قد عرفت معنى الضمان لغة وعرفا وانه يحصل بأسباب مختلفة، منها إنشاؤه باللفظ استقلالا وهذا هو المقصود هنا، فنقول ان الضمان العقدي في اصطلاح الفقهاء لمعنيين أحدهما أعم والآخر أخص.
أما الأعم فهو عبارة عن التعهد الإنشائي بمال أو نفس، فيشمل الضمان الاصطلاحي الخاص والحوالة والكفالة الاصطلاحيتين، فإن الأولين تعهد بالمال والثالث تعهد بالنفس.
وأما الأخص فهو التعهد بمال ثابت في ذمة شخص لآخر، وان شئت فقل انه تعهد من الثالث للدائن بما له على ذمة المدين فهو عقد خاص قابل للإنشاء بلفظ أو فعل، إيجابه من الثالث وقبوله من الدائن ولا يشترط فيه رضا المدين ولا قبوله، فنفس التعهد الضمان، والمتعهد الضامن، والدائن المضمون له، والمدين المضمون عنه، والدين المضمون.
ثم ان الأصحاب ذكروا هنا أمورا ترجع إلى بيان حال العقد والمال المضمون.
أما الأول: ففيه أمور: أولها ان حقيقة الضمان مورد اختلاف بين الخاصة والعامة، أما الخاصة فذهبوا إلى ان حقيقته عبارة عن نقل ذمة إلى ذمة، لأن الضامن ينقل بإيجابه ما في ذمّة المدين إلى ذمة نفسه فتبرأ ذمة المدين وتشتغل ذمة الضامن للدائن، وأما العامة فذهبوا إلى أن الضمان ضم ذمة إلى ذمة بمعنى أن الضامن بإنشائه يجعل ذمته شريكة لذمة المدين في الاشتغال بالدين مستقلا، فالدائن يملك دينه بتمامه على الضامن والمدين على البدل، وبأيهما رجع سقط عن الآخر ولذلك جعلوا الضمان من الضم، وعلى هذا يكون الدائن في باب الضمان نظير مالك العين إذا تواردت عليها الأيادي وتلفت عند بعضها، وأحال صاحب الجواهر اشتغال ذمتين أو أزيد بمال واحد وأجاب عن مسألة ترتب الأيادي بما لا يخلو عن خدشة فراجع.
ثانيها: استشكل بعض على تعريف الضمان بأنه يشمل الحوالة على البريء فالتعريف مخدوش لا محالة منعا.
والجواب ان الضمان والحوالة حقيقتان اعتباريتان متباينتان لا يمكن انطباق إحداهما على الأخرى كان الضمان من البريء أو مشغول الذمة، وكانت الحوالة إلى البريء أو إلى مشغول الذمة، فإن الضمان عبارة عن تعهد غير الدائن والمدين لما هو للأول على الثاني، والقبول من الدائن مع عدم دخل المدين، وبعبارة أخرى الضمان تبديل اشتغال ذمة الغير باشتغال ذمة نفسه، وأما لحوالة فهي عبارة عن إحالة المدين دائنه إلى ثالث، وإنشاء قبول الدائن دون الثالث، كان مدينا أم لم يكن، وبعبارة أخرى الحوالة تبديل الشخص اشتغال ذمته باشتغال ذمة الغير أو تبديله اشتغال ذمته للدائن واشتغال ذمة الثالث له، إلى اشتغال ذمة الثالث للدائن، وكم من فرق بين قول القائل تعهدت مالك على فلان، وقوله أحلتك إلى فلان فيما لك عليّ، أو بين خذ مالك على الغير مني وخذ مالك علىّ من غيري، نعم يشتركان في لازم واحد وهو حدوث اشتغال ذمة الثالث على الدائن.
وهذا فيما لو لم تكن ذمة الثالث مشغولة بدين للمدين، وأما مع اشتغال ذمة الثالث بالمدين بمثل الدين الذي عليه مثلا، فإن كان الإنشاء ضمانا انتقل إلى الضامن دين المدين فصارت ذمته مشغولة بكلا الدينين ما لم يود شيئا فإذا أدى ما عليه من جهة الضمان فان لم يكن الضمان باستدعاء المدين بقي اشتغال ذمته بدينه الأول وإن كان باستدعائه تهاترا كلا أو بعضا وهو واضح.
ثالثها: هل يكفي في القبول مجرد رضا الدائن أو يشترط صدق إنشاء القبول بقول أو فعل وجهان بل قولان، المشهور الذي هو المنصور اشتراط القبول المنشأ باللفظ ونحوه كتابة أو إشارة أو فعلا، والفعل كان يضع الضامن يده على عنقه أو قفاه مثلا مشيرا إلى أن الدين عليه ويضع الدائن يده مثلا على عينه مشيرا إلى قبوله.
رابعها: اشترطوا التنجيز في عقد الضمان فلو علقه الضامن على إذن أبيه مثلا أو على عدم أداء المدين إلى مدة أو مطلقا بطل، كما ذكروه في سائر العقود.
خامسها: حكموا بكون الضمان عقدا لازما من طرف الضامن والمضمون له فيشترط كونهما واجدين لشرائط العقد اللازم من البلوغ والعقل والاختيار، كما يشترط اجتماع شروط العقد، فليس لواحد منهما فسخه إلّا بجعل الخيار، نعم لو كان الضامن معسرا حال الضمان ولم يعلم به المضمون له، كان له فسخ الضمان والرجوع إلى المدين.
سادسها: يجوز الدور في الضمان والتسلسل أما الأول فكما إذا ضمن زيد للدائن ثم ضمن عمرو لزيد ثم ضمن الدائن الأول لعمرو، فرجع الدين إلى الحال قبل الضمانات الثلاثة وجريان التسلسل فيه واضح.
وأما الثاني: أعني المال المضمون فقد ذكروا ان الثابت في الذمة على أقسام، الأول المال الثابت المستقر بالفعل كالثابت بالاقتراض والثمن في النسية والمبيع في السلف والمهر بعد الدخول ودية الجناية وضمان المتلف، الثاني الثابت المتزلزل غير المستقر كالثمن والمثمن في النسيئة والسلف في البيع الخياري ونصف المهر على الزوج قبل الدخول، الثالث غير الثابت بالفعل مع كونه في معرض الثبوت لتحقق مقتضية كمال الجعال قبل إتيان العامل بالشرط ونفقة الزوجة بالنسبة للزمان الآتي وقوله أقرض فلانا وأنا ضامن وقوله ان أعطيت فلانا فأنا ضامن ونحوها، والظاهر انه لا إشكال عندهم في صحة الضمان في الأولين لثبوت المال في الذمة حقيقة والتزلزل غير مانع من صدق الضمان، وأما الثالث ففيه وجهان أوجههما عدم الصحة وان كان يظهر من صاحب العروة اختيارها.
|
|
دراسة تحدد أفضل 4 وجبات صحية.. وأخطرها
|
|
|
|
|
العتبة العباسية تستعدّ لتكريم عددٍ من الطالبات المرتديات للعباءة الزينبية في جامعات كركوك
|
|
|