها علقته في الخزانة بعيدا عن متناول يدها. تسأل الأم كيرا: (هل يمكنك اكتشاف كيفية إنزاله بنفسك؟). تسحب الطفلة الجسور البالغة من العمر خمس سنوات كرسي الحمام إلى خزانتها وتتسلق. يمكنها لمس الفستان لكنها لا تستطيع جذبه من الشماعة. فتسحب كيرا، بأعصاب هادئة، الكرسي العالي من مكتب والدتها إلى الخزانة وتتسلق عليه. النصر! تتعلم كيرا الاستمرار في تجربة استراتيجيات مختلفة حتى تجد واحدة ناجحة - تلك إحدى أساسيات الإتقان.
كما لا بد أنك لاحظت كثيرًا ما ينبع الإتقان من استنفار الآباء الصبر الكافي للتراجع وترك الطفل (يفعلها بنفسه)، حتى عندما يستغرق ذلك ضعف الوقت. لكن يمكن للأبوين أيضًا تعليم مهارات الإتقان بشكل مباشر. تريد والدة كاميرون أن تساعد طفلها البالغ من العمر ثلاث سنوات في تعلم المزيد من السيطرة على الاندفاعات، لذلك تلعب لعبة مرحة لتدريبه، مثل: (لعبة ضوء أحمر، ضوء أخضر) ولعبة (أمي، هل تسمحين لي؟). وعندما يشعر جيمس بالإحباط بسبب سقوط برجه، يساعده والده في تجربة إرساء قاعدة أكبر لدعم البرج الأعلى. أما والدة إيما فتتبادل الأفكار مع طفلتها عندما يتعين عليها الاختيار بين حفل عيد ميلاد أحد الأصدقاء والفرح لأختها الكبرى.
كيف يدعم هذا بناء الإتقان؟ تعتمد عملية الإتقان على قدرتنا على تقييم المشكلات، وتأمل النهج، وتجربة الحلول، وإدارة اندفاعاتنا وعواطفنا لاجتياز الإحباطات الطبيعية. من محاولات طفل الثالثة بناء برج طويل إلى مفاوضات طفل الرابعة مع أقرانه حول اللعبة التي سيلعبونها إلى براعة طفل الخامسة في لعبة الحاسوب خاصته، لا بد لأطفال الروضة أن يديروا أنفسهم إذا كانوا يريدون أن يتقنوا عوالمهم.
بحلول العام السادس من العمر، يأخذ العقل البشري قفزة أخرى إلى الأمام، حيث تتولى الأجزاء المنطقية في الدماغ المسؤولية، ويدخل الطفل سن الإتقان.
|
|
دراسة تحدد أفضل 4 وجبات صحية.. وأخطرها
|
|
|
|
|
قسم الشؤون الفكرية يصدر كتاب الفلسفة الغربية برؤية الشيخ مرتضى مطهري
|
|
|