أقرأ أيضاً
التاريخ: 27-11-2014
3092
التاريخ: 27-11-2014
1875
التاريخ: 27-11-2014
3969
التاريخ: 27-11-2014
5293
|
قال تعالى : { وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلاً رَّجُلَيْنِ جَعَلْنَا لأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعاً * كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئاً وَفَجَّرْنَا خِلالَهُمَا نَهَراً * وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنكَ مَالاً وَأَعَزُّ نَفَراً * وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَن تَبِيدَ هَذِهِ أَبَداً * وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِن رُّدِدتُّ إِلَى رَبِّي لأَجِدَنَّ خَيْراً مِّنْهَا مُنقَلَباً * قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً * لَّكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلاَ أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَداً * وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاء اللَّهُ لاَ قُوَّةَ إِلاّ بِاللَّهِ إِن تُرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنكَ مَالاً وَوَلَداً * فَعَسَى رَبِّي أَن يُؤْتِيَنِ خَيْراً مِّن جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَاناً مِّنَ السَّمَاءِ فَتُصْبِحَ صَعِيداً زَلَقاً * أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْراً فَلَن تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَباً * وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَداً * وَلَمْ تَكُن لَّهُ فِئَةٌ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مُنتَصِراً }[ الكهف : 32ـ43] .
تفسير الآيات
( الحفُّ ) : من حَفَّ القوم بالشيء إذا أطافوا به ، وحفاف الشيء جانباه كأنّهما أطافا به ، فقوله في الآية : { فَحَفَفْناهُما بِنَخْلٍ } أي جعلنا النخل مطيفاً بهما ، وقوله : { مَا أَظُنُّ أَن تَبِيدَ } فهو من بادَ الشيء ، يبيد بياداً إذا تفرّق وتوزّع في البيداء أي المفازة .
( حسباناً ) : أصل الحسبان السهام التي تُرمى ، الحسبان ما يحاسب عليه ، فيجازى بحسبه فيكون النار والريح من مصاديقه ، وفي الحديث أنّه قال ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) في الريح : ( اللهمّ لا تجعلها عذاباً ولا حسباناً ) .
( الصعيد ) : يقال لوجه الأرض ( زَلقَ ) أي دحضاً لا نبات فيه ويرادفه الصلد ، كما في قوله سبحانه : { فَتَرَكَهُ صَلْداً }[ البقرة : 264] .
هذا ما يرجع إلى مفردات الآية .
وأمّا تفسيرها : فهو تمثيل للمؤمن والكافر بالله والمُنكر للحياة الأخروية ، فالأول منهما يعتمد على رحمته الواسعة ، والثاني يركن إلى الدنيا ويطمئنّ بها ، ويتبيّن ذلك بالتمثيل التالي :
قد افتخرَ بعض الكافرين بأموالهم وأنصارهم على فقراء المسلمين ، فضربَ الله سبحانه ذلك المَثل يبيّن فيها بأنّه لا اعتبار بالغِنى المؤقت وأنّه سوف يَذهب سُدى ، أمّا الذي يجب المفاخرة به هو : تسليم الإنسان لربّه وإطاعته لمولاه .
وحقيقة ذلك التمثيل : إنّ رجُلين أخوين مات أبوهما وتركَ مالاً وافراً ، فأخذَ أحدهما حقّه منه وهو المؤمن منهما فتقرّب إلى الله بالإحسان والصدقة ، وأخذَ الآخر حقّه فتملّك به ضِياعاً بين الجنّتين فافتخرَ الأخ الغني على الفقير ، وقال : { أَنَا أَكْثَرُ مِنكَ مَالاً وَأَعَزُّ نَفَراً } ، وما هذا إلاّ لأنّه كان يملك جنّتين من أعنابٍ ونخل مطيفاً بهما وبين الجنّتين زرع وافر ، وقد تعلّقت مشيئته بأن تأتي الجنّتان أُكلها ولم تنقص شيئاً ، وقد تخلّلها نهر غزير الماء ، وراح صاحب الجنّتين المثمرتين يفتخر على صاحبه بكثرة المال والخدمة .
وكان كلّما يدخل جنّته يقول : ما أظنّ أن تُفنى هذه الجنّة وهذه الثمار ـ أي تبقى أبداً ـ وأخذَ يُكذّب بالساعة ، ويقول : ما أحسبُ القيامة آتية ، ولو افتُرِض صحّة ما يقوله الموحِّدون من وجود القيامة ، فلئن بُعثت يومذاك ، لآتاني ربّي خيراً من هذه الجنّة ، بشهادة إعطائي الجنّة في هذه الدنيا دونكم ، وهذا دليل على كرامتي عليه .
هذا ما كان يتفوّه به وهو يمشي في جنّته مختالاً ، وعند ذلك يواجهه أخوه بالحكمة والموعظة الحسنة .
ويقول : كيف كفرتَ بالله سبحانه مع أنّك كنتَ تراباً فصرتَ نطفة ، ثمّ رجلاً سوياً ، فمَن نقلكَ من حال إلى حال وجعلك سوياً معتدل الخلقة ؟
وبما أنّه ليس في عبارته إنكار للصانع صراحة ، بل إنكار للمعاد ، فكأنّه يلازم إنكار الربّ .
فإن افتخرتَ أنت بالمال ، فأنا أفتخر بأنّي عبدٌ من عباد الله لا أُشرك به أحداً .
ثمّ ذكّره بسوء العاقبة ، وإنّك لماذا لم تقل حين دخولك البستان : ما شاء الله ؛ فإنّ الجنّتين نعمة من نِعم الله سبحانه ، فلو بذلتَ جهداً في عمارتها فإنّما هو بقدرة الله تبارك وتعالى .
ثمّ أشار إلى نفسه ، وقال : أنا وإن كنتَ أقلّ منك مالاً وولداً ، ولكن أرجو أن يجزيني ربّي في الآخرة خيراً من جنّتك ، كما أترقّب أن يرسل عذاباً من السماء على جنّتك فتصبح أرضاً صلبة لا ينبت فيها شيء، أو يجعل ماءها غائراً ذاهباً في باطن الأَرض ، على وجه لا تستطيع أن تستحصله .
قالها أخوه وهو يُندّد به ويحذّره من مغبّة تماديه في كفره وغيّه ، ويتكهّن له بمستقبلٍ مظلم .
فعندما جاء العذاب وأحاط بثمره ، ففي ذلك الوقت استيقظ الأخ الكافر من رقدَته ، فأخذ يُقلّب كفّيه تأسّفاً وتحسّراً على ما أنفقَ من الأموال في عمارة جنّتيه ، وأخذَ يندم على شركه ، ويقول : يا ليتني لم أكن مشركاً بربّي ، ولكن لم ينفعه ندمه ولم يكن هناك مَن يدفع عنه عذاب الله ، ولم يكن منتصراً من جانب ناصر .
هذه حصيلة التمثيل ، وقد بيّنه سبحانه على وجه الإيجاز بقوله : { الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاً }[ الكهف : 46].
وقد روى المفسّرون : أنّه سبحانه أشار إلى هذا التمثيل في سورة الصافات في آيات أُخرى وقال : { قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ * يَقُولُ أَئِنَّكَ لَمِنْ الْمُصَدِّقِينَ * أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَئِنَّا لَمَدِينُونَ * قَالَ هَلْ أَنتُم مُّطَّلِعُونَ * فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاء الْجَحِيمِ }[ الصافات : 51ـ55] .
إلى هنا تبيّن مفهوم المثل ، وأمّا تفسير مفردات الآية وجملها ، فالإمعان فيما ذكرنا يُغني الباحث عن تفسير الآية ثانياً ، ومع ذلك نفسّرها على وجه الإيجاز .
{ وَاضْرِبْ لَهُم } أي للكفار مع المؤمنين { مَّثَلاً رَّجُلَيْنِ جَعَلْنَا لأَحَدِهِمَا } أي للكافر { جَنَّتَيْنِ } أي بستانين { مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا } أحدقناهما بنخل { وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعاً ) يقتات به { كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا } ثمرها { وَلَمْ تَظْلِمْ } تنقص { مِنْهُ شَيْئاً وَفَجَّرْنَا خِلالَهُمَا نَهَراً } يجري بينهما { وَكَانَ لَهُ } مع الجنّتين { ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ } المؤمن { وَهُوَ يُحَاوِرُهُ } يفاخره { أَنَا أَكْثَرُ مِنكَ مَالاً وَأَعَزُّ نَفَراً } عشيرة { وَدَخَلَ جَنَّتَهُ ) بصاحبه يطوف به فيها ويريه ثمارها { وَهُوَ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ } بالكفر { قَالَ مَا أَظُنُّ أَن تَبِيدَ } تنعدم { هَذِهِ أَبَداً * وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِن رُّدِدتُّ إِلَى رَبِّي } في الآخرة على زعمك { لأَجِدَنَّ خَيْراً مِّنْهَا مُنقَلَباً } مرجعاً { قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ } يجادله { أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ } ؛ لأَنّ آدم خُلق منه { ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ } عَدَلك وصيّرك { رَجُلاً } .
أمّا أنا فأقول : { لَّكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلاَ أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَداً * وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ } عند إعجابك بها { مَا شَاء اللَّهُ لاَ قُوَّةَ إِلاّ بِاللَّهِ } ، { إِن تُرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنكَ مَالاً وَوَلَداً * فَعَسَى رَبِّي أَن يُؤْتِيَنِ خَيْراً مِّن جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَاناً } و صواعق { مِّنَ السَّمَاءِ فَتُصْبِحَ صَعِيداً زَلَقاً } أي أرضاً ملساء لا يثبت عليها قدم { أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْراً } بمعنى غائراً { فَلَن تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَباً } حيلة تدركه بها { وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ} مع ما جَنته بالهلاك فهلكت { فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْه } ندماً وتحسّراً { عَلَى مَا أَنفَقَ فِيهَا } في عمارة جنّته { وَهِيَ خَاوِيَةٌ } ساقطة { عَلَى عُرُوشِهَا } دعائمها للكرْم بأن سَقطت ثمّ سقط الكرْم { وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي ) كأنّه تذكّر موعظة أخيه { لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَداً * وَلَمْ تَكُن لَّهُ فِئَةٌ } جماعة { يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ ) عند هلاكها و { وَمَا كَانَ مُنتَصِراً } عند هلاكها بنفسه { هُنَالِكَ } أي يوم القيامة { الْوَلايَةُ } المِلك { لِلَّهِ الْحَقِّ } (1) .
____________
1 ـ السيوطي : تفسير الجلالين : تفسير سورة الكهف .
|
|
دراسة تحدد أفضل 4 وجبات صحية.. وأخطرها
|
|
|
|
|
جامعة الكفيل تحتفي بذكرى ولادة الإمام محمد الجواد (عليه السلام)
|
|
|