أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-06-01
961
التاريخ: 2024-01-07
795
التاريخ: 13-7-2017
2193
التاريخ: 5-7-2016
3426
|
تذكَّر أنه بناءً على التصور الاستدلالي للميكانيكا الإحصائية، تتمثل فكرة المشروع في توفير الأدوات لدراسة الأنظمة حينما لا يكون لدينا سوى معلومات جزئية عنها؛ أي حين لا يكون لدينا سوى معلومات مبسطة عنها مثلا. ومن ذلك المنطلق، فقد يكون مقياس الاحتمالية الموحد هو أفضل أداة يمكننا استخدامها فيما يتعلق بطَرْح تنبؤاتٍ عن «مستقبل» نظام ما. أما حين يتعلق الأمر بطرح تنبؤات عن «ماضي» نظام ما، فخياراتنا أفضل من ذلك بكثير؛ إذ إنَّ لدينا بالفعل سجلات للماضي ومعلومات عنه. إنَّ محاولة التوصل إلى استنتاجات عن الماضي باستخدام مقياس الاحتمالية الموحد فحسب، هي محاولة تقتصر على استخدام جزء ضئيل للغاية من المعلومات التي لدينا؛ لا عجب إذن في أنها تُعطينا نتائج سيئة.
وبالمثل أيضًا، لنفترض أننا نحاول بالفعل إعداد نظام ثم نراقب كيفية تطوره؛ فنعد النظام بحيث يتضمن وصفًا مبسطا بقدر معيَّن، لكننا نفتقر إلى الدقة التجريبية لتثبيت حالته المجهرية الدقيقة. ومن ثمَّ فنحن جاهلون بتلك الحالة المجهرية، ومقياس الاحتمالية الموحد طريقة طبيعية للتعبير عن ذلك الجهل. وإذا أردنا أن نتنبأ بحالة النظام في أوقات لاحقة، فإن طرق الميكانيكا الإحصائية هي أفضل خياراتنا. على الرغم من ذلك، فسيكون من الحماقة بالطبع إذا حاولنا التنبؤ بحالة النظام في أوقات سابقة باستخدام تلك الطرق. ذلك أنها تفترض أن النظام يتطوَّر وفقًا لقوانين الديناميكا الخاصة به، ومن دون تأثير خارجي، ونحن نعلم أن هذا ليس صحيحًا في ماضي النظام؛ لأن عملية الإعداد التي أجريناها هي ذلك «التأثير الخارجي».
الفكرة المركزية هنا هي أن الفرق بين الماضي والمستقبل في الميكانيكا الإحصائية، ليست سوى نتيجة للفرق الذي تفرضه طبيعتنا، بصفتنا كيانات عاقلة وقائمين بالتجارب. فذكرياتنا وقدراتنا على التدخل في العالم تحدّد اتجاها في الزمن، وعدم القابلية للانعكاس في الميكانيكا الإحصائية يتبع ذلك الاتجاه.
الحق أنَّ هذا النهج منمَّق وله شعبيته الكبيرة بين بعض علماء الفيزياء، لا سيما المهتمين بنظرية المعلومات. غير أنَّ الثمن غال مقابل هذا التنمُّق؛ فباتخاذ إدراكنا البشري باعتباره «الدخل» لاتجاه الزمن، فإنه يستبعد أي محاولة لشرح مصدر ذلك الاتجاه نفسه. وبسبب التفسير الدائري تحديدًا، «يبدو» أنه لا يمكن اللجوء إلى عدم التناظر وعدم الانعكاس في الفيزياء العيانية لشرح السبب في أننا نمتلك في الواقع – باعتبارنا أنظمة فيزيائية – القدرة على تذكَّر الماضي والتأثير في المستقبل، وليس العكس. إضافة إلى ذلك، يبدو أن النهج يفتقر إلى الموارد التي تفسر السبب في الحقيقة الواضحة، المتمثلة في أنَّ الكثير من العمليات الفيزيائية المتنوعة المنتشرة في الكون تتسم بخاصية عدم القابلية للانعكاس، حتى حينما لا يكون لنا علاقة بها. فظواهر مثل ذوبان الجليد وثوران البراكين وميلاد النجوم وموتها، كلُّها تقع خارج نطاق سيطرتنا، ومن الجلي أنها تتبع قوانين عدم القابلية للانعكاس ما البديل إذن؟ تذكَّر أنَّ مقياس الاحتمالية الموحد هو حالة أولية معينة في النظام؛ فهو ينجح في توليد الديناميكا غير الانعكاسية في المستقبل، لكن ليس في الماضي. فكلما أبكرنا في فرضه على أي نظام، طالت المدة التي تعمل فيها طرائق الميكانيكا الإحصائية. إنَّ الحالة المقيدة بسيطة بقدر ما هي خطيرة فرض الحالة على الكون ككل، في بداية الزمن.
إنَّ الاسم العام لحالة من هذا النوع هو «فرضية الماضي»؛ ويُقصد بها تحديد التفاصيل المجهرية الدقيقة للكون بعد الانفجار العظيم. لا تزال تفاصيل ما ينبغي أن تكون عليه هذه الفرضية محلَّ خلافٍ إلى حد ما فحينما ننظر إلى التفاصيل، نجد أن هناك احتمالات أكثر من مجرد فرض مقياس الاحتمالية الموحد، لكن الفكرة الأساسية مشتركة بين جميع التنويعات على اختلافها؛ فعدم الانعكاس بحاجة إلى حالة أولية بالإضافة إلى الديناميكا المجهرية الانعكاسية، وهي لا تنطبق إلا بعد فرض ذلك الشرط؛ إذا كان عدم الانعكاس إحدى سمات العالم التي تتسم بالموضوعية ولا تتوقف علينا، فإننا بحاجة إلى التعامل مع فَرْض تلك الحالة باعتبارها حقيقةً عن العالم، لا عن طريقة تفاعلنا معه فحسب ولفرض الحالة باستمرار، فإننا نرجع إلى الوراء أكثر فأكثر حتى ينتهي بنا الأمر إلى فرضها عند خلق الكون.
لا شك أنَّ فكرة أنَّ حالات عدم الانعكاس المرصودة التي نراها هنا والآن لها أصل في علم الكونيات؛ هي فكرة مفاجئة، بل غريبة. لكن إذا تبنينا تصورًا ديناميكيا للميكانيكا الإحصائية؛ وإذا كنا نريد حقًا أن نرى النظرية على أنها تفسير للفيزياء العيانية المنبثقة والصحيحة موضوعيًّا، فإنه يصعب تحاشي منطق هذه الفكرة.
|
|
دراسة تحدد أفضل 4 وجبات صحية.. وأخطرها
|
|
|
|
|
قسم الشؤون الفكرية يصدر كتاب الفلسفة الغربية برؤية الشيخ مرتضى مطهري
|
|
|