اغلب الظن ان القتبانيين كانوا يقطنون في الطرف الجنوبي من بلاد اليمن الى جنوب سبأ وعلى تخوم حضرموت وعاصمتهم مدينة (تمنع) وتقع في وادي بيمان في موضع كحلان حاليا. وقد شهدت الدولة القتبانية سقوط الدولة المعينية وكانت تعاصر دولة سبأ والدولة الحميرية ثم اندمجت فيما بعد بالدولة الحميرية.

ومعظم اخبار الدولة القتبانية يرجح الى النقوش الكثيرة التي جمعها المستشرق النمسوي (ادوارد جلازر) الذي زار اليمن عدة مرات وحصل على مساعدات المسؤولين الاتراك في صنعاء بعد ان اقنعهم بأهمية البحوث التي يقوم يها في اليمن .

وفي سنة 1892 زار (جلازر) اليمن للمرة الرابعة حيث استعان بعض الاعراب في نسخ النقوش التي عثر عليها في مناطق الجوف على اوراق من نوع معين وكان بينها نقوش قتبانية. كما تمكن (جلازر) من الحصول على مجموعة من العملات العربية القديمة وقد كشفت هذه النقوش عن كثير من عناصر حضارة الدولة القتبانية.

مراحل تاريخ الدولة القتبانية واهم ملوكها:

اختلف المؤرخون في تحديد بداية ونهاية الدولة القتبانية ويقسم البعض تاريخ دولة قتبان الى ثلاث مراحل مختلفة كالتالي:

المرحلة الاولى: امتدت هذه المرحلة الى حوالي منتصف القرن الرابع قبل الميلاد واهم فتراتها كانت تقع بين القرنين السابع والخامس قبل الميلاد حيث كان يسود حكم المكربيين ومن اشهرهم (يدع اب ذبيان) تشييد المدخل الجنوبي لمدينة (تمنع) وانشاء طريق تخترق الجبال وبعض الاعمال الاخرى ويرجح ان بعض القبائل غير القتبانية شاركت في انشاء طريق الجبل للاستفادة من فوائده.

وتبين من بعض النقوش ان مجالس المدن كانت تقترح مشروعات القوانين وكان للملك وحده حق اصدارها.

المرحلة الثانية: وكانت تمتد من 350الى 250ق.م، وتعتبر هذه المرحلة العصر الذهبي لدولة قتبان وفيها اخضعت دولتي معين وسبأ ومن دواعي قوتها موقعها الجغرافي بجوار باب المندب واقليم حضرموت.

وقد تولت اسرة ثانية الحكم في هذه المرحلة من دولة قتبان واول ملوكها (اب شيم) وخلفه ولده (شهر غيلان) وتدل النقوش على انشاء الاخير لاحد الابراج وبناء احدى العمارات. كما انتصر (شهر غيلان) على حضرموت ولتخليد هذا الانتصار قام بتشييد معبد للاله (عشتر) في زبحان (بيحان القصب حاليا) ويشير الى ذلك احد النقوش .

وفي ذلك الوقت كان رؤساء القبائل مسؤولين عن جميع الضرائب التي  تورد لخزينة الدولة في نهاية كل عام بالاضافة الى ضرائب اخرى كانت تورد للمعبد.

ومن ملوك هذه المرحلة (شهريجيل) الذي تولى الحكم في حوالي عام 300ق.م، الذي اخضع دولة معين ثم خلفه اخوه( شهر هلال بو هثعم) الذي انتهت بوفاته الأسرة الحاكمة الثانية كما انتهت المرحلة الثانية من تاريخ الدولة القتبانية.

المرحلة الثالثة: وقد توالى على العرش في الفترة الاولى من هذه المرحلة عدد من الملوك كان اخرهم(يدع اب غيلان) ثم تولت الحكم اسرة ملكية اخرى ضعيفة من عام 100الى 25 ق.م، وبانهياريه سقطت الدولة القتبانية.

 وفي عام 50 تعرضت مدينة (تمنع) العاصمة لغزو اجنبي على اثره تخربت تماما مما عجل بانهيار الدولة القتبانية.

النشاط التجاري في الدولة القتبانية:

استفاد القتبانيون من موقع بلادهم بالقرب من باب المندب ومجاورتهم لحضرموت التي كانت تنتج اجود انواع الطيب والبخور فاشتغلوا بالتجارة وخاصة في هذه الاصناف وحققوا ارباحا ضخمة.

تأثر القتبانين بالحضاريتين الهيلينية والرومانية:

في موضع (تمنع) العاصمة بوادي بيجان كشفت حفريات البعثة الأمريكية عن كثب من التحف المعدنية والحرفية ومتأثرة في صناعتها بالفن اليوناني. كما عثر على كمية من العملات الهيلينية والرومانية الامر الذي يوحي بتأثر بالحضارتين الهلينية والرومانية(1).

_______

(1) د. جواد علي: تاريخ العرب قبل الاسلام.الجزء2،ص44.