أقرأ أيضاً
التاريخ: 5-8-2017
562
التاريخ: 21-4-2018
1362
التاريخ: 5-8-2017
480
التاريخ: 21-4-2018
1023
|
أداة الدلالة هي اللفظ أو الكلمة، وتكاد تجمع المعاجم العربية على أن (الألفاظ) ترادف (الكلمات) في الاستعمال الشائع المألوف، فلا فرق بين أن يقال أحصينا ألفاظ اللغة، أو كلمات اللغة. ومع هذا فالنحاة في كتبهم يحاولون التفرقة بين كل من اللفظ والكلمة والقول، في حديث طويل نخرج منه أنهم يستشعرون مع اللفظ علمية النطق علمية النطق وكيفية صدور الصوت، وما يستتبع هذا من حركات اللسان والشفتين. فإذا ربط هذه الأصوات المنطوق بها وما يمكن أن تدل عليه من معنى تكونت في رأيهم (الكلمة)؛ أي إن الكلمة أخص لأنها لفظ دل على معنى.
من أجل هذا آثرنا في عنوان هذا الكتاب أن نستعمل (الألفاظ) دون (الكلمات) لأن أوضح ما تهدف إليه هنا هو أن نتبين الصلة بين ما ننطق به من أصوات وما تدل عليه من دلالات، ونتعرف أثر هذا المنطوق به فيما يوحيه إلى الأذهان من صور قد تختلف قوة وضعفا، وتتباين في رفعتها أو خستها، وتتأرجح بين الوضوح والإبهام.
غير أنا في صلب الكتاب قد خصصنا (الكلمات) بالاستعمال؛ لأنها الألفاظ ذات الدلالات، وهدفنا الأكبر هنا هو تلك الدلالات، وليس من أغراض هذا البحث أن نحلل الألفاظ الى عناصرها الصوتية، ولا أن نتبين ما يتم معها من عمليات عضلية في جهاز النطقي أو جهاز السمع.
والكلمة وإن كانت ذات مفهوم واضح في أذهان كل الناس، نراها تظفر بجدل على حد كبير من المحدثين من اللغويين حين حاولوا تعريفها، وبيان حدودها.
فعلماء الأصوات لا يرون في كلام المتصل حدودا تميز بين كلمة وأخرى، فلا يستطيع السامع تحليل الجملة أو عبارة الى مجاميع صوتية كل مجموعة منها
ص29
تنطبق على ما يسمى بالكلمة، إلا حين يستعين بالدلالات التي تتضمنها الجملة، أو العبارة. فكلمات متداخلة متشابكة يرتبط بعضها ببعض في أثناء النطق ارتباطا وثيقا. وليس في الكلمة عنصر صوتي يحدد بدءها أو انهيارها حين تكون في الكلام المتصل. فإذا سمع أجنبي عن اللغة قارئا يقرأ قوله تعالى:- {كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم}، يصعب عليه أن يحدد نهايات الكلمات أو بدءها إلا إذا كان على علم الدلالات. من أجل هذا يقال لنا إن الأساس الصوتي لا يصلح وحده للتمييز بين حدود الكلمات في الكلام المتصل. وليست اللغات في الحقيقة إلا كلاما متصلا، ويندر الاستعمال العادي أن يكتفي المتكلم بكلمة واحدة للتعبير عما يدور بخلده.
على أن بعض اللغويين من المحدثين يحاول جاهدا أن يبين لنا حدود الكلمات على أساس صوتي بحت، بالاستعانة بالنبر وقواعده في اللغة المراد بحث كلمات. فمن اللغات ما تلتزم النبر في نهاية الكلمات، ومنها ما تلتزمه في بدئها. وهنا يمكن أن يقال إن حدود الكلمات قد تميزت بوسيلة صوتية. ولكن هذه المحاولات قد باءت في آخر الأمر بالفشل؛ لأن النبر وحده على حد تعبير فندرس(1) (لا يكتفي لتحديد الكلمة، لأنه لا يعين حدودها إلا بصورة ناقصة. نعم إن النبر في بعض اللغات يتوقف على آخر الكلمة، وفي البعض الآخر نرى أن مبدأ الكلمة هو المنبور، ولكن هذه الحالات لا تستغرق جميع الإمكانيات). وينتهي فندريس بقوله (كل ذلك يحملنا على تحديد الكلمة الصوتية مستقلة عن النبر).
أما ما يرويه فندرس عن (جوتيو) من محاولة تحديد البدء أو نهاية للكلمة، على أساس ما يعترى نهايات الكلمات من ضعف أو خور في النطق، فيبدو أن هذه الصفة إن صح وجودها في بعض اللغات لا تكاد تلتزم في الكثرة الغالبة من اللغات الانسانية. ومن المغالات حينئذ أن تدعى أن للكلمة الصوتية حدودا مستقلة في لغة من اللغات.
ويبدو أن تشابك الكلمات أو تداخلها في الكلمات في الكلام المتصل هو الذي يجعل الطفل في المراحل الأولى يلتقط الكلام ممن حوله في صورة كتل لا انفصام بين أجزائها. ويظل الطفل يستعمل تلك الكتل اللغوية زمنا ما، دون تحليل الى اجزائها أو عناصرها، ، كلما أراد التعبير عن رغبة له من رغبات الطفولة الاولى. فقد سمعها للمرة الأولى ككتلة متماسكة الأجزاء، فتعلمها هكذا تدقيق في تفاصيلها أو تمييز بين
ص30
عناصرها. ويظل على هذا الحال حتى تتكرر التجارب اللغوية على سمعه في مناسبات متعددة متباينة، قبل أن يقوم بعملية تحليل الكلام الى أجزائه، ليتبين استقلال الكلمات بعضها عن بعض.
وقد كان مما لاحظنا في أطفالنا أنهم تعودوا سماع ذلك السؤال التقليدي حين يقابلون شخصا ما للمرة الأولى فيسألهم : (اسمك أيه ياشاطر؟) وتعلم كل منهم أن يجيب عن اسمه قائلا: محمد أو علي أو زينب... إلخ ويتكرر السؤال نفسه، ويتكرر معه الجواب نفسه. ويحفظ الطفل في بادئ الأمر بصورة تقريبية لهذا السؤال التقليدي دون تمييز بين أجزائه وعناصره. فإذا نطق أمامه أحد الناس بما يشبه هذا السؤال في مجموعة كأن يقول مثلا (سمك ليه يا شافط ؟)، فقد يسارع الطفل الى الإجابة التقليدية وينطق باسمه.
كذلك أدى الى الربط الوثيق بين الكلمات في الكلام المتصل الى بعض الظواهر اللغوية التي منها الإدغام، وذلك كأن يفنى الحرف الذي تنتهي به الكلمة في الحرف الذي تبدأ به الكلمة التالية، وأمثلة هذا كثيرة حتى في القراءات القرآنية(2). ومن تلك الظواهر تأثر الأصوات المتجاورة بعضها ببعض في الجهر والهمس، وفي الشدة والرخاوة، ونحو هذا مما يعرض له علماء الصوتيات في بحوثهم(3).
بل قد أدى هذا الربط الوثيق بين الكلمات الى خلط بين نهاياتها وبدئها في بعض الأحيان، مما ترتب عليه آخر الأمر ظهور كلمات جديدة في اللغة، مثل الفعل العامي (جاب) فأغلب الظن أنه نشأ عن التعبير القديم (جاء بكذا) وأن الباء الجارة قد اعتبرت نهاية للفعل السابق عليها، وكذلك الكلمة (عقبال) التي يرجح أنها تكونت من الاستعمال القديم عقبى لكم أو لها أو لنا... إلخ! فتسربت اللام الى الكلمة السابقة عليها، وأصبحت تكون جزءا منها.
ومثال هذا يمكن أن يقال حين نبحث في الاستعمالات العامية (أكمنه، أعزنه، أجرنه) التي يرجح أنها نشأت عن العبارات القديمة (كما أنه، أعزو أنه، جرى أنه).. إلخ.
ويبدو أن القدماء من العلماء العربية لم يصادقوا صعوبة في تحديد معالم الكلمة، فقد قنع أكثرهم بوصفها، على أنها (اللفظ المفرد) أو (القول المفرد) ولم يخطر في
ص31
أذهانهم أن الإفراد في الكلام المتصل لا يمكن تصوره إلا بالسكتات أو الوقفات على مجموعات صوتية من هذا الكلام. ومسألة السكتات أو الوقفات مرجعها الى الناطق بالكلام، فهو إن شاء وقف بعد حرفين أو ثلاثة أو عشرة أو أكثر. ويتكون نطقه حينئذ من مجموعات صوتية، تختلف طولا وقصرا، منها ما ينطبق على الكلمة الواحدة، ومنها ما قد ينطبق على كلمتين أو أكثر. فلو أن اللغات تحتم الوقوف عند آخر كل كلمة في أثناء الكلام، لأمكن حينئذ الكلمات على أساس صوتي محض ولأمكن أن يكون للإفراد في الاصطلاح هؤلاء العلماء دلالة صوتية واضحة.
وقد بدا النقص في التعريف المتقدم لبعض النحاة، فحاول تلافيه باشراك المعنى مع اللفظ وقال: الكلمة لفظ مفرد دل على معنى مفرد.. وهكذا نراه يتخذ لتعريف الكلمة أو تحديدها أساسين هما اللفظ والمعنى. ومع أن هذا التعريف ينطبق على الكثرة الغالبة من كلمات اللغة العربية، نرى أنفسنا معه في حيرة حين نتساءل: هل تعد أداة التعريف كلمة؟ وهل تعد الباء الجارة كلمة؟
وليس المحدثون من العلماء بأوفر حظا من القدماء في تعريف الكلمة أو تحديدها، فقد سلكوا في هذا مسالك شتى، وذهبوا فيه مذاهب متعددة، جعلتهم في آخر الأمر ينتبهون الى صعوبة تحديد الكلمة؛ بحيث ينطبق هذا التحديد على كل اللغات، وقنعوا بمحاولة تحديدها في لغة ما، غير أنهم يجمعون على أن الأساس الصوتي وحده لا يصلح لتحديد معالم الكلمات، وأنه لابد من أن يشترك معه معنى الكلمة أو وظيفتها اللغوية ليمكن تحديدها.
وقد اتضح للعالم المشهور سابير sapir (4) أن تحليل الكلام الى عناصر أو وحدات ذات دلالة، يقسم هذا الكلام الى مجموعات صوتية منها ما ينطبق على الكلمة، ومنها ما ينطبق على الجزء من الكلمة، ومنها ما ينطبق على كلمتين أو أكثر.
خذ مثلا جملة: (قطعت الشجرة بالفأس ليلة أمس)، التي يمكن تحليلها الى عناصر ذات دلالات متباينة هي: (1) قطع (2) ت (3) ال (4) شجرة (5) ب (6) ال (7) فأس (8) ليلة أمس.
ودلالة العنصر الأول هي الحدث الفعلية، والعنصر الثاني هي المفرد المتكلم، الثالث هي التعريفية، والرابع النبات المعروف، والخامس الآلية، والسادس التعريفية، والسابع الأداة المعروفة، والثامن الزمنية. ولا شك أن العناصر الثاني والثالث
ص32
والخامس والسادس أجزاء للكلمة، في حين أن العنصر الثامن وحده يتكون من كلمتين.
ولعل (بلومفيلد)(5) bloomfield في تحديده للكلمة بقوله: (أصغر صيغة حرة) إنما أراد أن يتفادى اعتبار أمثال أداة التعريف أو الباء الجارة من الكلمات.
ومهما يكن من اختلافات وجهات النظر بين المحدثين في تحديد الكلمات أو تعريفها، فإنهم يشيرون في كتبهم الى اختبار دقيق يمكن أن نتبين منه معالم الكلمة أو حدودها، بأن يمكن إفرادها بالنطق، وحذفها من الكلام أو إقحامها فيه، أو الاستعاضة عنها بأخرى فضمير المتكلم في الجلمة السابقة لا يمكن إفرادها، ويمكن إقحامها في كلام آخر مثل (نبتت الشجرة في حديقتنا)، ويمكن الاستعاضة عنها بكلمة مثل (النخلة) كأن يقال (قطعت النخلة ليلة أمس).
وبرغم هذه الحيرة في تحديد الكلمة بين القدماء والمحدثين، فإن اللغة تتضمن من العناصر الواضحة الاستقلال في لفظها ومدلولها، وهي التي يعرفها الناس بالكلمات ككل الأسماء والأفعال. وتلك هي التي تكون الكثرة الغالبة من عناصر اي لغة من اللغات، وهي التي يبلغ من وضوحها لفظا ومعنى ان يتعرف عليها الطفل الصغير بعد زمن قليل من تعلمه لغة أبويه، ويشترك في تمييزها الجاهل والمتعلم.
وهذا النوع من الكلمات هو الذي يعنينا هنا لوضوحه في لفظه، ووضوحه في دلالته، وتميزه بين العناصر اللغوية في كل اللغات البشرية، لأن كلا من هذه الكلمات يتضمن دلالته، وتميزه بين العناصر اللغوية في كل اللغات البشرية، لأن كلا من هذه الكلمات يتضمن دلالة اجتماعية معروفة مألوفة بين جمهور المتكلمين من أبناء اللغة.
ص33
___________________
(1) language. P 87. ترجمة الدواخلي والقصاص.
(2) انظر أمثلة هذا في كتاب الأصوات اللغوية صفحة 123.
(3) الأصوات صفحة 112.
(4) language. P. 25.
(5) language. P. 178.
|
|
لصحة القلب والأمعاء.. 8 أطعمة لا غنى عنها
|
|
|
|
|
حل سحري لخلايا البيروفسكايت الشمسية.. يرفع كفاءتها إلى 26%
|
|
|
|
|
جامعة الكفيل تحتفي بذكرى ولادة الإمام محمد الجواد (عليه السلام)
|
|
|