أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-08-25
556
التاريخ: 2024-01-30
1086
التاريخ: 2024-07-03
672
التاريخ: 2023-07-23
1305
|
ولا نزاع في أن معظم هذه الجمل التافهة إلى حدِّ السخرية ليست إلا صيغًا محفوظة لإطراء النفس، قد استعملها أفرادٌ كثيرون قبل «سنموت» من عظماء القوم منذ أزمان سحيقة، غير أنها في حالة بطلنا هنا لم تكن كلها مبالغًا فيها، وأن «سنموت» كان حقيقة شخصية من أعظم العظماء في البلاد قاطبة، ولا أدل على ذلك ممَّا وُجِد مدوَّنًا على قطعة من الفخار عثر عليها الأستاذ «ونلك»؛ فقد خطَّ عليها كاتب بالمداد الأسود حسابًا يشمل خمسة الأشهر الأول من سنةٍ ما من هذا العهد، فقيد مواد ما خص الفرعون منها ويبلغ عددها أربع عشرة، وما خص ضياع الملكة خمس عشرة، وما خص بيت المال تسع عشرة، وما خص «سنموت» تسع عشرة، ففي هذا المتن ذكرت السلطات الأربع في البلاد، فلم يُذكَر من بينها بالاسم المجرد إلا «سنموت»، أي إن هذا الكاتب كان يعتبر «تحتمس» و«حتشبسوت» والمالية مجرد مؤسسات، أما «سنموت» فكان لا يحتاج إلى لقب يفسِّر لنا مركزه أو مَن هو. أما مقدار ما بلغه «سنموت» من الافتنان والجرأة في الرفع من شأن نفسه ما يشاهد من وضْعِ صورةٍ له خلف كل باب من أبواب معبد الدير البحري، وذلك أن معبد الملكة «حتشبسوت» كان ذا ردهات عظيمة تؤدِّي إلى مقاصير عدة؛ ولذلك كان له نحو عشرين خزانة صغيرة أو يزيد لحفظ أدوات العبادة، وقد كان لكلٍّ من هذه المقاصير والخزانات باب خشبي يفتح إلى الداخل، وعندما يقام احتفال كان الكهنة يفتحون الأبواب، ويقومون بأداء الشعيرة، ثم يُغلَق الباب ويُختَم كرَّةً أخرى؛ فلم يمكن بهذه الكيفية أن يوجد فرد في المقصورة والباب مغلق عليه، وعلى ذلك لم يكن في استطاعة إنسان أن يرى ما كان مخبَّأ على الجدار الواقع خلف الباب عندما يكون مفتوحًا، وقد استفاد «سنموت» من هذا الوضع، فأمر برسم صورته وهو يتعبَّد أمام الآلهة، وقد كلَّفَ نحَّاتًا أن يكرِّر هذه الصورة ويضعها في الجدران خلف باب كل مقصورة أو خزانة في المعبد، وقد نحت كلًّا منها بما يناسب المقام، على أن يجعل الصورة تتجه يمينًا أو شمالًا لتكون دائمًا مواجهة للمذبح. وقد كتب أمام كل صورة صيغة الدعاء الذي يُتلَى ويتبعه باسم «سنموت»، والواقع أن هذا العمل كان يُعَدُّ جرأةً منقطعة القرين؛ إذ إن ذلك من حقِّ الملوك وحدهم، فهم الذين كانوا يصورون في محراب المعبد لمناجاة الآلهة، ولم يكن لأحد من الشعب أن يرسم في مثل هذه الأحوال إلا إذا كان تابعًا للفرعون وحسب، وفي هذه الحالة كان يرسم بصورة صغيرة جدًّا بالنسبة للفرعون، والواقع أن «سنموت» كان ضمن عصابة سياسية مجرمة تترنح نحو الهلاك، وأعني بها عصابة الملكة «حتشبسوت «. ونحن نعلم أن «حتشبسوت» قد اختفت من مسرح الحياة قبل إتمام المعبد، وأن كل عصابتها قد انتقم منهم «تحتمس الثالث»، ولا بد من أنه في هذه الفترة قد أفشى أحد أعداء «سنموت» سرَّ وضع «سنموت» صوره هذه في هذا الوضع الشاذ؛ ولذلك فإنها كما نشاهدها الآن قد هُشِّمت تهشيمًا مريعًا لانتهاكه حرمةَ المعبد لفعلته هذه، وكذلك لتشيعه السياسي، ومع ذلك فإن الذين كُلِّفوا بهذا التهشيم قد أخطأهم حسابهم فتركوا بعضها، وبخاصة في الخزانات الصغيرة التي كان لا ينفذ النور إليها، ويمكن الإنسان أن يرى الآن منقوشًا أمام صور «سنموت» ما يأتي: «تقديم لمديح للإلهة «حتحور»» وأمام صورة أخرى نقرأ: «تقديم المديح لآمون لأجل حياة وسعادة وصحة «حتشبسوت» من مدير البيت «سنموت«(1). على أن «سنموت» قد ذهب في غلوائه إلى أكثر من ذلك؛ إذ كشف الأستاذ «ونلك» حديثًا عن قبرٍ جديدٍ له كان القصد منه أن يكون على غرار مقبرة «حتشبسوت»؛ ولذلك حفر نفقه وحجرة دفنه تحت معبد الدير البحري مباشَرةً، وفي سقف حجرة الدفن المزيَّنة بالنقوش التي أعَدَّها «سنموت» لنفسه هنا، أمَرَ بأن يُنقَش بحروف جميلة ضخمة ما يأتي: «عاش «حور» طويلًا، صاحب الأرواح العظيمة، محبوب الإلهتين، النضر السنين، حور الذهبي صاحب الأكاليل المقدسة، ملك الوجه القبلي والوجه البحري «ماعت كارع» محبوبة «آمون» العائش، وحامل الخاتم، مدير البيت «آمون» «سنموت» الذي أنجبه «رع مس»، والذي وضعته «حات نفرت».» وهكذا نجد في هذه العبارة اسم «سنموت» قد كُتِب بدون فاصل أو جملة إيضاحية، ممَّا يجعلنا نشعر أنه قد ربط اسمه باسم «حتشبسوت»، ولا شك في أن أيَّ فردٍ من شيعة «تحتمس الثالث» كان يعلِّق على ذلك النص بما يطيب للخصم، وبما تتطلبه عداوة الأحزاب وحب الانتقام، كلما وجد إلى ذلك سبيلًا، ولو في أتفه الأشياء وأحقرها. وفي هذا النقش يشعر الإنسان أن «سنموت» كان يمهِّد السبيلَ للاشتراك مع «حتشبسوت» في الملك.
..................................................
1- راجع: Winlock, ibid, p. 105.
|
|
دراسة تحدد أفضل 4 وجبات صحية.. وأخطرها
|
|
|
|
|
جامعة الكفيل تحتفي بذكرى ولادة الإمام محمد الجواد (عليه السلام)
|
|
|