أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-11-02
989
التاريخ: 2023-10-15
1172
التاريخ: 2024-09-20
295
التاريخ: 2023-11-19
1065
|
وبقيت القسطنطينية بمجموعها كما كانت في القرنين العاشر والحادي عشر مدينةً كبيرةً شرقيةً تجمع بين العظمة والفقر؛ فهنالك شوارعُ رئيسةٌ تحيط بها الأبنيةُ الفخمةُ والقصور العظيمة والكنائس الجميلة، وهنالك أيضًا أحياءٌ فقيرة مظلمةٌ قذرةٌ، وكانت لا تزال أمَّ المدن المتمدنة وأغناها وأرقاها ذوقًا وفنًّا وعلمًا، وهو أمر تُجمع على صحته جميعُ المراجع المعاصرة؛ فقد جاء في أخبار رحلة بنيامين تودله المعاصر أن دَخْلَ الخزينة اليومي من مخازن العاصمة وأسواقها وكماركها لم يقل عن العشرين ألف فلس ذهبًا(1)، وأن مظاهر البذخ في الشوارع كانت مدهشة تأخذ بلُبِّ الزائر؛ فالخيولُ المطهمة وثيابُ فرسانها الحريرية المزركشة المذهبة؛ كانت تبهر الزائر فيخالهم أبناء ملوك. ومما جاء في هذه الرحلة أيضًا أن القسطنطينية كانت تجتذب رجال الأعمال من كل حدب وصوب، فأضحت تَفُوقُ جميعَ المُدُن تَقَدُّمًا وازدهارًا ما عدا بغداد، والواقعُ أَنَّ ازدهارَ التجارة في البندقية وبيزو وجنوى وظروف الحروب الصليبية ومطامع عمانوئيل في إيطالية والغرب؛ استدرجتْ عددًا كبيرًا مِنْ رِجَال الإفرنجة إلى القسطنطينية، فأقاموا فيها وأنشئوا المتاجر والأرصفة عند القرن الذهبي، كما أقاموا المنازلَ والكنائس، فجعلوا من أحيائهم الخاصة — بفضل امتيازاتهم — مستعمراتٍ لاتينيةً بكل معنى الكلمة (2). وابتنى مؤسسُ الأسرة الكومنينية أليكسيوس الأول قصرًا جديدًا في محلة القرن الذهبي هيمن على هذا القرن وعلى المدينة وضواحيها، وأنفق عليه بسخاءٍ فجاء فخمًا عظيمًا رائعًا. ومما قاله أحدُ الزائرين المعاصرين: «ولست أدري ما الذي جعله ثمينًا جميلًا! أَشِدَّة الإتقان في فن بنائه، أم قيمة المواد الداخلة في تشييده!»(3). وكان سلفاءُ أليكسيوس من قبل قد أقاموا في قصرٍ على شاطئ بحر مرمرة، فرأى هو أَنْ يَنْتَقِلَ إلى الهضبة المطلة على القرن الذهبي، وأنشأت حنة دلسانة كنيسة المخلص بالقُرب من هذا القصر، وحَذَتْ حذوها حماة أليكسيوس مريم دوقاس فأنشأتْ بجوار القصر الجديد أيضًا كنيسةً ثانيةً باسم المخلص، وقامت في هذا الحي أيضًا كنيسةٌ للعذراء «الكلية القداسة» وكنيسة البانتوكراتور الجميلة، وأنشأ يوحنا الثاني كنيسة لِضَمِّ رُفَاتِ أُسرته بين هذه الكنائس، وعلى الرغم مِنْ صِغَرِ حجم هذه الكنائس فإنها جاءتْ جميعُها رائعةً بتناسُب مقاييسها وجمال رخامها وإتقان فسيفسائها (4). ولا يزال بعض هذه الكنائس قائمًا حتى يومنا هذا، وقد حُوِّلَ إلى جوامعَ في أثناء الفتح العثماني. وأدى اهتمام أليكسيوس الأول بالرهبانية وبالأعمال الخيرية إلى إنشاء ديرَين في هذا الحي الجديد، أحدهما للرجال والآخر للنساء، وكرست الفسيلسة دير الراهبات للعذراء «الممتلئة نعمة»، ولا تزال البراءة التي صدرت لتشييد هذا الدير محفوظةً حتى يومنا هذا(5)، وهي تنبئ بالغاية التي من أجلها أنشئ هذا الدير، فتنص على أنه ديرٌ نموذجيٌّ يهدف إلى إصلاح الرهبانيات، مثل الدير الذي أنشأه الفسيلفس في جزيرة باتموس وقد سبقت الإشارة إليه، وتحض الفسيلسة إيرينة الراهبات على عمل الخير وترشدهن إلى كل ما من شأنه أن يطهر حياتهن وترجوهن ألا يدعن «الحية» توسوس في أذن راهبة فتجعل منها حواء ثانية. ومن آثار الفن في القرن الثاني عشر: المخطوطات المزوقة كمزامير بربريني ومواعظ الراهب يعقوب وأسفار القصر الثمانية الأولى، وقد حوتْ هذه ما لا يقل عن ثلاثمائة واثنتين وخمسين منمنمة، ولعلَّ بعض هذه الرسوم من صنع يد إسحاق أخي الفسيلفس يوحنا الثاني، ومِنْ أَثْمَنِ ما تحفظُهُ المخطوطاتُ المزوقة التي تعود إلى هذا القرن منمنمات غير دينية، فمخطوطتا غريغوريوس النزيانزي في القدس وفي جبل آثوس تحمل منمنمات لمشاهد هلينية وكلاسيكية. وفي هذه دليلٌ آخرُ على أَنَّ عَصْرَ النهضة الغربية الذي تَمَيَّزَ بالعودة إلى العُصُور الكلاسيكية بدأ في القسطنطينية، ثم انتقل منها إلى إيطالية (6).
.....................................
1- وكانت البيزة Bezant ً عملة البيزنطيين الذهبية تساوي حوالي أربعة عشر فرنكا ذهبيٍّا، وكانت تقسم إلى اثني عشر ميلياريسية، كل ً منها يقسم بدوره إلى اثني عشر فلسا pholles.
2- Diehl, C., Europe Orientale, 92-93.
3- Eude de Deuil, De Ludovici VII, P. L., 185, Col. 1221.
4- Stewart, C., Early Christian Architecture, 73-74.
5- Miklosich et Muller, Acta et Diplomata Graeca, V, 327–391.
6- Diehl, C., Art Byzantin, II, 595–632.
|
|
لصحة القلب والأمعاء.. 8 أطعمة لا غنى عنها
|
|
|
|
|
حل سحري لخلايا البيروفسكايت الشمسية.. يرفع كفاءتها إلى 26%
|
|
|
|
|
جامعة الكفيل تحتفي بذكرى ولادة الإمام محمد الجواد (عليه السلام)
|
|
|