أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-02-08
2226
التاريخ: 18-10-2016
1564
التاريخ: 2024-09-03
467
التاريخ: 2024-08-24
394
|
وكان من دعائه (عليه السلام) في الرهبة:
اَللَّهُمَّ إنَّكَ خَلَقْتَنِي سَوِيّاً، وَرَبَّيْتَنِي صَغِيراً، وَرَزَقْتَنِي مَكْفِيّاً. اللَّهُمَّ إنِّي وَجَدْتُ فِيمَا أَنْزَلْتَ مِنْ كِتَابِكَ وَبَشَّرْتَ بِهِ عِبَادِكَ أَنْ قُلْتَ: {يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّـهِ إِنَّ اللَّـهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا} وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنِّي مَا قَدْ عَلِمْتَ وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي، فَيَا سَوْأَتا مِمَّا أَحْصَاهُ عَلَيَّ كِتَابُكَ، فَلَوْلاَ الْمَوَاقِفُ الَّتِي أُؤَمِّلُ مِنْ عَفْوِكَ الَّذِي شَمِلَ كُلَّ شَيْء لاَلْقَيْتُ بِيَدِي، وَلَوْ أَنَّ أَحَداً اسْتَطاعَ الْهَرَبَ مِنْ رَبِّهِ لَكُنْتُ أَنَا أَحَقُّ بِالهَرَبِ مِنْكَ، وَأَنْتَ لاَ تَخْفَى عَلَيْكَ خَافِيَةٌ فِي الاَرْضِ وَلاَ فِي السماء إلاَّ أَتَيْتَ بِهَا، وَكَفى بِكَ جَازِياً، وَكَفى بِكَ حَسِيباً. اللَّهُمَّ إنَّكَ طَالِبِي إنْ أَنَا هَرَبْتُ، وَمُدْرِكِي إنْ أَنَا فَرَرْتُ فَهَا أَنَا ذَا بَيْنَ يَدَيْكَ خَاضِعٌ ذَلِيلٌ رَاغِمٌ، إنْ تُعَذِّبْنِي فَإنّي لِذلِكَ أَهْلٌ، وَهُوَ يَارَبِّ مِنْكَ عَدْلٌ، وَإنْ تَعْفُ عَنِّي فَقَدِيماً شَمَلَنِي عَفْوُكَ، وَأَلبَسْتَنِي عَافِيَتَكَ، فَأَسْأَلُكَ اللَّهُمَّ بِالْمَخْزونِ مِنْ أَسْمائِكَ، وَبِمَا وَارتْهُ الْحُجُبُ مِنْ بَهَائِكَ إلاَّ رَحِمْتَ هذِهِ النَّفْسَ الْجَزُوعَةَ، وَهَذِهِ الرِّمَّةَ الْهَلُوعَةَ الَّتِي لاَ تَسْتَطِيعُ حَرَّ شَمْسِكَ، فَكَيْفَ تَسْتَطِيعُ حَرَّ نارِكَ، وَالَّتِي لاَ تَسْتَطِيعُ صَوْتَ رَعْدِكَ، فَكَيْفَ تَسْتَطِيعُ صَوْتَ غَضَبِكَ، فَارْحَمْنِي اللَّهُمَّ فَإنِّي امْرُؤٌ حَقِيرٌ وَخَطَرِي يَسِيرٌ، وَلَيْسَ عَذَابِي مِمَّا يَزِيدُ فِي مُلْكِكَ مِثْقَالَ ذَرَّة، وَلَوْ أَنَّ عَذَابِي مِمَّا يَزِيدُ فِي مُلْكِكَ لَسَأَلْتُكَ الصَّبْرَ عَلَيْهِ، وَأَحْبَبْتُ أَنْ يَكُونَ ذلِكَ لَكَ، وَلكِنْ سُلْطَانُكَ اللَّهُمَّ أَعْظَمُ، وَمُلْكُكَ أَدْوَمُ مِنْ أَنْ تَزِيـدَ فِيْهِ طَاعَةُ الْمُطِيعِينَ، أَوْ تُنْقِصَ مِنْهُ مَعْصِيَةُ الْمُذْنِبِينَ، فَارْحَمْنِي يا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، وَتَجاوَزْ عَنِّي يا ذَا الْجَلاَلِ وَالإكْرَامِ، وَتُبْ عَلَيَّ، إنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ.
وكان من دعائه (عليه السلام) في التضرع وَالاستكانة:
إلهِي أَحْمَـدُكَ وَأَنْتَ لِلْحَمْدِ أَهْلٌ، عَلَى حُسْنِ صَنِيعِكَ إلَيَّ، وَسُبُـوغِ نَعْمَآئِكَ عَلَيَّ وَجَزِيْلِ عَطَآئِكَ عِنْدِي، وَعَلَى ما فَضَّلْتَنِي مِنْ رَحْمَتِكَ، وَأَسْبَغْتَ عَلَيَّ مِنْ نِعْمَتِكَ، فَقَدِ اصْطَنَعْتَ عِنْدِي ما يَعْجِزُ عَنُهُ شُكْرِي، وَلَوْلاَ إحْسَانُكَ إلَيَّ وَسُبُوغُ نَعْمَآئِـكَ عَلَيَّ، مَا بَلَغْتُ إحْرازَ حَظِّي، وَلاَ إصْلاَحَ نَفْسِي، وَلكِنَّكَ ابْتَدَأْتَنِي بِالإحْسَانِ، وَرَزَقْتَنِي فِي أُمُورِي كُلِّهَا الْكِفَايَةَ، وَصَرَفْتَ عَنِّي جَهْدَ الْبَلاءِ، وَمَنَعْتَ مِنِّي مَحْذُورَ الْقَضَآءِ. إلهِي فَكَمْ مِنْ بَلاءٍ جَاهِدٍ قَدْ صَرَفْتَ عَنِّي، وَكَمْ مِنْ نِعْمَة سَابِغَة أَقْرَرْتَ بِهَا عَيْنِي، وَكَمْ مِنْ صَنِيعَةٍ كَرِيمَةٍ لَكَ عِنْدِي، أَنْتَ الَّذِي أَجَبْتَ عِنْدَ الاضْطِرَارِ دَعْوَتِي، وَأَقَلْتَ عِنْدَ الْعِثَارِ زَلَّتِي، وَأَخَذْتَ لِي مِنَ الاَعْدَآءِ بِظُلاَمَتِي، إلهِي مَا وَجَدْتُكَ بَخِيلاً، حِينَ سَأَلْتُكَ، وَلاَ مُنْقَبِضاً حِينَ أَرَدْتُكَ، بل وَجَدْتُكَ لِدُعَآئِي سَامِعاً، وَلِمَطَالِبِي مُعْطِياً، وَوَجَدْتُ نُعْمَاكَ عَلَيَّ سَابِغَةً فِي كُلِّ شَأْن مِنْ شَأْنِي، وَكُلِّ زَمَان مِنْ زَمَانِي، فَأَنْتَ عِنْدِي مَحْمُودٌ، وَصَنِيعُكَ لَدَيَّ مَبْرُورٌ، تَحْمَدُكَ نَفْسِي وَلِسَانِيْ وَعَقْلِي، حَمْداً يَبْلُغُ الوَفَآءَ وَحَقِيقَةَ الشُّكْرِ، حَمْداً يَكُونُ مَبْلَغَ رِضَاكَ عَنِّي، فَنَجِّنِي مِنْ سَخَطِكَ يَا كَهْفِي حِينَ تُعْيينِي الْمَذَاهِبُ* وَيَا مُقيلِي عَثْرَتِي فَلَوْلاَ سَتْرُكَ عَوْرَتِي، لَكُنْتُ مِنَ الْمَفْضُوحِينَ، وَيَا مُؤَيِّدِي بِالنَّصْرِ، فَلَوْلاَ نَصْرُكَ إيَّايَ لَكُنْتُ مِنَ الْمَغْلُوبِينَ، وَيَا مَنْ وَضَعَتْ لَهُ الْمُلُوكُ نِيرَ الْمَذَلَّةِ عَلى أَعْنَاقِهَا، فَهُمْ مِنْ سَطَواتِهِ خَائِفُونَ، وَيَا أَهْلَ التَّقْوَى، وَيَا مَنْ لَهُ الأسماء الْحُسْنى، أَسْأَلُكَ أَنْ تَعْفُوَ عَنِّي، وَتَغْفِرَ لِي، فَلَسْتُ بَرِيئاً فَأَعْتَذِرَ، وَلاَ بِذِي قُوَّة فَأَنْتَصِرَ، وَلاَ مَفَرَّ لِي فَأَفِرَّ، وَأَسْتَقِيْلُكَ عَثَراتِي، وَأَتَنَصَّلُ إلَيْكَ مِنْ ذُنُوبِي الَّتِي قَدْ أَوْبَقَتْنِي، وَأَحَاطَتْ بِي فَأَهْلَكَتْنِي، مِنْهَا فَرَرْتُ إلَيْكَ رَبِّ تَائِباً، فَتُبْ عَلَيَّ مُتَعَوِّذاً فَأَعِذْنِي مُسْتَجِيراً، فَلاَ تَخْذُلْنِي سَآئِلاً، فَلاَ تَحْرِمْنِي مُعْتَصِماً، فَلاَ تُسْلِمْنِي دَاعِياً، فَلاَ تَرُدَّنِي خَائِباً، دَعوْتُكَ يَارَبِّ مِسْكِيناً مُسْتَكِيناً مُشْفِقاً خَائِفاً وَجِلاً فَقِيراً مُضْطَرّاً إلَيْكَ، أَشْكُو إلَيْكَ يَا إلهِي ضَعْفَ نَفْسِي عَنِ الْمُسَارَعَةِ فِيمَا وَعَدْتَهُ أَوْلِيَآءَكَ، وَالْمُجَانَبَةِ عَمَّا حَذَّرْتَهُ أَعْدَآءَكَ، وَكَثْرَةَ هُمُومِي، وَوَسْوَسَةَ نَفْسِي.
إلهِي لَمْ تَفْضَحْنِي بِسَرِيرَتِي، وَلَمْ تُهْلِكْنِي بِجَرِيرَتِي، أَدْعُوكَ فَتُجِيبُنِي، وَإنْ كُنْتُ بَطِيئاً حِيْنَ تَدْعُونِي، وَأَسْأَلُكَ كُلَّمَا شِئْتُ مِنْ حَوَائِجِي، وَحَيْثُ مَا كُنْتُ وَضَعْتُ عِنْدَكَ سِرِّي، فَلاَ أَدْعُو سِوَاكَ وَلاَ أَرْجُو غَيْرَكَ. لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ، تَسْمَعُ مَنْ شَكَا إلَيْكَ، وَتَلْقى مَنْ تَوَكَّلَ عَلَيْكَ، وَتُخَلِّصُ مَنِ اعْتَصَمَ بِكَ، وَتُفَرِّجُ عَمَّنْ لاذَ بِكَ.
إلهِي فَلاَ تَحْرِمْنِي خَيْرَ الآخِرَةِ وَالأُولى، لِقِلَّةِ شُكْرِي، وَاغْفِرْ لِي مَا تَعْلَمُ مِنْ ذُنُوبِي، إنْ تُعَذِّبْ فَأَنَا الظَّالِمُ الْمُفَرِّطُ الْمُضَيِّعُ الآثِمُ الْمُقَصِّرُ الْمُضْجِعُ، الُمُغْفِلُ حَظَّ نَفْسِي، وَإنْ تَغْفِرْ فَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ.
(1) قوله عليه السلام: تعييني المذاهب
أعياه الأمر وأعيا عليه: إذا عجز عن تدبيره ولم يهتد لوجهه، يتعدّي ولا يتعدّى.
قال الزمخشري في أساس البلاغة: عيّ بالأمر وتعيّأ به وتعايا، وأعياه الأمر إذا لم يضبطه. وعايا صاحب معاياة، إذا ألقى عليه كلاماً أو عملاً لا يهتدي لوجهه.
وتقول: إيّاك ومسائل المعاياة فإنّها صعبة المعاناة (1).
قال الجوهري في الصحاح: أعيا الرجل في المشي وأعياه الله، كلاهما بالألف، وأعيا عليه الأمر وتعيّا وتعايا بمعنى (2).
قلت: ومن هناك ما جعل العيّ اسماً للجهل. وفي الحديث: شفاء العيّ السؤال.
قال ابن الأثير في النهاية: العيّ الجهل، وقد عيي به يعيا عيّاً. وعيّ بالإدغام والتشديد مثل غيّ (3) ومنه حديث الهدي «فأزحفت عليه بالطريق فعيّ بشأنها» أي: عجز عنها وأشكل عليه أمرها. ومنه حديث عليّ (عليه السلام): «فعلهم الداء العياء» هو الذي أعيا الأطبّاء ولم ينجع فيه الدواء (4)
وقال المطرّزي في المغرب: الاعياء التعب. والأصل فيه ما أوردناه، فقد قال: العيّ العجز من باب ليس، ثمّ قال: والاعياء التعب، فمن توهّم أنه معنى فقد أخطأ، وكان منشأ وهمه ما يحكى عن الكسائي أنّ سبب تعلّمه النحو أنّه جاء إلى قوم وقد أعيا، فقال: قد عيّيت بالتشديد، فقالوا: إن كنت أردت من انقطاع الحيلة فقد عييت بالتخفيف، وإن كنت أردت من التعب فقد أعييت.
وبالجملة التعب وانقطاع الحيلة والتحيّر في الأمر وعدم الاهتداء لوجهه كلّها من أصل واحد. نعم قال في المغرب: ومنه فيعتمد إذا أعيا ويقعد إذا عجز. وقوله الرجل يصلّي تطوّعاً وقد افتتح قائماً ثمّ يعيي، الصواب أعيا أو يعيي.
ومغزاه الذي رامه أنّه لو استعمل متعدّياً فالصواب أعيا أو يعيي، ولو عدّي بالحرف فالصواب يعيي به، فقوله يعيي متعدّياً لا بحرف خطأ، فتثبّت ولا تتخبّط.
وكان من دعائه (عليه السلام) في الالحاح على الله تعالى:
يَا اللهُ الَّذِي لاَ يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السماء، وَكَيْفَ يَخْفى عَلَيْكَ يَا إلهِي مَا أَنْتَ خَلَقْتَهُ، وَكَيْفَ لاَ تُحْصِي مَا أَنْتَ صَنَعْتَهُ، أَوْ كَيْفَ يَغِيبُ عَنْكَ مَا أَنْتَ تُدَبِّرُهُ، أَوْ كَيْفَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَهْرُبَ مِنْكَ مَنْ لاَ حَياةَ لَهُ إلاَّ بِرِزْقِكَ، أَوْ كَيْفَ يَنْجُو مِنْكَ مَنْ لاَ مَذْهَبَ لَهُ فِي غَيْرِ مُلْكِكَ، سُبْحَانَكَ، أَخْشى خَلْقِكَ لَكَ أَعْلَمُهُمْ بِكَ، وَأَخْضَعُهُمْ لَكَ أَعْمَلُهُمْ بِطَاعَتِكَ، وَأَهْوَنُهُمْ عَلَيْكَ مَنْ أَنْتَ تَرْزُقُهُ، وَهُوَ يَعْبُدُ غَيْرَكَ، سُبْحَانَكَ، لاَ يُنْقِصُ سُلْطَانَكَ مَنْ أَشْرَكَ بِكَ، وَكَذَّبَ رُسُلَكَ، وَلَيْسَ يَسْتَطِيعُ مَنْ كَرِهَ قَضَآءكَ أَنْ يَرُدَّ أَمْرَكَ، وَلاَ يَمْتَنِعُ مِنْكَ مَنْ كَذَّبَ بِقُدْرَتِكَ، وَلاَ يَفُوتُكَ مَنْ عَبَدَ غَيْرَكَ، وَلاَ يُعَمَّرُ فِي الدُّنْيَا مَنْ كَرِهَ لقاءك، سُبْحَانَكَ، مَا أَعْظَمَ شَأْنَكَ، وَأَقْهَرَ سُلْطَانَكَ، وَأَشَدَّ قُوَّتَكَ، وَأَنْفَذَ أَمْرَكَ، سُبْحَانَكَ، قَضَيْتَ عَلَى جَمِيعِ خَلْقِكَ الْمَوْتَ، مَنْ وَحَّدَكَ وَمَنْ كَفَرَ بِكَ، وَكُلٌّ ذَائِقُ المَوْتِ، وَكُلٌّ صَائِرٌ إلَيْكَ، فَتَبَارَكْتَ وَتَعَالَيْتَ، لاَ إلهَ إلاَّ أَنْتَ، وَحْدَكَ لاَ شَرِيكَ لَكَ، آمَنْتُ بِكَ، وَصَدَّقْتُ رُسُلَكَ، وَقَبِلْتُ كِتَابَكَ، وَكَفَرْتُ بِكُلِّ مَعْبُود غَيْرِكَ، وَبَرِئْتُ مِمَّنْ عَبَدَ سِوَاكَ.
اللَّهُمَّ إنِّي أُصْبحُ وَأُمْسِي مُسْتَقِلاًّ لِعَمَلِي، مُعْتَرِفاً بِذَنْبِي، مُقِرَّاً بِخَطَايَايَ، أَنَا بِإسْرَافِي عَلَى نَفْسِي ذَلِيلٌ، عَمَلِي أَهْلَكَنِي، وَهَوَايَ أَرْدَانِي* وَشَهَوَاتِي حَرَمَتْنِي، فَأَسْأَلُكَ يَا مَوْلاَيَ سُؤالَ مَنْ نَفْسُهُ لاَهِيَةٌ لِطُولِ أَمَلِهِ، وَبَدَنُهُ غَافِلٌ لِسُكُونِ عُرُوقِهِ، وَقَلْبُهُ مَفْتُونٌ بِكَثْرَةِ النِّعَمِ عَلَيْهِ، وَفِكْرُهُ قَلِيلٌ لِمَا هُوَ صَائِرٌ إلَيْهِ سُؤَالَ مَنْ قَدْ غَلَبَ عَلَيْهِ الاَمَلُ، وَفَتَنَهُ الْهَوى، وَاسْتَمْكَنَتْ مِنْهُ الدُّنْيَا، وَأَظَلَّهُ الاَجَلُ* سُؤَالَ مَنِ اسْتَكْثَرَ ذُنُوبَهُ، وَاعْتَرَفَ بِخَطِيئَتِهِ، سُؤَالَ مَنْ لاَ رَبَّ لَهُ غَيْرُكَ، وَلاَ وَلِيَّ لَهُ دُونَكَ، وَلاَ مُنْقِذَ لَهُ مِنْكَ وَلاَ مَلْجَأَ لَهُ مِنْكَ إلاَّ إلَيْكَ، إلهِي أسْأَلُكَ بِحَقِّكَ الْـوَاجِبِ عَلَى جَمِيعِ خَلْقِكَ، وَبِاسْمِكَ الْعَظِيْمِ الَّذِي أَمَرْتَ رَسُولَكَ أَنْ يُسَبِّحَكَ بِهِ، وَبِجَلاَلِ وَجْهِكَ الْكَرِيمِ الذِي لاَ يَبْلى وَلاَ يَتَغَيَّرُ، وَلاَ يَحُولُ وَلاَ يَفْنى، أَنْ تُصَلِّيَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، وَأَنْ تُغْنِيَنِي عَنْ كُلِّ شَيْء بِعِبادَتِكَ، وَأَنْ تُسَلِّيَ نَفْسِيْ عَنِ الدُّنْيَا بِمَخَافَتِكَ، وَأَنْ تُثْنِيَنِي بِالْكَثِيْرِ مِنْ كَرَامَتِكَ بِرَحْمَتِكَ، فَإلَيْكَ أَفِرُّ، ومِنْكَ أَخَافُ، وَبِكَ أَسْتَغِيثُ، وَإيَّاكَ أَرْجُو، وَلَكَ أَدْعُو، وَإلَيْكَ أَلْجَأُ، وَبِكَ أَثِقُ، وَإيَّاكَ أَسْتَعِينُ، وَبِكَ أُؤمِنُ، وَعَلَيْكَ أَتَوَكَّلُ، وَعَلَى جُودِكَ وَكَرَمِكَ أَتَّكِلُ.
* قوله عليه السلام: أرداني
أي: أهلكني من الردى بمعنى الهلاك، يقال: ردي بالكسر يردى بالفتح ردي، أي: هلك وأرداه غيره. أو هوّدني وأسقطني في بئر. أو تهوّر من جبل، أو رماني من أرديت عنهم إذا رميت بالحجارة مناضلة عنهم.
* قوله عليه السلام: وأظلّه الأجل
يقال: أظلّك فلان إذا دنى منك كأن ألقى عليك ظلّة، ثمّ قيل: أظلّك أمر كذا وأظلّك شهر كذا، أي: دني منك، وأظلّه وقرب منه وأجمّ وأحمّ وآن له وحان ورهق وخطر نظائر.
وكان من دعائه (عليه السلام) في التذلل لله (عز وجل):
رَبِّ أَفْحَمَتْنِيْ ذُنُوبِي، وَانْقَطَعَتْ مَقَالَتِي، فَلاَ حُجَّةَ لِي فَأَنَا الأَسِيـرُ، بِبَلِيَّتِي، الْمُـرْتَهَنُ بِعَمَلِي، الْمُتَرَدِّدُ فِي خَطِيئَتِي، الْمُتَحَيِّرُ عَنْ قَصْدِي الْمُنْقَطَعُ بِي* قَدْ أَوْقَفْتُ نَفْسِي مَوْقِفَ الأَذِلاَّءِ الْمُذْنِبِينَ، مَوْقِفَ الأشقياء الْمُتَجَرِّينَ عَلَيْكَ، الْمُسْتَخِفِّينَ بِوَعْدِكَ، سُبْحَانَكَ، أَيَّ جُرْأَةٍ اجْتَرَأْتُ عَلَيْكَ، وَأَيَّ تَغْرِير غَرَّرْتُ بِنَفْسِي، مَوْلاَيَ، ارحم كَبْوَتِيْ لِحُرِّ وَجْهِي وَزَلَّةَ قَدَمِي، وَعُدْ بِحِلْمِكَ عَلَى جَهْلِي، وَبِإحْسَانِكَ عَلَى إسَآءَتِي، فَأَنَا الْمُقِرُّ بِذَنْبِي، الْمُعْتَرِفُ بِخَطِيئَتِي، وَهَذِهِ يَدِيْ وَنَاصِيَتِي، أَسْتَكِينُ بِالْقَـوْدِ مِنْ نَفْسِي، ارحم شَيْبَتِي، وَنَفَادَ أَيَّامِي، وَاقْتِرَابَ أَجَلِي وَضَعْفِي وَمَسْكَنَتِي وَقِلَّةَ حِيلَتِي، مَوْلاَيَ وَارْحَمْنِي إذَا انْقَطَعَ مِنَ الدُّنْيَا أَثَرِي، وَامَّحى مِنَ الْمَخْلُوقِينَ ذِكْرِي، وَكُنْتُ فِي الْمَنْسِيِّينَ، كَمَنْ قَدْ نُسِيَ، مَوْلاَيَ وَارْحَمْنِي عِنْدَ تَغَيُّرِ صُورَتِي، وَحَالِي إذَا بَلِيَ جِسْمِي، وَتَفَرَّقَتْ أَعْضَائِي، وَتَقَطَّعَتْ أَوْصَالِيْ، يا غَفْلَتِي عَمَّا يُرَادُ بِيَ، مَوْلاَيَ وَارْحَمْنِي فِي حَشْرِي وَنَشْرِي، وَاجْعَل فِي ذَلِكَ الْيَومِ مَعَ أَوْلِيَآئِكَ مَوْقِفِي، وَفِي أَحِبَّائِكَ مَصْدَرِي، وَفِي جِوَارِكَ مَسْكَنِي، يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ.
* قوله عليه السلام: عن قصدي المنقطع
يقال: قطع بفلان فهو مقطوع به، وكذلك انقطع به على البناء للمفعول، فهو منقطع به بالفتح، إذا انقطع سفره فصار منقطعاً به بالكسر دون طيّه، كما إذا نفد زاده وعطبت دابّته، أو نابته نائبة لا يقدر أن يتحرّك من جهتها.
ومنقطع كلّ شيء ـ بالفتح ـ أخره، وأنا المرتهن بعملي وأنا المنقطع بي وأنا المبغى عليّ مثلاً، من باب الميل إلى جانب المعنى، كما في أنا الذي سمّتني اُمّي حيدرة. وذلك مستبين في علم البلاغة، أعني المعاني والبيان، ولولا ذلك كان المساق: أنا المرتهن بعمله، أنا المنقطع به، وأنا الذي سمّته اُمّه حيدرة.
وكان من دعائه (عليه السلام) في استكشاف الهموم:
يَا فَارِجَ الْهَمِّ وَكَاشِفَ الغَمِّ، يَا رَحْمنَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَرَحِيمَهُمَا، صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، وَافْرُجْ هَمِّيَ، وَاكْشِفْ غَمِّيَ، يَا وَاحِدُ يَا أَحَدُ يَا صَمَدُ، يَا مَنْ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ، اعْصِمْنِي وَطَهِّرْنِي، وَاْذهبْ بِبَلِيَّتِي.
وَاقرأ آية الكرسي وَالمعوذتين وَقل هو الله أحد وقل:
اَللَّهُمَّ إنِّيْ أَسْأَلُكَ سُؤَالَ مَنِ اشْتَدَّتْ فَاقَتُهُ، وَضَعُفَتْ قُوَّتُهُ، وَكَثُرَتْ ذُنُوبُهُ، سُؤَالَ مَنْ لاَ يَجِدُ لِفَاقَتِهِ مُغِيْثاً، وَلاَ لِضَعْفِهِ مُقَوِّياً، وَلاَ لِذَنْبِهِ غَافِراً غَيْرَكَ، يَا ذَا الْجَلاَلِ وَالإكْرَامِ، أَسْأَلُكَ عَمَلاً تُحِبُّ بِهِ مَنْ عَمِلَ بِهِ، وَيَقِيناً تَنْفَعُ بِهِ مَنِ اسْتَيْقَنَ بِهِ حَقَّ الْيَقِينِ فِيْ نَفَاذِ أَمْرِكَ. اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، وَاقْبِضَ عَلَى الصِّدْقِ نَفْسِي وَاقْطَعْ مِنَ الدُّنْيَا حَاجَتِي، وَاجْعَلْ فِيمَا عِنْدَكَ رَغْبَتِي شَوْقاً إلَى لِقَائِكَ، وَهَبْ لِي صِدْقَ التَّوَكُّلِ عَلَيْكَ. أَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِ كِتَاب قَدْ خَلاَ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ كِتَاب قَدْ خَلاَ. أَسْأَلُكَ خَوْفَ الْعَابِدِينَ لَكَ وَعِبَادَةَ الْخَاشِعِينَ لَكَ، وَيَقِيْنَ الْمُتَوَكِّلِينَ عَلَيْكَ، وَتَوَكُّلَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْكَ.
اللَّهُمَّ اجْعَلْ رَغْبَتِي فِي مَسْأَلَتِي مِثْلَ رَغْبَةِ أَوْلِيَآئِكَ فِي مَسَائِلِهِمْ، وَرَهْبَتِيْ مِثْلَ رَهْبَةِ أَوْلِيَآئِكَ، وَاسْتَعْمِلْنِي فِي مَرْضَاتِكَ عَمَلاً لاَ أَتْرُكُ مَعَهُ شَيْئاً مِنْ دِيْنِكَ مَخَافَةَ أَحْد مِنْ خَلْقِكَ. اللَّهُمَّ هَذِهِ حَاجَتِي فَأَعْظِمْ فِيهَا رَغْبَتِي وَأَظْهِرْ فِيهَا عُذْرِي وَلَقِّنِي فِيهَا حُجَّتِي* وَعَافِ فِيْهَا جَسَدِيْ. اللَّهُمَّ مَنْ أَصْبَحَ لَهُ ثِقَةٌ أَوْ رَجَآءٌ غَيْرُكَ، فَقَدْ أَصْبَحْتُ وَأَنْتَ ثِقَتِي ورجائي فِي الأُمُورِ كُلِّهَا، فَاقْضِ لِيْ بِخَيْرِهَا عَاقِبَةً، وَنَجِّنِيْ مِنْ مُضِلاَّتِ الْفِتَنِ، بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، وَصَلَّى اللهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّد رُسُولِ اللهِ المُصْطَفَى، وَعَلَى آلِهِ الطَّاهِرِينَ.
* قوله عليه السلام: ولقّني حجّتي
هناك بحسب اختلاف الرواية قراءتان:
الاُولى: تشديد القاف فقط من التلقية ومطاوعها لتلقّي وتفعّلاً من اللقاء، وفيها وجهان
الأوّل: أن يكون بمعنى الإلقاء والتفهيم والإملاء والتعليم، يقال: لقّاه [الله] الكتاب والحكمة والأمر والقول مثلاً، أي: علّمه إيّاه ونبّهه عليه، وألقى إليه وحيه وأملى عليه ذكره وتلقّاه هو، أي: تعلّمه وأخذه وتلقّفه وتعاطاه.
وعلى هذا فالحجّة بمعناها، ولقّني حجّتي معناه: علّمني ما أحتجّ عليه وأعتذر به لديك عن المثول (5) بين يديك، ونبّهني عليه وألق في قلبي علمه وفهمه، وأجر على لساني بيانه وذكره. ولقد تكرّر الإطلاق على هذا السبيل في التنزيل الكريم: {لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ} (6) أي: لتعلم لفظه، ومعناه: ويلقى إليك وحيه وعلمه. وفي الكشّاف: أي: تؤتاه وتلقّنه (7).
قال تعالى: {وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا} (8)، و{وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} (9) أي: ما يعلمها. وينبّه عليها إلّا الصابرون. قال تعالى: {فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ}(10) أي: تعلّمها وتلقّفها واستقبلها بالأخذ والقبول والعمل بها حين علمها، قاله في الكشّاف(11) وقال في أساس البلاغة: تلقّاه استقبله وتلقّيته ومنه تلقّنته (12).
قال ابن الأثير في النهاية: وفي حديث اشراط الساعة: «ويلقّى الشحّ». قال الحميدي: لم تضبط الرواة هذا الحرف، ويحتمل أن يكون «يلقّى» بمعنى يتلقّى ويتعلّم ويتواصى به ويدعى إليه، من قوله تعالى: {وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ} أي: ما يعلمها وينبّه عليها، وقوله تعالى: {فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ}.
ولو قيل: «يلقى» مخفّفة القاف لكان أبعد؛ لأنّه لو اُلقي لترك ولم يكن موجوداً وكاد يكون مدحاً، والحديث مبنيّ على الذمّ. ولو قيل يلفى بالفاء بمعنى يوجد لم يستقم، لأنّ الشحّ ما زال موجوداً (13) انتهى كلام النهاية.
الثاني: أن يكون من التلقية بمعنى إفادة المضامّة والاتصال بين الشيئين، أي: جعل الشيء منضمّاً إلى شيء ومتّصلاً به ملاقياً إيّاه، قال عزّ من قائل: {وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا} وفي الكشّاف: أي: أعطاهم بدل عبوس الفجّار وحزنهم نضرة في الوجوه وسروراً في القلوب (14).
وقال سبحانه: {وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا} (15) يقال: لقاه الشيء ألقاه إليه، ويلقاه كذا لقيه واستقبله بالبشر والكرامة. ومنه قوله عزّ وجلّ {تَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ} (16).
وفي الكشّاف: يلقون تحيّة وسلاماً يعني أنّ الملائكة يحيّونهم ويسلّمون عليهم، أو يحيي بعضهم بعضاً ويسلّم عليهم، أو يعطون التبقية والتخليد مع السلامة من كلّ آفة(17).
والحجّة على هذا يرام بها المقتاس (18) المقتدى به في سلوك المصير إلى الله تعالى. فالمعنى: اجعلني مع إمامي متّصلاً به ملاقياً إيّاه يوم أصير إليك وألقاك وعند الوقوف بين يديك للحساب.
الثانية: تشديد القاف والنون جميعاً من التلقين، إدغاماً لنون جوهر الكلمة في نون الضمير. والمرام بالحجّة حينئذ معناها الحقيقي الشائع لا غير، أعني ما به الاحتجاج والاعتذار. والتلقين تفعيل من لقن الكلام من فلان، من باب علم. وتلقّنه منه أخذه من لفظه وفهمه، فهو يجري مجرى الإلقاء والإملاء والإيحاء والإلهام والتعليم والتفهيم، ومطاوعه يجري مجرى الإلقاء والتعلّم والأخذ والضبط والتحفّظ والاحتفاظ. والأمر في دعاء المضمضة للوضوء: «اللّهمّ لقّني حجّتي يوم ألقاك» أيضاً على هذا السبيل. وكذلك حيث ما ورد هذا اللفظ في سائر الموارد.
والقاصرون من أصحاب العصر عن نظائر هذه الدقائق والأسرار من الغافلين، فاستقتم كما اُمرت ولا تكن من القاصرين.
إلى هنا تمّت التعليقة على الصحيفة المكرّمة السجّاديّة، وبها تمّ الكتاب..
قد تمّ شرح الصحيفة الكاملة الملقّب بـ«زبور آل محمّد» في شهر جمادى الآخرة سنة اثنتا عشر ألف من الهجرة النبويّة على يد العبد حسن الحسيني الجيلاني.
وقال في آخر نسخة «ن»: حرّره العبد الأقلّ محمّد باقر بن ملّا ولي الاسترابادي في تمّمه في شهر رجب، والله غافره وأبويه والمستعان بتصحيحه في سنة 1106 الهجري النبوي صلوات الله عليه وآله.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1. أساس البلاغة: ص 443.
2. الصحاح: 6 / 3443.
3. في المصدر: عيي.
4. نهاية ابن الأثير: 3 / 334.
5. في «ن»: أقوم.
6. سورة النمل: 6.
7. الكشّاف: 3 / 137.
8. سورة فصّلت: 35.
9. سورة فصّلت: 35.
10. سورة البقرة: 37.
11. الكشّاف: 1 / 274.
12. أساس البلاغة: ص 571.
13. نهاية ابن الأثير: 4 / 267 ـ 268.
14. الكشّاف: 4 / 197.
15. سورة الفرقان: 75.
16. سورة الأنبياء: 103.
17. الكشّاف: 3 / 102.
18. في «س»: المقياس.
|
|
دراسة تحدد أفضل 4 وجبات صحية.. وأخطرها
|
|
|
|
|
العتبة العباسية تستعدّ لتكريم عددٍ من الطالبات المرتديات للعباءة الزينبية في جامعات كركوك
|
|
|