أقرأ أيضاً
التاريخ: 10-8-2022
1870
التاريخ: 11-8-2022
2013
التاريخ: 31-12-2021
2332
التاريخ: 2024-02-24
1217
|
تنويه :
كان من المفروض أن نبحث الصدق والكذب في فصل واحد للملازمة الشديدة بينهما ، ولأنّ أحدهما لا يعرف بدون الآخر ، ولكن بما أنّ هذه المسألة وردت في الآيات والروايات الشريفة وكلمات علماء الأخلاق بصورة منفصلة رأينا أنّ من الأفضل التفكيك بينهما لنؤدي المطلب حقّه من البحث والتفصيل.
أجل فإنّ المفاهيم الإسلامية تؤكّد كثيراً على مسألة محاربة الكذب والدجل إلى درجة أنّ الكاذبين في النصوص الدينية في عداد الكفّار والملحدين وأنّ الكذب هو مفتاح جميع الذنوب كما ورد التصريح بذلك في الروايات الشريفة ، بل إنّ الإنسان ما لم يترك الكذب بشتى أنواعه وأقسامه لن يذوق طعم الإيمان أبداً.
ونكتفي بهذه الإشارة إلى آثار الكذب وأخطاره لنعود إلى القرآن الكريم ونستوحي من آياته ما يتعلّق بهذا المفهوم والصفة الأخلاقية الذميمة :
1 ـ (إِنَّما يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللهِ وَأُولئِكَ هُمُ الْكاذِبُونَ)([1]).
2 ـ (إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كاذِبٌ كَفَّارٌ)([2]).
3 ـ (إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ)([3]).
4 ـ (فَأَعْقَبَهُمْ نِفاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِما أَخْلَفُوا اللهَ ما وَعَدُوهُ وَبِما كانُوا يَكْذِبُونَ)([4]).
5 ـ (وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْذِبُونَ)([5]).
وفي مسألة التكذيب الإلهي الذي هو أيضاً نوع من الكذب ، وردت تعابير مهمّة في القرآن الكريم ، منها :
6 ـ (قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ)([6]).
7 ـ (ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللهِ عَلَى الْكاذِبِينَ)([7]).
تفسير واستنتاج :
«الآية الاولى» تتحدّث عن أنّ الكاذب هو الشخص الذي إنعدم فيه الإيمان بالله تعالى وأنّ الكاذب الحقيقي هو غير المؤمنين فتقول : (إِنَّما يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللهِ وَأُولئِكَ هُمُ الْكاذِبُونَ).
وهذا في الوقت الذي كان فيه أعداء الإسلام من المشركين الجاهليين عند ما يرون بعض آيات القرآن الكريم قد نسخت بسبب تغيير الظروف الزمانية واستبدلت الأحكام السابقة بأحكام جديدة ، فكان ذلك ذريعة لديهم في اتهامهم النبي (صلى الله عليه وآله) بالكذب ، وقولهم أنّ هذا النبي له معلّم يعلّمه هذه الآيات (ومرادهم من المعلّم غلامين نصرانيين أحدهما يدعى يسار ، والآخر جبر ، أو رجل نصراني يدعى بلعام الرومي) في حين أنّ القرآن الكريم نزل بلسان عربي فصيح وهؤلاء كانوا من الأعاجم.
القرآن الكريم في مقام الجواب على ادّعاءات المشركين الواهية يقرّر أنّ النبي الأكرم يتلقى الوحي الإلهي الذي ينزل به روح القدس من الله تعالى وأنّ آثار الإيمان والصدق جليّة في كلامه ، والأشخاص الذين يكذبون في كلامهم لا يؤمنون بالله تعالى ، أي أنّ الإيمان لا يجتمع مع الكذب ، والمؤمن الحقيقي لا يتحرّك لسانه من موقع الكذب اطلاقاً.
وجملة (يفتري الكذب) في الواقع تأكيد على كذبهم ، أي أنّهم يرتكبون الكذب والتهمة في نفس الوقت ، أو كما يقول الطبرسي في مجمع البيان بمعنى (يخترع الكذب) وهذا يعني أنّهم يختلقون كلاماً لا أصل له (الافتراء بمعنى فرية ، هو في الأصل بمعنى قطع ، ثم استعمل في كل عمل سلبي ومذموم ومنه الشرك والكذب والتهمة).
وفي الواقع فإنّ النسبة بين الكذب والافتراء هي نسبة العموم والخصوص المطلق ، فالكذب يعني كل كلام مخالف للواقع ، ولكنّ الافتراء أو التهمة هي أن يكون الكلام يحتوي في مضمونه على نسبة عمل مذموم إلى شخص معيّن.
ويحتمل أنّ قوله (يفتري الكذب) إشارة إلى رؤساء المشركين وقادة الكفر حيث يختلقون الكذب والعناوين من قبيل شاعر وساحر وينسبونها إلى النبي (صلى الله عليه وآله) ويتبعهم الآخرون بذلك.
وعلى أية حال فإنّ الآية أعلاه تبيّن بوضوح أنّ الكذب لا يجتمع مع الإيمان اطلاقاً ، ولذلك ورد في تفسير هذه الآية رواية عن النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) عند ما سُئل : «يا رَسُولَ اللهِ المُؤمِنُ يَزني؟ قال : بلى ، قالوا : المُؤمِنُ يَسرُقُ؟ قال : بلى ، قالوا : المُؤمِنُ يَكذِبُ؟ قال : لا ، ثُمَّ قرأ هذه الآية ..» ([8]).
وبالطبع فلا بدّ من ملاحظة أنّ الإيمان له مراحل ومراتب مختلفة.
«الآية الثانية» من الآيات محل البحث تصّرح (إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كاذِبٌ كَفَّارٌ).
ومن المعلوم أنّ الهداية والضلالة هما بيد الله تعالى حتى النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) لا يتمكن أن يهدي شخصاً ما لم تتعلّق بذلك مشيئة الله تعالى وإرادته كما ورد في الآية الشريفة : (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ)([9]).
ولكن هذا لا يعني أنّ الله تعالى يجبر بعض الناس على الهداية والبعض الآخر على الضلالة والانحراف ، ثمّ يهب الجنّة ونعيمها الدائم الى الطائفة الاولى ويرسل الطائفة الثانية إلى النار ، فهذا هو مذهب الجبر الذي لا ينسجم مع العقل والمنطق ولا مع العدل الإلهي.
والمقصود من ذلك أنّه متى ما تهيأت الأرضية للهداية والضلالة في الإنسان بواسطة أعماله وأفعاله فإنّ الله تعالى سيمدّه بما يتوافق مع لياقته وقابلياته ، فيعين الطائفة الاولى للوصول إلى كمالهم المعنوي في خط الإيمان والعبودية والطاعة ويزيدهم من فضله ولطفه ، ويرفع يده عن الطائفة الثانية ليبقوا في حيرتهم وفي دوّامة من السلوكيات المنحرفة والعقائد الباطلة التي لا يصلون معها إلى مقصودهم النهائي.
ومن أهم الامور التي توفّر الأرضية للضلالة والزيغ والانحراف هو الكذب والاسراف وكفران النعمة التي وردت في هاتين الآيتين حيث يفهم بوضوح من سياق هاتين الآيتين أنّ من يقول بالجبر وأنّ الله تعالى هو الذي يهدي ويضل عباده دون أن يكون لهم الخيرة في ذلك فإنّ كلامهم هذا واعتقادهم مجانب للحق والصواب كثيراً وأنّ استدلالهم بهاتين الآيتين هو في الواقع خلاف الظاهر من جو هاتين الآيتين وسياقهما.
أجل ، فإنّ الكذب يعتبر من أهم العوامل في اضلال الإنسان وشقائه.
ويمكن أن يكون مورد هاتين الآيتين هو نسبة الكذب إلى الله تعالى والانحراف عن أصل التوحيد ، ولكنّ المورد لا يخصص الوارد كما في الاصطلاح ، أي أنّ خصوصية المورد لا تمنع من عمومية الحكم الوارد في هاتين الآيتين.
أمّا العلاقة بين الكذب وكفران النعمة الوارد في الآية الاولى فهو يشير إلى هذه الحقيقة وهي أنّ بني اسرائيل كفروا بنعمة وجود موسى (عليه السلام) فيما بينهم لهدايتهم وكذّبوه ، والعلاقة بين الاسراف والكذب في الآية الثانية هو من جهة أنّ الفراعنة تحرّكوا من موقع عصيان الأمر الإلهي وظلمهم لبني اسرائيل وقتل أولادهم ، فهؤلاء سلكوا طريق الاسراف وكذّبوا بنبوّة موسى (عليه السلام).
«الآية الرابعة» تستعرض اسلوب المنافقين في التظاهر بالإيمان والعمل الصالح وتتحدّث عن (ثعلبة بن حاطب الأنصاري) الذي كان قد عاهد الله تعالى أنّه إذا رزقه مالاً كثيراً فإنّه سيتصدّق على الفقراء والمساكين ولكنّ سلوكه العملي كان مخالفاً لقوله ووعده حيث نقض عهده مع الله تعالى بعد أن رزقه المال والثروة وأصبح من الموسرين ، ويقول الله تعالى في هذه الآية : (فَأَعْقَبَهُمْ نِفاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ).
ثم تضيف الآية أنّ ذلك كان بسبب نقضهم للعهد وكذبهم على الله تعالى : (بِما أَخْلَفُوا اللهَ ما وَعَدُوهُ وَبِما كانُوا يَكْذِبُونَ).
والجدير بالذكر أنّ نقض العهد مع الله تعالى يعتبر نوع من الكذب العملي.
وعلى أية حال فالآية أعلاه تصرح بأنّ نقض العهد كذب يورث الإنسان روح النفاق في قلبه إلى آخر حياته ، وما أشدّ هذه العقوبة في دائرة أركان الشخصية ودعائمها.
أمّا العلاقة بين هذين الذنبين (نقض العهد والكذب) وبين النفاق فواضحة ، لأنّ النفاق ليس شيئاً سوى اختلاف الظاهر والباطن وأن يكون الإنسان ذا لسانين كما في اصطلاح الروايات ، ونقض العهد والكذب أيضاً هو عبارة عن التظاهر بالتمسك والانضباط بالوعد وبالميثاق من موقع المسؤولية والتعهد القلبي في حين أنّ الواقع الباطني لا يتطابق مع هذا الظاهر الخادع.
أجل ، فإنّ الكثيرين من أمثال ثعلبة بن حاطب الأنصاري عند ما يعيشون حالة الضيق والعسر في حركة الحياة يلجئون إلى الله تعالى بجميع وجودهم وكيانهم ليحل لهم مشكلاتهم ويبذلون له العهود والمواثيق والنذور في هذا السبيل ، ولكن عند ما يستجيب الله تعالى لهم وتنفرج الأزمة ويحصلون على ما يريدون يتعاملون مع عهودهم ومواثيقهم من موقع النسيان والتغافل ، وهذا هو المصداق لنقض العهد والكذب والنفاق في عملية التعامل مع الحياة والواقع (نسأل الله تعالى أن يحفظنا من شرّ هذه الآثام والسلوكيات الدنيئة).
«الآية الخامسة» تتحدّث عن صفات وأعمال المنافقين القبيحة وتسلّط الضوء خاصة على مسألة الكذب وتقول : (فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَهُمُ اللهُ مَرَضاً وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْذِبُونَ).
فهذه الآية لم تتحدّث بشكل دقيق عن نوع الكذب الذي كانوا يرتكبونه ولعله إشارة إلى الكذب الذي أشارت إليه الآية السابقة ، ومن ذلك ادّعائهم الإيمان بالله في حين أنّهم غير مؤمنين في قلوبهم ، والآخر الخداع والغش الذي كانوا يمارسونه مع المؤمنين ويستغفلونهم في عملية التعامل معهم ، والأهم من ذلك أنّهم كانوا يستفيدون من كل فرصة في سبيل تكذيب الرسالة الإلهية والرسول الكريم ، ولكن على أيّة حال ، فإنّ هذه الآية تقول : إنّ العذاب الأليم الذي ينتظر هؤلاء هو بسبب كذبهم ، وهذا يدل على أنّ أشدّ وأشنع أعمال المنافقين هو أنّهم كانوا يرتكبون الكذب ويخترعون الإفك ، بالرغم من أنّهم كانوا يرتكبون ذنوباً كثيرة إلى جانب الكذب.
ومن الواضح أنّ المقصود بالمرض في هذه الآية هو مرض النفاق الذي يعدّ مرضاً أخلاقياً ناشئاً من انفصام شخصية المنافق واهتزاز وجدانه بحيث يعيش بين الناس بلسانين ووجهين وظاهره يختلف عن باطنه.
«الآية السادسة» تتحرّك على مستوى بيان قسم خاص من أقسام الكذب ، وهو الكذب على الله تعالى ، حيث تخاطب الآية الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) وتقول : (قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ).
أساساً فانّ الكذب لا يجتمع مع الفلاح والموفقّية في حركة الحياة وخاصّة إذا كان الكذب على الله والأنبياء الإلهيين ، والمراد من الكذب على الله في هذه الآية (وبقرينة الآيات السابقة لها) هو أنّ المشركين كانوا يعتقدون بأنّ الملائكة هم بنات الله ، وقيل أنّ المراد هو دعوى المسيحيين بأنّ المسيح ابن الله ، وكذلك دعوى اليهود بأنّ عزير ابن الله ، وعلى أية حال فانّ نسبة هذه الامور إلى الله تعالى من الكذب الفاضح والجلي ، لأنّ الله تعالى ليس بجسم ولا يتصف بالعوارض الجسمانيّة وليست له زوجة وأبناء.
وأساساً فانّ فلسفة وجود الابن تكون معقولة في دائرة نظام الخلقة على مستوى الإنسان وحاجاته الفطرّية والطبيعية ، فانّ الإنسان يحتاج إلى الأبناء لبقاء النسل والقيام بمعونته وإسناده في حركة المعيشة الشاقّة أمام تحدّيات الواقع والحياة ، أمّا مفهوم الأبن بالنسبة إلى الله تعالى وهو الغني على الاطلاق والقادر على كل شيء فلا معنى له في دائرة العقل والمنطق.
ومن الجدير بالتأمّل أنّ الآية المذكورة اعتبرت عمل المشركين مصداقاً للكذب والافتراء ، وهذا يعني أنّ الكذب له مفهوم واسع يستوعب في مضمونه الإفتراء أيضاً (وكما في الاصطلاح أنّ النسبة بينهما نسبة العموم والخصوص المطلق) فالكذب هو أن يتحدّث الإنسان بكلام مخالف للواقع سواءً كان يتحدّث عن شخص معيّن أو شيء آخر ، ولكنّ التهمة والافتراء هو نسبة عمل قبيح وغير واقعي إلى شخص معيّن ، فهنا يتحقق مصداق الكذب ومصداق التهمة أيضاً.
ونفس مضمون هذه الآية ورد في الآية 116 من سورة النحل حيث تقول الآية : (إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ)
«الآية السابعة» والأخيرة من الآيات مورد البحث تستعرض واقعة المباهلة المعروفة والتي تستبطن في طيّاتها الكلام عن قسم خاص من أقسام الكذب ، أي نسبة الكذب إلى النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) ، ويترتّب على ذلك لعنة الله على الكاذبين حيث تقول الآية : (فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللهِ عَلَى الْكاذِبِينَ).
(المباهلة) في الأصل من مادّة بهل (على وزن سهل) بمعنى الترك للشيء ، وقد ورد في التفاسير أنّ المباهلة تعني في المصطلح الديني أن تجتمع فئتان كل واحد منهما على مذهب معيّن فيتحاجون وأخيراً يتلاعنون ويدعون الله تعالى بأن ينزل لعنته على الطرف الآخر الكاذب ، وأي فئة تحقّق في موردها اللّعن ونزل عليها العذاب فهذا دليل على حقّانيّة الطرف الآخر ، وقد حدث ذلك في صدر الإسلام بين نبي الإسلام (صلى الله عليه وآله) ونصارى نجران ، فعند ما تقررّت المباهلة بينهما جاء النبي (صلى الله عليه وآله) ومعه الإمام علي وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام) إلى ساحة المباهلة وكانت تبدوا على سيماهم المباركة آثار استجابة الدعاء ، فتراجع النصارى عن ادّعائهم وصالحوا النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) على أمور مذكورة بالتفصيل في التفاسير الشريفة ذيل هذه الآية ولذلك لا حاجة إلى الإطالة والتفصيل.
والمراد من قوله : (فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللهِ عَلَى الْكاذِبِينَ) ، لبيان عظمة الكذب وأنّه يستحق نزول اللّعنة على صاحبه.
والآية أعلاه والتي استعرضت تأكيدات قرآنية مهمّة بالنسبة إلى قبح الكذب وآثاره المشؤمة وعواقبه الوخيمة توضّح جيداً أنّ هذا الذنب إلى أي درجة من القبح والشر في دائرة المفاهيم القرآنية ، فينبغي على المؤمنين في المجتمع الإسلامي أن يعيشوا حالة التنفّر والكراهية لهذا النوع من السلوك الخاطئ والخلق الذميم ويتحرّكوا على مستوى تطهير مجتمعهم من شر هذه الخطيئة.
الكذب في الروايات الإسلامية :
ونقرأ في الروايات الإسلامية تعابير مثيرة ومدهشة تتحدث عن قبح الكذب وشناعته وفيما يلى نماذج منها :
1 ـ يستفاد من بعض الروايات أنّ الكذب مفتاح الذنوب ، كما ورد عن الإمام الباقر (عليه السلام) قوله : «إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ جَعَلَ لِلشّرَّ اقْفالاً وَجَعَلَ مَفاتِيحَ تِلْكَ الأَقْفالِ الشَّرابَ ، وَالْكِذْبُ شَرٌّ مِنَ الشَّرابِ» ([10]).
2 ـ وورد في حديث آخر عن الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) قوله : «جُعِلَتِ الْخَبائِثُ كُلُّها فِي بَيْتٍ وَجُعِلَ مِفْتاحُهُ الْكِذْبَ» ([11]).
والعلّة في ذلك جليّة ، وهي أنّ الإنسان الكاذب عند ما يجد نفسه في معرض الفضيحة فأنّه يتحرك في عمليّة التغطية على نقائصه ومعايبه من موقع الكذب والخداع ، وبعبارة اخرى : إنّ الكذب يبيح له إرتكاب أنواع الذنوب من دون أن يخاف الفضيحة ، في حين أنّ الإنسان الصادق سيجد نفسه مضطراً إلى ترك سائر الذنوب لأنّ الصدق لا يسوغ له إرتكاب الذنب ، والخوف من الفضيحة بسبب الصدق يدعوه إلى ترك الذنوب.
وكما سبق وأن ذكرنا الحديث المعروف عن الرجل الذي جاء إلى النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) وهو ملّوث بأنواع الذنوب وطلب منه النبي (صلى الله عليه وآله) أن يترك الكذب فقط فقبل منه ذلك ، وكان هذا سبباً في أن يترك جميع الذنوب ([12]).
3 ـ ويستفاد من الأحاديث الاخرى أنّ الكذب لا ينسجم اطلاقاً مع الإيمان كما نقرأ في الحديث الشريف : «سُئِلَ رَسُولُ اللهِ (صلى الله عليه وآله) يَكُونُ الْمُؤمِنُ جُبانَاً؟ قالَ : نَعَمُ ؛ قَيلَ وَيَكُونُ بَخِيلاً؟ قالَ نَعم ، قِيلَ يَكُونُ كَذاباً قالَ : لَا» ([13]).
ونفس هذا المضمون ورد بصورة اخرى عن أمير المؤمنين (عليه السلام) حيث يقول : «لا يَجِدُ الْعَبْدُ طَعْمَ الإِيِمانِ حَتّى يَتْرُكَ الْكِذْبَ هَزْلَهُ وَجِدَّهُ» ([14]).
ولكن لماذا لا ينسجم الكذب مع الإيمان؟ لأنّ الكذب إمّا أن يكون لغرض تحصيل الإنسان لمنفعة معيّنة أو للخلاص من مشكلة وأزمة ، فلو كان إيمان الإنسان قوياً ومستحكماً في القلب فأنّه يرى أنّ الخير والشر كلاهما بيد الله تعالى وهو الذي بإمكانه حلّ مشكلاته وإنقاذه من الازمات التي يمر بها في مواجهة تحدّيات الواقع والحياة وهو الذي يدفع عن الإنسان أنواع البلايا والمخاطر ، فلو أنّ الإنسان تمسك بغصن من أغصان التوحيد الأفعالي واعتقد بذلك بصدق فلا يجد نفسه بحاجة إلى التمسّك بذيل الكذب حينئذٍ.
4 ـ ونقرأ في حديث آخر عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قوله : «وَشَرُّ الْقُولِ الْكِذُبُ» ([15]) ، لأنّ آثاره السلبية والمدّمرة أشد من كل ذنب آخر.
5 ـ ونقرأ أيضاً في حديث آخر عن الإمام علي (عليه السلام) حيث يقرّر أنّ الكذب من أعظم الخطايا ويقول : «أَعْظَمُ الْخِطايا عِنْدَ اللهِ الْلِسَانُ الْكَذُوبِ وشَرُّ النَّدامَةِ نَدامَةُ يَوْمِ الْقِيامَةِ» ([16]).
6 ـ وورد في حديث آخر أنّ الكذب مصدر الفجور ومنبع الفحشاء وسبب الدخول في النار كما في الحديث الشريف عن النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) حيث يقول : «إِيَّاكُم وَالكِذبَ فإنَّ الكِذبَ يَهدِي إِلَى الفُجُورِ وَإنَّ الفُجُورَ يَهدِي إِلَى النّارِ» ([17]).
7 ـ إنّ الكذب لا يتناغم ولا ينسجم مع العقل كما ورد هذا المضمون في الحديث الشريف عن الإمام الكاظم (عليه السلام) أنّه قال : «إِنَّ العاقِلَ لا يَكذِبُ وَإِن كانَ فَيهِ هَواهُ» ([18]).
8 ـ إنّ الكذب يبعد ملائكة الرحمة عن هذا الإنسان الكاذب ففي حديث عن النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) أنّه قال : «إِذا كَذِبَ العَبدُ تَباعَدَ المَلَكُ مِنهُ مَسيرَةَ مِيلٍ مِنْ نَتِنِ ما جاءَ بِهِ» ([19]).
لأنّ الإنسان إذا تحرّك في تعامله مع الآخرين من موقع الكذب ، فإنّه يتظاهر في نفس الحال بمظهر الصدق في حين أنّ باطنه يختلف عن ذلك ، وهذا الاختلاف بين الظاهر والباطن نوع من أنواع النفاق ، ولذلك كان الكذب من جملة الأعمال الشائعة لدى المنافقين.
10 ـ إن الكاذب يخسر اعتماد الناس وثقتهم به كما نقرأ ذلك في الحديث الشريف عن أمير المؤمنين (عليه السلام) : «مَنْ عُرِفَ بِالكِذبِ قَلَّتْ الثِّقَةُ بِهِ» ([20]).
والنقطة المقابلة لذلك وردت أيضاً في كلمات أمير المؤمنين (عليه السلام) حيث قال : «مَنْ تَجَنَّبَ الكِذبَ صَدَّقَتْ أَقوالُهُ» ([21]).
11 ـ ونختم هذا البحث الطويل بحديث آخر من الأحاديث الحكيمة لأمير المؤمنين (عليه السلام) حيث يحذّر الناس من الصداقة والتعامل مع الكاذبين ويقول : «وَإِيَّاكَ وَمُصادَقَةَ الكَذَّابِ فَإِنَّهُ كَالسَّرابِ يُقَرِّبُ عَلَيكَ البَعِيدَ وَيُبَعِّدُ عَلَيكَ القَرِيبَ» ([22]).
ويستفاد من الروايات أعلاه أنّ الكذب منبع الذنوب والمعاصي المختلفة وعنصر اهتزاز الإيمان بالله والثقة بين الناس ويعتبر أشنع أقسام الكلام وفرع من فروع النفاق ويفسد العلاقة بين أفراد المجتمع ويعمل على هدم اتّحادهم ومروءتهم وقلّما نجد مثل هذه الآثار الذميمة لذنب آخر من الذنوب الفردية والاجتماعية.
بقيت هنا نقاط مهمّة نذكرها بشكل مختصر :
الآثار السلبية للكذب :
بالرغم من أنّ الآيات والروايات المذكورة آنفاً قد درست هذه المسألة بشكل مفصّل وكشفت الستار عن نقاط مهمّة فيها ، ولكن أهميّة هذا الموضوع يحتاج إلى دراسة أكثر وأعمق.
وأول : أثر من الآثار المضرّة والسلبية للكذب هي الفضيحة وذهاب ماء الوجه وانهيار المكانة الاجتماعية للشخص الكاذب وسلب الثقة منه لدى الناس.
وكما يقول المثل المعروف : (الكاذب قرين النسيان) فإنّ التجارب تثبت أنّ الكلام الكاذب لا يمكن أن يستمر لمدّة طويلة في حجبه الحقيقة عن الناس ، وقد تطوى المسألة في زاوية النسيان إذا لم تكن ذات أهميّة ، ولكن إذا كانت المسألة مهمّة فإنّ الحقيقة سوف تتجلّى في دائرة ويفتضح الكاذب حينئذٍ لا من أجل أنّ الكاذب ينسى ما قاله سابقاً ، بل من أجل أنّ الكذب بنفسه لا يتأطر بإطار الحافظة ، لأنّ الحادثة الواقعة في الخارج ترتبط بسلسلة من الحوادث الاخرى ومن موقع العلّة والمعلول وترتبط بما حولها من الحوادث بروابط عديدة وحتميّة ، فالشخص الذي يصوغ حادثة مختلقة يجد نفسه مضطراً إلى أن يربطها بما قبلها وبعدها من ظروف الزمان والمكان والأشخاص والحوادث المحيطة بها وكل ذلك يجب أن يختلقه بما ينسجم مع هذه الحالة الكاذبة ، وبما أنّ هذه الروابط ليس لها حد وحصر ، وعلى فرض أنّه استطاع أن يختلق عدّة حوادث وروابط منسجمة مع بعضها إلّا أنّه قد يترك ثغرات في كلامه حيث يتّضح من ذلك كذبه مثل ما رأينا من قصّة يوسف (عليه السلام) حيث جاء الأُخوة بقميصه الدامي إلى أبيهم واختلقوا قصّة أكل الذئب له ، ولكنّهم نسوا أن يمزقوا القميص من عدّة أماكن ، وهكذا اتّضح كذبهم من بقاء القميص سالماً ، أو مثل زوجة عزيز مصر عند ما ادّعت كذباً بأنّ يوسف كان يقصد بها سوء ولكنّها نسيت أنّ قميص يوسف (عليه السلام) قد قُدَّ من خلفه ، وهذا دليل واضح على كذبها وأنّها هي التي كانت تلحق يوسف (عليه السلام) لا العكس.
وفي هذا العصر فإنّ المحققين في عالم الجريمة يستطيعون بكل سهولة ومن خلال الأسئلة المتعددة عن الحادثة ولوازمها وخصوصياتها أن يكشفوا صدق أو كذب المدّعي بحيث نادراً ما يفلت منهم كاذب دون أن يفتضح ، أجل فإنّ الكاذب ليست له حافظة قويّة ، وسوف يفتضح سريعاً على أيّة حال.
الثاني : من النتائج السلبية للكذب هو أنّه يجر الإنسان إلى أن يكذب مرّات عديدة أو يرتكب ذنوباً اخرى للتغطية على كذبته الاولى أو يرتكب حماقات خطيرة لهذا الغرض.
الثالث : من مضرّات الكذب هو أنّه يبيح للشخص الكاذب أن يغطي على خطيئته وإثمه ولو بشكل مؤقت ويتستر على سلوكياته المنحرفة في حين أنّه لو كان يتحرّك من موقع الصدق فإنّه يجد نفسه مضطراً إلى ترك هذه الأعمال القبيحة.
الرابع : من مضرّات الكذب هو أنّه يدفع بصاحبه إلى أن يسلك في خط النفاق ويصبح من زمرة المنافقين ، لأنّ الكذب فرع من فروع النفاق ، والكاذب هو الذي يظهر غير ما يبطن ويتكلم بخلاف الواقع وبخلاف ما يعلمه في نفسه ، فهذا الاختلاف بين الظاهر والباطن سوف يسري بالتدريج إلى سائر أعماله وسلوكياته حتى يمسي منافقاً كاملاً.
وقد ورد في الحديث الشريف عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنّه قال : «الكذب يؤدي إلى النفاق».
الخامس : من مضرات الكذب هو أنّه لو كان الشخص يتمتع بلياقات كثيرة وطاقات ايجابية يمكنه استخدامها في حركة التفاعل الاجتماعي فأنّه لو كان كاذباً في هذا المجال فسوف لا يستطيع الناس الاستفادة من لياقاته وطاقاته الإيجابيّة لأنهم سوف يتعاملون معه من موقع الشك والترديد في سلوكياته وكلماته.
ولهذا السبب نجد أنّ الروايات الإسلامية اعتبرت الكاذب مثل الميّت حيث ورد : «الكَذَّابُ والمَيِّتُ سَواءٌ فإنَّ فَضِيلَةَ الحَيِّ عَلَى المَيِّتِ الثِّقَةُ بِهِ ، فَإذا لَمْ يُوثَقُ بَكلامِهِ فَقَد بَطَلَتْ حَياتُهُ» ([23]).
السادس : من النتائج السلبية المترتبة على الكذب هو أنّ الإنسان وبالاستفادة من أداة الكذب يمكنه أن يرتكب أعمالاً قبيحة اخرى ، فالحسود والحاقد والبخيل كل منهم يجد في الكذب وسيلة للتغطية على أعمالهم وسلوكيّاتهم وهكذا الحال في سائر الذنوب الاخرى ، مثلاً عند ما يأتي إليه شخص ويطلب منه قرضاً فأنّه يكذب عليه ويقول : لقد اقترضت الآن مبلغاً من المال وليس لدي ما أعطيك منه ، أو عند ما يطلب منه أن يصف شخصاً من الأشخاص فأنّه وبسبب الحسد لا يذكر منه سوى صفاته السلبيّة والحال أنّ ذلك الشخص هو إنسان شريف وثقة.
السابع : هو ما نراه من الآثار المخربة في دائرة العلوم والمعارف البشرية ، فلو أنّ المحققين والمخترعين والعلماء تحرّكوا من موقع الكذب في تحقيقاتهم واكتشافاتهم فانّ جميع الكتب والدراسات العلميّة سوف يلحقها فيروس الشك والترديد وبالتالي لا يضحى هناك اعتماد على تحقيقات ودراسات الآخرين فتتوقف حركة التطور الحضاري والعلمي في المجتمع البشري.
وهناك نتائج سلبية ومضرات كثيرة اخرى تترتب على الكذب في حركة الحياة الفردية.
ومضافاً إلى هذه النتائج والآثار في حركة الحياة للإنسان فانّ هناك مضرات معنوية تترتب على الكذب وردت الإشارة إليها في الروايات الشريفة ومن ذلك :
أنّ الملائكة تبتعد عن الإنسان كما قرأنا ذلك سابقاً في الحديث عن الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السلام) حيث قال : «إِذا كَذِبَ العَبدُ تَباعَدَ المَلَكُ مِنهُ مَسيرَةَ مِيلٍ مِنْ نَتِنِ ما جاءَ بِهِ» ([24]).
والآخر إنّ الكاذب يحرم من صلاة الليل كما ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) قوله : «انَّ الَّرجُلَ لَيَكْذِبُ الْكِذْبَةَ فَيُحرَمُ بِها صَلاةَ الْلَيْلِ ، فَاذا حُرِمَ صَلاةُ اللَيْلِ حُرِمَ بِها الرِّزْقُ» ([25]).
والثالث أنّ الكذب يؤدّي إلى عدم قبول بعض العبادات ، كما ورد في الصوم في الحديث عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنّه قال : «فَإذا صُمتُم فَاحفَظُوا أَلسِنَتَكُم عَنِ الكِذبِ وَغُضُّوا أَبصارَكُم» ([26]).
وهذا الحديث يدلّ على أنّ مثل هذه الأعمال المنافية للأخلاق تقلّل من قيمة الصوم.
والآخر أنّ الكذب يتسبب في قطع البركات الإلهية على الإنسان كما نقرأ ذلك في الحديث الشريف عن الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السلام) : «إِذا كَذِبَ الولاةُ حُبِسَ المَطرُ» ([27]).
وقد وردت بعض الآثار السلبية للكذب في الروايات والتي لها بعد معنوي مضافاً إلى البعد الاجتماعي والظاهري ، ومن ذلك ما يستفاد من الروايات المتعددة من أنّ الكذب يتسبب في حرمان الإنسان من الرزق ويؤدّي به إلى الوقوع في هوّة الفقر والمسكنة.
ففي الحديث الشريف عن أمير المؤمنين قال : «اعتِيادُ الكِذبِ يُورثُ الفَقرَ» ([28]).
وفي حديث آخر عن رسول الله أنّه قال : «الكِذْبُ يُنقِّصُ الرِّزقَ» ([29]).
وهذا النقصان في الرزق يمكن أن يكون له نتائج وخيمة في دائرة الرزق المعنوي أو في العلاقات الاجتماعية ، لأنّ الكذب يسلب اعتماد الناس وثقتهم من هذا الشخص الكاذب، وبذلك سوف تتحدّد فعّاليته الاقتصادية ويتراجع نشاطه الاقتصادي وبالتالي يؤدّي إلى نقصان رزقه المادي أيضاً.
دوافع الكذب :
إنّ الكذب كما هو في سائر الصفات الرذيلة له أسباب ودوافع مختلفة وأهمّها :
1 ـ ضعف الإيمان والعقيدة ، لأنّه لو كان الكاذب عالماً بأنّ الله تعالى قادر رحيم وعالم بأمره فإنّه لا يجد في نفسه حاجة إلى الكذب في سبيل تحصيل المال أو نيل الجاه والمقام ، ولا يرى أنّ توفيقه في حركة الحياة مرتبط بالكذب ولا يخاف من الفقر ولا من تفرق الناس من حوله وزوال موقعيته الاجتماعية وقدرته على الكسب والرزق بل يرى ذلك مرتبط بالله تعالى فلا يحتاج إلى الكذب في نيل تحصيلها ولذلك ورد في الرواية الشريفة عن الإمام الباقر (عليه السلام) قوله : «جانِبُوا الكِذْبَ فإنَّ الكِذْبَ مُجانِبُ الإيمانَ» ([30]).
2 ـ والآخر من دوافع الكذب هو ضعف الشخصية وعقدة الحقارة ، فالأشخاص الذين يعيشون هذه الحالة من ضعف الشخصية والحقارة يضطرون إلى التستر على ضعفهم ودناءتهم من خلال استخدام الكذب ، وقد ورد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنّه قال : «لا يَكذِبُ الكَاذِبُ إِلّا مِنْ مَهانَةِ نَفسِهِ عَلَيهِ» ([31]).
3 ـ ومن دوافع الكذب أيضاً حالات الحسد والبخل والتكبّر والغرور والعداوة بالنسبة إلى الآخرين حيث يدفعه ذلك إلى اتهامهم بما ليس فيهم أو التحدّث عنهم من موقع الكذب ، وما دامت هذه الحالات السلبية تعتلج في ذات الإنسان وباطنه فإنّه سوف لا يجد خلاصاً من الكذب.
ولهذا نرى أنّ المنافقين يتوسلون بحبل الكذب للتغطية على واقعهم السيء كما تقدّمت الإشارة إليه سابقاً.
4 ـ وممّا يورث الكذب لدى البعض هو الأمراض الأخلاقية والاجتماعية والتلّوث بأنواع الذنوب والانحراف عن خط الحق والفطرة بحيث يصل به الحال إلى أن يقول : إنني إذا لم أكذب فسوف لا أستطيع التعامل مع الآخرين ونيل الموفقية في حركة الحياة الاجتماعية من الكسب والتجارة وأمثال ذلك.
5 ـ الدوافع الاخرى لشيوع الكذب هو العلاقة الشديدة بالدنيا وحفظ المقامات الاجتماعية وحتّى أنّه قد يتوسل إلى ذلك بالكذب على الله ورسوله.
ونقرأ في الخطبة 147 من نهج البلاغة قول أمير المؤمنين (عليه السلام) : «وإِنّه سَيأتِي عَلَيكُم بَعدِي زَمانٌ لَيسَ فِيهِ شَيءٌ أَخفَى وَلا أَظهَرَ مِنَ الباطِلِ وَلا أَكثَرَ مِنَ الكِذبِ عَلَى اللهِ وَرَسُولِهِ».
طرق علاج الكذب :
لا بدّ لعلاج هذه الرذيلة الأخلاقية وقطع جذورها من واقع النفس من سلوك الطريق المستخدم لعلاج سائر الرذائل الأخلاقية الاخرى، أي التعرّف في البداية على جذورها ودوافعها ، فما لم يستطع الإنسان من اقتلاع جذور هذه الرذيلة من نفسه فإنّ هذه الشجرة الخبيثة سوف تبقى وتشتد في المستقبل ، فلو كان الدافع للكذب هو ضعف الإيمان والاعتقاد بالنسبة إلى التوحيد الأفعالي ، فيجب عليه تقوية دعائم الإيمان في نفسه وباطنه وليعلم أنّ الله تعالى قادر على كلّ شيء وأنّ مفاتيح الرزق والموفقية والعزّة والكرامة بيده فقط، ولذلك يتسنى له جبران عناصر الضعف في دائرة الإيمان وبالتالي يصدّه ذلك عن الكذب ، وإذا كان الدافع لذلك هو الحسد والبخل والتكبّر والغرور وأمثال ذلك من الحالات السلبية في دائرة الأخلاق ، فيجب عليه السعي لعلاجها ، وليعلم أنّه ما لم يقطع عن نفسه جذور هذه الحالات السلبية ويداوي هذه الأمراض الأخلاقية فإنّه لا يتسنى له أن يعيش الصدق والكرامة والشرف في حياته الفردية والاجتماعية.
ومن جانب آخر يجب عليه التفكّر في الآثار السيئة والأضرار الوخيمة للكذب والتي تسبب له الفضيحة في الدنيا والآخرة ، ومن المعلوم أنّ كل شخص يتفكّر ويتدبّر جيداً فيما ذكرناه سابقاً من هذه الأضرار للكذب وخاصة ما ورد في الروايات الشريفة في هذا الباب فإنّ ذلك سيكون رادعاً قوياً له عن سلوك هذا الطريق المنحرف.
إنّ لقادة المجتمع وكبار الأشخاص في الاسرة دوراً مهمّاً في دفع الناس والأفراد نحو سلوك طريق الصدق ، لأنّه لو رأى الناس أو أفراد الاسرة أنّ كبيرهم وقائدهم لا يتحرّك في تعامله مع الآخرين إلّا من موقع الصدق ، فإنّهم سوف يتحرّكون كذلك في تعاملهم وسلوكهم الاجتماعي ، بخلاف ما لو رأوا أنّ الكبار يتعاملون مع الآخرين بالكذب والدجل والخداع ، فإنّ أفراد المجتمع والاسرة سرعان ما يتلوثوا بهذه الصفة الرذيلة.
كما نقرأ في الحديث الشريف عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) ضمن بيانه عدم تلقين الناس الكذب حيث يقول : «لا تُلَقِّنُوا النّاسَ فَيَكذِبُونَ فَإنَّ بَنِي يَعقُوبَ لَمْ يَعلَمُوا إِنَّ الذِّئبَ يَأَكُلُ الإِنسانَ فَلَمّا لَقَّنَهُم إِنِّي أَخافُ أَنْ يَأَكُلُهُ الذِّئبُ ، قَالُوا أَكَلَهُ الذِّئبُ» ([32]).
أجل ، فإنّ ترك الأولى هذا قد صار ذريعة بيد أبناء يعقوب ليتحرّكوا من موقع الكذب في مواجهتهم للمشكلة.
وأحد الطرق المؤثرة في علاج الكذب هو إيجاد قوّة الشخصية لدى الأفراد لأنّه كما سبقت الإشارة إليه أنّ أحد العوامل المهمّة للكذب هو الشعور بالحقارة وضعف الشخصية ، فالكاذب يريد جبران هذا النقص من خلال الكذب ، فلو أنّه كان يجد الثقة في نفسه ويعيش حالة قوة الشخصية ويرى أنّه قادر على كسب المقامات العالية في المجتمع بما لديه من قابليات وملكات إيجابية فلا يجد في نفسه حاجة إلى اختلاق شخصية كاذبة عن نفسه والظهور إلى الآخرين بغير واقعه.
وخاصة إذا التفت المربّون والمصلحون إلى هذه الحقيقة في دائرة تربية الأفراد على الصدق ، وهي أنّ الصادق في كلامه سيكون في مرتبة المقرّبين والصديقين عند الله تعالى ، يحشر مع الأنبياء والشهداء يوم القيامة ، فبديهي أنّ ذلك سيكون مشجعاً وحافزاً على إقبال الناس نحو الصدق ، ويقول القرآن الكريم : (وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً)([33]).
والجدير بالذكر أن توغّل حالة الكذب الذميمة في باطن الإنسان كما هو الحال في الصفات الذميمة الاخرى يبتدأ من صغائر الامور وبالتدريج تجرّه إلى ما هو أخطر وأعظم كما قال الإمام زين العابدين (عليه السلام) : «إِتَّقُوا الكِذبَ فِي صَغِيرِ وَكَبيرِ فِي كُلِّ جِدٍّ وَهَزَلٍ فَإِنَّ الرَّجُلَ إِذا كَذِبَ فِي صَغِيرِ اجتَرأَ عَلَى الكَبِيرِ» ([34]).
استثناءات الكذب :
وبالرغم من أنّ الكذب من أهمّ الذنوب وأخطرها بحال الإنسان على المستوى المادي والمعنوي ، والفردي والاجتماعي ، ولكن مع ذلك هناك موارد عديدة وردت في الروايات الإسلامية وكلمات الفقهاء وعلماء الأخلاق على شكل استثناء من قبح الكذب.
وهذه الموارد عبارة عن :
1 ـ الكذب لإصلاح ذات البين.
2 ـ الكذب لخداع العدو وفي ميادين القتال.
3 ـ الكذب في مقام التقية.
4 ـ لدفع الظالمين.
5 ـ الكذب في جميع الموارد التي يجد الإنسان نفسه وناموسه في خطر محدق ولا نجاة له إلّا بالتوسل بالكذب.
ففي جميع هذه الموارد يمكننا استخلاص قاعدة كلية ، وهي أنّه إذا كانت الأهداف الأهم في خطر ولا يجد الإنسان لدفع هذا الخطر إلّا بواسطة الكذب فيجوز له ذلك ، وبعبارة اخرى : إنّ جميع هذه الموارد مشمولة لقاعدة الأهم والمهم ، وعلى سبيل المثال فلو ابتلى الإنسان بجماعة متعصبة وجاهلة ومتوحشة وسألوه عن مذهبه ، فلو أنّه قال الحقيقة لهم فأنّهم سوف يسفكون دمه فوراً ، فالعقل والشرع هنا لا يبيحان له أن يصدقهم في جوابه بل يجوز له الكذب حينئذٍ لإنقاذ نفسه من شرّهم ، أو في الموارد التي يكون هناك اختلاف شديد بين شخصين ويجد الإنسان لحلّ هذا الاختلاف والمشكلة العالقة بينهما طريقاً إلى ذلك بالاستعانة بالكذب (كأن يقول لأحدهما أنّ الشخص الفلاني يحبّك ويذكرك بالخير دائماً في المجالس) ممّا يثير في نفس الطرف الآخر أجواء المحبّة والصفاء والصلح بينهما ، وهكذا في أمثال هذه الأهداف المهمّة والغايات الخيّرة ، لا أنّ الإنسان وبدافع من منافعه الشخصية والمصالح الجزئية يستخدم الكذب ، فهذا الاستثناء لقبح الكذب تدخل في دائرة الضرورة ولا يصح أن تكون مسوّغاً وذريعة بيد الأفراد لاستخدام أداة الكذب في كل مورد من الموارد الجزئية.
وفي الحقيقة فإنّ اباحة الكذب في هذه الموارد الضرورية هي من قبيل حلّية (أكل الميتة) في المواقع الضرورية حيث يجب التناول منها بمقدار الضرورة ولا يسلك الإنسان هذا الطريق إلّا في مواقع الضرورة.
والدليل على هذه الاستثناءات مضافاً إلى القاعدة العقلية المذكورة أعلاه (قاعدة الأهم والمهم) هو الروايات المتعددة المذكورة في المصادر الإسلامية عن المعصومين (عليهم السلام) :
1 ـ ففي حديث معروف عن الإمام الصادق (عليه السلام) قوله : «لَيسَ شَيءٌ مِمَّا حَرَّمَ اللهُ إلّا وَقَد أَحَلَّهُ لِمَنِ اضطُرَّ إلَيهِ» ([35]).
2 ـ وقد ورد عن الإمام علي (عليه السلام) عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أيضاً أنّه قال : «إحلِفْ بِاللهِ كاذِباً ونَجِّ أَخاكَ مِنَ القَتلِ» ([36]).
3 ـ وفي حديث عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أيضاً أنّه قال : «كُلُّ الِكذبِ يَكتُبُ عَلَى ابن آدَمِ إلّا رَجُلٌ كَذَبَ بَينَ رَجُلَينِ يُصلِحُ بَينَهُما» ([37]).
4 ـ ونقرأ في حديث آخر عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنّه قال : «الكِذبُ مَذمُومٌ إلّا فِي أَمرَينِ دَفعُ شَرِّ الظَّلَمةِ وَإصلاحُ ذاتِ البَينِ» ([38]).
5 ـ وفي حديث آخر عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنّه قال : «كُلُّ الكِذْبِ مَكتُوبٌ كِذباً لا مَحَالَةَ إلّا أَنْ يَكذِبَ الرَّجُلُ فِي الحَربِ فَإِنَّ الحَربَ خُدعَةٌ أَو يَكُونَ بَينَ رَجُلَينِ شَحناءَ فَيُصلِحُ بَينَهُما أَو يُحَدِّثُ امرأَتَهُ يِرضِيها» ([39]).
والمراد من الجملة الأخيرة ليس هو أنّ الإنسان متى ما أراد الكذب على زوجته جاز له ذلك ، بل ناظرة إلى موارد تكون الزوجة لها توقّعات كثيرة وغير معقولة من زوجها أو أنّ إمكانات الزوج لا تستوعب كلّ هذه التوقّعات ولذلك يتحرّك الزوج في تعامله معها من موقع الكذب والوعد بتحقيق مطالبها ليسكت اعتراضها وليهدّئ من ثورتها ويحتمل أن تنسى ذلك فيما بعد وتنتهي المنازعة فيما بينهما.
ويصدق هذا المعنى أيضاً على توقّعات الزوج غير المنطقية كما وردت الإشارة إلى ذلك في بعض الروايات أيضاً.
طريق الفرار من الكذب (التورية):
التورية (على وزن توصية) تقال للكلام الذي يثير في نفس المستمع معنىً آخر غير ما يقصده القائل ، أو بتعبير آخر : الكلام الذي يحتمل وجهين ، ويتعلق به الأشخاص الذين يجدون في أنفسهم حرجاً من الكذب ، فمن جهة لا يرتكبون ذنب الكذب ، ومن جهة اخرى لا يخبرون السامع بسرهم.
والأمثلة التالية توضّح هذا المعنى بصورة كاملة :
1 ـ إذا سأل الإنسان : هل ارتكبت المعصية الفلانية ، فيقول في مقام الجواب : استغفر الله ، (فالمستمع يفهم من هذه العبارة النفي في حين أنّ مراد المتكلّم هو الاستغفار من ارتكابه لذلك العمل).
2 ـ وقد يسأل شخص من آخر : هل أنّ فلاناً قد استغابني وتكلّم عنّي بسوء أمامك؟
فيجيب : وهل أنّ هذا ممكن ومعقول (فالمستمع يفهم من هذا الكلام النفي في حين أنّ مقصود المتكلّم هو الاستفهام لا غير).
3 ـ إذا جاء شخص إلى باب دار شخص آخر وقال : هل أنّ فلاناً موجود في البيت؟
فيقول الآخر في مقام الجواب مشيراً إلى مكان معيّن : كلا ليس هنا (فالمستمع يتصوّر أنّه غير موجود في البيت في حين أنّ مراد القائل أنّه غير موجود في ذلك المكان بالخصوص).
4 ـ وقد سئل من أحد العلماء عن الخليفة الحق بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) من هو؟ ولم يكن ذلك العالم في حالة تسمح له بالجواب بصورة صحيحة وشفافة فقال في جوابه : (من بنته في بيته).
فتصوّر المستمع أنّ المراد هو أبا بكر الذي كانت ابنته عائشة في بيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) في حين أنّ مراد القائل هو أنّه ابنته أي ابنة رسول الله (صلى الله عليه وآله) فاطمة في بيته ، أي بيت علي بن أبي طالب (عليه السلام).
5 ـ ونقرأ في قصة محادثة سعيد بن جبير مع الحجّاج عند ما سأله الحجاج عدّة أسئلة كذريعة لقتله فكان ممّا سأله : كيف تجدني في نظرك؟ فقال : أنت عادل (والعادل في نظر العرب ترد في معنيين) أحدهما بمعنى العدالة والآخر بمعنى العادل عن الحق ، أي الكافر أو الذي يرى عديلاً أو شريكاً لله تعالى كما ورد ذلك في القرآن الكريم : (ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ)([40]).
أي يجعلون له عديلاً وشريكاً.
وممّا تقدّم آنفاً يتّضح أنّ التورية ليست من الكذب ، لأنّ القائل ليس في نيّته سوى الصدق وإرادة الجانب الصادق من كلماته ، رغم أنّ المستمع يتصوّر المعنى الآخر من ذلك الكلام ، ومن الواضح أنّ اشتباه المستمع في فهم معنى كلام القائل لا ربط له بالقائل نفسه.
وهنا يتّضح أيضاً أنّه في الموارد التي يجد الإنسان ضرورة للاستفادة من الكذب إذا يمكن من التورية وجب عليه استخدامها للتخلّص من الوقوع في الكذب ، وعلى هذا الأساس فإنّ الكذب لا يكون مباحاً في موقع الضرورة إلّا فيما لو كانت أبواب التورية مؤصدة أيضاً ، والاصطلاح العلمي أنّه لا تكون لديه مندوحة.
ومن هنا يتّضح أيضاً خطأ ما ذهب إليه الغزالي من عدّه التورية من مصاديق الكذب ، ولكنّه قال بأنّ قبحها وفسادها أدقّ من مصاديق الكذب الاخرى ، إلّا أن يكون مراده من التورية أمر آخر بحيث تعدّ من مصاديق الكذب واقعاً.
وعلى أيّة حال فإنّ قبح الكذب وفساده إلى درجة كبيرة بحيث أنّ الإنسان لا بدّ له من اجتنابه بالمقدار الممكن حتّى لو تمكّن اجتنابه عن طريق التورية.
ونلاحظ في كلمات الأنبياء الواردة في القرآن الكريم والروايات الشريفة أنّهم قد يتخلّصون من الكذب بالتورية في بعض الحالات من قبيل ما نراه من محاججة إبراهيم (عليه السلام) لقومه من عَبَّدْة الأوثان عند ما سألوه عن الشخص الذي ارتكب عملية تحطيم الأوثان والأصنام فقال في مقام الجواب : (بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا فَسْئَلُوهُمْ إِنْ كانُوا يَنْطِقُونَ)([41]).
فرغم أنّ السامع لهذا الكلام يمكن أن يفهم منه أنّ إبراهيم (عليه السلام) نسب تحطيم الأصنام إلى كبيرهم أي الصنم الكبير ولكنّ جملة (إن كانوا ينطقون) جاءت بعنوان شرط للمراد من الكلام ، أي أنّهم لو كانوا ينطقون فإنّ هذا الفعل من فعل كبيرهم.
وكذلك جملة (إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ) التّي قالها عمال يوسف لأخوته ، فمع ملاحظة الآيات السابقة قد ينعكس إلى الذهن أنّ هؤلاء الأخوة هم الذين سرقوا مكيال الملك في حين أنّ مرادهم هو سرقة الأخوة ليوسف من أبيهم في كنعان.
وخلاصة الكلام أنّ التورية والتكلّم بكلام يحتمل وجهين ليس من مصاديق الكذب اطلاقاً رغم أنّ السامع قد يفهم منه شيء آخر غير ما يقصده المتكلّم وغير ما يتطابق مع الواقع ، ويكون مراد المتكلم صحيحاً ومتطابقاً للواقع ، وأمّا من يرى في معيار الصدق والكذب هو ظاهر الكلام لا المراد والمقصود القلبي للمتكلم فيمكن أن يعتبر التورية نوع من الكذب الخفيف في حين أنّها ليست كذلك ، فمعيار الصدق والكذب هو المراد الجدّي للمتكلم الذي يتطابق مع محتوى ومضمون العبارة.
مثلاً قد يسأل شخص من آخر : هل أنّ هذا اللباس قد أهداه لك الشخص الفلاني؟ في حين أنّ المخاطب قد لا يكون راغباً في نفي هذا المطلب بصراحة فيقول في جوابه من موقع التورية : أطال الله عمره ، فيحسب السامع من هذا الكلام أنّ المتكلم قد أجاب بالإيجاب في حين أنّ المتكلم لم يكن يقصد ذلك بل دعا إلى ذلك الشخص فقط.
[1] سورة النحل ، الآية 105.
[2] سورة الزمر ، الآية 3.
[3] سورة غافر ، الآية 28.
[4] سورة التوبة ، الآية 77.
[5] سورة البقرة ، الآية 10.
[6] سورة يونس ، الآية 69.
[7] سورة آل عمران ، الآية 61.
[8] الطبرسي في مجمع البيان ؛ ابو الفتوح الرازي في تفسير روح الجنان ، في ذيل الآية المبحوثة.
[9] سورة القصص ، الآية 56.
[10] اصول الكافي ، ج 3 ، ص 339.
[11] بحار الانوار ، ج 69 ، ص 263.
[12] شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد ، ج 6 ، ص 357.
[13] جامع السعادات ، ج 2 ، ص 322.
[14] اصول الكافي ، ج 2 ، ص 34 ، ح 11.
[15] نهج البلاغة ، الخطبة 84.
[16] المحجة البيضاء ، ج 5 ، ص 243 ، وورد شبيه هذه الحديث مع تفاوت يسير في كنز العمال عن النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) (كنز العمال ، ج 3 ، ص 619 ، ح 8203).
[17] كنز العمال ، ح 8219.
[18] بحار الانوار ، ج 75 ، ص 305.
[19] شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد ، ج 6 ، ص 357.
[20] غرر الحكم.
[21] غرر الحكم.
[22] نهج البلاغة ، القصار الكلمات ، الكلمة 38.
[23] غرر الحكم.
[24] شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد ، ج 6 ، ص 357.
[25] بحار الانوار ، ج 69 ، ص 360.
[26] وسائل الشيعة ، ج 7 ، 119 ، ح 13.
[27] مسند الإمام الرضا (عليه السلام) ، ج 1 ، ص 280.
[28] بحار الانوار ، 69 ، ص 261.
[29] ميزان الحكمة ، 17463.
[30] بحار الانوار ، ج 66 ، ص 386.
[31] كنز العمال ، ح 8231 ، (ج 3 ، ص 625).
[32] كنز العمال ، ج 3 ، ص 624 ، ح 8228.
[33] سورة النساء ، الآية 69.
[34] بجار الانوار ، ج 69 ، ص 235.
[35] بحار الانوار ، ج 101 ، ص 284.
[36] وسائل الشيعة ، ج 16 ، ص 134 ، ح 4 ، الباب 12 من أبواب كتاب الإيمان.
[37] المحجة البيضاء ، ج 5 ، ص 245.
[38] بحار الانوار ، ج 69 ، ص 263.
[39] المحجة البيضاء ، ج 5 ، ص 245.
[40] سورة الأنعام ، الآية 1.
[41] سورة الأنبياء ، الآية 63.
|
|
بـ3 خطوات بسيطة.. كيف تحقق الجسم المثالي؟
|
|
|
|
|
دماغك يكشف أسرارك..علماء يتنبأون بمفاجآتك قبل أن تشعر بها!
|
|
|
|
|
لمجمع العلمي يقيم دورات ومحافل لتعزيز الثقافة القرآنية ونشر تعاليمها
|
|
|