إنْ شئتَ أنْ تحــيى وعــــيشُك نــاعمُ *** فاقصدْ ضريحاً حلّ فيه القاسـمُ
فـيــه تُـــحلّ المُــــشكِــلات فـــقــبــــرهُ *** كالبـــيــت، فـي زوّارِهِ مُـــتزاحــمُ
تُقــضى به الحـــاجاتُ وهي عويــــصةٌ *** ويُـردُّ عـنك السـوءُ وهو مُــهاجِمُ

تمرّ على الأمّة الإسلاميّة في هذا اليوم الثاني والعشرين من جمادى الأولى ذكرى أليمة على قلوب المؤمنين والموالين، ألا وهي ذكرى وفاة صاحب الكرامات القاسم بن الإمام موسى الكاظم(عليهما السلام)، كان (سلام الله عليه) جليل القدر وفرعاً زكيّاً من فروع النبوّة ونفحةً قدسيّة من نفحات الإمامة ووحيد عصره في صلاحه وتقواه ومحنته وبلائه بعد أخيه الإمام الرضا(عليه السلام).
هاجر (عليه السلام) حالُهُ حال بقيّة أهل بيت العصمة والطهارة من مدينة جدّه المصطفى قاصداً العراق مع القوافل التجاريّة التي فارقها عند مشارف الكوفة بعد أن اشتدّ العُتاة ببطشهم وشدّة وطأتهم على رجال البيت العلويّ، ولأنّهم ضاقوا ذرعاً بوجود الإمام الرضا(عليه السلام) لما يمثّله من امتدادٍ لخطّ النبوّة ومعدن الحكمة ومنهل العلم وأبوّةٍ ورحمةٍ للمؤمنين، فقد تعقّبوا العلويّين للتخلّص منهم بأيّة طريقة كانت، ممّا دفع الأئمّة(عليهم السلام) لاتّباع سياسة التغطية والتمويه باستخدام أبنائهم غير المعصومين من الذين يرادفونهم علماً وتقوىً لإخفاء الإمام المعصوم منهم حفاظاً على الوجود الكونيّ برمّته، وهكذا انتشر أولادُ الإمام الكاظم(عليهم السلام) وفي مقدّمتهم سيّدنا القاسم(عليه السلام) المعروف بغزارة علمه ورجاحة عقله وحلمه وشدّة ورعه.
كان (سلام الله عليه) جليل القدر، ويكفي في جلالة شأنه ما رواه ثقةُ الإسلام الشيخ الكليني(قده) في الكافي في باب النصّ عن الإمام علي بن موسى الرضا(عليه السلام)، عن يزيد بن سليط عن الإمام الكاظم(عليه السلام) في طريق مكّة أنّ الإمام(عليه السلام) قال له: (...أخبرك يا أبا عمارة أنّي خرجت من منزلي فأوصيت إلى ابني فلان وأشركت معه بني في الظاهر وأوصيته في الباطن فأفردته وحده، ولو كان الأمر إليّ لجعلته في القاسم ابني لحبّي إيّاه ورأفتي عليه، ولكن ذلك إلى الله عزّ وجلّ يجعله حيث يشاء...).
وروى الشيخ الكليني(قده) أيضاً عن سليمان الجعفري أنّه قال: رأيت أبا الحسن(عليه السلام) عندما احتضر أحد أولاده يقول لابنه القاسم: (قم يا بني فاقرأ عند رأس أخيك (وَالصَّافَّاتِ صَفَّاً) حتى تستتمّها) فقرأ فلمّا بلغ: (...أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقَاً أَمْ مَنْ خَلَقْنَا...) قضى الفتى.
تُوفّي القاسم(عليه السلام) بعد مرضٍ شديدٍ ألمّ به عام (192هـ) في أرض سورى عند حيّ باخمرا، حيث مرقدُه الطاهر ومشهدُه المقدس الآن بقبّته الذهبيّة ومنائره الشاخصة وأنواره القدسيّة وكراماته الباهرة، حتى لهجت بتبجيله الألسن وصدحت بمدحه الحناجر وأجلسه الناس على منبر الفخر في سويداء القلوب.