دولة لاجاش وحروبها التوسعية

مرحلة التأسيس:

وانتقل مقر الملكية السومرية حوالي عام 2500 ق . م . من (كيش) الى مدينة (تللو – لاجاش) ، ويعتبر المدعو (اريشكيجال) اقدم ملوكها ، ويبدو انه هو الذي قاد حركة استقلالها عن (كيش) . ولكنه لم ينعم طويلا بالحكم ، لأن زعيم سلالة اخرى من نفس المدينة يدعى (اورنانشي) اغتصب منه الملك ونصب نفسه ملكا عليها حوالي عام 2480 ق . م .

اور – نانشي :

اتصف عهد هذا الملك بالسلام وانتعشت في عهده دولة مدينة (لاجاش) على الصعيدين الاقتصادي والعمراني . وتؤكد ذلك كتابات هذا الملك ومخلفاته المادية الأُثرية : فقد شق اقنية ري جديدة وبنى معابداً للآلهة وقدم الأضاحي لها والهبات من الأدوات الزراعية التي تعتبر رمزاً لازدهار اقتصاد دولته (1) . ومن بين أهم مخلفاته المادية التي وصلنا صفيحة من الحجر نقش عليها رسمه مع جميع افراد أسرته ووزيره وخدمه بتقدمهم بنفسه حاملاً على رأسه سلة لنقل التراب وذلك كرمز لمساهمته في تشييد أحد العابد تكريما للآلهة (2) . وتتخلل المشاهد المحفورة نقوش بالكتابة واللغة السومريتين ، تصف اهداف العرض الملكي واهتمام الملك بتشييد المعابد وحرصه على خدمة الآلهة . وقد ورد في احدى كتاباته : (... اورنانشي ملك لاجاش ابن جوني – دوج بنى معبد نينجرسو ... بنى معبد نانشي ... بنى معبد جاتوم – دوج ... وعندما بنى معبد نينجرسو ، جلب الى المخزن سبعين كارو من الحبوب ، جمع الأخشاب في الجبال - .. بنى أسوار لاجاش ... نحت تمثال نانشي ، السيدة ، حفر القناة ... ) (3) .

والأمر الذي يلفت النظر في هذه الكتابة قوله انه (جمع الأخشاب في الجبال).

هل يعني هذا انه قاد حملة عسكرية من أجل الحصول على الأخشاب من بلاد بعيدة تقع في أعالي بلاد ما بين النهرين او في شمال سورية أو في لبنان الحالي حيث كانت تتوفر منها كميات كبيرة ؟ ! .

ومات هذا الملك حوالي 2460 ق. م . وخلف الملك ابنه (اكور – جال) ، الذي لم يصلنا من اخباره – حتى الآن – سوى نتف لا تستحق الذكر في هذا المجال وقد توفي في عام 2449 ق.م

اي – أنّاتوم وحروبه (2449 – 2430 ق . م . ) :

لقد تركزت جهود ملوك وأمراء المدن السورية على حماية أرض سومر امام هجمات الشعوب والقبائل القادمة من الشرق من جهة ثم على الدفاع عن حدود دويلاتهم الإقليمية امام اطماع بعضهم في بعض من جهة اخرى . وكان (اي – أنّاتوم) حفيد الملك (أورنانشي) ابن (اكور – جال) اشهر ملوك هذه السلالة في المجال العسكري . وقد لمع نجمه على الصعيدين السياسي والعسكري ومكنته انتصاراته العسكرية من ان يجعل مدينة (لاجاش) قبلة الدول السومرية المتخاصمة فيما بينها .

وقد خلف هذا الملك كتابات سرد فيها وقائع حروبه التي اضطر – كما أولها صده هجوما عيلاميا من الشرق ، وهذا أقدم خبر وصلنا حتى الآن عن اصطدام سومري – عيلامي ، اي اصطدام السكان الأصليين بالسكان الغرباء عن بلاد ما بين النهرين . ولم يكد الملك ينتهي من ذلك حتى أكره – كما يقول – على شن الحرب ضد (باتيزي) مدينة (اور – را) ، الذي جند جميع القوى وزج بجميع الامكانات المتوفرة لديه في هذه الحرب ضد (اي – أنّاتوم) .

لقد تجسدت اسباب الصراع الذي دار بين دول المدن السومرية في خلافاتها حول الحدود التي كانت تفصل بين أراضيها الاقليمية . اذ كانت الأراضي الزراعية الخصبة المتوفرة فيها اصغر مساحة مما نعرفه خلال العصور اللاحقة . لذلك كانت كل دولة منها تحاول ان توسع رقعة أراضيها الخصبة على حساب الدول الأخرى المجاورة لها .

_________________

1) Kugler, Sternkunde und Sterndienst, II, S. 105 ff.

-) OLZ, 1908, S. 213.

2) Découvertes …, 168, p1. 2bis.

-) parrot, A., Tello, p1. Va.

3) Moortgat, A., Geschlchte Vorderasiens bis zum Hellenismus, S. 238.

تعريب الدكتور توفيق سليمان والدكتور علي ابو عساف بعنوان (تاريخ الشرق الأدنى القديم) ،