أقرأ أيضاً
التاريخ: 15-6-2016
15710
التاريخ: 5-11-2014
21595
التاريخ: 5-11-2014
6248
التاريخ: 5-11-2014
2875
|
آية طوفان نوح (عليه السلام) : {وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ ...} [هود : 44] ، وآية طفولة موسى (عليه السلام) : {وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى} [القصص : 7].
(وقيل يا أرض ابلعي ماءك)
أما الآية الأولى فتمثل قمة البلاغة السامية ، وهي تحكي قصة استواء سفينة نوح (عليه السلام) على جبل الجوادي ، وهي:
{ قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ (43) وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [هود : 43 ، 44].
وهي التي شغلت فكر كبير البلغاء والأدباء: عبد بن المقفع ، وهي التي حين نزلت انزلت قريش معلقاتها السبع عن جدران الكعبة.
وقد علل أساتذة البديع بلاغتها ، باشتمالها على صنعة الإبداع ، والإبداع هو أن يكون البيع من الشعر ، أو الفصل من النثر ، مشتملاً على عدة ضروب من البديع.
وقد ذكر السيد هبة الدين الشهرستاني صاحب كتاب (المعجزة الخالدة)(1) ، نقلاً عن كتاب (انوار الربيع في محاسن فن البديع) للعلامة السيد علي خان المدني ، ان هذه الآية قد اشتملت على ثلاثة وعشرين نوعاً من البديع ، وهي سبعة عشر لفظاً.
ونشرح فيما يلي هذه الوجوه البديعية.
1- المناسبة التامة بين (ابلعي) و (أقلعي).
2- الاستعارة فيهما.
3- الطباق بين (الأرض) و(السماء).
4- المجاز في قوله (يا سماء) فإن الحقيقة يا مطر السماء.
5- الإشارة في (وغيض الماء) فإنه عبر به عن معان كثيرة ، لأن الماء لا يغيض حتى يقلع مطر السماء ، وتبلع الأرض ما يخرج منها من عيون الماء.
6- الإرداف في قوله ( واستوت على الجودي) فإنه عبر عن استقرارها في المكان بلفظ قريب من لفظ المعنى.
7- التمثيل في قوله (وقضي الأمر) فإنه عبر عن هلاك الهالكين ونجاه الناجين ، بلفظ بعيد عن المعنى الموضوع.
8- التعليل ، فإن (غيض الماء) علة الاستواء.
9- صحة التقسيم ، فإنه استوعب أقسام الماء حالة نقصه ؛ من احتباس ماء السماء ، والماء النابع من الأرض ، ثم ابتلاع الماء الذي على ظهرها (وغيض الماء).
10- الاحتراس في قوله (وقبل بعيداً للقوم الظالمين) فهذا الدعاء يشعر بأنهم مستحقو الهلاك ، احتراساً من ضعيف يتوهم أن الهلاك لعمومه ربما شمل المستحق وغير المستحق.
11- المساواة في الآية ، وهي الوسط بين الإيجاز والإطناب.
12- حسن التنسيق ، فإنه تعالى قص القصة وعطف بعضها على بعض بحسن الترتيب .
13- ائتلاف اللفظ مع المعنى ، لأن كل لفظة لا يصلح لمعناها غيرها.
14- الإيجاز ، فإن الله سبحانه وتعالى ، في هذه الآية أمر ونهي ، وأخبر ونادى ، ونعت وسمي ، واهلك وأبقى ، وأسعد وأشقى ، وقص من الأنباء ما لو شرح لجفت الأقلام.
15- التفهم ، لأن اول الآية يدل على آخرها.
16- التهذيب ، لأن مفرداتها موصوفة بصفات الحسن ، وكل لفظة سهلة مخارج الحروف ، عليها رونق الفصاحة ، سليمة من التنافر ، بعيدة عن عقادة التراكيب.
17- حسن البيان ، لأن السامع لا يشكل عليه في فهم معانيها شيء.
18- الاعتراض ، وهو قوله (وغيض الماء واستوت على الجودي).
19- الكناية ، فإنه لم يصرح بمن أغاض الماء ، ولا بمن قضى الأمر ، وسوى السفينة ، ولا بمن قال (بعداً ..) ، كما لو يصرح بقائل (يا أرض ابلعي ماءك ويا سماء أقلعي) سلوكاً في كل واحد من ذلك سبيل الكناية.
20- التعريض ، فإنه تعالى عرض بسالكي ، في تكذيب الرسل ظلماً ، وان الطوفان وتلك الصورة الهائلة ما كانت إلا لظلمهم .
21- التمكين ، لأن الفاصلة مستقرة في محلها ، مطمئنة في مكانها ، غير قلقة ولا مستدعاة.
22- الانسجام ، فإنه الآية منسجمة بجملتها ، كالماء الجاري في سلاسته.
23- الإبداع ، وهو أن تجمع الآية كل فنون الإبداع السابقة وغيرها.
وقد أضاف صاحب (المعجزة الخالدة) على هذه الوجوه الوجيهة ، عدة وجوه اخرى منها.
24- اشتمالها على بعض البحور الشعرية ، مثل:
(وقيل يا أرض ابلعي) على وزن : متفعلن مستفعلن ، من مجزوء الرجز.
(ويا سماء أقلعي) على وزن : مفاعلن مفاعلن.
(واستوت على الجودي) على وزن : فاعلن مفاعلتن ، من بحر الوافر.
25- تنزيل من لا يعقل منزلة من يقعل ، في النداء والمخاطبة ، كما في (يا أرض) و (يا سماء).
وقد أفردت هذه الآية الشريفة بتأيلف عديدة ، لما اشتملت عليه من البلاغة والفصاحة ، حتى عد بعضهم فيها مائة وخمسين نوعاً من البديع. وهذا ما جعل المعاندين يجمعون على ان طوق البشر عاجز عن الإتيان بمثلها.
وقد أورد شرح هذه الفنون البلاغية لهذه الآية السيد أحمد الهاشمي في كتابه (جواهر البلاغة في المعاني والبيان والبديع) (2).
(وأوحينا إلى أم موسى)
واما الآية الثانية فهي التي تحكي قصة سيدنا موسى وأمه (عليه السلام).
يحكي ان احدهم كان يعاشر أمرأة ، فخاطبته بكلام بليغ ، فقال لها : ما أبلغ كلامك !. قالت : وهل ترك القرآن بلاغة لبليغ !. أو ما سمعت قول الله تعالى :
{وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ} [القصص : 7].
واردفت تقول : في آية واحدة قصة نبي ، فيها: أمران ونهيان وبشارتان.
وقد أورد السيد هبة الدين الشهرستاني في كتابه (المعجزة الخالدة) القصة التالية:
لقد جمعنا حفل ببغداد إلى بعض فضلاء الذميين ، والمذياع يتلو علينا هذه الآية. فأعجب الذمي ببلاغتها ، وبجودة تلاوتها . فحدثته أن احد العلماء سمع جارية ، فأعجبته فصاحتها وبلاغتها. فقال : ما أبلغك من ناطقة ! . فقالت له الجارية : صه يا شيخ ، ما ترك القرآن لغيره ظهور البلاغة !. أما سمعت آية : {وأوحينا إلى ام موسى ... } كيف جمعت على وجازتها أبدع الإيجاز : خبرين وإنشاءين وأمرين ونهيين ووعدين ؟!. فأعجب الجميع بحسن بيان الجارية وأدبها الجم. فقال صاحبنا الذمي : الآية آية ، كما أن الجارية آية ، فقد أتت بما يعجز عن الإتيان بمثله كل أحد. قلت : كلا. فإني الآن أتيكم بأكثر مما أتت او نحوه.
فإن الآية جمعت : فعلين من الماضي (أوحينا وخفت) وفعلين من الأمر (أرضعيه وألقيه) وفعلين من النهي (لا تخافي ولا تحزني) ووزنين من اسم الفاعل (رادوه وجاعلوه) ووزنين من اسم المفعول أي (موسى) بمعنى المنشول من الماء و (المرسل) . ثم اسمين خاصين (موسى) و (ام موسى). ثم تكرار (فاء الجواب) مرتين ، وحرف (إلى) مرتين ، ثم إعادة الخوف مرتين ، ثم نبآن غيبيان ، ووعدان بالرد والنبوة ... فطار الذمي دهشة وطرباً من شدة إعجابه واستغرابه ، بما حوته هذه الآية الواحدة من فنون البلاغة والإعجاز (3).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- الطبعة الثانية / ص57.
2- في الصفحة 387 وما بعدها.
3- الطبعة الثانية ص55.
|
|
دراسة تحدد أفضل 4 وجبات صحية.. وأخطرها
|
|
|
|
|
جامعة الكفيل تحتفي بذكرى ولادة الإمام محمد الجواد (عليه السلام)
|
|
|