أقرأ أيضاً
التاريخ: 1-2-2017
3859
التاريخ: 2024-08-14
690
التاريخ: 2023-12-20
1066
التاريخ: 2023-08-28
998
|
ما نظر القرشيون إلى حلف ولا عهد نظرهم إلى حلف الفضول؛ فهو يظفر منهم برعاية مقدسة وتبجيل وشرف قلما كان بعضه لحلف آخر.
هو حلف تجاري بمقدماته ونتائجه، حفظ سمعة قريش وصان ازدهار أسواق مكة، وأسدل عليها ستارا من الإنصاف والأمن وحماية الضعيف بعد أن كاد الأمن فيها يتعرض للخطر، وكادت حوادث الاعتداء على حقوق الضعفاء تزداد حتى أوشكت أن تزعزع ثقة الأعراب, وتجار النواحي بأسواق مكة.
ولم تنحصر ثمرته فيما سبق الإسلام, بل استمرت فيه وازدادت تأييدا وقوة ومنعة، أثنى عليه صاحب الرسالة -صلى الله عليه [وآله] وسلم- واعتزّ به. ولما هتف الهاتف به بعد نحو ثمانين سنة من عقده استجاب الناس له كأن عهدهم به أمس، فكان جديدا لم تخلق جدته تلك السنون الثمانون التي تمخضت عن أعظم الحوادث الكبار: ظهور الشريعة الإسلامية، وفتوح العرب وانقراض فارس وانكماش الروم. أهاب الداعي بأصحابه "وقد مات أكثرهم" فهب أبناؤهم متحفزين لنصرته حتى خافت القوة الحاكمة وأذعن والي المدينة، ورُد الحق إلى صاحبه.
كان يهبط مكة من همل الأعراب وسذاجهم، وضعفاء المتكسبين وأرباب السلع أخلاط كثيرة، وهم لا ناصر لهم يحميهم ولا منعة فيهم، يؤمون أسواق مكة موقنين بأن أمن الحرم يسعهم جميعا. فلم يكونوا يتوقعون أن أحدا تحدثه نفسه بتكدير صفائه, لكن الواقع انكشف عن أنه لم تكن مكة لتخلو من أناس بطرين، يستهينون بالضعيف ولا يعفّون عن هضمه وسلبه. وكان يحدث حينئذ ما يحدث دائما في كل زمان، من استغلال السذاجة في هؤلاء الغرباء: تارة بغبنهم في الثمن وتارة بمطلهم بالديون, وآونة بغشهم وأخرى بالاستهتار بهم. وكانت تنشر هذه الحوادث حتى تصل إلى أسماع أشراف مكة فينكروها في أنفسهم. إلا أنها -في الظاهر- تعددت حتى لم يعد يصح السكوت عليها، وحتى خشي على البلد أن يفشو له ذكر سيئ، فسعى الأشرف بعضهم إلى بعض, وعقدوا الحلف وأكّدوه ونصبوا أنفسهم لحمايته.
أما السبب المباشر لعقد هذا الحلف, فما ذكروا(1) من أن رجلا من زبيد من أهل اليمن باع سلعة من العاص بن وائل السهمي "وهو قرشي" فظلمه بالثمن, فأوفى على جبل أبي قبيس رافعا عقيرته وقريش في أنديتها، فذكر ظلامته في شعر له وهو:
يا آل فهـــر لمظلــوم بضــاعته ... ببطن مكــة نائي الــدار والنفــر
ومحرم أشعث لم يقض عمرته ... يا للرجال وبين الحِجْـر والحَجَر
إن الحــرام لمن تمت مكــارمه ... ولا حــــرام لثوب الفاجر الغدر(2)
فتداعت لذلك قريش واجتمعت إليه بنو هاشم وزهرة وبنو أسد بن عبد العزى, فدخلوا دار عبد الله بن جدعان لشرفه وسنه, وتعاقدوا بالله: ليكونُن مع المظلوم حتى يؤدى إليه حقه. فلا يجدون بمكة مظلوما من أهلها وغيرهم ممن دخلها من سائر الناس إلا قاموا معه, وكانوا على من ظلمه حتى ترد عليه مظلمته ا. هـ.
وزاد الجاحظ: "وفي التآسي في المعاش, والتساهم بالمال"(3) وكان من أسرعهم تلبية له الزبير بن العوام(4).
شهد هذا الحلف رسول الله -صلى الله عليه [وآله] وسلم- وهو فتى, فلما أكرمه الله بالرسالة حمد أثره, وكان به جذلان مغتبطا حتى رووا عنه قوله:
"لقد شهدت في دار عبد الله بن جدعان حلفا ما أحب أن لي به حمر النعم، ولو أُدعى به في الإسلام لأجبت"، "لا يزيده الإسلام إلا شدة".
وكان هذا الحلف منصرف قريش من حروب الفجار لعشرين سنة من عام الفيل, فتكون سن رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم حينئذ عشرين سنة(5).
وذكروا في سبب تسميته حلف الفضول، أنه أشبه حلفا وقع لثلاثة من جرهم, كل واحد منهم يقال له: الفضل. وأقرب من هذا المذهب إلى الواقع ما ذكره صاحب القاموس من أن سبب تسميته بذلك؛ لأنهم تحالفوا ألا يتركوا عند أحد فضلا يظلمه أحدا إلا أخذوه له منه.
وهذا هو الصحيح لوضوحه وقربه, ولأن ثمرة الحلف كله هي رد الفضول لأهلها.
ومن يتدبر الأسباب التي تكلفها الرواة فجعلوها كمقدمات لعقده, ويمحصها يجد أن الداعي الأول له حرص قريش على سمعة بلدهم التجارية أن تثلم بين العرب, فتتزعزع ثقتهم بقريش وبلدهم. وليس يظفر من كل تلك الأسباب المذكورة بالقبول إلا ما تقدم, فإن الحوادث وحالة مكة وأمور قريش يومذاك تؤيده كل التأييد. ومن البعيد أن يعقد مثل هذا الحلف من أجل ظلامة الزبيدي هذا، من غير أن تتكرر الحوادث المشابهة لها حتى تفاقم الأمر, وألف رجال كثيرون إتيان المظالم.
عظمت قريش أمر حلف الفضول واهتمت به كل الاهتمام, ولم ينقطع أمره بالإسلام بل ظل مستمرا أقوى ما كان قط, وحسبك قول النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم: "ولو أُدعى به في الإسلام لأجبت".
ثم كان يدعو بهذا الحلف كل مظلوم: دافع أبي بن خلف الجمحي بارقيا عن ثمن سلعته, فتظلم هذا قائلا:
أيــأخذني فــي بطــن مكــة ظالما ... أبـي ولا قـومـي لــدي ولا صحبـــي
ونــاديت قومـــي صارخا لتجيبني ... وكم دون قومي من فياف ومن سهب
ويأبى لكم حلف الفضول ظلامتي ... بني جمــح والحـــق يؤخــذ بالغصب(6)
فأخذ له بنو هاشم ثمن سلعته.
ورأى نُبيه بن الحجاج "قتول" بنت التاجر الخثعمي وكانت حسناء باهرة، فكابر التاجر على ابنته حين رأى جمالها فتظلم إلى ذوي الحلف, فانتزعوا ابنته من نبيه الذي قال في ذلك:
إننــــي والـــذي يحـــــج لــه ... شمــط إيــاد وهللــــوا تهليلا
وخشيت الفضول حين أتوني ... قد أراني ولا أخاف الفضولا
لبــراء منـــي قتيلـــة يا للــنا ... س هل يبتغـــون إلا القتــولا(7)
وذكر الجاحظ أن بني هاشم وحلفاءهم انتزعوا الظلامات من رجال كثيرين, وأنه "لم يكن يظلم بمكة إلا رجال أقوياء, ولهم العدد والعارضة"(8).
__________
(1) سيرة ابن هشام 1/ 125.
(2) رواية الجاحظ لهذا البيت في رسائله "جمع السندوبي ص72":
إن الحرم لمن تمت حرامته ... ولا حرام لثوبي لابس الغدر.
(3) المصدر السابق, وانظر تفصيلا عنه في الأغاني 16/ 63-68.
(4) ذكر الجاحظ أنه لما سمع أبيات الزبيدي حمي وحلف: ليعقدن حلفا بينه وبين بطون من قريش يمنعون القوي من ظلم الضعيف، والقاطن من عنف الغريب, ثم قال:
حلفت: لنعقـدن حلفا عليهم ... وإن كنـــا جميعـا أهــل دار
نسميه الفضـول إذا عقـدنا ... يُعَزّ به الغريب لدى الجوار
ويعلم من حوالي البيت أنا ... أبـــاة الضيم تهجر كل عار
الصفحة السابقة, وانظر: مروج الذهب 2/ 168 هذا, وفي الشعر صناعة.
(5) انظر طبقات ابن سعد 1/ 82.
(6) الأغاني 16/ 67, ورسائل الجاحظ ص73.
(7) رسائل الجاحظ "جمع السندوبي" ص73.
(8) المصدر نفسه.
|
|
دراسة تحدد أفضل 4 وجبات صحية.. وأخطرها
|
|
|
|
|
العتبة العباسية تستعدّ لتكريم عددٍ من الطالبات المرتديات للعباءة الزينبية في جامعات كركوك
|
|
|