أقرأ أيضاً
التاريخ: 8-8-2016
![]()
التاريخ: 31-8-2016
![]()
التاريخ: 8-8-2016
![]()
التاريخ: 29-6-2020
![]() |
في كل لغة علاقات بين مجموعة من الالفاظ ومجموعة من المعاني، ويرتبط كل لفظ بمعنى خاص ارتباطا يجعلن كلما تصورنا اللفظ انتقل ذهننا فورا إلى تصور المعنى، فالإنسان العارف بالعربية متى تصور كلمة الماء مثلا قفز إلى ذهنه فورا إلى تصور ذلك السائل الخاص الذي نشربه في حياتنا الاعتيادية، وهذا الاقتران بين تصور اللفظ وتصور المعنى وإنتقال الذهن من أحدهما إلى الآخر هو ما نطلق عليه اسم الدلالة ، فحين نقول:
كلمة الماء تدل على السائل الخاص نريد بذلك أن تصور كلمة الماء يؤدي إلى تصور ذلك السائل الخاص، ويسمى لفظ دال والمعنى مدلول .
وعلى هذا الاساس نعرف أن العلاقة بين تصور اللفظ وتصور المعنى تشابه إلى درجة ما العلاقة التي نشاهدها في حياتنا الاعتيادية بين النار والحرارة أو بين طلوع الشمس والضوء، فكما أن النار تؤدي إلى الحرارة وطلوع الشمس يؤدي إلى الضوء كذلك تصور اللفظ يؤدي إلى تصور المعنى، ولأجل هذا يمكن القول بأن تصور اللفظ سبب لتصور المعنى كما تكون النار سبب للحرارة وطلوع الشمس سببا للضوء، غير أن علاقة السببية بين تصور اللفظ والمعنى مجالها الذهن، لان تصور اللفظ والمعنى إنما يوجد في الذهن، وعلاقة السببية بين النار والحرارة أو بين طلوع الشمس والضوء مجالها العالم الخارجي.
والسؤال الاساسي بشأن هذه العلاقة التي توجد في اللغة بين اللفظ والمعنى هو السؤال عن مصدر هذه العلاقة وكيفية تكونها، فكيف تكونت علاقة السببية بين اللفظ والمعنى؟ وكيف أصبح تصور اللفظ سببا لتصور المعنى مع أن اللفظ والمعنى شيئان مختلفان كل الاختلاف؟.
ويذكر في علم الاصول عادة اتجاهان في الجواب على هذا السؤال الاساسي، يقوم الاتجاه الاول على أساس الاعتقاد بأن علاقة اللفظ بالمعنى نابعة من طبيعة اللفظ ذاته كما نبعت علاقة النار بالحرارة من طبيعة النار ذاتها، فلفظ الماء مثلا له بحكم طبيعته علاقة بالمعنى الخاص الذي نفهمه منه، ولأجل هذه يؤكد هذا الاتجاه أن دلالة اللفظ على المعنى ذاتية وليست مكتسبة من أي سبب خارجي.
ويعجز هذا الاتجاه عن تفسير الموقف تفسيرا شاملا، لان دلالة اللفظ على المعنى وعلاقته به إذا كانت ذاتية وغير نابعة من أي سبب خارجي وكان اللفظ بطبيعته يدفع الذهن البشري إلى تصور معناه فلماذا يعجز غير العربي عن الانتقال إلى تصور معنى كلمة الماء عند تصوره للكلمة، ولماذا يحتاج إلى تعلم اللغة العربية لكي ينتقل ذهنه إلى المعنى عند سماع الكلمة العربية وتصورها؟ إن هذا دليل على أن العلاقة التي تقوم في ذهننا بين تصور اللفظ وتصور المعنى ليست نابعة من طبيعة اللفظ بل من سبب آخر يتطلب الحصول عليه إلى تعلم اللغة، فالدلالة إذن ليست ذاتية.
وأما الاتجاه الآخر فينكر بحق الدلالة الذاتية، ويفترض أن العلاقات اللغوية بين اللفظ والمعنى نشأت في كل لغة على يد الشخص الاول أو الاشخاص الاوائل الذين استحدثوا تلك اللغة وتكلموا بها، فإن هؤلاء خصصوا ألفاظا معينة لمعان خاصة، فاكتسبت الالفاظ نتيجة لذلك التخصيص علاقة بتلك المعاني وأصبح كل لفظ يدل على معناه الخاص، وذلك التخصيص الذي مارسه أولئك الاوائل ونتجت عنه الدلالة يسمى ب الوضع ويسمى الممارس له واضع واللفظ موضوع والمعنى موضوعا له .
والحقيقة أن هذا الاتجاه وإن كان على حق في إنكاره للدلالة الذاتية ولكنه لم يتقدم إلا خطوة قصيرة في حل المشكلة الاساسية التي لا تزال قائمة حتى بعد الفرضية التي يفترضها أصحاب هذه الاتجاه، فنحن إذا افترضنا معهم أن علاقة السببية نشأت نتيجة لعمل قام به مؤسسوا اللغة إذ خصصوا كل لفظ لمعنى خاص فلنا أن نتساءل ما هو نوع هذا العمل الذي قام به هؤلاء المؤسسون؟ وسوف نجد أن المشكلة لا تزال قائمة لان اللفظ والمعنى ما دام لا يوجد بينهما علاقة ذاتية ولا أي ارتباط مسبق فكيف استطاع مؤسس اللغة أن يوجد علاقة السببية بين شيئين لا علاقة بينهما، وهل يكفي مجرد تخصيص المؤسس للفظ وتعيينه له سببا لتصور المعنى لكي يصبح سببا لتصور المعنى حقيقة، وكلنا نعلم أن المؤسس وأي شخص آخر يعجز أن يجعل من حمرة الحبر الذي يكتب به سببا لحرارة الماء ولو كرره مائة مرة قائلا خصصت حمرة الحبر الذي يكتب به سببا لحرارة الماء، فكيف استطاع أن ينجح في جعل اللفظ سببا لتصور المعنى بمجرد تخصيصه لذلك دون أي علاقة سابقة بين اللفظ والمعنى.
وهكذا نواجه المشكلة كما كنا نواجهها، فليس يكفي لحلها أن نفسر علاقة اللفظ بالمعنى على أساس عملية يقوم بها مؤسس اللغة، بل يجب أن نفهم محتوى هذه العملية لكي نعرف كيف قامت علاقة السببية بين شيئين لم تكن بينهما علاقة.
والصحيح في حل المشكلة أن علاقة السببية التي تقوم في اللغة بين اللفظ والمعنى توجد وفقا لقانون عام من قوانين الذهن البشري.
والقانون العام هو أن كل شيئين إذا اقترن تصور أحدهما مع تصور الآخر في ذهن الانسان مرارا عديدة ولو على سبيل الصدفة قامت بينهما علاقة وأصبح أحد التصورين سببا لانتقال الذهن إلى تصور الآخر.
ومثال ذلك في حياتنا الاعتيادية أن نعيش مع صديقين لا يفترقان في مختلف شؤون حياتهما نجدهما دائما معا، فإذا رأينا بعد ذلك أحد هذين الصديقين منفردا أو سمعنا باسمه أسرع ذهننا إلى تصور الصديق الآخر، لان رؤيتهما معا مرارا كثيرة أوجد علاقة بينهما في تصورنا، وهذه العلاقة تجعل تصورنا لاحدهما سببا لتصور الآخر.
ومثال آخر من تجارب الفقهاء أنا قد نجد راوي يقترن اسمه دائما باسم راو آخر معين كالنوفلي الذي يروي دائما عن السكوني، فكلم وجدنا في الاحاديث اسم النوفلي وجدنا إلى صفه اسم السكوني أيضا، فتنشأ بسبب ذلك علاقة بين هذين الاسمين في ذهننا، فإذا تصورنا بعد ذلك النوفلي أو وجدنا اسمه مكتوبا في ورقة قفز ذهننا فورا إلى السكوني نتيجة لذلك الاقتران المتكرر بين الاسمين في مطالعتنا.
وقد يكفي أن تقترن أحد الشيئين بفكرة الآخر مرة واحدة لكي تقوم بينهما علاقة، وذلك إذا اقترنت الفكرتان في ظرف مؤثر، ومثاله إذا سافر أحد إلى المدينة المنورة ومني هناك بالملاريا الشديدة ثم شفي منها ورجع فقد ينتج ذلك الاقتران بين الملاريا والسفر إلى المدينة علاقة بينهما، فمتى تصور المدينة انتقل ذهنه إلى تصور الملاريا.
وإذا درسنا على هذا الاساس علاقة السببية بين اللفظ والمعنى زالت المشكلة، إذ نستطيع أن نفسر هذه العلاقة بوصفها نتيجة لاقتران تصور المعنى بتصور اللفظ بصورة متكررة أو في ظرف مؤثر، الامر الذي أدى إلى قيام علاقة بينهما كالعلاقة التي قامت بين المدينة والملاريا أو بين النوفلي والسكوني، فالسبب في تكون العلاقة اللغوية والدلالة اللفظية هو السبب في قيام العلاقة بين المدينة المنورة والملاريا أو بين النوفلي والسكوني تماما.
ويبقى علينا بعد هذا أن نتسأل: كيف اقترن تصور اللفظ بمعنى خاص مرارا كثيرة أو في ظرف مؤثر فأنتج قيام العلاقة اللغوية بينهما؟ فنحن نعلم مثلا أن اسم السكوني واسم النوفلي اقترنا مرارا عديدة في مطالعتنا للروايات، لان النوفلي يروي دائما عن السكوني، فكنا نجد السكوني إلى جانبه كلما وجدنا اسمه فقامت العلاقة بينهما، فما هي الاسباب التي جعلت اللفظ يقترن بالمعنى كما اقترن اسم النوفلي باسم السكوني أو كما اقترنت فكرة الملاريا بفكرة المدينة في ذهن الشخص الذي أصيب بها حال سفره إلى المدينة ؟.
والجواب على هذ السؤال: أن بعض الالفاظ اقترنت بمعان معينة مرارا عديدة بصورة تلقائية، فنشأت بينهما العلاقة اللغوية، وقد يكون من هذا القبيل كلمة آه ، إذ كانت تخرج من فم الانسان بطبيعته كلما أحس بالألم، فارتبطت كلمة آه في ذهنه بفكرة الالم، فأصبح كلما سمع كلمة آه انتقل ذهنه إلى فكرة الالم.
ومن المحتمل أن الانسان قبل أن توجد لديه أي لغة قد استرعى انتباهه هذه العلاقات التي قامت بين الالفاظ من قبيل آه ومعانيها نتيجة لاقتران تلقائي بينهما، وأخذ ينشئ على منوالها علاقات جديدة بين الالفاظ والمعاني. وبعض الالفاظ قرنت بالمعنى في عملية واعية مقصودة لكي تقوم بينهما علاقة سببية، وأحسن نموذج لذلك الاسماء الشخصية، فأنت حين تريد أن تسمى ابنك عليا تقرن اسم علي بالوليد الجديد لكي تنشئ بينهما علاقة لغوية ويصبح اسم علي دالا على وليدك. ويسمى عملك هذا وضع فالوضع هو عملية تقرن فيها لفظا بمعنى نتيجتها أن يقفز الذهن إلى المعنى عند تصور اللفظ دائما. ونستطيع أن نشبه الوضع على هذا الاساس بما تضعه حين تسأل عن طبيب العيون فيقال لك: هو جابر فتريد أن تركز اسمه في ذاكرتك وتجعل نفسك تستحضره متى أردت، فتحاول أن تقرن بينه وبين شيء قريب من ذهنك فتقول مثلا: أنا بالأمس قرأت كتابا أخذ من نفسي مأخذا كبيرا اسم مؤلفه جابر فلا تذكر دائما أن اسم طبيب العيون هو اسم صاحب ذلك الكتاب.
وهكذا توجد عن هذا الطريق ارتباطا بين صاحب الكتاب والطبيب جابر، وبعد ذلك تصبح قادرا على استذكار اسم الطبيب متى تصورت ذلك الكتاب.
وهذه الطريقة التي تستعملها لإيجاد العلاقة بين تصور الكتاب وتصور اسم الطبيب لا تختلف جوهريا عن الطريقة التي تستعمل في الوضع لإقامة العلاقة اللغوية بين الالفاظ والمعاني.
|
|
دراسة تكشف "مفاجأة" غير سارة تتعلق ببدائل السكر
|
|
|
|
|
أدوات لا تتركها أبدًا في سيارتك خلال الصيف!
|
|
|
|
|
العتبة العباسية المقدسة تؤكد الحاجة لفنّ الخطابة في مواجهة تأثيرات الخطابات الإعلامية المعاصرة
|
|
|