أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-11-13
![]()
التاريخ: 2024-12-11
![]()
التاريخ: 2024-05-01
![]()
التاريخ: 2023-06-12
![]() |
كانت العرب أوان نزول آية القصاص وقبله تعتقد القصاص بالقتل لكنها ما كانت تحده بحد وإنما يتبع ذلك قوة القبائل وضعفها فربما قتل الرجل بالرجل والمرأة بالمرأة فسلك في القتل مسلك التساوي وربما قتل العشرة بالواحد والحر بالعبد والرئيس بالمرؤوس وربما أبادت قبيلة قبيلة أخرى لواحد قتل منها.
وكانت اليهود تعتقد القصاص كما ورد في الفصل الحادي والعشرين والثاني والعشرين من الخروج والخامس والثلاثين من العدد ، وقد حكاه القرآن حيث قال تعالى : {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} [المائدة : 45].
وكانت النصارى على ما يحكى لا ترى في مورد القتل إلا العفو والدية ، وسائر الشعوب والأمم على اختلاف طبقاتهم ما كانت تخلو عن القصاص في القتل في الجملة وإن لم يضبطه ضابط تام حتى القرون الأخيرة.
والإسلام سلك في ذلك مسلكا وسطا بين الإلغاء والإثبات فأثبت القصاص وألغى تعينه بل أجاز العفو والدية ثم عدل القصاص بالمعادلة بين القاتل والمقتول ، فالحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى.
وقد اعترض على القصاص مطلقا وعلى القصاص بالقتل خاصة بأن القوانين المدنية التي وضعتها الملل الراقية لا ترى جوازها وإجراءها بين البشر اليوم.
قالوا : إن القتل بالقتل مما يستهجنه الإنسان وينفر عنه طبعه ويمنع عنه وجدانه إذا عرض عليه رحمة وخدمة للإنسانية ، وقالوا : إذا كان القتل الأول فقدا لفرد فالقتل الثاني فقد على فقد ، وقالوا : إن القتل بالقصاص من القسوة وحب الانتقام ، وهذه صفة يجب أن تزاح عن الناس بالتربية العامة ويؤخذ في القاتل أيضا بعقوبة التربية ، وذلك إنما يكون بما دون القتل من السجن والأعمال الشاقة ، وقالوا : إن المجرم إنما يكون مجرما إذا كان مريض العقل فالواجب أن يوضع القاتل المجرم في المستشفيات العقلية ويعالج فيها ، وقالوا : إن القوانين المدنية تتبع الاجتماع الموجود ، ولما كان الاجتماع غير ثابت على حال واحد كانت القوانين كذلك فلا وجه لثبوت القصاص بين الاجتماع للأبد حتى الاجتماعات الراقية اليوم ، ومن اللازم أن يستفيد الاجتماع من وجود أفرادها ما استيسر ، ومن الممكن أن يعاقب المجرم بما دون القتل مما يعادل القتل من حيث الثمرة والنتيجة كحبس الأبد أو حبس مدة سنين وفيه الجمع بين الحقين حق المجتمع وحق أولياء الدم ، فهذه الوجوه عمدة ما ذكره المنكرون لتشريع القصاص بالقتل.
وقد أجاب القرآن عن جميع هذه الوجوه بكلمة واحدة ، وهي قوله تعالى : {مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا } [المائدة : 32] بيان ذلك : أن القوانين الجارية بين أفراد الإنسان وإن كانت وضعية اعتبارية يراعى فيها مصالح الاجتماع الإنساني غير أن العلة العاملة فيها من أصلها هي الطبيعة الخارجية الإنسانية الداعية إلى تكميل نقصها ورفع حوائجها التكوينية ، وهذه الواقعية الخارجية ليست هي العدد العارض على الإنسان ولا الهيأة الواحدة الاجتماعية فإنها نفسها من صنع الوجود الكوني الإنساني بل هي الإنسان وطبيعته وليس بين الواحد من الإنسان والألوف المجتمعة منه فرق في أن الجميع إنسان ووزن الواحد والجميع واحد من حيث الوجود.
وهذه الطبيعة الوجودية تجهزت في نفسها بقوى وأدوات تدفع بها عن نفسها العدم لكونها مفطورة على حب الوجود ، وتطرد كل ما يسلب عنه الحياة بأي وسيلة أمكنت وإلى أي غاية بلغت حتى القتل والإعدام ، ولذا لا تجد إنسانا لا تقضي فطرته بتجويز قتل من يريد قتله ولا ينتهي عنه إلا به ، وهذه الأمم الراقية أنفسهم لا يتوقفون عن الحرب دفاعا عن استقلالهم وحريتهم وقوميتهم ، فكيف بمن أراد قتل نفوسهم عن آخرها ، ويدفعون عن بطلان القانون بالغا ما بلغ حتى بالقتل ويتوسلون إلى حفظ منافعهم بالحرب إذا لم يعالج الداء بغيرها ، تلك الحرب التي فيها فناء الدنيا وهلاك الحرث والنسل ولا يزال ملل يتقدمون بالتسليحات وآخرون يتجهزون بما يجاوبهم ، وليس ذلك كله إلا رعاية لحال الاجتماع وحفظا لحياته وليس الاجتماع إلا صنيعة من صنائع الطبيعة فما بال الطبيعة يجوز القتل الذريع والإفناء والإبادة لحفظ صنيعة من صنائعها ، وهي الاجتماع المدني ولا تجوزها لحفظ حياة نفسها؟ وما بالها تجوز قتل من يهم بالقتل ولم يفعل ولا تجوزه فيمن هم وفعل ؟ وما بال الطبيعة تقضي بالانعكاس في الوقائع التاريخية ، فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ، ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره ولكل عمل عكس عمل في قانونها لكنها تعد القتل في مورد القتل ظلما وتنقض حكم نفسها.
على أن الإسلام لا يرى في الدنيا قيمة للإنسان يقوم بها ولا وزنا يوزن به إلا إذا كان على دين التوحيد فوزن الاجتماع الإنساني ووزن الموحد الواحد عنده سيان ، فمن الواجب أن يكون حكمهما عنده واحدا ، فمن قتل مؤمنا كان كمن قتل الناس جميعا من نظر إزرائه وهتكه لشرف الحقيقة كما أن من قتل نفسا كان كمن قتل الناس جميعا من نظر الطبيعة الوجودية ، وأما الملل المتمدنة فلا يبالون بالدين ولو كانت شرافة الدين عندهم تعادل في قيمتها أو وزنها - فضلا عن التفوق - الاجتماع المدني في الفضل لحكموا فيه بما حكموا في ذلك.
على أن الإسلام يشرع للدنيا لا لقوم خاص وأمة معينة ، والملل الراقية إنما حكمت بما حكمت بعد ما أذعنت بتمام التربية في أفرادها وحسن صنيع حكوماتها ودلالة الإحصاء في مورد الجنايات والفجائع على أن التربية الموجودة مؤثرة وأن الأمة في أثر تربيتهم متنفرة عن القتل والفجيعة فلا تتفق بينهم إلا في الشذوذ وإذا اتفقت فهي ترتضي المجازاة بما دون القتل ، والإسلام لا يأبى عن تجويز هذه التربية وأثرها الذي هو العفو مع قيام أصل القصاص على ساق.
ويلوح إليه قوله تعالى : في آية القصاص {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ } [البقرة : 178] فاللسان لسان التربية وإذا بلغ قوم إلى حيث أذعنوا بأن الفخر العمومي في العفو لم ينحرفوا عنه إلى مسلك الانتقام.
وأما غير هؤلاء الأمم فالأمر فيها على خلاف ذلك والدليل عليه ما نشاهده من حال الناس وأرباب الفجيعة والفساد فلا يخوفهم حبس ولا عمل شاق ولا بصدهم وعظ ونصح ، وما لهم من همة ولا ثبات على حق إنساني ، والحياة المعدة لهم في السجون أرفق وأعلى وأسنى مما لهم في أنفسهم من المعيشة الردية الشقية فلا يوحشهم لوم ولا ذم ، ولا يدهشهم سجن ولا ضرب ، وما نشاهده أيضا من ازدياد عدد الفجائع في الإحصاءات يوما فيوما فالحكم العام الشامل للفريقين - والأغلب منهما الثاني - لا يكون إلا القصاص وجواز العفو فلو رقت الأمة وربيت تربية ناجحة أخذت بالعفو والإسلام لا يألو جهده في التربية ولو لم يسلك إلا الانحطاط أو كفرت بأنعم ربها وفسقت ، أخذ فيهم بالقصاص ويجوز معه العفو.
وأما ما ذكروه من حديث الرحمة والرأفة بالإنسانية فما كل رأفة بمحمودة ولا كل رحمة فضيلة ، فاستعمال الرحمة في مورد الجاني القسي والعاصي المتخلف المتمرد والمتعدي على النفس والعرض جفاء على صالح الأفراد ، وفي استعمالها المطلق اختلال النظام وهلاك الإنسانية وإبطال الفضيلة.
وأما ما ذكروه أنه من القسوة وحب الانتقام فالقول فيه كسابقه ، فالانتقام للمظلوم من ظالمه استظهارا للعدل والحق ليس بمذموم قبيح ، ولا حب العدل من رذائل الصفات ، على أن تشريع القصاص بالقتل غير ممحض في الانتقام بل فيه ملاك التربية العامة وسد باب الفساد.
وأما ما ذكروه من كون جناية القتل من الأمراض العقلية التي يجب أن يعالج في المستشفيات فهو من الأعذار ونعم العذر الموجبة لشيوع القتل والفحشاء ونماء الجناية في الجامعة الإنسانية ، وأي إنسان منا يحب القتل والفساد علم أن ذلك فيه مرض عقلي وعذر مسموع يجب على الحكومة أن يعالجه بعناية ورأفة وأن القوة الحاكمة والتنفيذية تعتقد فيه ذلك لم يقدم معه كل يوم على قتل.
وأما ما ذكروه من لزوم الاستفادة من وجود المجرمين بمثل الأعمال الإجبارية ونحوها مع حبسهم ومنعهم عن الورود في الاجتماع فلو كان حقا متكئا على حقيقة فما بالهم لا يقضون بمثله في موارد الإعدام القانوني التي توجد في جميع القوانين الدائرة اليوم بين الأمم؟ وليس ذلك إلا للأهمية التي يرونها للإعدام في موارده ، وقد مر أن الفرد والمجتمع في نظر الطبيعة من حيث الأهمية متساويان.
|
|
للعاملين في الليل.. حيلة صحية تجنبكم خطر هذا النوع من العمل
|
|
|
|
|
"ناسا" تحتفي برائد الفضاء السوفياتي يوري غاغارين
|
|
|
|
|
نحو شراكة وطنية متكاملة.. الأمين العام للعتبة الحسينية يبحث مع وكيل وزارة الخارجية آفاق التعاون المؤسسي
|
|
|