أقرأ أيضاً
التاريخ: 14-1-2017
1986
التاريخ: 12-1-2017
3751
التاريخ: 12-1-2017
6684
التاريخ: 13-1-2017
2822
|
بينما كانت بلاد بابل تتخبط في ظلمات حكم الكاشيين ضم سلمانصر الأول دويلات المدن الشمالية تحت حكمه، واتخذ الكلخ عاصمة له. على أن أول الأسماء العظيمة في تاريخ أشور هو اسم تغلث فلاصر الأول. كان هذا الملك صيادا ماهرا؛ وإذا كان من الحكمة أن نصدق أقوال الملوك فإنه قد قتل وهو راجل مائة وعشرين أسدا، وقتل وهو في عربته ثمانمائة، وجاء في نقش خطه كاتب أكثر ملكية من الملك نفسه- إنه كان يصيد الأمم والحيوانات على السواء. "وسرت في بأسي الشديد على شعب قمعوه، وفتحت مدائنهم، وسقت منها الغنائم واستوليت على مالا حصر له من بضائعهم وأملاكهم، وحرقت مدنهم بالنار، ودمرتها وخربتها... وخرج أهل آدنش من جبالهم واحتضنوا قدمي، وفرضت عليهم الجزية". وقد ساق هذا الملك جيوشه في كل اتجاه، فأخضع الحيثيين والأرمن وأربعين أمة غيرهما، واستولى على بابل، وأرهب مصر فأرسلت له الهدايا وهي قلقة وجلة، (وكان منها تمساح ألانه كثيرا وخفف من غضبه). وبنى من الخراج الذي دخل خزائنه هياكل لآلهة الآشوريين وإلاهاتهم؛ ولم تسأله هذه الآلهة عن مصدر هذه الثروة كلها كأنما كان همها كله أن تكون لها هياكل تقرب فيها القرابين. ثم خرجت بابل عليه وهزمت جيوشه، ونهبت هياكله، وعادت إلى بابل تحمل معها آلهته أسرى. ومات تغلث فلاصر خزية وغما.
وكان حكمه رمزا للتاريخ الآشوري كله وصورة مصغرة منه: موت وجزية فرضهما على جيران أشور ثم فُرضا على أشور نفسها. واستولى أشور ناصربال على اثنتي عشرة دولة صغيرة، وعاد من حروبه بمغانم كثيرة، وسمل بيده عيون خمسين من أمراء الأسرى، واستمتع بنسائه، ومات ميتة شريفة. ومد سلما نصر الثالث هذه الفتوح حتى دمشق، وحارب عدة وقائع تكبد فيها خسائر فادحة، وقتل في واقعة واحدة ستة عشر ألفاً من السوريين، وشيد الهياكل، وفرض الجزية على المغلوبين. ثم ثار عليه ابنه ثورة عنيفة وخلعه. وحكمت سمورامات أم الملك ثلاث سنين، وكان حكمها هو الأساس التاريخي الراهن لأسطورة سميراميس اليونانية، التي تجعل منها نصف إلهة ونصف ملكة، وقائدة باسلة ومهندسة بارعة، وحاكمة محنكة مدبرة. وتلك الأسطورة هي كل ما نعرفه عن هذه الملكة. وقد وصفها ديودور الصقلي وصفا مفصلا بديعا. وجيش تغلث فلاصر الثالث جيوشا جديدة، واستعاد أرمينية، واجتاح سوريا وبابل، وأخضع لحكمه دمشق والسامرة، وبابل، ومد ملك أشور من جبال قفقاس إلى مصر، ولما مل الحرب وجه همه إلى شئون الحكم، فاثبت أنه إداري عظيم، وشاد كثيرا من الهياكل والقصور، وساس إمبراطوريته الواسعة سياسة قوية حازمة، وأسلم روحه وهو في فراشه. وجلس على العرش سرجون الثاني، وهو ضابط من ضباط الجيش، على أثر انقلاب سياسي نابليوني، وقاد جيوشه بنفسه، وكان في كل واقعة يتخذ لنفسه أشد المواقف خطورة، وهزم عيلام ومصر، واسترد بابل، وخضع له اليهود والفلسطينيون بل واليونانيون سكان قبرص، وحكم دولته حكما صالحا، وناصر الفنون والآداب، والصناعة والتجارة، ومات في واقعة نال فيها النصر على أعدائه، ورد فيها عن أشور غارات الجحافل الكمرية المتوحشة التي كانت تتهددها بالغزو.
وقضى ابنه سنحريب على الفتن التي ثار عجاجها في الولايات المجاورة في الخليج الفارسي، وهاجم أورشليم ومصر دون أن يلقى نجاحا{تعليق}وتعزو الرواية المصرية نجاة مصر إلى فعل جماعة من جرذان الحقول الفطنة قرضت كنائن الجيوش الآشورية المعسكرة أمام لوزيوم؛ وأوتار قسيسيهم، وأربطة دروعهم، فاستطاع المصريون بذلك أن يهزموا الآشوريين في اليوم الثاني دون عناء كبير.{انتهى}، ونهب تسعا وثمانين مدينة، وثمانمائة وعشرين قرية، وغَنِمَ سبعة آلاف ومائتي جواد، وأحد عشر ألف حمار، وثمانين ألف ثور، وثمانمائة ألف رأس من الغنم، ومائتين وثمانية آلاف من الأسرى. وهي أرقام لم يستخف بها الكاتب الرسمي الذي كتب سيرته. ثم غضب على بابل لنزعتها إلى الحرية فحاصرها، واستولى عليها، وأشعل فيها النار فدمرتها تدميرا، ولم يكد يبقي على أحد من أهلها رجلا كان أو امرأة، صغيرا كان أو كبيرا، بل قتلهم عن آخرهم تقريبا، حتى سدت جثثهم مسالك المدينة، ونهبت المعابد حتى لم يبق فيها شاقل واحد، وحطمت إلهة بابل صاحبة السلطان الأعظم القديم، وسيقت أسيرة ذليلة إلى نينوى. وأصبح مردك الإله الأكبر خادما ذليلا للرب أشور. ولم ير من بقى حيا من البابليين أنهم كانوا مبالغين في تقدير قوة مردك وعظمته؛ بل قالوا لأنفسهم ما قاله الأسرى اليهود بعد مائة عام من ذلك الوقت، قالوا إن إلههم قد شاء له تواضعه أن ينهزم ليعاقب بذلك شعبه. واستخدم سنحريب غنائم نصره وما انتهبه من البلاد المفتوحة في إعادة بناء نينوى، وحول مجرى النهرين من الاعتداء، وبذل في إصلاح الأرض البور القوة والنشاط ما تبذله الدول التي تشكو عدم وجود فائق لديها من غلاتها الزراعية، ثم قتله أبنائه وهو يتلو الصلوات.
وقام ابن له من غير القتلة وهو عصر هدون وانتزع العرش من إخوته السفاحين، وغزا مصر ليعاقبها على ما قدمته من معونة للثوار السوريين، وضمها إلى أملاكه، وأدهش غرب آسية بسيره المظفر من منف إلى نينوى ومن خلفه ما لا يحصى من المغانم، وجعل أشور سيدة بلاد الشرق الأدنى بأجمعها وأفاء عليها من الرخاء ما لم يكن لها به عهد من قبل، واسترضى البابليين بإطلاق إلهتهم الأسيرة وتكريمها وبناء عاصمتهم المخربة، كما استرضى عيلام بتقديم الطعام إلى أهلها الجياع. وكان ما قدمه من الإغاثة على هذا النحو عملا لا يكاد يوجد له مثيل في التاريخ القديم كله. ومات عسر هدون وهو سائر إلى مصر ليخمد فيها ثورة بعد أن حكم إمبراطوريته حكما لم تر له في تاريخها شبه الهمجي مثيلا في عدله ورحمته.
وجنى خلفه أشور بانيبال (وهو الذي يسميه اليونان سردنابالوس) ثمرة هذه الأعمال، ووصلت أشور في خلال حكمه الطويل إلى ذروة مجدها وثروتها. ولكن بلاده بعد وفاته فقدت هذا العز، فوهنت قوتها وفسدت أمورها لطول عهدها بالحروب المتقطعة التي خاضت غمارها أربعين عاما، وإدراكها الثناء، ولم يمض على موت أشور بانيبال عشر سنين. وقد احتفظ لنا أحد الكتاب بسجل سنوي لأعماله. وهو سجل ممل ينتقل فيه من حرب إلى حرب، ومن حصار إلى حصار، ثم إلى مدن جائعة وأسرى تسلخ جلودهم وهم أحياء. ويُنطق هذا الكاتب نفسه أشور بانيبال فيحدثنا عما خربه من بلاد عيلام ويقول: "لقد خربت من بلاد عيلام ما طوله مسير شهر وخمسة وعشرين يوما. ونشرت هناك الملح والحسك (لأجدب الأرض) وسقت من المغانم إلى أشور أبناء الملوك، وأخوات الملوك، وأعضاء الأسرة المالكة في عيلام صغيرهم وكبيرهم، كما سقت منها كل من كان فيها من الولاة والحكام، والأشراف والصناع، وجميع أهلها الذكور والإناث كبارا كانوا أو صغارا، وما كان فيها من خيل وبغال وحمير وضأن وماشية تفوق في كثرتها أسراب الجراد، ونقلت إلى أشور تراب السوس، ومدكتو، وهلتماش وغيرهم من مدائنهم. وأخضعت في مدة شهر من الأيام بلاد عيلام بأجمعها؛ وأخمدت في حقولها صوت الآدميين، ووقع أقدام الضأن والماشية، وصراخ الفرح المنبعث من الأهلين. وتركت هذه الحقول مرتعا للحمير والغزلان والحيوانات البرية على اختلاف أنواعها".
وجيء برأس ملك عيلام القتيل إلى أشور بانيبال وهو في وليمة مع زوجته في حديقة القصر، فأمر بأن يرفع الرأس على عمود بين الضيوف، وظل المرح يجري في مجراه؛ وعلَّق الرأس فيما بعد على باب نينوى، وظل معلقا عليه حتى تعفن وتفتت. أما دنانو القائد العيلامي فقد سلخ جلده حيا، ثم ذبح كما يذبح الجمل، وضرب عنق أخيه، وقطّع جسمه أربا، ووزع هدايا على أهل البلاد تذكارا لهذا النصر المجيد.
ولم يخطر قط ببال أشور بانيبال أنه ورجاله وحوش كاسرة أو أشد قسوة من الوحوش؛ بل كانت جرائم التقتيل والتعذيب هذه في نظرهم عمليات جراحية لا بد منها لمنع الثورات وتثبيت دعائم الأمن والنظام بين الشعوب المختلفة المشاكسة المنتشرة من حدود الحبشة إلى أرمينية، ومن سوريا إلى ميديا، والتي أخضعها أسلافه لحكم أشور. لقد كانت هذه الوحشية في رأيه واجبا يفرضه عليه حرصه على أن يبقى التراث سليما. وكان يتباهى بما وطده في ربوع إمبراطوريته من أمن وسلام، وبما ساد مدنها من نظام. والحق أن هذا التباهي لم يكن على غير أساس. على أن هذا الملك لم يكن مجرد ملك فاتح أسكره سفك الدماء، وشاهد ذلك ما شاده من المباني وما بذله في تشجيع الفنون والآداب. فقد بعث الملك إلى جميع أنحاء دولته يدعوا المثالين والمهندسين ليضعوا له رسوم الهياكل والقصور ويزينوها كما فعل بعض الحكام الرومان بعد أن استولت روما على بلاد اليونان. وأمر عددا كبيرا من الكتبة أن يجمعوا وينسخوا كل ما خلفه السومريون والبابليون من آداب، ووضع ما نسخوه وما جمعوه كله في مكتبته العظيمة في نينوى، وهناك وجدها علماء هذه الأيام سليمة أو تكاد بعد أن مرت عليها خمسة وعشرين قرنا من الزمان.
وكان مثل فردرك الأكبر يفخر بملكاته الأدبية كما يفخر بانتصاراته في الحرب والصيد. ويصفه ديودور الصقلي بأنه طاغية فاسق خنثى، ولكننا لا نجد في جميع الوثائق التي وصلت إلينا على كثرتها ما يؤيد هذا القول. وكان أشور بانيبال إذا فرغ من تأليف ألواحه الأدبية خرج إلى الصيد في اطمئنان الملوك وثقتهم بأنفسهم وليس معهم من السلاح إلا سكين وحربة، فقابل الآساد وجها لوجه. وإذا جاز لنا أن نصدق ما كتبه عنه معاصروه فإنه لم يكن يتردد قط في أن يتولى قيادة الهجوم عليها بنفسه، وكثيرا ما سدد الضربة القاضية بيده. فلا عجب والحالة هذه إذا افتتن به الشاعر بيرن Byron ونسج حول اسمه مسرحية نصفها أسطوري والنصف تاريخي، صور فيها ما بلغته أشور في أيامه من الثروة والمجد، وما داهمها بعدئذ من خراب شامل، وما حل بمليكها من قنوط.
|
|
لصحة القلب والأمعاء.. 8 أطعمة لا غنى عنها
|
|
|
|
|
حل سحري لخلايا البيروفسكايت الشمسية.. يرفع كفاءتها إلى 26%
|
|
|
|
|
جامعة الكفيل تحتفي بذكرى ولادة الإمام محمد الجواد (عليه السلام)
|
|
|