المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

الأخلاق والأدعية والزيارات
عدد المواضيع في هذا القسم 6423 موضوعاً
الفضائل
آداب
الرذائل وعلاجاتها
قصص أخلاقية

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المدن البريطانية
2025-01-21
ثقب الأوزون
2025-01-21
أسباب تلف طبقة الأوزون
2025-01-21
زراعة الشوفان في بريطانيا
2025-01-21
أهم مظاهر التصحر ومسبباته
2025-01-21
السهل الإيطالي الشمالي
2025-01-21



حسن الخلق وسوء الخلق في القرآن  
  
114   08:49 صباحاً   التاريخ: 2025-01-17
المؤلف : الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
الكتاب أو المصدر : الأخلاق في القرآن
الجزء والصفحة : ج3/ ص109-117
القسم : الأخلاق والأدعية والزيارات / الفضائل / حسن الخلق و الكمال /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 23-8-2016 1715
التاريخ: 2024-02-24 957
التاريخ: 23-8-2016 1737
التاريخ: 27-6-2022 2377

هناك مطالب كثيرة في هذا المجال في القرآن الكريم وسيرة المعصومين (عليهم ‌السلام) تحكي عن الأهمية البالغة لهذه الفضيلة وتلك الرذيلة على مستوى الفرد والمجتمع.

نعود إلى القرآن الكريم لنستوحي من آياته الشريفة ما يرشدنا في هذا الطريق ويسلّط الضوء على زواياه المعتّمة :

1 ـ (فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ)([1]).

2 ـ (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ)([2]).

3 ـ (وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ* وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْواتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ)([3]).

4 ـ (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ)([4]).

5 ـ (اذْهَبا إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى * فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى)([5])

6 ـ (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ* وَما يُلَقَّاها إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَما يُلَقَّاها إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ)([6]).

تفسير واستنتاج :

«الآية الاولى» وردت مسألة (حسن الخلق) بعنوان أنّها أحد الخصوصيات للنبي الأكرم (صلى ‌الله ‌عليه‌ وآله) وأحد العوامل المهمّة لتقدّم وتكامل الدعوة الإسلامية في المجتمع العربي آنذاك فتقول الآية : (فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ...).

وعلى هذا الأساس فانّ حسن خلق النبي الأكرم (صلى ‌الله ‌عليه‌ وآله) هو في الحقيقة رحمة إلهية له ولأُمّته ، وبديهي أنّ هذا الخلق الحسن وقابلية الانعطاف ومداراة الآخرين تعد من البركات والمواهب الإلهية على كل إنسان يتحلّى بهذه الخصال والسلوكيات الحميدة.

ومن التعبير أعلاه في الآية الشريفة نجد النقطة المقابلة لهذا السلوك ، وهو أن يكون الإنسان غليظ القلب وسيئ الخلق وخشناً في التعامل مع الآخرين حيث تشير الآية إلى نتائج مثل هذا السلوك السلبي ، وهي تفرّق الناس وانفضاضهم عن هذا الإنسان الخشن وابتعادهم عنه ، وبعبارة اخرى أنّ (حسن الخلق) يمثّل اللبنة الاساسية في شد أوصال المجتمع وتقوية وشائج المحبّة بينهم ، وسوء الخلق عامل لتفرّق الأفراد وإيجاد الخلل في العلاقات الاجتماعية ويؤدّي إلى نفور الناس.

إنّ كلمة (فظ) و (غليظ القلب) يأتيان بمعنى واحد ويراد بذلك التأكيد ، ويمكن أن يكون لهما معنى مختلف عن الآخر ، ويقول (الطبرسي) في مجمع البيان في كلمة جامعة : «وقيل إنّما جمع بين الفظاظة والغلظة وإن كانا متقاربين لأنّ الفظاظة في الكلام فنفي الجفاء عن لسانه والقسوة عن قلبه» وعليه فكلا الكلمتين تردان بمعنى الخشونة والجفاء ، وأحدهما في الكلام ، والاخرى في السلوك والفعل.

وعلى أي حال فانّ الله تعالى قد وهب نبيّه الكريم حالة اللّيونة والانعطاف والبشاشة وحسن التعامل مع الآخرين بحيث أنّه كان يسلك هذا السلوك مع أعتى الناس وأخشنهم وأقساهم قلباً ، وبهذه الطريقة جذب هؤلاء القساة إلى الإسلام فاعتنقوا الإسلام من موقع الرغبة والشوق والانجذاب لهذا الخلق الرفيع.

وبتبع ذلك توجّه الآية سلسلة إرشادات وأوامر عملية تخرج حالة (حسن الخلق) والبشاشة من صورتها الظاهرة وتلبسها ثياباً عملية على مستوى الممارسة والتطبيق وتقول : (فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ).

وعلى هذا الأساس استقطب رسول الله (صلى ‌الله ‌عليه‌ وآله) أبعد الناس عن الله تعالى والدين والأخلاق وجذبهم إليه وأصبح قدوتهم وأسوتهم في حسن الأخلاق.

إنّ سياق هذه الآيات يشير إلى أنّ هذه الآية متعلقة بالآيات النازلة في معركة أحد حيث كان النبي الأكرم (صلى ‌الله ‌عليه‌ وآله) والمسلمين يعيشون أشدّ الظروف وأقسى الحالات النفسية طيلة هذه الحرب ، وبديهي إنّ عملية العفو والاستغفار والانفتاح على الآخرين من موقع المحبّة واللطف جعلت النبي الأكرم (صلى ‌الله ‌عليه‌ وآله) في أسمى مراتب حسن الخلق وحسن التعامل الكريم مع الغير ، وقلّما نجد إنساناً يتمكّن في مثل تلك الظروف الصعبة والتحديّات الشرسة أن يحافظ على حسن أخلاقه ولا ينفعل أمام تحديّات الواقع الصعب.

وتأتي «الآية الثانية» لتشير إلى حسن الخلق العجيب للنبي الأكرم (صلى ‌الله ‌عليه‌ وآله) حيث تعبّر عنه بالخلق العظيم وتقول : (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ).

(خُلُق) على وزن افق ، مفرد وهو مع كلمة خُلْق (على وزن كُفر) بمعنى واحد ، ويستفاد من مفردات الراغب أنّ خَلْق (على وزن حلق) تشترك في جذر واحد معها غاية الأمر أنّ (خَلْق) تطلق على الصفات الظاهرية ، و (خُلْق) تطلق على الصفات الباطنية.

ويرى بعض أرباب اللغة أنّ كلمة (خُلْق) و (خُلُق) تردان بمعنى الدين والطبع والسجية حيث يقصد بها الصورة الباطنية للإنسان ([7]).

وعلى أيّة حال فانّ وصف النبي الأكرم (صلى ‌الله ‌عليه‌ وآله) بأنّه ذو خلق عظيم يدلّ على أنّ هذه الصفة الأخلاقية من أعظم صفات الأنبياء ، ويرى بعض المفسّرين أن الخلق العظيم للنبي الأكرم (صلى ‌الله ‌عليه‌ وآله) يتمثّل في صبره وتحمّله في طريق الحق وسعة بذله وكرمه ، وتدبير امور الرسالة والدعوة ، والرفق والمداراة للناس وتحمّل الصعوبات الكبيرة في مواجهة تحدّيات الواقع الصعب في طريق الدعوة إلى الله والجهاد في سبيله وترك الحرص والحسد والتعامل مع الأعداء والأصدقاء من موقع العفو واللطف والمحبّة ([8]) وكل هذه الامور تشير إلى أنّ الخلق العظيم لا ينحصر بالبشاشة والانعطاف في مواجهة الآخر ، بل هو مجموعة من الصفات الإنسانية السامية والقيم الأخلاقية الرفيعة ، وبعبارة اخرى : يمكن القول بأنّ جميع الأخلاق الحسنة الرفيعة جُمعت في عبارة (خلق عظيم).

وممّا يؤيد هذا المعنى ما ورد في الحديث الشريف عن الإمام الصادق (عليه‌ السلام) أنّه قال : «إنّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ أَدّبَ نَبِيَّهُ فَأَحسَنَ أَدَبَهُ فَلَمّا أَكمَلَ لَهُ الأَدَبَ قَالَ (إِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ)» ([9]).

وعند ما نقرأ في بعض الروايات أنّ الخلق العظيم يراد به الإسلام أو الآداب القرآنية إنّما هو لأنّ الإسلام والقرآن يحويان جميع الفضائل الأخلاقية ، في حين أنّ بعض الروايات الواردة في تفسير هذه الآية فسّرت (حسن الخلق) بالبشاشة والمداراة ومن ذلك الحديث الذي أورده (نور الثقلين) في ذيل هذه الآية عن الإمام الصادق (عليه‌ السلام) حيث سئل عن حسن الخلق في هذه الآية فقال : «تَلِينُ جانِبَكَ وَتُطَيِّبُ كَلامَكَ وَتلِقى أَخاكَ ببُشرِ حسنٍ» ([10]).

ولكن الظاهر عدم التنافي بين هذين المعنيين.

وآخر ما يقال في هذا المورد والجدير بالتأمل في هذه الآية هو أنّ بعض المفسّرين إستفادوا من كلمة (على) في قوله (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) والتي تفيد مفهوم التسلّط والقدرة أنّ النبي الأكرم (صلى ‌الله ‌عليه‌ وآله) له تسلط كامل على الفضائل الأخلاقية وكأنّ الأخلاق والقيم الإنسانية جزء من كيانه الشريف حيث يتحرّك من هذا الموقع بدون تكلّف وتصنّع.

وتستعرض «الآية الثالثة» وصايا ونصائح (لقمان الحكيم) لولده حيث يذكر له أربعة امور مؤكّداً عليها :

الأول : قول : (وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ).

ثم أضاف (وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ)

وفي الثالث والرابع من هذه النصائح القيمة يوصي لقمان ابنه بالاعتدال في المشي وعدم رفع الصوت ويقول : (وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْواتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ).

وهذه الامور الأخلاقية تمثّل جزءاً مهمّاً من (حسن الخلق) في التعامل مع الآخرين وطريقة السلوك الاجتماعي بين الناس والمقترنة بالبشاشة والتواضع والاتّزان في الكلام والسلوك ، ونستوحي من ذلك أنّ الله تعالى قد إهّتم بكلمات لقمان الحكيم هذه بحيث ضمّنها في كتابه الكريم.

(تصعر) من مادة (صَعَرَ) على وزن خطر ، وهي في الأصل نوع من الأمراض التي تصيب الابل فتلوي أعناقها ، ثم اطلقت على أي نوع من ميل العنق ، وهذا التعبير يمكن أن يكون إشارة إلى هذا المعنى وهو أنّ سوء الخلق نوع من المرض الذي يشبه في سلوكه سلوك الحيوان ، والملفت للنظر أنّ هذا النهي عن هذا العمل لا يقتصر على المؤمنين بل يستوعب جميع أفراد البشر ويقول : (وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ). وعلى أيّة حال فإنّ جعل هذه الصفة الرذيلة إلى جانب التكبّر والافراط في المشي والصوت يبيّن أنّ جميع الصفات الرذيلة تؤدّي بشكل من الأشكال إلى نفور الناس وامتعاضهم.

وفي الرواية الواردة عن الإمام الصادق (عليه‌ السلام) في تفسير عبارة (وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ) قال : «أَي لا تَذُل للنَّاسِ طَمعاً فِيما عِندَهُم وَلا تَمشِي فِي الأَرضِ مِرَحاً أي فَرحاً» ([11]).

«الآية الرابعة» من هذه الآيات محل البحث نقرأ خطاباً إلهياً لبني اسرائيل على أساس من العهد الإلهي للمخاطبين بعد التأكيد على التوحيد الخالص والاحسان للوالدين والأقربين واليتامى والمساكين ، يقول تعالى : (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ).

فهذا الخطاب يبيّن التوحيد من جهة وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة من جهة اخرى يبيّن أهميّة حسن المعاملة ومداراة الناس والتعامل بالأخلاق الحسنة ، وبهذا يكون حسن الخلق في عملية التفاعل الاجتماعي وعلى مستوى الروابط الأخلاقية الحسنة للآخرين في عداد أهم التشريعات الإسلامية والمقرّرات الدينية.

وفي الواقع بما أنّ مال الإنسان محدود ولا يمكن أن يصل بإحسانه المادي إلى المحتاجين كافة من الأقرباء والأصدقاء وسائر الفقراء فقد ورد جبران ذلك بالبشاشة وحسن الخلق مع الناس حيث يمثّل كنزاً لا يفنى كما ورد في الحديث المعروف عن النبي الأكرم (صلى ‌الله ‌عليه‌ وآله) أنّه قال : «إِنّكُم لا تَسَعُونَ النّاسَ بِأَموالِكُم وَلَكن يَسَعُهُم مِنكُم بَسطَ الَوجهِ وَحُسنِ الخُلقِ» ([12]).

وفي حديث آخر عن الإمام الباقر في تفسير هذه الآية أنّه قال : «قُولُوا للنّاسِ أَحسَنِ ما تُحِبُّونَ أَن يُقالُ لَكُم» ([13]).

وصحيح أنّ المخاطبين بهذه الآية هم بنو اسرائيل ، ولكنّ خصوصية المورد لا تخصّص الآية بهؤلاء المخاطبين حيث إنّ هدف القرآن الكريم هو بيان أصل كلّي لجميع أفراد البشر.

«الآية الخامسة» تتحرّك من خلال بيان مسألة البشاشة والتعامل مع الآخرين حتّى لو كانوا أعداءاً ولا سيّما في مقام دعوتهم إلى الحق والطريق القويم ، ومن ذلك نجد أنّ الأمر الإلهي لموسى (عليه‌ السلام) بإيصال الرسالة الإلهية إلى فرعون الطاغية الذي استعبد بني اسرائيل وأنّ الآية تتحدّث عن خطاب الله تعالى لموسى وهارون (عليهما ‌السلام) : (اذْهَبا إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى * فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى).

هذا التعبير يبيّن أنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الحق لا بدّ أن تكون مقرونة باللّيونة واللطف والتعامل من موقع المحبّة والرحمة لا سيما مع الاشخاص المنحرفين بأمل أن يؤثر هذا السلوك الأخلاقي والإنساني في قلوبهم.

وهنا يثار هذا السؤال ، وهو ما الفرق بين قوله : (يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى

ويمكن القول بأنّ المقصود من ذلك أنّكما إذا حدثتماه بكلام ليّن وفي نفس الوقت ذكرتم له بصراحة ووضوح مضمون الدعوة الإلهيّة وبدلائل منطقيّة فلعله يقبل ويؤمن بها من أعماق قلبه ، ولو لم يؤمن فلا أقل فانه سيخاف من العقوبة الإلهية بسبب العناد والاصرار على الكفر والابتعاد عن طريق الحق :

ويقول (الفخر الرازي) : «نحن لا نعلم لماذا أرسل الله تعالى موسى إلى فرعون مع أنّه يعلم أنّه لا يؤمن أبداً؟ ثم يقول : في مثل هذه الموارد ليس لنا سوى التسليم في مقابل الآيات القرآنية ولا سبيل إلى الاعتراض» ([14]).

ولكن جواب هذا السؤال واضح ولا ينبغي أن يخفى على من مثل الفخر الرازي ، لأنّ الله تعالى يهدف إلى إتمام الحجة ، أي حتّى بالنسبة إلى الأشخاص الذين لا يؤمنون قطعاً فإنّ الله تعالى يتمّ الحجّة عليهم كي لا يقفوا في الآخرة موقف الاعتراض على العقاب الاخروي وأنّهم لم يصل إليهم النداء الإلهي ولم يجدوا رسولاً أو نبيّاً يخبرهم بالخبر كما ورد هذا المضمون في الآية 165 من سورة النساء حيث يقول تعالى : (رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ).

وأمّا قوله لعله (يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى) فهو بمعنى أنّ طبيعة التبليغ لا بدّ وأن تكون مقرونة باللين والمداراة ليصل الإنسان إلى النتيجة المتوخّاة ، رغم أنّه قد يواجه النبي الإلهي موانع صعبة تنبع من ذات الأفراد ، وبعبارة اخرى أنّ التبليغ المقرون باللّين والمحبّة هو مقتضي للقبول لا علّة تامّة.

وبديهي أنّه بالرغم من أنّ المخاطب في هذه الآية هو موسى وهارون فحسب ولكن مفهوم الآية شامل لجميع المبلّغين لرسالات الله والآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر ، وهكذا يتّضح أنّ الإنسان قد يتحرّك من موقع هداية الناس باللّين والعطف والمداراة ويحقّق نجاحاً أكبر بكثير ممّا لو استخدم طرق اخرى مقرونة بالخشونة والجفاء الروحي لتحقيق هذا الهدف، وهذا المعنى مجرّب على مستوى الممارسة بكثرة.

«الآية السادسة» والأخيرة من الآيات محل البحث تقرّر أنّ المداراة واللّين محبّذة حتى مع الأعداء الشرسين وتؤثر في أعماق نفوسهم تأثيراً بالغاً وتقول الآية : (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ).

وبالطبع فإنّ دفع السيئات بالحسنات له طرق ومصاديق مختلفة ، أحدها أن يتعامل الشخص من موقع المداراة والأدب والبشاشة مع عدوّه المعاند والحقود إلى درجة بحيث يمكن أن ينقلب هذا الإنسان الحقود إلى صديق محبّ ويتحوّل بصورة تامّة من حالة العداوة والبغضاء إلى حالة الصداقة والمحبّة.

والملفت للنظر أنّ الآية التي تليها تؤكد على أنّ هذه المرتبة هي من شأن الصابرين والذين يتمتّعون بحظ وافر من الإيمان والتقوى والتوفيق وتقول : (وَما يُلَقَّاها إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَما يُلَقَّاها إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ).

وطبعاً فالوصول إلى هذه المرتبة من حسن الخلق بحيث يواجه الإنسان السيئات بعكسها من الحسنات ليست من شأن كلّ إنسان لأنها تحتاج إلى تسلط كامل على قوى النفس ولا يستطيع ذلك إلّا من اوتي حظاً عظيماً من سعة الصدر وتخلّص من عقدة الانتقام.

ومن مجموع الآيات محل البحث نستوحي هذا المفهوم القرآني في دائرة الأخلاق الإسلامية وهو أنّ القرآن الكريم دعا الناس إلى حسن الخلق والتعامل فيما بينهم من موقع المحبّة والمداراة ، وفي ذلك كان رسول الله (صلى ‌الله ‌عليه‌ وآله) اسوة ونموذجاً كاملاً في هذا السلوك الإنساني بحيث يمكن القول بأنّ أحد معجزات النبي الأكرم (صلى ‌الله ‌عليه‌ وآله) هي سلوكه الأخلاقي العظيم.


[1] سورة آل عمران ، الآية 159.

[2] سورة قلم ، الآية 4.

[3] سورة لقمان ، الآية 18 و 19.

[4] سورة البقرة ، الآية 84.

[5] سورة طه ، الآية 43 و 44.

[6] سورة فصلت ، الآية 34 و 35.

[7] لسان العرب ، مادة خلق.

[8] مجمع البيان ، ج 10 ، ص 331 ، ذيل الآية المبحوثة.

[9] نور الثقلين ، ج 5 ، ص 389 ؛ اصول الكافي ، ج 1 ، ص 26 ، ح 4.

[10] نور الثقلين ، ج 5 ، ص 391.

[11] تفسير نور الثقلين ، ج 4 ، ص 207.

[12] كنز العمال ، ج 3 ، ح 6 ، وورد مثلها في المصادر الشيعية.

[13] تفسير البرهان ، ذيل الآية المبحوثة.

[14] تفسير الفخر الرازي ، ذيل الآية المبحوثة (ج 22 ، ص 59).




جمع فضيلة والفضيلة امر حسن استحسنه العقل السليم على نظر الشارع المقدس من الدين والخلق ، فالفضائل هي كل درجة او مقام في الدين او الخلق او السلوك العلمي او العملي اتصف به صاحبها .
فالتحلي بالفضائل يعتبر سمة من سمات المؤمنين الموقنين الذين يسعون الى الكمال في الحياة الدنيا ليكونوا من الذين رضي الله عنهم ، فالتحلي بفضائل الاخلاق أمراً ميسورا للكثير من المؤمنين الذين يدأبون على ترويض انفسهم وابعادها عن مواطن الشبهة والرذيلة .
وكثيرة هي الفضائل منها: الصبر والشجاعة والعفة و الكرم والجود والعفو و الشكر و الورع وحسن الخلق و بر الوالدين و صلة الرحم و حسن الظن و الطهارة و الضيافةو الزهد وغيرها الكثير من الفضائل الموصلة الى جنان الله تعالى ورضوانه.





تعني الخصال الذميمة وهي تقابل الفضائل وهي عبارة عن هيأة نفسانية تصدر عنها الافعال القبيحة في سهولة ويسر وقيل هي ميل مكتسب من تكرار افعال يأباها القانون الاخلاقي والضمير فهي عادة فعل الشيء او هي عادة سيئة تميل للجبن والتردد والافراط والكذب والشح .
فيجب الابتعاد و التخلي عنها لما تحمله من مساوئ وآهات تودي بحاملها الى الابتعاد عن الله تعالى كما ان المتصف بها يخرج من دائرة الرحمة الالهية ويدخل الى دائرة الغفلة الشيطانية. والرذائل كثيرة منها : البخل و الحسد والرياء و الغيبة و النميمة والجبن و الجهل و الطمع و الشره و القسوة و الكبر و الكذب و السباب و الشماتة , وغيرها الكثير من الرذائل التي نهى الشارع المقدس عنها وذم المتصف بها .






هي ما تأخذ بها نفسك من محمود الخصال وحميد الفعال ، وهي حفظ الإنسان وضبط أعضائه وجوارحه وأقواله وأفعاله عن جميع انواع الخطأ والسوء وهي ملكة تعصم عما يُشين ، ورياضة النفس بالتعليم والتهذيب على ما ينبغي واستعمال ما يحمد قولاً وفعلاً والأخذ بمكارم الاخلاق والوقوف مع المستحسنات وحقيقة الأدب استعمال الخُلق الجميل ولهذا كان الأدب استخراجًا لما في الطبيعة من الكمال من القول إلى الفعل وقيل : هو عبارة عن معرفة ما يحترز به عن جميع أنواع الخطأ.
وورد عن ابن مسعود قوله : إنَّ هذا القرآن مأدبة الله تعالى ؛ فتعلموا من مأدبته ، فالقرآن هو منبع الفضائل والآداب المحمودة.